تسببت عاصفة ثلجية شديدة مؤخرا في وقف الحركة في نيويورك والعاصمة الأمريكية واشنطن، وهو أمر يبدو غريبا عندما تتذكر أن العالم يزداد حرارة في الفترة الأخيرة.
لقد أصبحت العواصف الثلجية الشديدة بمثابة تقليد سنوي. وبالكاد يمر عام دون أن يجد شخص ما في مكان ما نفسه في مواجهة عاصفة ثلجية شديدة. وآخر الناس الذين لم يحالفهم الحظ بطبيعة الحال هم سكان نيويورك.
وبالنظر إلى أن العالم يزداد دفئا بشكل مضطرد نتيجة تغير مناخي من صنع الإنسان، فإن العديدين من الناس يصابون بالذهول إزاء هذه الظاهرة ويعتبرونها غريبة جدا. فهل فعلا لا يفترض لنا رؤية العديد من العواصف الثلجية الشديدة إذا كان العالم يزداد حرارة؟
أحد ردود الفعل التي ظهرت بعد تلك العاصفة الثلجية القوية هو الادعاء بأن التغير المناخي أسطورة. ولكن حتى لو قبلت الإجماع العلمي الساحق على أن التغير المناخي حقيقي، فإن تساقط الثلوج لا يزال يبدو محيرا. ربما لم ترتفع حرارة العالم حتى الآن بما فيه الكفاية لإذابة كل الثلوج؟
الإجابة الحقيقية مفاجئة نوعا ما. فتساقط الثلوج بغزارة هو في الواقع نتيجة متوقعة لعالم أكثر دفئا.
قد يبدو هذا متناقضا، ولكن يعود السبب في ذلك إلى أننا غالبا ما نفترض أن المتطلب الوحيد لسقوط الثلوج هو الطقس البارد.
وفي الواقع، فإن الثلوج الكثيفة تتطلب شيئا آخر: الكثير من الرطوبة في الغلاف الجوي. وتلك الرطوبة إجمالا تتكون في جيوب الهواء الدافئ، لأن الجو يمكنه أن يحمل بخار الماء بزيادة سبعة في المئة كلما ارتفعت الحرارة بدرجة مئوية واحدة.
وتكثر تلك الجيوب من الهواء الدافئ مع التغير المناخي، مما يساعد على تفسير ما حصل على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأسبوع الماضي.
ونتيجة جزئية للتغير المناخي، فإن المحيط الأطلسي الآن أكثر دفئا مما كان عليه حتى قبل بضعة عقود. ونتيجة لهذا الارتفاع في درجة حرارة المحيطات، فإن الهواء فوق المحيط الأطلسي دافئ ورطب أيضا على غير عادته.
وعندما التقى ذلك الهواء الدافئ بالهواء البارد والجاف من القطب الشمالي، تشكلت عاصفة شتوية، لذا كانت الظروف مناسبة جدا لعاصفة الثلوج الوحشية.
ويتوقع أن يضرب الساحل الشرقي للولايات المتحدة طقس شتوي قارس مماثل لسنوات عديدة قادمة، لأن المكونان اللازمان لإحداث عواصف ثلجية شديدة سيستمران في الحدوث. وسيستمر المحيط الأطلسي في تزويد المنطقة بالهواء الدافئ الرطب في فصل الشتاء، وبنفس القدر من الأهمية، فإن القطب الشمالي سيستمر في إرسال هوائه البارد والجاف إلى الجنوب.
ويقول كيفن ترنبيرث من المركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر بولاية كولورادو: "من الممكن للقطب الشمالي أن يصبح خاليا من الجليد لفترات قصيرة في حوالي 30 عاما في منتصف الصيف، ولكن في الشتاء فإنه سيستمر في التجمد في الغالب. لذا فإن الهواء القاري البارد سيستمر في التشكل في الواقع".
ولكن التغير المناخي ظاهرة معقدة. وحتى إذا كان وجود عالم أكثر دفئا يساعد على خلق الظروف المناسبة لتساقط ثلوج كثيفة في بعض المناطق، فهذا لا يعني بالضرورة أن المزيد من الثلوج سوف يتساقط بشكل عام.
ويقول بول أوغرمان في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "تتجاوب حالات تساقط الثلوج بكثافة مع تغير المناخ بشكل مختلف تماما عن مجموع تساقط الثلوج الموسمية".
في دراسة أجريت عام 2014، استخدم أوغرمان نماذج حاسوبية لاستكشاف إمكانية تغير تساقط الثلوج المعتدلة والكثيفة في نصف الكرة الشمالي بحلول نهاية القرن، على افتراض أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (ظاهرة غازات البيت الزجاجي) ستبقى عالية.
بالنسبة للمناطق التي يقل ارتفاعها عن ألف متر فوق مستوى سطح البحر والتي تواجه حاليا درجات حرارة تحت الصفر، توصل أوغرمان إلى أن فرصة سقوط ثلوج بالغة الكثافة ستنخفض بمعدل ثمانية في المئة فقط. ولكن الكمية الإجمالية للثلوج التي تسقط في هذه المناطق كل شتاء قد تنخفض بنسبة 65 في المئة في المتوسط.
يقول أوغرمان:" هناك مناطق يتوقع فيها أن ينخفض المستوى الإجمالي لتساقط الثلوج الموسمية، بينما لا تتغير كثافة تساقط الثلوج المبالغ فيها كثيرا أو حتى تزيد بالمقارنة.
وحسب ترنبيرث فقد يقصر موسم الثلوج نفسه أيضا في المستقبل. ومن المرجح أن تكون بداية الشتاء ونهايته أكثر دفئا في جميع أنحاء القطب الشمالي، لذا ففي هذه الأوقات أي هطول سيكون على شكل أمطار بدلا من الثلوج.
وبعبارة أخرى، فقد يصبح الطقس الثلجي بالفعل أقل شيوعا في المستقبل، وقد يصبح موسم تساقط الثلوج أقصر، إلا أن عواصف الثلوج الشديدة الكثافة قد تبقى شائعة على النحو التي هي عليه هذه الأيام.
وهذه أنباء سيئة بالنسبة للتجارة المبنية على الثلوج. وكما يقول ترنبيرث: "العديد من منتجعات الثلوج على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ستتوقف عن العمل نظرا للطبيعة المتفرقة للعواصف الثلجية، إلا إذا كان بإمكانها أن تصبح انتهازية."
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Earth.