لو افترضنا أنه يمكن تمثيل الحياة بدائرة، وأخذ كل منا يرسم الدائرة الخاصة بحياته، إلى أي مدى تتوقعون أن تتقاطع دوائر حيواتكم الخاصة! سيكون الأمر مدهشاً حقاً لأننا سنكتشف أننا نرسم سلسلة مترابطة الحلقات بشكل يبدو لا نهائي.. سندرك أن حجم تأثير “الصدفة” أو “القدر” أكبر بكثير مما نعتقد حين تتكشف لنا تقاطعات لم نفكر فيها من قبل ونحن مغرقون داخل عالمنا الصغير..
قدّم بول توماس آندرسون لنا هذه التجربة من خلال دراما إنسانية في فيلم Magnolia حيث تدور الأحداث علي مستويين مترابطين يتنقّل بينهما بشكل رائع، مستوى أكثر تدقيقاً في التفاصيل يتناول حياة وصراعات كل شخصية على حدا ومستوى آخر يأخذ صورة أكبر وأشمل يكشف مدى ترابط وتداخل تجربة هذه الشخصيات… أشكال الترابط متعددة ولكنها تشترك في الجانب الإنساني لنجدها لا تنفصل عن صراعات حياتنا جميعاً من أجل الحب والسعادة والتسامح والاستقرار.
قد يحتوي المقال على بعض التفاصيل من أحداث فيلم Magnolia
تُشكّل الشخصيات الركيزة الأساسية في رسم دراما الفيلم وبشكل يتسق مع الفكرة يمكننا أن نختار أي شخصية لنجد أنها تنقلنا إلى أخرى دون انفصال، لنبدأ بـ “فرانك”..
“فرانك” شخصية تبدو قوية، حادة وصاحبة ثقة كبيرة جداً في النفس، يستمر فرانك في تقديم هذه الصورة في العرض الذي يتحدث فيه إلى جمهوره من القراء الذين وجدوا في أفكاره ملجأ لهم، تقوم إحدى الصحفيات بإجراء مقابلة معه يظهر فيها بنفس الصورة إلى أن تتطرق الأسئلة إلى جانب يحاول دائما أن يخفيه من حياته الشخصية.. أسرته، علاقته بأمه التي توفت وهو مازال في سن صغير بعد رحلة صراع مع “السرطان” وأبيه الذي يدعي هو أنه توفي. في هذه الأثناء يصل إليه اتصال له علاقة بأبيه من ممرض يدعي “فيل فارما”..
“فيل” ممرض يعتني بوالد فرانك في مرضه يتأثر كثيراً بالقصة التي يرويها له عن حياته وشعوره بالندم لتخليه عن زوجته أثناء مرضها وتركه لفرانك يعتني بها وحده وهو مازال طفلاً صغيراً لم يتعدَّ الرابعة عشر، يلبي فيل رغبته في محاولة الوصول لفرانك من أجل لقاء أخير محاولا بأقصى ما يمكن وكأن القصة مسّت شيئا بداخله لم ترد تفاصيله في الفيلم.. على الرغم من ذلك تأتي زوجة والد فرانك الحالية “ليندا” وتهاجمه على محاولته..
“ليندا” شخصية معقدة التفاصيل بدأت زواجها مدعية الحب من أجل الوصول للمال وعندما أصبح زوجها على فراش الموت اكتشفت أنها تحبه حتى وصلت إلى رغبتها في إسقاط وصيته بإعطاء ماله لها فاعترفت للمحامي الخاص بهم بخيانتها المتكررة له لكنه أكد أن ذلك لا يسقط الوصية، وصل شعورها بالذنب إلى محاولة الانتحار لأنه لن يتسنَّ لها فرصة الحصول علي العفو من زوجها “ايرل بارتريدج”..
“ايرل” ربما تكتشف متأخراً جداً أنه لو اتيحت لك فرصة العودة ستراجع نفسك في كل ما فعلت، ولكن يأتي هذا الشعور دوماً بعد فوات الأوان فيبدي رغبة أخيرة في لقاء ابنه فرانك الذي ظل بعيدا عنه طويلا كمحاولة بائسة لطلب المغفرة والاعتذار، يدرك النهاية حيث تمكّن السرطان منه تمام في الوقت الذي يحاول “جيمي جاتور” الوقوف في برنامجه الشهير “ماذا يعرف الأطفال” الذي تنتجه شركة إيرل متحدياً نفس المرض..
“جيمي” مُقدّم برامج شهير اعتاد الناس على اطلالته المرحة يصارع المرض ويصرّ على الاستمرار في تقديم البرنامج والاحتفاظ بالرغبة في النجاح، على جانب أخر يحاول الوصول لابنته والاعتذار لها عن الأذى الذي كان سبب في تدمير حياتها ولكن “كلوديا” ترفض مسامحته على ما فعل..
“كلوديا” تحيا حياة بائسة تحاول الهروب من واقعها بالإدمان، يبدو عليها أثر الأذى الذي تعرضت له من والدها فتدخل في علاقات لا تحقق لها استقرار أو أمان حقيقي حتى تلتقي بالشرطي “جيم كيرنج” الذي أتى علي أثر بلاغ إزعاج مقدم ضدها من الجيران..
“جيم” شرطي يعاني من الوحدة يحول أن يشغل الفراغ الموجود في حياته بالنجاح في عمله كشرطي جيد حتى ينجذب لكلوديا ويخرج معها في موعد يقرر كل منهما أن يكون على طبيعته ويعترفا للآخر بما يفترض أن يحاول كل منهما إخفاؤه في أول موعد، يعترف جيم بوحدته وبضياع مسدسه والذي يُعدّ فشل في عمله كشرطي وبدوره فشل في أهم شيء في حياته، يطرح جيم سؤالاً هاماً مرتبط بصراعات الشخصيات السابقة “متى يجب علينا أن نسامح”، لعل الإجابة على هذا السؤال ستكون سببا في إنقاذ “دوني سميث”..
“دوني” يبحث عن الحب والاهتمام فلم يعد طفل المسابقات كما اشتهر في طفولته، ولم يعد لديه المال الذي أخذه والده بعد فوزه به، يحاول أن يفعل أي شيء ليجذب براد له ويجعله يشعر بحبه فيقرر تركيب دعامات لأسنانه مثل براد حتى لو كان لا يحتاجها ومن أجل ذلك يلجأ لسرقة المال من مكان عمله ولكنه يتراجع عن ذلك بمساعدة جيم الذي اختار أن يسامحه ويساعده بدل من القبض عليه كواجب يفرضه عليه كونه شرطي..
“ستانلي” النسخة الحالية لطفل المسابقات الذكي لكنه اختار طريقا آخر غير دوني، اختار أن يرفض كونه دمية يتلاعب بها الكبار من أجل المال، أن يرفض معاملة والده له ويواجهه بقوة في النهاية بأنه يجب أن يعامله بشكل أفضل..
188 دقيقة هي مدة فيلم Magnolia كافية أن تخبرك أنه مازال هناك تفاصيل أكثر عن ترابط حياة البشر ووحدة صراعاتهم، عن القدر والصدفة.. التجربة لا تخلو من الرمزية في مشاهد متعددة أبرزها مشهد سقوط الضفادع من السماء والذي يمكن تأويله إلى سفر الخروج من العهد القديم بوقوع البلاء في شكل هطول الضفادع لتغرق كل شيء والذي يعالجه الفيلم بالتسامح والمحبة فيرفع البلاء الذي تتعرض له شخصيات الفيلم.. قضية أخرى في غاية الأهمية يناقشها الفيلم بأن خلف الوجه الذي نراه لكل إنسان مهما بدا ضاحكاً أو هادئاً سلسلة من الصراعات والمشاكل التي قد لا نعلم عنها شيء. لذا يجب علينا أخذ ذلك في الاعتبار حين نتعامل فيما بيننا.
المصدر
www.arageek.com