الحدث بين إعادة صياغة المعتاد و إقناع الغرائبي العجيب !
من منّا لم يقرأ روايات غربية ؟ ! من منّا لم يقرأ روايات شرقية ؟! عربية أعني .... في حدود اطلاعي وجدت الكثير من النقاد يوجه إصبع الاتهام إلى الروايات العربية بأن أحداثها معتادة و عنصر الحدث فيها لا يتمكن من الصورة الإبداعية .. في الحين الذي نرى أن الأحداث في الروايات الغربية تكسر المعتاد و تجنح إلى الغرائبية و كسر أفق التوقع .. و عنصر الحدث فيها إبداعي يتنامى بشكل تصاعدي يثير الدهشة ... هذا ما يقوله الكثير من النقاد !!
يبدو لي كمختص أن هؤلاء النقاد لا يفرقون بين الحدث المعتاد و الحدث الغرائبي أو العجيب أو المدهش الصادم .. لأنهم لو اطلعوا على الكثير من الروايات الغربية لوجدوا منها ما يكفي للقول بأن وجود الحدث المعتاد في الروايات الغربية أمر مفروغ من وجوده بقوة .. منها الروايات الاجتماعية أو التي تتصدى لمسألة العلاقات الإنسانية و التي منها الحب بين الجنسين ... عموماً يمكنني القول و أنا على ثقة بأن الحالة العربية أفرزت روائيين يفضلون و يجنحون ذوقياً للحدث المعتاد .. هذا الجنوح الذي ورّث الجيل اللاحق بعد السابق ذوقاً جمعياً عاماً و هو سبب التهمة أعلاه .
الحدث المعتاد لو أوردناه بصيغته الواقعية سيفشل حتماً لأن عالم النص إذا شابه عالم الواقع إلى هذه الدرجة سيكون مملاً .. ما يجري هو أن عملية إعادة صياغة للحدث المعتاد الذي نراه بكثرة في واقعنا تتم في النص .. كيف ؟ لنأخذ مثالاً :
حدث واقعي يتمثل في : امرأة تحب رجلاً .. يدخل حياتها رجل آخر .. يشدّها أكثر .... يحدث داخلها صراع .
هذا حدث واقعي حصل في الواقع كثيراً ، خصوصاً في هذا الزمن الذي بدت فيه الأبواب أكثر انفتاحاً أمام المرأة و الرجل معاً ، لو أورده الروائي كما هو فلن يفلح في الاستئثار بقلب المتلقي و حواسه ، ما يقوم به الروائي حين يريد كتابة هكذا حدث أو لنقل فكرة حدث تتشعب منه أحداث كثيرة هو إعادة صياغة الحدث .. و إعادة الصياغة هذه تأخذ أشكالاً عدّة منها :
1- التفكير في إمكان إيراد تفاصيل بسيطة قد تأخذ بعداً رمزياً .. مثلاً : أن هذه المرأة تحلم قبل أن يدخل الرجل الآخر حياتها بأن في يدها اليسرى خاتم و يدها اليمنى خاتم آخر و بعد نظر طويل وجدت الخاتم الأيمن أجمل فأبدلته مكان الأيسر .. و تروي حلمها هذا لحبيبها !
2- أن تدخل حياة الحبيب امرأة أخرى تربكه .. و يرفضها بعد جلسة مصارحة مع نفسه لأنه يحب حبيبته .. التي لاحقاً ستفضل الآخر عليه !!
و هكذا من هذه التفاصيل التي تعطي للحدث صبغات كثيرة و تجعله غني مكتنز بالدلالات و المعاني مما يجعله يخرج من روتين الحدث الواقعي .. و بالمناسبة هو هذا اللي يصير بالقصص الواقعي اللي تمثل أفلام بالسينما .. يضيفون لها رتوش روائية و ترتيبات ^_^ .
أما الحدث الغرائبي أو العجيب فهو الحدث الذي يكون خارقاً للمألوف و بعيداً عن الواقع ... و الحق أنه يحتاج لخيال خصب جدااااااااا و قدرة هائلة في ما أسميه ( التمهيد للحدث ) ، تلك القدرة على التخيل التي لا يتمتع بها الكثير من الروائيين ، و لعل أبرعهم ـ فنياً ـ الذين يكتبون القصص البوليسية أو المخابراتية ... طيب ما دام الأمر متعلق بالخيال فإن الكثير منكم سيقول : هي موهبة إذن و لا يمكننا فعل شيء بإزائها .. و من تجربة أقول : الكثير منا لم يجرب مواهبه بعد ، يموت أغلب البشر و هم لم يجربوا مواهبهم بل لم يتعرفوا عليها أيضاً !! ... سنجرب و نرى و نكتشف مواهبنا .. سنحث النشاط التخيلي لدينا .. سنفعل كما لو كنا بإزاء مسألة رياضية نتصور لأول وهلة أن من المستحيل حلها .. ثم يحدث أن نحلها في وقت لاحق !! ... سوى هذا الجانب هناك ما يمكن تسميته ( التمهيد للحدث ) و ما دام الحدث غرائبياً أو عجيباً أو خارقاً للمعتاد فلا بد من أمور أساية منها :
1- المتلقي أمام هكذا حدث بين أمرين : الأول أن يقتنع و نتيجة ذلك أن الكاتب سيفلح في شدّه إلى أقصى درجة و غمره في الرواية أو القصة ، الثاني أن لا يقتنع و نتيجة ذلك أنه سيقطع قراءته للرواية أو القصة لأنه سيعدها ضرباً من خيال غير مبرر و لا مقنع ، و كل ذلك نتيجة طبيعية لانتماء المتلقي للعالم المعقول و المنطقي .. فكل خروج غير منظم من عالم الواقع و المنطقي سيلاقى برفض المتلقي .
2- بناءً على ما جاء في النقطة 1 فإنه لا بد من تحقيق خروج منظم من : المنطقي إلى اللامنطقي ، الواقعي إلى اللاواقعي ، و هذا يعني جملة من أمور منها : الخروج من الواقعي و المنطقي إلى اللاواقعي و اللامنطقي لا العكس .. أي أن الاتجاه يكون من المنطقي و الواقعي إلى اللامنطقي و اللاواقعي لا العكس في تحريك الحدث الغرائبي و العجائبي ( يمكن عكس الحالة لكن لنؤجل الحديث عنها لاحقاً بما يتكفل التطبيق إيضاحه منعاً للالتباس ) ، كما يعني ما قدمناه أن يكون الخروج المنظم معتمداً على التدريج .. بمعنى أن لا يكون مفاجئاً .. و لا يعني التدريج الإطالة بقدر ما يعني توفير التمهيد المناسب ـ و هو ما يقدّره الكاتب بموهبته و قدرته و تمكنه في الكتابة ـ و قد نطيل ولا نمهد جيداً كما يمكن أن نختصر في التمهيد و ننجح في التمهيد .
هذا قدر كافٍ لما أردتُ إيضاحه ، أتلقى أسئلتكم .. و مناقشاتكم .. كل الحب
واجب على الهامش :
1- اكتب لنا فكرة حدث معتاد و أعد صياغته بشكل أدبي ، مثال ( رجل عاد إلى وطنه بعد غربة دامت 20 عاماً ، هكذا تكتب الفكرة ، ثم تقوم بصياغتها أدبياً كما سبق و قدمتُ أعلاه في الشرح )
2- اكتب لنا حدثاً غرائبياً بشكل أدبي ، يعني دون أن تكتب فكرته مسبقاً .. اكتب لنا الحدث الغرائبي بشكل نص قصير نسبياً .