يكفكف عينيه ... دموعه التي ما برحت تخالط تصفح اللافتات من عشرين خاصرة مضين ... تؤرخه ... تضع على تفاصيل وجهه الاربعيني كل ذاكرة الرصاص .. واحتشاد النسوة بالنواح ... العَلم المرسوم على جبهته ما كان غير ظلِّ املٍ بالرجوع .. بالبقاء حيث هي رافضة تصديق الوصية .. تفتضها كل صباح .. تقرأها .. تتحسس حروفها انها بخطه .. تعرف خطه من آخر وداع له ... وآخر طيف يقصّه المارون على صوت بكائها المعتاد ... ما تزال عيناه في طور تنسيق الرواية ... رسم المشهد ... وضع آخر رتوشه بحسب ما يعتقد .. طلبها المكرر كل حين ... يجعله مأهولاً بتذكر ما حدث .. اصوات القذائف تسرق منه متعة الوجود بقربها .. الاحساس بطعم شبابها الرّث ... بالانزواء خلف وجهها .. خيفة افتضاح دموعه المأسورة ...
لم يعمد هذا الصباح لتذكر شيء ما من تلك النواحي ... هو ذات النواح المعتاد .. وذاته ايضاً حين يغلق جرحه بفاتحته المغلفة بالانين ... لم يعد الامر مهماً بالنسة له ... الا من البقاء صلداً لتمرّ به السِتار ... الوقوف على الباب .. تصفح اوجه احتشاد النسوة المتشحة بالغياب .. بالنعي .. باصطفاق الاكف على الوجوه ... بالامل المغادر خشية الرجوع من جديد ... بالنعش بلا واسطة تنبؤنا بالنوم الثقيل .. بان الزقاق كان لا بد له من ضياع .. من صرخة تؤجل كل هذا الصداع المحايد ... بفتح الفم كآخر طقوس للانحناء ... للنذور ... لقارعة الرصيف المكلل بالمراسم .. باستماع بيانات النصر المزور ... بالهلاهل عند كل نزول ... بآهة الطرقات حيث ذبولها على حافة النافذة .. النافذة حيث لا تفتح بعد .. وكفكفة الدموع حيث لا مرور الا بذاكرتين ... التوكي حيث لم يبق منها الا اثرٌ حافٍ .