كتاب “هاري بوتر” من أفضل ما قرأت من حيث حبكة القصة وطريقة السرد وجودة الخيال الروائي والشخصيات.. ومن حيث كل شيء ! اتضح من خلاله أن الأفلام لم تكن إلا لوحة باهتة عن عالم يتفجر فيه الخيال. من كثر ما أحببت الكتاب، أمضيت أياما أنقب عن الكاتبة، وكم كانت مفاجأتي عظمى حين عرفت أن قصتها أفضل بكثير من قصة الكتاب !
ما اطلعت عليه عن حياة الكاتبة جوان رولينغ (ج.ك.رولينغ) مكنني من تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء:
أولًا: البداية
نشأت رولينغ في قرية ونبرتون الإنجليزية، تقول الكاتبة أن حبها للسرد يعود إلى هذه الفترة حيث كانت تمضي أوقات الفراغ تقص حكاياتها الخيالية على أختها ديان وأصدقائها في الصف.
ثانيًا: الجانب المظلم
يبدأ من فترة المراهقة ويستمر إلى حين اكتشاف العالم لقصة هاري بوتر.
أول الصعوبات التي واجهت الكاتبة هو مرض والدتها أثناء المراهقة، وسوء علاقتها بوالدها مذ ذاك. بعد الثانوية العامة، أرادت رولينغ دراسة اللغة الإنجليزية في الجامعة لكن والديها منعاها؛ كانا يريدان لها أن تختار شعبة تضمن لها العيش الكريم خارج دائرة الفقر التي أنهكتهما، ولكنها حاربت من أجل المواد الأدبية. في النهاية، اتفق الجميع على دراسة اللغات الحديثة؛ إلا أنها لم تصمد أمام شغفها وغيرت توجهها نحو الأدب الكلاسيكي دون علمهم.
بعد ذلك، عملت في منظمة العفو الدولية كسكرتيرة؛ تحدثت رولينغ عن هذه الفترة في الخطاب الذي ألقته في حفل تكريم المتفوقين في جامعة هارفارد وقالت إنها اطلعت، من خلال الكم الهائل من الرسائل والشهادات التي كانت تصلهم، على أشخاص كثر كانت حياتهم قاسية ويعيشون في عذاب مهين وظروف قاتلة لمجرد أنهم وقفوا ضد حكومات بلدانهم الديكتاتورية وأضافت أن هذه التجربة لعبت دورا في مجريات أحداث قصة هاري بوتر.
بعد مدة قصيرة توفيت والدتها، وكان هذا أشد وقعا على الشابة من صعقة كهربائية حادة… بعد ذلك انتقلت للعيش في البرتغال أين عملت كمدرسة للغة الإنجليزية وهناك التقت بخورخي أرنتيس الذي صار بعد أشهر زوجها ووالد ابنتها الأولى جيسيكا. ولكن الزواج لم يستمر، وانتهى المطاف برولينغ أمًا عزباء وبلا عمل فعادت إلى إنجلترا، تقول: “كنت كأفقر ما يمكن أن يكون بريطاني غير متشرد.” بلغت ذروة الفشل في كل حياتها، ودخلت في حالة اكتئاب حاد.
ثالثًا: الجانب المشرق
يقال أن النور ينبثق من رحم الظلام.. ولدت قصة هاري بوتر في مقصورة قطار أثناء سفر رولينغ إلى مانشستر، وكانت أول أنفاسها في غرفة فندق لأن الشابة لم تكن تملك قلما جافا أثناء الرحلة. تأت كان هذا قبل وفاة والدتها، ولكن رولينغ لم تغرق في القصة إلا بعد انغلاق أبواب الحياة في وجهها ويأسها من كل شيء. كان ذلك دافعا لتقوم بالشيء الوحيد الذي تحبه وتجيد فعله: كتابة القصص. كانت تمضي ساعات طويلة كل يوم في مقهى “دار الفيل” (The Elephant House) لتكتب، وبجانبها ابنتها الرضيعة.
الجدير بالذكر هو أن اثني عشرة دارا للنشر رفضت طبع الكتاب، ولم تقبله دار النشر رقم ثلاثة عشر (Bloomsbury) إلا لأن القصة أعجبت ابنة المسؤول. منذ طبعاته الأولى، لا تمضي سنة ولا يصدر جزء جديد إلا وقد تضاعفت أعداد المعجبين ! حمى هاري بوتر لم تترك صغيرا ولا كبيرا إلا وأخضعته، ويا له من خضوع لذيذ!
ما يجب ذكره كذلك هو أن المرأة التي كانت مفلسة ماديا واجتماعيا ولا تعيش إلا على مساعدات حكومية صارت من أثرى النساء في العالم وأثرى كاتبة على الإطلاق، وتلك التي لم يكن يعلم بوجودها إلا المقهى الذي كانت تكتب فيه، صارت من أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم. انقلبت حياتها رأسا على عقب، فبعد أن كانت تتخبط في حفر الفشل، صارت نجوم النجاح لا تسعها.
الصبر، الإرادة، الشغف، المثابرة، التحدي والأمل هي ما يصنع الفرق وما يحرك عجلة حياة كل واحد منا نحو ما يستحق.
المصدر
www.arageek.com