نشر طبيب ألماني قضى قرابة 4 أسابيع في مركز استقبال الواصلين الجدد من اللاجئين إلى ألمانيا شهادته عما شاهد هناك وموقفه من أزمة اللاجئين التي أصبح الحديث عنها وتداعياتها يومياً في ألمانيا.
ونالت الشهادة التي كتبها رافائله لندمان، بالاتفاق مع المركز الذي كان يعمل فيه، على صفحته بموقع فيسبوك انتشاراً واسعاً، حيث وصل عدد المشاركين للمنشور الذي كتبه يوم الخميس الماضي (28 يناير/كانون الثاني)، اليوم الثلاثاء، إلى أكثر 292 ألف شخص.
أقدام مشت 500 كم ورضيع لم يتجاوز 4 أسابيع!
وأشار لندمان إلى أن عمله في تقديم الرعاية الطبية كان يسبق كل الإجراءات الأولية كالتسجيل وأخذ بصمات اليد والاستحمام واستلام المعونات والتوزيع على باقي مناطق ألمانيا، موضحاً أنه بذلك حصل على انطباع واضح عن الوضع الحقيقي للقادمين الجدد.
وقال متحدثاً عن مشاهدته لأوضاع اللاجئين، بالتأكيد ليس من الممكن استخدام العلاج بالتبريد لعلاج قدم مشت 500 كيلومتر في أحذية مقطعة وجوارب رطبة خلال الشتاء، ورؤيتها من منظار وردي ساذج، أو علاج رضيع يبلغ من العمر 4 أسابيع يلبس ثياباً رطبة، مصاب بالتهاب الرئة، قادم مع شقيقه ذي العام الواحد وشقيقته ذات الأربعة أعوام، رفقة والدتهم عبر البحر المتوسط ثم اليونان حتى ألمانيا، بعد أن توفي والدهم في سوريا، ثم سماع اتهامات السذج، مؤكداً أن ما رأه كان حقيقياً.
وأشار لندمان إلى أنه كان يرى ما بين 300 و500 لاجئ في كل مناوبة، وأنه قد يفاجأ البعض بالقول إن 90% من اللاجئين هم من الشبان الأصحاء وذلك ليس صحيحاً، لافتاً إلى 40% على الأقل من الذين شاهدهم كانوا من الأطفال، وهناك عائلات، وأناس متقدمين في السن، وأيضاً شبان.
وسرد الطبيب الألماني في شهادته كيف أنهم عالجوا مؤخراً سيدة كان قدماها محروقتين بالكامل، ولم يكن لديهم أدنى فكرة كيف استطاعت أن تصل إليهم، إذ استغرق منهم نصف ساعة إزالة الضمادات المتسخة النتنة الملتصقة بشدة بجراحها المتقيحة، وكيف أن السيدة عبّرت عن شكرها لهم بعد أن أصبحت أخيراً في أمان ووجدت من يهتم بها.
حامل لا تشعر بحركة الجنين!
وأضاف أن من الحالات التي شاهدها بين اللاجئين الجدد، امرأة حاملاً لم تعد تشعر بحركة جنينها، وتخشى أن تكون قد فقدت آخر طفل لديها جراء رحلتها عبر البحر المتوسط، بعد أن غرق طفلاها فيه.
وتساءل فيما إذا كان حل أزمة اللجوء بإغلاق الحدود، قائلاً إنه يسمع أصوات بكاء الأطفاء في المخيم، وإنه يعرف أنهم سيبكون على حدودهم، فهل سينقذون حضارتهم بفعل ذلك؟ وإن كان الأمر يتعلق فقط بعدم مشاهدة معاناة اللاجئين، لافتاً إلى التناقض بين مواقف من يستنكرون رؤية كلب معذب على فيسبوك ويريدون في الوقت نفسه ترك الناس يموتون على الحدود.
وأكد ضرورة إيجاد حل في موطن اللاجئين، وأن ألمانيا ليس باستطاعتها استقبال كل العالم، لكن هل من الممكن حل الأزمة بالاعتراض الشديد على اللاجئين ونعت المستشارة بالخائنة، متسائلاً: من المحرضين على اللاجئين فقير على النحو الذي يخاف فيه أن تقل فجأة بوصول اللاجئين حصته من "كعكة الرخاء الألماني".
للمرة الأولى أحترم ميركل!
وقال لندمان إنه أصبح يكنّ للمرة الأولى الاحترام للمستشارة، جراء شعارها "سننجز ذلك"؛ لأنها خاطرت دون أن يرفّ لها جفن بحياتها السياسية لإنقاذ هؤلاء الناس الموجودين على الحدود وقبلت التحديات الهائلة المترتبة على ذلك.
وفيما يتعلق باندماج اللاجئين الجدد، أكد لندمان أنه لا يقول إن كل من يأتي إلى بلاده يستطيع فعل ما يحلو له، بل يطالبهم بأن يكون لديهم رغبة في الاندماج، والولاء للدستور، لكن في الوقت ذاته وبشكل خاص، يطالب مواطنيه الألمان بذلك، فبات على الذين يعيشون منذ ولادتهم في ألمانيا، والذين كثيراً ما يستفيدون من دولة الرعاية الاجتماعية لفترات أطول بكثير من اللاجئين، تعلم القيم الإنسانية.
ودعا لندمان إلى إصلاح إسلامي، يتم بموجبه قبول طريقة حياتهم وقواعد التعايش المشترك، مبيناً أن ذلك لن يحدث إن قاموا بوضع اللاجئين قدر الإمكان في أحياء الأقليات (غيتو) وإغلاق أبواب المجتمع جزئياً في وجههم، لافتاً إلى أن نظرة إلى ما حدث في باريس يجب أن تكون كافية لتظهر آثار ذلك.
مساعدتهم واجب أخلاقي
وقال لندمان إنه، بغض النظر عن الواجب الأخلاقي في مساعدة المحتاجين، لا يفهم لماذا لا يتم الاعتراف بالفرصة الكبيرة التي تمثلها موجة اللاجئين هذه، مشيراً إلى أن نظام الرعاية الاجتماعية والتقاعد سيتوقفان خلال 30 عاماً، مذكراً بزيادة نسبة كبار السن والانخفاض الكبير في العمال من مواطنيه الألمان.
وأضاف أن مَنْ يعتقد أن بإمكانه تجنب هذا المأزق بوفاته المبكر على خطأ، إذ سيقل عدد الأشخاص الذين هم في سن العمل الطبيعية بمقدار 8 ملايين في عام 2035، مشيراً إلى أنه ليس أبله، ولا يتحدث بالطبع عن اللاجئين على أنهم فيض من العمال المهرة، إلا أنه شاهد البعض من العمال المهرة من القادمين من ثقافات مختلفة.
وذكر لندمان بالممرضات الآسيويات اللواتي جئن في الستينات والسبعينات إلى ألمانيا للعمل وكيف أصبح أولادهن مواطنين ألماناً، وأصبحوا مهندسين ومعلمين والبعض منهم زملاء له في مهنة الطب، وذلك بفضل الاندماج الفعال الذي يعود إلى الدعم الأولي والتعليم، والاستثمار في المستقبل، لافتاً إلى ضرورة تكرار تلك الخطوة.
وأنهى الطبيب الألماني منشوره بالقول: "الناس يعانون ويموتون، ونستطيع الآن الحيال دون ذلك، سننجز ذلك"، مكرراً بذلك شعار المستشارة ميركل بشأن قدرة بلادها على التغلب حل أزمة اللاجئين.
وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ أن مركز استقبال اللاجئين في بلدة إردنغ في ولاية بايرن أكد لهم أن الطبيب يعمل في المركز وأنه اتفق مع الإدارة بشأن كتابة المنشور.