من الأدعية المأثورة عن الرسول عليه الصلاة والسلام عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونقّ قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس» سنن ابن ماجة. هذا الدعاء نردده دائماً ولكننا لا نعلم الحقيقة العلمية التي تكمن في كلماته.
فالماء الذي اختصه الله تعالى بقضية الخلق في قوله تعالى: (و جعلنا من الماء كل شيء حي) [الأنبياء: 30] له اعجاز آخر في قدرته على التنظيف واذابة المواد وسأذكر بعض خواص الماء:-
فهو يتكون من ذرتي هيدروجين مرتبطة مع ذرة واحدة من الأكسجين برابطة تساهمية قطبية هذه القطبية (الناتجة عن فرق السالبية الكهربائية بين ذرات الهيدروجين والأكسجين) تعمل على تجميع جزيئات الماء بواسطة روابط هيدروجينية ضعيفة تكسبه خصائص فريدة عن المركبات المشابهة له في التركيب وتسبب تغيرات في خواصه الفيزيائية فدرجة غليانه مرتفعة 100° س والتوتر السطحي له كبير وغيرها من الخواص التي لا مجال لذكرها في هذا البحث.
فالماء الذي اختصه الله تعالى بقدرة كبيرة على اذابة المواد والذي يسمى «بالمذيب العام» له قدرة كبيرة على اذابة كثير من المواد الأيونية حيث ان جزيئات الماء القطبية تهاجم بلورة المركب اذا كان أيونيا فيعزل ايوناته المتجاذبة داخل الشبيكة البلورية وتنشأ قوى تجاذب بين جزيئات الماء القطبية والأيونات حيث تتغلب على قوى التجاذب بين الأيونات في البلورة فتنتشر المادة المذابة بين جزيئات الماء.
هذا الدعاء شبه الذنوب والخطايا بالأوساخ التي ينظفها الماء، فكيف تحدث عملية التنظيف بالماء؟
عندما تعلق البقع والأوساخ بالثوب تحدث قوى جذب بين القماش والأوساخ تسمى علميا بقوى الالتصاق والماء الذي اختصه الله تعالى بقدرة كبيرة على اذابة المواد بسبب الخاصية القطبية وخاصية التوتر السطحي له والتي تساعده في التغلغل داخل خيوط القماش (بالخاصية الشعرية) فيخترق البقعة ويبلل القماش وبالتالي يذيب الأوساخ بعزل ايوناتها عن بعضها فتضعف قوى التجاذب بينها اذا كانت من النوع الذي يذوب في الماء.
أما اذا كانت البقع دهنية ولا تذوب في الماء فان الماء ينقطع على شكل كرات ولا يبلل سطح النسيج لان قوى الالتصاق بين الماء والبقع اقل من قوى التماسك بين جزيئات الماء. لذلك يمكن غسلها بالماء والصابون حيث ان محلول الصابون يقلل التوتر السطحي للماء فينتشر محلول الصابون على الدهون ويتفاعل معها مكونا مستحلباً دهنياً وتزداد قوى التجاذب بين الماء والبقع فتترك الأوساخ السطح العالقة به.
ولكن الدعاء أشار الى طريقة أخرى للتنظيف وهي الثلج فكيف يكون الثلج وسيلة للتنظيف؟
كلنا نعلم أن الماء عندما يتجمد يصبح ثلجا عند درجة الصفر المئوي وتتغير طريقة ارتباط الجزيئات فتصبح مثل حلقة البنزين.
فهناك بعض الأوساخ التي لا تزول بالماء أو بالماء والصابون وذلك لان قوى الالتصاق بين هذه البقع والقماش تكون كبيرة مثل بقع الشمع أو العلك على القماش.
فعند وضع قطعة من الثلج عليها فان البرودة تعمل على تقارب جزيئات هذه المادة (تنكمش) فتقل قوى الالتصاق بينها وبين القماش مما يؤدي الى انفصالها (ويمكن لكل منا تجربة ذلك في منزله).
أما البرد فهو يتكون عند درجة حرارة اقل من الصفر المئوي فاذا كانت هناك أوساخ مستعصية فان البرد يعمل على انكماش جزيئات هذه الأوساخ بدرجة اكبر من الثلج فتنفصل وتزول.
هذا الدعاء الذي شبه الخطايا بالأوساخ التي يجب غسلها بالماء والتي لا تزول بالماء يزيلها الثلج والتي لا تزول بالثلج يزيلها البرد، حتى لا يبقى شيء من خطايا الانسان. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» رواه البخاري.
وهذا دليل آخر على أن الماء وسيلة تنظيف من الأوساخ والذنوب.
وقد كان الامام الشافعي رحمه الله من الفراسة والشفافية بحيث كان يرى الذنوب تتساقط مع قطرات الوضوء.
فـــسـبـــحـان مــــن علــم النبــــي الأمي هــذه الحقيقــــة العلميـــــة.