المياه تنحسر عن شمال القارة السمراء.. لقد كانت هذه الأرض مسكونة بالحيتان يومًا ما
الطين الأسود يتراكم على ضفاف النهر معلنًا عن ميلاد أرضٍ جديدة
جرى الفيضان فبدأ القمر ينظر لآلاف الإنعكاسات لوجهه فوق تياراته
هذه هي مصر تتشكل منذ بداية الدهر لتكتب إسمها بلغات عديدة في سجل التاريخ الأبدي
ينظر الطفل لما دوّنه على ورقة بردي بالهيروغليفية
ترتفع فوقه فجأة عشرات القصور للفراعنة في منف وطيبة وهيراكليوبوليس وغيرهم
يصير شابًا قويًا يمتطي عجلته الحربية ليخوض المعارك في بلاد بنط ومجدو
العجلة تغيب في الأفق لكن آثارها تبقى واضحة فوق الرمال رغم عواصف الصحراء
نهر النيل
“إترو-عا”..ذاك هو الاسم الذي أطلقه المصري القديم على نهر النيل، ويعني النهر العظيم، أما النيل كإله فكان يطلق عليه اسم “حابي”ومعناه السعيد أو جالب السعادة، أما اسم النيل فهو من الاسم “نيلوس” وهو الاسم الذي أطلقه اليونانيون على نهر النيل.
اسم مصر
اسم “مصر” في اللغة العربية يعني المدينة الكبيرة، إلا أن أصل الاسم ليس عربيًا، بل هو من جذر سامٍ قديم، قد يعني البلد أو البسيطة أو الحصينة، ويتشابه منطوق الاسم في الكثير من اللغات السامية القديمة، فهو في الأكدية “مصري”، وفي الآشورية “مشر”، وفي البابلية “مصر”، وفي الآرامية “مصرين”، وفي الفينيقية “مصور”، وفي العربية القديمة “مصرو”، وفي العبرية “مصرايم” وهو الاسم المذكور في التوراة والمنسوب إلى “مصرايم بن حام بن نوح” أبو المصريين بحسب النصوص التوراتية.
ويقال بأن اسم “مصر” له أصل في اللغة المصرية القديمة وهو كلمة مشر والتي تعني المحصن، إلا أن الاسم الذي ورد في النصوص المصرية القديمة للدلالة على مصر هو “كِمِت:كيمي في القبطية” والتي تعني الأرض السوداء كنايةً عن أرض وادي النيل السوداء وتمييزًا لها عن “دشرت” أي الأرض الحمراء وهي الأرض الصحراوية المحيطة بها، وقد ذكرت مصر في مصادر إغريقية قديمة باسم “خيميا” وقد تكون أصل كلمة كيمياء الحالية.
أما الاسم “إيجيبت” في الإنجليزية فهو مشتق من الاسم اللاتيني إجبتوس المشتق بدوره من الاسم الإغريقي “إيجيبتوس” والذي جاء في المصادر الإغريقية الأقدم باسم “إيكوبيتيو : إيه كو بي تيه يو” والذي يرجح أنه قد أشتق من الاسم “حيكو بتاح” المختزل من الاسم “حوت كا بتاح” وهو اسم معبد الإله بتاح في منف والذي يعني “بيت روح بتاح” وذكر آخرون بأن اسم “إيجيبتوس” هو من وحي خيال الشاعر الإغريقي “هوميروس” في أسطورته التي ألفها بين عامي 1600-1200 ق.م حيث كان حلم الإغريق في ذلك الوقت هو الإستيلاء على مصر ولما تحقق ذلك على يد الإسكندر الأكبر عام 332 ق.م أطلق الإغريق اسم “إيجيبتوس” على مصر من وحي تلك الأسطورة.
أصل المصريين
يصنف المصريين في علم الأنثروبولوجي تحت العرق الحامي إلا أن المصريين الحاليين هم خليط من أجناس مختلفة وفدوا إلى مصر في جميع العصور مع غلبة العنصر المصري بالطبع.
اللغة المصرية القديمة
على الرغم من فك رموز الكتابة المصرية القديمة إلا أنه من غير الممكن معرفة المنطوق الصحيح لمفرداتها نظرًا لخلو الكلمات المكتوبة من الأحرف المتحركة القصيرة والتي تساوي الفتحة والضمة والكسرة في اللغة العربية وحتى الأحرف المتحركة الطويلة (ا،و،ي) لم تكن تكتب دائمًا، أما طريقة النطق الحالية للغة المصرية القديمة فهي مبنية على قاعدة وضعها العلماء وتتمثل في وضع حرف “e” أو كسرة بين كل حرفين ساكنين للتغلب على تلك المشكلة، إلا أنه مايزال لدينا مصدرًا آخر يمكننا من معرفة نطق بعض الكلمات المصرية بطريقة صحيحة أو أقرب إلى الصحة مع الأخذ في الإعتبار إختلاف لهجات ذلك المصدر وما طرأ عليه من تغيير وهذا المصدر هو…
اللغة القبطية
لا تزال اللغة القبطية مستخدمة في الكنائس المصرية إلى اليوم، وهي آخر مراحل تطور اللغة المصرية القديمة حيث تأثرت باللسان الإغريقي ودخلت إليها الكثير من المفردات اليونانية وكتبت بالأحرف اليونانية كون اللغة اليونانية هي اللغة الرسمية للبلاد في ذلك الوقت، ومصر في اللغة القبطية هي “كيمي” وليس “كِمِت” ورغم وجود حرف التاء في نهاية الكلمات المؤنثة في الكتابة الهيروغليفية إلا أن ذلك غير موجود على الإطلاق في اللغة القبطية! والذي قد يعني ذلك أنه لم يكن ينطق، ونذكر من الأمثلة المؤنثة في اللغة القبطية كلمة “نُفري” بضم الميم أي سعيدة وتكتب في الهيروغليفية “نفرت”، وكلمة “رُمبي” بضم الميم أي سنة وتكتب في الهيروغليفية “رنبت” وقد تكون التاء قد نطقت بطريقة شبيهة للتاء المربوطة في اللغة العربية أي على شكلين، وتبين لنا اللغة القبطية أو تقرب إلينا نطق بعض الكلمات المصرية التي يبدو نطقها غريبًا إذا نطقت كما كتبت ككلمة “يوح” وتعني قمر وتكتب بالهيروغليفية “إعح” وهو نطق غريب إذ يصعب نطق حرفي عين وحاء المتتاليان ولا زالت كلمة إياح أو يوح مستخدمة إلى الآن في الأغنية الرمضانية الشهيرة “وحوي يا وحوي إيوحه”. يذكر أن اللغة القبطية لها عدة لهجات كاللهجة البحيرية والصعيدية والفيومية والأخميمية وأشهر تلك اللهجات هما اللهجتان: البحيرية حيث أنها اللهجة الرسمية للكنيسة المصرية واللهجة الصعيدية حيث كانت لغة الأدب القبطي وهي التي كتب بها الإنجيل وهي أقدم من اللهجة البحيرية. وقد طرأ تعديل في لفظ اللغة القبطية في عهد البابا “كيرلس الرابع” لأنه رأى أن اللغة القبطية قد تأثرت في لفظها باللغة العربية فعدل نطق الحروف ليتناسب نطقها مع اللفظ اليوناني وسمي ذلك باللفظ الحديث، إلا أن ذلك قد أدى إلى ضياع النطق المصري الأصلي ولعل الكثير من الأقباط لا يستسيغ ذلك النطق لعدم تعود اللسان القبطي على نطق بعض الحروف اليونانية كالثاء والذال إلا أن تأثير ذلك التعديل يظهر بشكل أكبر على الكلمات ذات الأصل اليوناني أما الكلمات ذات الأصل المصري فلا يوجد بها تلك الأحرف التي تتسم بها اللغة اليونانية. ويذكر أن اللفظ القبطي القديم مازال يستخدم في اللهجة الصعيدية في بعض الكنائس والأديرة بالصعيد ما جعل الكثير من راغبي تعلم اللغة القبطية من الأجانب يتجهون إلى تعلمها باللهجة الصعيدية لإحتفاظها بطريقة نطقها القديمة.
الكتابة المصرية القديمة
الهيروغليفية هي أحد أنواع الكتابة المصرية القديمة وليست اسمًا للغة، وقد اشتقت من كلمتي هيروس وجلوفوس اليونانيتان وتعنيان الكتابة المقدسة لأنها كانت تكتب على جدران الأماكن المقدسة كالمعابد والمقابر، ونظرًا لصعوبة كتابتها فقد ظهرت الحاجة لنوع آخر من الكتابة أكثر تبسيطًا لإستخدامه في الكتابات اليدوية فظهرت الكتابة الهيراطيقية مواكبة للكتابة الهيروغليفية وليست منحدرة منها وإستخدمت لكتابة الوثائق الدينية والطبية والإدارية والعلمية والأدبية ثم استنبط الخط الديموطيقي من الهيراطيقي في عصور لاحقة وبعد الإستعمار اليوناني لمصر إختلطت الثقافتان المصرية واليونانية وكتبت اللغة المصرية بالحروف اليونانية. ومع التخلي عن الكتابة بالحروف المصرية القديمة ومع التوقف عن استعمال اللغة على لسان العامة اندثرت اللغة المصرية القديمة ولم يعد أحد قادرًا على قراءة ما هو مكتوب على الآثار المصرية القديمة إلى أن استطاع العالم الفرنسي “شامبليون” فك رموز تلك اللغة بعد أن عثر أحد ضباط الحملة الفرنسية على حجر ضخم أسفل قلعة رشيد (حجر رشيد) بمدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل على البحر المتوسط
ويحتوي هذا الحجر على نص بثلاث كتابات وهي الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية وكان شامبليون على علم باللغة اليونانية وإعتمد “شامبليون” على إكتشاف العالم البريطاني “توماس يانج” بأن الاسماء الملكية كانت تكتب بداخل أشكال بيضاوية تسمى خراطيش، وبما أن الاسماء لا تترجم من لغة إلى أخرى بل تكتب كما هي فإن الاسماء المكتوبة باليونانية هي نفسها المكتوبة بداخل الخراطيش الهيروغليفية وبمقارنة كل حرف بما يقابله في اللغة الأخرى تمكن “شامبليون” من معرفة ما تمثله تلك الرموز من حروف الأبجدية.
وتمتلك اللغة المصرية القديمة ثلاثة أنواع من الرموز وهي:
- رموز أحادية الصوت وهي كالأبجدية حيث أن كل رمز يمثل حرفاً واحداً
- رموز ثنائية الصوت ويمثل الرمز صوتين
- رموز ثلاثية الصوت ويمثل الرمز ثلاثة أصوات
وهناك رموز وظيفتها إكمال المعنى أو توضيحه أو تخصيصه كرمز الرجل بجانب الاسم المذكر ورمز السيدة بجانب الاسم المؤنث وهي لا تنطق وغرضها وظيفي فقط.
وأحياناً نجد رمزًا وضع أسفله شرطة ويعني ذلك أن ذلك الرمز يترجم إلى دلالته الرمزية كالبومة مثلًا هي حرف ميم بينما إذا وضعنا تحتها شرطة أصبح المعنى المراد منها هي البومة وليس حرف الميم.
ولقد استعان “شامبليون باللغة القبطية لتساعده في معرفة تلك الدلالات فمثلًا شمس تعني “ري” في القبطية وأصلها “رع” واستخدم تلك المعلومة في معرفة اسم رمسيس وقد ذُكر ذلك الاسم في التوراة ” فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم، فبنوا لفرعون مدينتي مخازن: فيثوم، ورعمسيس” (سفر الخروج 11:1) وذلك الاسم يكتب برمز الشمس ثم رمز ثنائي”مس” ثم “س” فلما عرف أن شمس هي “ري” عرف أن ذلك الاسم هو “رمسيس أو رعمسيس”.
وهكذا إستطاع “شامبليون” أن يفتح لنا آفاقًا جديدة للتعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها وترجمة علومها وأصبح هناك علمًا لدراسة اللغة والحضارة المصرية القديمة يسمى “علم المصريات”.
التاريخ المصري القديم
وحد الملك مينا مملكتي الشمال والجنوب مؤسساً الدولة المصرية الموحدة حوالي عام 3200 ق.م ومن المرجح أن الملك مينا هو نفسه الملك نارمر الذي صور على لوح نارمر الشهير وهو يرتدي تاجي الوجه القبلي والوجه البحري كرمز لتوحيد مصر، وقد وجدت العديد من قوائم الملوك والتي تذكر تسلسل الحكام المصريين منذ الملك مينا وحتى الملك الذي كتبت في عهده القائمة، كقائمة أبيدوس وبردية تورينو وحجر باليرمو، وبعض تلك القوائم قد أغفل بعض الحكام لأسباب سياسية أو دينية كإغفال إخناتون لكونه الفرعون المهرطق الذي ألغى عبادة آمون، وحتشبسوت لكونها سيدة إغتصبت السلطة، والهكسوس لكونهم محتلين. وقد قام المؤرخ المصري مانيتون والذي كان كاهنًا في عهد الملك بطليموس الثاني وبناءًا على طلب الملك بطليموس بكتابة تاريخ مصر القديمة والذي فقدت نسخته الأصلية في حريق مكتبة الإسكندرية وما وصلنا منه هي مقتطفات نقلها بعض المؤرخين، ولقد قسم مانيتون التاريخ المصري إلى ثلاثين أسرة حاكمة وهو التقسيم الذي ما يزال متبعًا إلى الآن.وينقسم التاريخ المصري القديم إلى ثلاثة عصور رئيسية تتخللها فترات من الضعف والإنحدار، وهي:
- عصر الدولة القديمة (عصر بناة الأهرام)
- الفترة الإنتقالية الأولى (إنهيار الحكومة المركزية وإنقسام الدولة المصرية مجددًا)
- عصر الدولة الوسطى (إعادة توحيد البلاد وعودة الرخاء)
- -الفترة الإنتقالية الثانية (سيطرة الهكسوس)
- عصر الدولة الحديثة (ذروة الحضارة المصرية القديمة وبداية الإمبراطورية)
- الفترة الإنتفالية الثالثة (سيطرة الليبيين والنوبيين والآشوريين)
- العصر المتاخر(سيطرة الفرس)
الدولة القديمة
لعل أهرام الجيزة هي أهم وأضخم صروح العمارة في الدولة القديمة، ويعد هرم خوفو أو الهرم الأكبر هو العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع، وقد ظل هرم خوفو أعلى مبنى في العالم حتى بناء كاتدرائية لينكولن في القرن الرابع عشر للميلاد، ولم تكن أهرام الجيزة هي الأولى من نوعها في مصر القديمة بل سبقتها عدة مراحل كالهرم المدرج وهو أول الأهرام المصرية وهرم دهشور وهرم ميدوم حتى وصل المصري القديم إلى الشكل الهرمي الحقيقي وكان هرم سنفرو والد الملك خوفو هو أول هرم حقيقي في مصر، وبنيت الأهرام كي تكون مقابر للملوك وكان لها كساء جيري أملس ناصع البياض، وكان يعلوها هريم صغير (Pyramidion) مغطى بالذهب أو معدن الإلكتروم (20% فضة والباقي من الذهب الأصفر) وبعض الهريمات كانت تصنع من الجرانيت، وكان قد تقرر وضع هريم ذهبي فوق هرم خوفو محاكاةً للتقليد الفرعوني في إحتفالية مصر بالألفية الثالثة إلا أن ذلك قد أدى إلى جدالٍ كبير بين العلماء ولم ينفذ القرار، وبالنسبة الي إختفاء أحجار الكساء الخارجي والتي كانت تغطي الأهرام وقد ذكر هيرودوت أنها كانت مغطاة بالنصوص الهيروغليفية المكتوبة باللون الذهبي.
فقد بدأ فقدان كتل الكساء في القرن الرابع عشر الميلادي وذلك بسببين: وهما انه حدث زلزال عام1301م مما أسقط هذه الكتل بالإضافة الي إستخدام كتل الأهرام في البناء وبدأ ذلكعام 1356م وتم إستخدامها في بناء الجوامع والقلاع في القاهرة. وقد توقف بناء الأهرامات في بداية عصر الدولة الحديثة بسبب نهبها من اللصوص كونها واضحة للعيان، وكان هرم أحمس الأول في أبيدوس هو آخر الأهرام المصرية، ثم دفن الملوك بعد ذلك في وادي الملوك في مقابر تحت الأرض مخفية عن الأعين إلا أنه رغم ذلك فقد سرقت كلها تقريبًا حتى مقبرة توت عنخ آمون قد تعرضت للسرقة مرتين إلا أن حرس الجبانة قد أمسكوا باللصوص وأعادوا إغلاق المقبرة، ومعظم تلك السرقات قد حدثت في عهد الفراعنة لذلك فقد قاموا بجمع مومياوات عدد من أهم فراعنة مصر القديمة وأعادوا دفنها في خبيئة الدير البحري بالأقصر وبفضل الله فقد اكتشفت تلك الخبيئة بعد فترة من تكتم مكتشفيها وكانوا عائلة من المصريين اكتشفوها عام 1871 وكانوا يأخذون ما خف وزنه وغلى ثمنه ويبيعوه طوال عشر سنوات، إلى أن وشى بهم أحد أفراد العائلة وتم نقل جميع المومياوات إلى المتحف المصري بالقاهرة ومن أهمها مومياء “رمسيس الثاني” و”سيتي الأول” و”أحمس الأول” و”أمنحتب الأول” و”تحتمس الأول” والثاني والثالث.وكان ذلك من أهم وأكبر الإكتشافات إلى جانب إكتشاف مقبرة “توت عنخ آمون” عام 1922.
الفترة الإنتقالية الأولى
بعد إنهيار الحكومة المركزية أدت النزاعات والخلافات السياسية إلى زيادة حدة المجاعات والحروب الأهلية وإنقسمت مصر مرة أخرى إلى دولتان إلى أن قام منتوحتب الثاني بإعادة توحيد الأراضي المصرية وأعادها إلى ما كانت عليه في الدولة القديمة ليبدأ عصرًا جديدًا من النهضة الثقافية والإقتصادية عرف باسم الدولة الوسطى.
الدولة الوسطى
إزدهرت البلاد في الفن والأدب وأقام الفراعنة مشاريع البناء الضخمة واستصلحوا الأراضي ونظموا الري لزيادة الإنتاج الزراعي واستعادوا منطقة النوبة الغنية بالمحاجر والذهب ولقد سمح آخر حكام الدولة الوسطى “أمنمحات الثالث” للمستوطنين الآسيويين بالعيش في منطقة الدلتا لتوفير قوة عاملة كافية لتنفيذ مشاريع الدولة إلا أن تلك المشاريع الطموحة بالإضافة إلى عدم كفاية فيضانات النيل قد أدت إلى توتر إقتصادي عجل بالإضمحلال إلى أن سيطر الآسيويين عل منطقة الدلتا ثم على الدولة المصرية وعرفوا بالهكسوس.
الفترة الإنتقالية الثانية
أجبر الهكسوس الحكومة المركزية على التراجع إلى طيبة في الجنوب وإتخذوا نموذج الحكم المصري ونصبوا أنفسهم فراعنة غلى مصر، إستطاع المصريون جمع ما يكفي من القوات في طيبة لصراع إستمر ثلاثين عامًا، إلى أن تمكن الفرعون أحمس الأول من القضاء على الهكسوس نهائيًا، إلا أن المصريين قد استفادوا منهم ببعض التكنولوجيا العسكرية التي كانت تستعملها الشعوب السامية كالعربات التي تجرها الخيول والأقواس المركبة والفئوس الخارقة والسيوف المنحنية،وقد أولى الفراعنة بعد ذلك إهتمامًا كبيرًا بالناحية العسكرية، لتتحول الدولة المصرية بعد ذلك لإمبراطورية يهابها الجميع.
الدولة الحديثة
فترة إزدهار غير مسبوقة وإتباع لسياسات توسعية لضمان أمن مصر، إمتد نفوذ الفراعنة إلى فلسطين وسوريا ولبنان وقبرص وليبيا والنوبة، وبلغت مصر أوج إتساعها في عهد الفرعون “تحتمس الثالث” حيث إمتدت من أعالي الفرات شمالًا حتى الشلال الرابع في النيل جنوبًا، إلا أن ذلك الإستقرار قد إهتز في عهد الفرعون “أمنحتب الرابع” الذي وضع سلسلة من الإصلاحات الجذرية فألغى عبادة آمون وباقي الآلهة الأخرى وأنكب على عبادة إلهه الواحد آتون إله الشمس وعلى أسلوبه الفني الجديد ولم يكترث بالسياسة الخارجية، لكن بعد وفاته تم التخلي سريعًا عن عبادة آتون وأعاد ابنه الفرعون “توت عنخ آمون” وكان اسمه “توت عنخ آتون” والفرعون “آي” عبادة آمون مرة أخرى. ولما تولى “رمسيس الثاني” العرش عمل على إنشاء المزيد من المعابد وقاد معركة قادش ضد الحيثيين، التي أسفرت بعد قتال عنيف دام لمدة خمسة عشر عامًا عن أول وأقدم معاهدة سلام موثقة عرفها التاريخ ويوجد منها نسخة من الطين عثر عليها في عاصمة الحيثيين “حاتوسا” في شمال تركيا ومعروضة في متحف “اسطنبول” وهناك نسخة طبق الأصل معلقة في مقر الأمم المتحدة كأول معاهدة سلام مكتوبة وموثقة في التاريخ.وقد أدى الثراء الإقتصادي والإجتماعي في مصر إلى جعلها مطمعًا للغزاة خاصة الليبيين وشعوب البحر، تمكن الجيش المصري في البداية من صد تلك الغزوات، إلا أنه ومع تكثيف تلك الغزوات وتفاقم المشاكل الداخلية وزيادة نفوذ كهنة آمون، فقد أدى ذلك إلى إنشقاق البلاد،وهي الفترة الإنتقالية الثالثة.
الفترة الإنتقالية الثالثة
سيطر الليبيين على الدلتا تحت إمارة “شيشنق الأول” إلى أن غزا الملك الكوشي “بعنخي” الشمال وسيطر على طيبة والدلتا ثم إنتصر الآشوريين على الكوشيين وأجبروهم على العودة إلى النوبة واحتلوا “ممفيس”.
العصر المتأخر
تمكن الملك “ابسماتيك الأول” من طرد الآشوريين بالإستعانة بالمرتزقة اليونانيين الذين تم تجنيدهم لتشكيل أول بحرية مصرية، إلا أن الفرس بعد ذلك بقيادة “قمبيز الثاني” قد تمكنوا من هزيمة المصريين وأسروا الملك “ابسماتيك الثالث” في معركة الفرما وأتخذ “قمبيز الثاني”لقب فرعون مصر رسمياً إلا أنه حكمها من فارس وقد قامت بعض الثورات ضد الفرس لكنها لم تنجح في الإطاحة بهم دائماً ثم انتهت الفترة الأولى من الحكم الفارسي لمصر المعروفة بالأسرة السابعة والعشرين وكانت الأسرة الثلاثين هي آخر الأسر المحلية الحاكمة في مصر وكان آخر الملوك المصريين هو “نختنبو الثاني” ثم حدثت محاولة لإستعادة الحكم الفارسي سميت بالأسرة الحادية والثلاثون، بدأت في عام 343 ق.م وانتهت في عام 332 ق.م بتسليم الحاكم الفارسي “مازاسيس” مصر إلى الإسكندر الأكبر دون قتال.
مصر البطلمية
البطالمة أي من سلالة بطليموس الأول وهو القائد الإغريقي الذي تولى حكم مصر بعد وفاة الإسكندر الأكبر وتقسيم الإمبراطورية، إتخذ البطالمة نموذج الحكم المصري وحكموا كفراعنة واتخذوا من الإسكندرية عاصمة لهم. ظلت أسرة البطالمة تحكم مصر حتى دخلها الرومان عام 30 ق.م وكانت الملكة “كليوباترا” وابنها “بطليموس الخامس عشر” (قيصرون) هما آخر فراعنة مصر البطالمة.
وهكذا تنتهي قصة الحضارة المصرية القديمة، أطول الحضارات بقاءًا في العالم القديم، تاركة لنا تراث هائل من العلوم والفنون والآداب والعمارة، شاهدًا على مدى ما وصلت إليه من رقي وبراعة، وحافرًا اسمها في ذاكرة التاريخ.
المصادر
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20
كتاب الملك الذهبي- زاهي حواس