يصادف 10 ربيع الثاني ذكرى وفاة السيدة فاطمة المعصومة (ع) بنت الإمام موسى الكاظم (ع)، فهي بنت الإمام وأخت الإمام وعمة الإمام، كما أنها تحظى بمكانة رفيعة عند الأئمة عليهم وقد ورد فيها روايات تشير إلى ذلك، وهذا بعض أحوالها:
ولادتها:
بسبب الظروف الصعبة التي فرضتها السلطة العباسية على الإمام موسى الكاظم عليه السلام فقد أصبح من العسير جداً الوقوف بشكل دقيق على تاريخ ولادة السيدة المعصومة عليها السلام ولذلك فقد ذكر بعض المؤلفين أنّ ولادتها عليها السلام كانت سنة 183 هـ، وهي السنة التي استشهد فيها والدها الإمام الكاظم عليه السلام، وهو قول أكثر المؤرخين(1).
وعلى هذا فلم تحظ السيدة المعصومة بلقاء أبيها عليهما السلام ورعايته، وعاشت في كنف أخيها وشقيقها الإمام الرضا عليه السلام.
واستبعد بعض المؤلفين(2) أن تكون ولادتها عليها السلام في تلك السنة، لأنّ السنوات الأربع الأخيرة من عمر الإمام الكاظم عليه السلام كان فيها رهين السجون العباسية.
فيما ذهب آخرون(3) إلى أنّ ولادتها عليها السلام كانت في غرّة شهر ذي القعدة سنة 173 هـ.
وبناء على هذا التاريخ تكون السيدة فاطمة قد عاصرت من حياة أبيها عشر سنوات، غير أنّ السنين الأربع الأخيرة من عمره عليه السلام كان فيها رهين السجون العباسية، فلم تحظ منه الاّ بست سنوات.
أسماؤها وألقابها عليها السلام
لما كانت السيدة المعصومة عليها السلام ربيبة الإمامة فقد حظيت بأحسن الأسماء، وأجمل الألقاب، وإن لأسمائها وألقابها من الدلالات والمعاني ما يشير إلى سمو مقامها ورفعتها عند الأئمة عليهم السلام:
1.فاطمة
إن من تتبع حياة العترة الطاهرة عليهم السلام يعي بشكل واضح ما لهذا الاسم من خصوصية خاصة، وكم كان الأئمة عليهم السلام يولون هذا الاسم أهمية فائقة، لا نجدها في سائر الأسماء عندهم.
2.المعصومة
ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمّها الكبرى: فاطمة الزهراء عليها السلام.
وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا عليه السلام حيث قال: «من زار المعصومة بقم كمن زارني»(4).
وهذه التسمية تدلّ على أنّ السيدة فاطمة عليها السلام قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة، فالعصمة تعني: (الحفظ والوقاية، والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي أي: العصمة لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهمّ النفس معها بارتكاب المعصية فضلاً عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمداً أو سهواً أو نسياناً، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما هو عند العترة النبوية عليهم السلام، وليست هي أمراً ظاهراً وإنّما هي حالة خفيّة من حالات النفس، ويستدلّ عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالّة على ثبوتها، وهي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر)(5) كعصمة السيدة زينب وعصمة أبي الفضل العباس عليهما السلام.
3.كريمة أهل البيت عليهم السلام
وهو من الألقاب الخاصة بهذه السيدة الجليلة، وقد عرفت به من دون سائر نساء أهل البيت عليهم السلام.
كما اشتهر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام من قبلها بهذا اللقب من دون سائر الرجال، فكان يقال له كريم أهل البيت عليهم السلام.
(وقد أطلقه عليها الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف في قصة وقعت لأحد السادة الأجلاّء(6) وقال له: «عليك بكريمة أهل البيت» مشيراً إلى هذه السيدة الجليلة)(7).
سفرها عليها السلام إلى قم
ولهذا اللقب دلالة بعيدة الغور على شأن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام، فإنّ أهل البيت عليهم السلام قد جمعوا غرّ الفضائل والمناقب وجميل الصفات، ومن أبرز تلك الخصال الكرم، وقد عرفه اللغويون: (بأنّه إيثار الغير بالخير ولا تستعمله العرب إلاّ في المحاسن الكثيرة، ولا يقال كريم حتى يظهر منه ذلك)(8)، والكريم هو الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل.
ومن ذلك يعلم أنّ للكريم معنى واسعاً لا ينحصر في بذل المال أو إقراء الضيف أو حسن الضيافة، فإنّها من مصاديق الكرم لا تمام معناه. وعلى ضوء هذا المعنى الشامل للكرم يتجلّى لنا المراد من وصف أهل البيت عليهم السلام بأنهم أكرم الناس على الإطلاق لما اشتملوا عليه من أنواع الخير والشرف والفضائل، وقد حفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك وحدّث به الرّواة. كما يتجلّى لنا أيضاً اتصاف هذه السيدة الجليلة بأنّها كريمة أهل البيت عليها السلام.
وإنّ من أبرز مظاهر كرمها أنّ مثواها المقدس كان ولا يزال منبعاً للفيض، وملاذاً للناس، ومأمناً للعباد، ومستجاراً للخلق، وباباً من أبواب الرحمة الإلهية للقاصدين إليه.
روى الصدوق بسنده عن مخوّل السجستاني، قال: لما ورد البريد بإشخاص الرضا عليه السلام إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل عليه السلام المسجد ليودّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فودّعه مراراً، كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدّمت إليه وسلّمت عليه فردّ السلام وهنّأته، فقال:
«زرني، فإنّي أخرج من جوار جدّي صلى الله عليه وآله وسلم فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون»(9).
ثم قام الإمام الرضا عليه السلام وجمع عياله فأمرهم بالبكاء عليه فانه لن يعود إليهم فأقاموا المأتم عليه قبل سفره إلى خراسان(10).
وكان خروج الإمام الرضا عليه السلام من المدينة سنة 200 هـ وشهادته سنة 203 هـ(11)، أما خروجها عليها السلام خلف الإمام الرضا عليه السلام فكان سنة 201 هـ وخرج معها موكب قوامه اثنان وعشرون شخصاً من الأخوة وأبنائهم والغلمان(12).
فلما وصل الركب إلى ساوة حوصر من قبل أزلام المأمون فقتلوا من قدروا عليه وشرّد الباقي وجرحوا هارون أخا الإمام الرضا عليه السلام ولم يبق مع فاطمة المعصومة عليها السلام غير أخيها هارون وهو جريح ثم هجموا عليه وهو يتناول الطعام فقتلوه(13).
وكان ذلك كله بمرأى من السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام فقد شاهدت مقتل أخوتها وأبنائهم، ورأت تشرّد من بقي منهم، فماذا سيكون حالها آنذاك؟ ولذا فقد مرضت عليها السلام وقيل: قد دس إليها السمّ في ساوة فمرضت بسبب ذلك(14)، فسألت عن المسافة بينها وبين قم فقيل لها عشرة فراسخ، فأمرت خادماً لها أن يحملها إلى قم فلما سمع أهل قم بما جرى عليها وعلى أخوتها وعلموا بمقدمها إلى قم خرجوا لاستقبالها يتقدمهم موسى بن خزرج الأشعري فتشرف بضيافتها، فمكثت في منزله سبعة عشر يوماً ثم ماتت عليها السلام(15) وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر ربيع الثاني.
فضل زيارتها عليها السلام
ورد في العديد من الروايات التأكيد على زيارتها عليها السلام، وأنّ الله تعالى قد جعل الجنّة ثواباً لمن زارها، ومن تلك الروايات:
اولاً: أن عدّة من أهل الرّي دخلوا على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقالوا: نحن من أهل الرّي، فقال عليه السلام:
«مرحباً بإخواننا من أهل قم».
فقالوا: نحن من أهل الري، فأعاد الكلام، ثم قال عليه السلام:
«إنّ لله حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين عليه السلام حرماً وهو الكوفة، وإن لنا حرماً وهو بلدة قم، وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمي فاطمة، فمن زارها وجبت له الجنة».
قال الراوي: وكان هذا الكلام منه عليه السلام قبل أن يولد الكاظم عليه السلام(16).
ثانياً: ما رواه الصدوق بسنده عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهما السلام، فقال عليه السلام: «من زارها فله الجنة»(17).
ثالثاً: ما روي عن سعد عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: قال: «يا سعد عندكم لنا قبر»، فقلت: جعلت فداك قبر فاطمة بنت موسى عليهما السلام، قال: «نعم، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنة»(18).
رابعاً: ما روي عنه عليه السلام أيضاً، أنّه قال: «من زار المعصومة بقم كمن زارني»(19).
خامساً: ما روي عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام أنّه قال: «من زار قبر عمّتي بقم فله الجنّة»(20).
كرامتها عليها السلام
ينقل السيد أبو الفضل رضوي زاده ـ وهو أحد خدام السيدة المعصومة عليها السلام ـ عن أحد أصدقائه الخدمة فيقول:
في أوائل قدوم آية الله العظمى السيد المرعشي النجفي رحمه الله من النجف الأشرف وتشريفه إلى قم كان قلقاً جداً حيث كان يتقدم الخاطبون لابنته بكثرة ولكنه لعسر حاله لم يكن يستطيع تجهيزها، وفي أحد الأيام يأتي إلى الحرم ويخاطب السيدة المعصومة عليها السلام قائلاً: يا سيدتي! لماذا لا تتلطفين وتنظرين إلى حالي؟ وبعد ذلك يرى في عالم الرؤيا أحد خدمة السيدة المعصومة عليها السلام يقول له: إن السيدة المعصومة عليها السلام تطلبك.
فيقول المرحوم السيد المرعشي عن حلمه هذا: وفي عالم الرؤيا تشرفت بزيارة السيدة المعصومة عليها السلام (في الفور) وعندما أردت الدخول إلى الحرم المطهر من إيوان الذهب (الإيوان القديم) رأيت سيدتين تقومان بالكنس وكانت إحداهما السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام حيث كنت قد رأيتها في منام سابق والأخرى السيدة المعصومة عليها السلام حيث كانت أنحف من السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.
وقد قالت لي: يا شهاب! إنك تحت (رقابتنا) وعنايتنا فلا تقلق حيث ما كنت سواء في النجف الأشرف أو في قم.
ويقول السيد المرعشي النجفي رحمه الله: وفي النهاية تحسنت أوضاعي ومعيشتي منذ ذلك اليوم أحسن فأحسن(21).