1.
قصة الخضر مع موسى عليهما السلام
"تأملات تربوية" 2. بدأت حكاية موسى عليه السلام مع الخضر عليهماالسلام ، حينما كان عليه الصلاة والسلام يخطب يوماً في بني إسرائيل، فقام أحدهمسائلاً: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ فقال موسى: لا، إتكاءً على ظنه أنه لا أحدأعلم منه، فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله، وقال له: إنَّ ليعبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين، وذكر له أن علامة مكانه هي فقد الحوت،فأخذ حوتاً معه في مِكْتَل وسار هو وفتاه يوشع بن نون، وحكت لنا سورة الكهف كيف التقىمع العبد الصالح الخضر، إذ بدأت الحكاية في القرآن الكريم بعزم موسى عليه السلامعلى الرحلة إلى مَجْمع البحرين في طلب العلم ، كما قال تعالى : " وَإذْ قَالَمُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ البَحْرَيْنِ أَوْأَمْضِيَ حُقُباً ".
ثم تتابعتْ الأحداث حيث نسيا الحوت وواصلا طريقهما، ثم تنبها لنسيانه فعادا، ولقيموسى عليه السلام الخضر عند مجمع البحرين، والخضر (و القول بنبوته قوي ) عبد صالحوهبه الله نعمة عظيمة من العلم وفضلاً كبيراً: "فوَجَدَا عبْداً مِّنْعِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّاعِلْماً". وتستمر القصة حين يعرض موسى عليه السلام على الخضر مرافقته لطلبالعلم، والشرط بينهما، وما حصل أثناء هذه الرحلة من أحداث، في تسلسل قرآني جميل: " قَالَ لَهُمُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَالَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَاأَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍحَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)".
ثم انطلقا، وحصلت المواقف التي لم يصبر موسى عليها، وكان الختام حين افترقا، ليقدمالمعلم للمتعلم تفسيراً لكل ما حصل، في دروس عظيمة ظلت خالدةً تتلى: " قَالَهَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِععَّلَيْهِ صَبْرًا". ثم بدأ يشرح له: " أمّا السفينة " ! .
التأملات:
1. العجب بالعلم مكمن الخطر. فعلى الإنسان ألاّ يعجببعلمه أو بظنّ بنفسه وصول المنتهى. ويظهر ذلك في معاتبة الله تعالى لموسى عليهالسلام بعد أن سئل عن أعلم الناس فنسب ذلك إلى نفسه، وهو درس لمن وراءه، أن لا يرىفي نفسه إعجاباً بعلمه أو فهمه أو تميزه، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وما أوتيالإنسان من العلم إلا قليلاً حتى لو كثر.
2. تُلحظ مسألة حب الاستطلاع واضحة جليّة، وتتمثل فيذهاب موسى عليه السلام وتساؤله عن الرجل الأعلم منه، لا لمجرد الرؤية، بل قرن ذلكبنية صحيحة وهي التعلم منه.
3. الحرص على التعلم محمدة مهما بلغ شأو الإنسانالعلمي وشأنه المعرفي، وهذا هو نهج الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين والعلماء،فالعلم ميراث النبوة، ورفعة الشأن، وصلاح الأسس، حتى لو استغرق الأمر من الإنسانزمناً طويلا يسعى به لتحقيق مرامه، ونيل أهدافه. ويظهر ذلك في قوله تعالى: ( أوأمضي حقبا ).
4. يتجلى الأدب الجميل .. أدب المتعلم مع المعلم: (على أن تعلّمني ). وفيه أيضاً فائدة لطيفة، فالمتعلم له أن يبيّن حاله التي سيكونعليها مع معلمه، لينال رضاه عليه، وإقباله لتعليمه. ورغم أنّ المتعلم هنا أرفعقدراً بحكم النبوة والرسالة ( باعتبار نبوة الخضر عليه السلام ) ، إلا أنه يقدمعرضاً للمعلم كي تطيب نفسه بصحبته بشيئين:
أ. (ستجدني إن شاء اللهصابراً ). أي صبر على التعلم معتعليقه الصبر بالمشيئة.
ب. ( لا أعصي لك أمراً ). وفيه تمام الامتثالوالطاعة.
5. على المعلم أن ينصح تلميذه غاية النصح، بتبيينحال العلم حتى لا يُدخله فيما لا يطيقه من العلم: ( قَالَ إنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً). مع تبيين السبب فيمايرده عنه أو يمنعه منه. وذلك في تبيين الخضر لموسى عليهما السلام: (وَكَيْفَ تَصْبِرُعَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً).
6.من الأدب التربوي أيضاً ألاّ يتعجل التلميذ بسؤال معلمه حتى ينهي حديثه، فربما عرضالجواب في ثنايا الحديث، وذلك يؤخذ من قوله: (فَلاتَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً )
7.يُتعلم من القصة المبادرة إلى الإنكار في حال وقوع المنكر، فرغم أنّ موسى عليهالسلام قد شرط للخضر ألاّ يسأله، إلا أنه أنكر عليه ما رأى ظاهره المنكر، وقد أنكرناسياً الشرط في البداية حين خرق السفينة، إلا أنه لم يكن قد نسيه حين قتل الغلام،لكون المنكر عظيماً في نظره. (أخرقتها لتغرق أهلها)، ( لقد قتَلتَ نفساً زكيّةً بغيرٍ نَفس).
8.للمعلم العتاب حين يخطئ تلميذه أو يجاوز: (قَالَ أَلَمْ أَقُلْإنَّكَ لن تستطيعَ معيَ صبراً). وعلى المتعلم الاعتذار:(قَالَلا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً).
9.يجوز إتلاف بعض الشيء لإصلاح باقيه، أليست قاعدة عظيمة من قوله تعالى:(فَأَرَدْتُأَنْ أَعِيبَهَا).
10.صلاح الأب ممتد الأثر ودائم النفع، إذ في الآية دعوة لأن يبدأ الآباء بتربيةأنفسهم قبل تربية أبناءهم، فستكون الثمار يانعة وباقية. (وَكَانَأَبُوهُمَا صَالِحاً). حتى قال بعض المفسرين أنه الأب السابعللغلامين3.