الى السلطويين فقط
-1-
سُئلتْ مرّة من قبل احد الاعلاميين البارزين :
مَنْ أفسد السلطة ؟
ومن أفسدَتْه السلطة ؟
مَنْ أفسد مَنْ ؟
فقلتُ :
انّ هناك من أفسد السلطة ،
وهناك من أَفْسَدَتْه السلطة .
-2-
وهناك من يرى :
انّ السلطة محكٌ للكشف عن المستور من الطبائع والسمات ...
ومعنى ذلك :
انّ السلطة لا تُفسد أحداً ، وانما الفساد موجود قبل اقتناصها ..!!
-3-
ومن أروع المدح أنْ يقال للحاكم :
انه زان السلطة ،
ولم يزدن بها ،
وكما قال ابو العتاهية :
أتته الزعامة منقادةً اليه تجرر أذيالَها
فلم تَكُ تصلحُ الاّ لَهُ ولم يَكُ يصلحُ الاّ لها
-4-
جاء في بعض كتب الأدب :
" بلغ عمر بن عبد العزيز ان ابنه اشترى فص خاتم بألف دينار ،
فَكَتَبَ اليه :
عزمتُ عليك إلاّ ما بِعْتَ خاتمك بألف دينار ،
وَجَعَلْتَها في بطنِ ألفِ جائعٍ ،
واستعملتَ خاتما مِنْ فضة ،
ونَقَشَتَ عليه :
" رحم الله امرءً عرف قَدْرَهُ فلم يَتَعَدَ طَوْرَهُ "
-5-
استكثار شراء الخاتم بالف دينار، كاشفٌ عن الترفع الكامل عن البهارج والزخارف الدنيوية ،
وعن الزهد في المظاهر الخلاّبة ،
والحرص على وضع المال في أحسن مواضعه ،
ولا يسوغ لأبناء الحاكم ان ينفقوا الأموال الطائلة على زينتهم ،وهناك حشود من الجياع الذين يتضورون من سعار الحاجة والفاقة ، ويضيقون ذرعاً بالمعاناة والحرمان ...
-6-
ان الحاكم لابُدَّ أنْ يعيش هموم شعبه ، ويتحسس بأحاسيسهم ، ولا ينسى مخاضاتهم الصعبة .
-7-
وعليه ايضا ان يبادر الى محاسبة أبنائِه اذا حادوا عن النهج السويّ ، وركبوا موجة البطر والترف وانشغلوا بزينتهم ومظاهرهم .
-8-
ان عمر بن عبد العزيز (رض) لم يسأل ولده عن مصدر المال الذي اشترى به الخاتم .
لماذا ؟
لأنه كان على يقين من أنّ المال لم يكن من المال العام فقد حصّن بيت مال المسلمين من أنْ تمتد اليه يد ابنائه، فثمن الخاتم من مال شخصي، ومع ذلك لم تطب نفسه أنْ يُنفق ابنُه ألف دينار لاقتناء ذلك الخاتم، تجنبا للسرف والترف ، ومواساةً للفقراء والبائسين والمستضعفين .
-9-
ومعظم السلطويين وأبنائهم في (العراق الجديد) مشغولون بحصاد
المكاسب والامتيازات، بعيدون عن قراءة كتب الأدب والسيرة والتاريخ، ولو قرأوا مثل هذه الأخبار فانها توجب انقباضهم ، وتكدّر عليهم صفو حياتهم، التي يريدونها حافلة بألوان المتع الدنيوية، شاملة لكلّ ما يُشبع غرائزهم ونهمهم ..!!
-10-
والسؤال الآن :
كيف صارت أرقام ممتلكات الكثير من السلطويين وأبنائهم فلكية ؟
هل جاءتهم بميراث ؟
هل هي حصيلة أعمال ومشاريع كانوا يمارسونها قبل تولي السلطة ؟
-11-
انّ النظرة الفاحصة لتاريخهم ،تُثبت انهم أثْرَوْا بعد أنْ وصلوا الى السلطة، وما يحصل عليه المسؤول عن طريق السلطة لا يُعّد مشروعاً، باستثناء ما قرره القانون له من راتب ومخصصات .
-12-
ولا يستطيع المسؤول أنْ يدّعي النزاهة، ويُقسم بأغلظ الايمان، انّه لم يَخُن الأمانة ، اذا كان على علم بما يملكه ابنه من الثروة الطائلة، والحسابات الفخمة ، والعقارات الضخمة ، فمن اين حصل الولد المدلل على كل ذلك؟
انه انما حصل على ثروته عن طريق أبيه الذي سلّطة على الرقاب وفتح له الأبواب ...
-13-
والغريب اننا حتى اليوم ، وبعد ان اتضحت الصورة القاتمة للوضع المالي العراقي ،-المتدهور بعد انخفاض اسعار النفط والنفقات الهائلة- للمنازلة الساخنة لاعداء الله واعداء العراق من الداعشيين المجرمين - لم نلمس ايّ انعطاف أو تغيير في أسلوب حياة تلك الحفنة الطائشة المغرورة من قراصنة المال العام .
-14-
ان عمر بن عبد العزيز أَمَرَ وَلَدَهُ (ان يبيع الخاتم وان يضع الف دينار ببطن ألف جائع فَمَنْ من السلطويين وابنائهم فكّر في ما يعانيه أهله من النازحين والمهجرين وواساهمُ بقليل أو كثير ؟
-15-
من منهم فكّر أنْ يرفد خزينة الدولة بشيء مما نهبه منها وهي تعاني أحرج الظروف والأوضاع ..؟!
نقول بشيء مما نهبه، لأنّ المنهوبات بلغت المئات من المليارات فقليلها يمكن ان يسهم في سد بعض العجز الآني ..!!
-16-
وبمقدور اي واحد منهم ان يعيد الى خزينة الدولة ما يُعيد ، من دون أنْ يكشف عن هويته ، فالفقه الاسلامي يُلزمُ مَنْ استحوذ على المال بغير وجهِ مشروع أنْ يعيده الى أصحابه، بأية وسيلة يختارها، ولا يُلزمه بالكشف عن اسمه وخصوصياته ..
فهل من معيد ؟!
لا
انّ منطقهم منطقُ جهنم حين يقال لها .
هل امتلأت، فتقول :
هل من مزيد ؟!