معظم البالغين لا يمكن أن يتذكروا أول لحظات الحياة إلا إذا عززت بالأحداث من قبل الآخرين حيث غالبًا ما يروونها لهم، أو بواسطة الصور، أو منبهات أخرى.
إنها ظاهرة يسميها العلماء فقدان الذاكرة الطفولية ،فقد تكون قادرًا على تذكر و وصف حفلة عيد ميلادك الثاني بقدر كبير من التفصيل بعد شهور، و لكن بعد ذلك بعام تكون تلك الذكريات قد تلاشت و في نهاية المطاف، تضيع تمامًا.
في دراسة أمريكية تبين انه حتى عمر 3 سنوات، يمكن للأطفال تذكر الأحداث الهامة التي وقعت لهم خلال العام الماضي ،ويستمر ارتفاع معدل الاسترجاع حتى سن 7، حيث يتذكر هؤلاء ما يصل الى 72 في المئة من نفس الأحداث التي كانوا يتذكرونها عندما كان عمرهم 3 سنوات. بينما في عمر 8 أو 9، فإن معظم الاطفال يمكن أن يتذكروا 35٪ فقط من تجارب الحياة التي تمكنوا من وصفها بوضوح في سن 3 و خلص الباحثون إلى أن التغيير يأتي من الطريقة التي يتم بها تشكيل الذكريات بتقدم الأطفال في السن ، فابتداء من سن 7 يستطيع الأطفال تخزين ذكريات بالوقت و المكان على نحو متزايد، و تصنيفها ضمن هذا الإطار الزمني قد يسهل استرجاعها.
و في هذه الدراسة تابع البروفيسور باور و زملاؤه 83 طفلًا على مدى عدة سنوات للبحث الذي نشر في المجلة العلمية حيث زار الشباب أول مختبر في سن ثلاث سنوات و تحدثوا عن أحداث فريدة من ماضيهم، مثل النزهات العائلية، و عطلات التخييم، والرحلات إلى حديقة الحيوان، و اليوم الأول في المدرسة و أعياد الميلاد.
ثم عاد الأطفال لدورة ثانية في عمر يتراوح ما بين خمس سنوات وتسع سنوات لمناقشة نفس الأحداث، وطلب منهم تذكر تفاصيل كانوا قد تذكروها سابقًا؛ ووجد الباحثون أن الذين تتراوح أعمارهم بين خمس وسبع سنوات لم يبق من ذكرياتهم إلا بين 63-72 في المائة، كما أن كمية المعلومات التي تذكرها الأطفال الذين كانوا في سن 8 و 9 انخفضت بشكل كبير إلى 35 و 36 في المائة.
وعندما درس الباحثون عن كثب نوع التفاصيل التي لم يتمكن الأطفال من تذكرها وجدوا اختلافًا ملحوظًا باختلاف أعمارهم، حيث أن ذكريات الأطفال الأصغر سنًا تفتقر إلى السرد مثل المكان و الزمان، ويعتقد الباحثون أن السبب يعود إلى عملية تعرف باسم “الاسترجاع الناجم عن النسيان” – حيث أن العمل على تذكر أسباب المعلومات الأخرى يؤدي إلى نسيانها .
يقول البروفيسور باور: “إن حقيقة أن الأطفال الأصغر سنًا يتذكرون تفاصيل أقل مقارنة بالأطفال الأكبر سنًا، يفسر صعوبة الإحتفاظ بهذه الذكريات المبكرة بعد انقضاء العقد الأول من الحياة، ونحن قد نتوقع أن الذكريات التي تعيش في السنة التاسعة أو العاشرة من العمر، ستبقى راسخة في الذاكرة بمرور العمر.”
لكي نفهم لماذا لا نتذكر أي شيء من طفولتنا المبكرة يجب علينا أن نفهم أولا كيف يتم طبع أقرب تجاربنا على الدماغ ؟
الرضيع يعتمد على كل من الذاكرة الدلالية و العرضية.
الذاكرة الدلالية هي معالجة الأفكار الغير المستخلصة من تجربة شخصية (أسماء الألوان، أو تواريخ الأحداث في التاريخ، على سبيل المثال)، بينما الذاكرة العرضية تعالج الأفكار المستخلصة من تجربة شخصية (ما حدث في اليوم الأول من المدرسة أو مثل أين كنت في 9/11) ، و مع مرور الوقت، قد تصبح الذاكرة العرضية ذاكرة دلالية، بحيث لا تذكر أن ما تعلمته عن الكلاب من اللعب مع كلبك الأول و لكنك تعرف فقط أنه كلب.
و يعتقد العلماء أن السبب في أننا لا نذكر الأحداث من سن الطفولة قد يكون بسبب الطريقة التي يتم بها تخزين الذكريات و الوصول إليها.
ويعتبر فقدان الذاكرة الطفولية ظاهرة حيرت العلماء منذ سنوات طويلة و تحديدًا قبل سن السنتين، مع كونها تظل فقيرة أيضًا حتى سن السادسة ؛لكن يعتقد فريق من العلماء الكنديين أنه توصل إلى إيجاد تفسير لذلك.
ففقدان الذاكرة الطفولي يرتبط وفق هؤلاء بنشاط الحصين، وهو منطقة من الدماغ تلعب دورًا هامًا في تشكل الذاكرة. فعندما تنمو عصبونات جديدة في الحصين، فإنها تمحو المعلومات السابقة فيه.
للإشارة فإن نمو العصبونات يكون أكثر نشاطًا خلال السنوات الأولى من حياتنا قبل أن يتباطأ شيئًا فشيئًا.
يعتقد معظم الناس أن ظهور عصبونات جديدة يعني الوصول إلى ذاكرة أفضل ولكن يبدو أن العكس هو الذي يحدث حسب جوسلين عالمة الأعصاب في مشفى l’Hospital for Sick Children في تورنتو بعد تجارب على الفئران قامت بها مع زوجها بول فرانكلاند.
حيث أن العصبونات الجديدة سوف تسمح بتوسيع الذاكرة و تخزين معلومات أكبر و لكن هذا الأمر مرتبط بتقدم العمر.
ويرى مازن خير بيك المختص في نمو الأعصاب في جامعة كولومبيا أن المخطط الذي طرحته شينا جوسلين لنمو الذاكرة معقول جدًا. لكنه يرى أن ما يمحو الذكريات القديمة ليس نمو الأعصاب الجديدة بل تخزين معلومات جديدة و عناصر جديدة و ربما يعود النسيان هنا إلى القدرة المتزايدة على تعلم أشياء جديدة، مما يؤدي إلى خيارين إما الحفاظ على المعلومات القديمة أو محوها وحفظ المعلومات الجديدة.
المصادر
1 – 2