الحوار غذاء العقل والتعايش الانساني
من أبرز الأساليب الحكيمة والبليغة التي استعملها القرآن الكريم، في إقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى، وعلى صدق الرسل الكرام -عليهم السلام- فيما يبلغون عن ربهم عز وجل أسلوب الحوار
من أجل الوصول إلى الحق عن اقتناع عقلي يجعل صاحبه يعيش حياته وهو ثابت على ما آمن به ثباتًا لا ينازعه ريب، ولا يخالطه شك. وقد استعمل القرآن الكريم أقوى البراهين في حواره للوصول إلى معرفة الحق.
اولا -المقدمـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــة :
إن كثيرا من المشاكل والصدامات الدامية التي تدفع البشرية ثمنها كان ممكنا أن تتجنب أصلاً أو يخفف أثرها أو تقلّ سلبياتها لو لجئ إلى الحوار واستنفذت أغراضه ووسائله. إن الحوار هو لغة الإسلام وقد قضى الله سبحانه أن تكون علاقته جل شأنه بمخلوقاته قائمة على أساس الحوار الإقناعي وليس على أساس القهر والإكراه، وأن القرآن الكريم وهو دستور الاسلام، ومصدر العقيدة قد وجهنا إلى أن الحوار هو الأسلوب الذي يجب على المسلمين إتباعه عند بحث القضايا والمشكلات. ومن مستلزمات الحوار ان نعترف بالآخر وبحقه في الوجود وبحقه في التعبير عن رأيه وبحقه في الاختلاف مع الآخر. اذن. فالحوار ممر استراتيجي لحل الأزمات الكبيرة والصغيرة.
استعمل القرآن الكريم منهج الحوار ليعلمنا استعماله في جميع مجالات حياتنا، من أجل الوصول إلى الحق بقناعة عقلية، وارتياح نفسي، واطمئنان وجداني، لكي يعيش المجتمع الإنساني في إخاء وتواصل، وأمن وأمان، وحب وسلام.
ثانيا الفصل الاول
المطـــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــلب الاول
مفهوم الحوار في اللغة:
اشتقاق لفظ “الحوار” في اللغة من مادة “ح و ر” التي تحمل من الدلالات الكثير، وذكر علماء اللغة أنّ له معاني متعددة تبعاً لتفعيلاتها الصرفية، فقد جاء في صحاح الجوهري، ما يلي: “المحاورة المجاوبة. والتحاور: التجاوب. ويقال: كلمته فما أحار إلي جوابا، وما رجع إلي حويرا، ولا حويرة، ولا محورة، ولا حِوارا. (بفتح الحاء وكسرها). أي ما رد جوابا”.()
وورد في تاج العروس: “الحوير كأمير والحوار بالفتح، ويكسر... كلمته فما رجع إلي حِوارا، وحَوارا، ومحاورة وحويرا، ومحورة. وإنه لضعيف الحوار، أي المحورة.()
وفي لسان العرب: أن الحَوْرُ: الرجوع عن الشيء وإِلى الشيء، يقال حارَ إِلى الشيء وعنه حَوْراً ومَحاراً ومَحارَةً رجع عنه وإِليه. وكل شيء تغير من حال إِلى حال، فقد حارَ يْحُور حَوْراً، قال لبيد:
وما المَرْءُ إِلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئِهِ يَحُورُ رَماداً بعد إِذْ هو ساطِعُ.()
وأشار ابن فارس بأنه: “وكلمته فما رجع إلي حَوارا ومحوارة.)()
ويتضح من خلال ما تقدم أن كلمة الحوار تدور حول المعاني الآتية:
1– الرجوع إلى الشيء وعن الشيء، والمتحاورون قد يرجع أحدهم إلى رأي الآخر أو قولـه أو فكره رغبة في الوصول إلى الصواب والحقيقة، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾الانشقاق:14 أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة.
2– التحول من حال إلى حال، فالمحاور يتنقل في حواره من حالة إلى أخرى، فمرة يكون مستفسراً، وأخرى يكون مبرهناً، وثالثة يكون مفنداً، وهكذا.
3– الإجابة والرد، وهو قريب من المعنى الاصطلاحي للحوار؛ لأن كلاً من طرفي التحاور يهتم بالإجابة عن أسئلة صاحبه، ويقدم مجموعة من الردود على أدلته وبراهينه
4– الاستنطاق ومراجعة الحديث، فكل واحد من المتحاورين يستنطق صاحبه ويراجع الحديث معه لغرض الوصول إلى هدفه وقصده.
5– النقاء والتخلص من العيوب، والواقع أن طبيعة الحوار والمناقشة تؤدي بالنتيجة إلى التخلص من العيوب الفكرية، من خلال طرح الأفكار المتعددة واختيار الراجح منها.
وفي القرآن الكريم لم يرد لفظ الحوار، وإنما ورد الفعل “حاور” والمصدر “التحاور” ثلاث مرات، وذلك في الآيات الكريمات:
قوله تعالى: ﴿وَكَانَ لَهُ ثمرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً﴾.الكهف:34
قوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً﴾.الكهف:36
قوله تعالى: ﴿قدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.المجادلة:1
ووردفي القران كريم يحور في الاية ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ﴾الانشقاق:14 أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة.
أما كلمة “الحوار” فهي أوسع مدلولاً من كلمة الجدل، باعتبار تضمُّن الجدل معنى الصراع، بينما نجد الحوار يتسع له ولغيره، مما يراد منه إيضاح الفكرة بطريقة السؤال والجواب.
الحوار في الاصطلاح:
وبعد هذا العرض للمدلول اللغوي يمكن أن نحـدد المعنى الاصطلاحي للحوار بأنه: “نوع من الحديث بين شخصين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب.
وقيل: هو مناقشة بين شخصين أو مجموعتين -أو أشخاص أو مجموعات- بقصد تصحيح الكلام، وإظهار حجة، وإثبات حق، ودفع شبهة، وردّ الفاسد من القول والرأي.
ونرى بأنّ الحوار أسلوب يجري بين جهتين، يسوق كلٌ منهما من الحديث ما يراه ويقتنع به، ويراجع الآخر في منطقه وفكره قاصداً بيان الحقائق وتقريرها من وجهة نظره.
ومما لا شك فيه فإن كل واحد من المتحاورين في الحوار لا يقتصر على عرض الأفكار القديمة التي يؤمن بها وإنما يقوم بتوليد الأفكار في ذهنه، ويعتمد إلى توضيح المعاني المتولدة من خلال عرض الفكرة وتأطيرها وتقديمها بأسلوب علمي مقـنع للآخر، بحيث يظل العقل واعياً طوال فترة المحاورة ليستطيع إصدار الحكم عليها، سلباً أو إيجاباً.
وبعد هذا العرض الذي قدمناه لمدلولات المصطلحات المتداخلة “الجدل -والمناظرة- والحوار” يتضح لنا أن الحوار وإن كان مناوبة الحديث بين طرفين إلا أنه لا يشتمل على الخصومة والمنازعة والمراء كما هو الجدل، وإنما هو أداة أسلوبية تستخدم لمعالجة موضوع من الموضوعات المتخصصة في حقل من حقول العلم والمعرفة أو جانب من جوانب الفكر والعقيدة، للوصول إلى حقيقة معينة بهذا الشكل من أشكال الأسلوب والمحادثة، وهو عملية تتضمن “عرضاً” من جهة، يتمثله “الآخر” ويجيب عليه فيحدث “تجاوب” يولّد عند كل منهما “مراجعة” لما عرضه “الآخر”، وهذه العملية هي التي يطلق عليها الحوار أو المحاورة.
المطلب الثاني الفرق بين الجدل والحوار
مفهوم الحوار:
كلمة الحوار كلمة جميلة رقيقة، تدل على التفاهم والتفاوض والتجانس، وإذا رجعنا إلى كتب اللغة العربية ومعاجمها فإننا نجد فيها مصطلحات تتفق في جانب من مفاهيمها ومعانيها مع مصطلح الحوار، وإذا أردنا أن نقف على مفهوم الحوار فإن ذلك يتطلب الوقوف على مفاهيم تلك المصطلحات التي لها علاقة وثيقة به وهي الجدل، والمناظرة، لأن هناك تداخلاً كبيراً في مستوى الدلالة بين هذه المصطلحات (الجدل - الحوار) وسنحاول هنا الوقوف على مفهوم كل مصطلح على حده لنرى أوجه الاتفاق والاختلاف بينها.
مفهـوم الجـدل:
جاء في كتاب مقاييس اللغة لابن فارس: جدَلَ الجيم والدّال واللاّم أصل واحد، وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام() وجدل يَجدِلُ: اشتدّت خصومته.()
أما في الاصطلاح: فقد عرفه الأصفهاني بقوله: “هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وقيل: الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجَدالة وهي الأرض الصلبة.4
المطلب الثالث :اداب الحوار
من آداب الحوار وأصوله ما يلي:
1ـ إخلاص النية لله ـ تعالى ـ وهي لب الأمر وأساسه ، و أن يكون الهدف هو الوصول إلى الحقيقة ، والإخلاص والتجرد.
2- فهم نفسية الطرف الآخر ، ومعرفة مستواه العلمي ، وقدراته الفكرية سواء كان فردا أو مجموعة ؛ ليخاطبهم بحسب ما يفهمون.
3- حسن الخطاب وعدم استفزاز وازدراء الغير، فالحوار غير الجدال ، واحترام أراء الآخرين أمر مطلوب ، ولنا في حوار الأنبياء مع أقوامهم أسوه حسنة، فموسى وهارون أمرا أن يقولا لفرعون قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى . وفى سورة سبأ يسوق الله لنا أسلوبا لمخاطبة غير المسلمين حيث يقول فى معرض الحوار . "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" .
4- حسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر ، وتفهمها فهما صحيحا ، وعدم مقاطعة المتكلم ، أو الاعتراض عليه أثناء حديثه.
5- التراجع عن الخطأ والاعتراف به ، فالرجوع إلى الحق فضيلة.
6- أن يكون الكلام في حدود الموضوع المطروح ، وعدم الدخول في موضوعات أخرى.
7- البعد عن اللجج ، ورفع الصوت ، والفحش في الكلام ، قال رسول الله (ص) : ( إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ( .
8- البعد عن التنطع في الكلام ، والإعجاب بالنفس ، وحب الظهور.
9- التروي وعدم الاستعجال ، وعدم إصدار الكلام إلا بعد التفكر والتأمل في مضمونه ، وما يترتب عليه.
10- عدم المبالغة في رفع الصوت ، إذ ليس من قوة الحجة المبالغة في رفع الصوت في النقاش والحوار بل كل ما كان الإنسان أهداء كان أعمق .
إذا فالحوار الإيجابي الصحي هو الحوار الموضوعي ، وهو حوار صادق عميق وواضح الكلمات ومدلولاتها وهو الحوار المتكافئ الذي يعطى لكلا الطرفين فرصة التعبير والإبداع الحقيقي ويحترم الرأي الآخر ويعرف حتمية الخلاف في الرأي بين البشر وآداب الخلاف وتقبله .
المطلب الرابع سمات لابد تكون بالحوار:
- جودة الإلقاء،.
- حسن التصوير.
- ترتيب الأفكار.
- العلم.
- الفهم مع العلم، قد تخذُل الحقَّ بضَعْف عِلْمك، أو تقتنع بالباطل لجَهْلك بالحقِّ.
- الإخلاص.
- التواضع.
الفصل الثاني :
المطلب الاول: امثلة للحوار من القران الكريم:
1-حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة:
إنّ أول من بدأ الحوار في إطار القرآن الكريم هم الملائكة عليهم السلام، وبدأ هذا الحوار في اللحظة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض خليفة، فأراد أن يخلق الإنسان لكي تناط به هذه المهمة الصعبة، فقال سبحانه: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾.البقرة:30-33
سؤال الملائكة ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ هو تعجبهم من أن يكون خليفة الله في أرضه عاص ومفسد ومسفك للدماء، واستبعادهم من أنّ حكمة الله تقتضي ذلك() ولا تعد همزة الاستفهام للإنكار بل يراد بها استكشاف عن الحكمة الخفية وعما يزيل الشبهة.()
﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ هو جواب لسؤالهم، أي أعلم ما في البشر من صفات الصلاح ومن صفات الفساد، وأعلم أنّ صلاحه يحصل منه المقصد من تعمير الأرض وأنّ فساده لا يأتي على المقصد بالإبطال، وأنّ في ذلك مصالح عظيمة ومظاهر لتفاوت البشر في المراتب وكان قول الله تعالى هذا إنهاءً للمحاورة وإجمالاً للحجّة على الملائكة بأن سعة علم الله تحيط بما لم يحط به علمهم.
2-حوار الله سبحانه وتعالى مع إبليس:
ويعتبر هذا النموذج من أخطر النماذج الحوارية في القرآن الكريم، حيث أن هذا النموذج والذي يمثل فيه سبحانه وتعالى الحق المطلق والخير المطلق فيحاور رمز الشر المطلق والباطل المطلق؛ ألا وهو إبليس عليه لعنة الله وكأن الله سبحانه أراد أن يضع لنا فلسفة مهمة، تقضي إلى إمكانية الحوار، ولو كان الحوار مع أشد الأعداء وأفظعهم، وفي قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ. قَالَ مَا مَنَعَكَ اَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ اَمَرْتُكَ قَالَ اَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ. قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ اَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ. قَالَ فَاَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ. قَالَ فَبِمَا اَغْوَيْتَنِي لاَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ اَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ اَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ اَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ. قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ اَجْمَعِينَ﴾.الأعراف:11-18
3-حوار الله مع الدهريين:
هذا الحوار جرى بين الله سبحانه وتعالى وبين الملاحدة الذين يعتقدون بأن الكون يسير بلا إله، يقول القرآن مظهرًا عقيدة هؤلاء: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.الجاثية:24-٢٥
استعمل القرآن الكريم في ردّهم حجّة العناية والاختراع، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لله أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.البقرة:٢٢-21
ولقد وجّه الله سبحانه وتعالى أنظارهم إلى أجزاء هذا الكون لكي يفهموا عظمة خالق الكون من خلاله. وأمّا الآيات الدالة على الاختراع والعناية فهي كثيرة. وقوله: ﴿وَالله خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.النور:45
4-حوار الله سبحانه وتعالى مع الأنبياء
إن من أبرز محاور الحوار التي تحدّث عنها القرآن الكريم وفصل في ذكرها، إيجازا وإطنابا إجمالا وتفصيلا في العديد من سوره، هو ما وقع بين الأنبياء وأقوامهم من حوار ومناقشات في مواضيع تتعلق بالعقيدة تصحيحا وترسيخا، ونشرا لها بعد ذلك، لأنّه لا يمكن إرجاع الناس إلى جادة الصواب وعبادة الله ونبذ الشرك عنه إلا بالتنبيه والإقناع الذين يقتضيان الحوار.
ونقصد هنا، حوار الأنبياء والرسل الذين كان الله يرسلهم لأقوامهم، سواء كان معهم كتاب سماوي، أو بعض الصحف والألواح، وأذكر بهذا الصدد نموذج حوار.
5-حوار نوح عليه السلام مع ابنه
في هذا النموذج سنعرض مرحلتين في الطريقة الحوارية، في المرحلة الأولى (بيّن المرحلة الثانية)، كان الحوار بين نوح عليه السلام مع ابنه، حيث قال الله سبحانه: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾.هود:42-45
﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.هود:46-47
6-الحوار بين نوح عليه السلام وقومه
أخبرنا اللٰه عز وجل أنه بعث نوحًا رسولا إلى قومه، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.الأعراف:59
ونرى بأن حواره صيغ بصياغة واضحة بألفاظ دقيقة ومحددة الدلالات، لأن الكلمات الفضفاضة والتعابير المطاطة تلقى بالناس في متاهات لا صلة لها بالواقع.
فلما دعا سيدنا نوح عليه السلام قومه إلى عبادة الله كان ردّهم ﴿فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾.هود:27
بعد أن سمعهم سيدنا نوح وتأمل في أدلتهم وما اشتملت عليه من شبهات، رد عليهم بأسلوب رقيق وجذاب بأدلة تُفَنِّد مزاعمهم ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى الله وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ الله إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾.هود:30-28
نرى بأنّ سيدنا نوح ردّ على كل شبهة على حده، وحاول أن يرجعهم إلى الموضوع الرئيسي وهو عبادة الله.
7-حوار سيدنا إبراهيم مع قومه
أظهر سيدنا إبراهيم عليه السلام أسمى معاني الأدب في حواره مع الآخرين، ويتضح ذلك من خلال ما يأتي:
أولا: في كلامه الموجّه إلى رب العالمين والذي يظهر في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾الشعراء:80-79 أسند المرض إلى نفسه تأدبا في كلامه الموجّه إلى الله. وأسند الشفاء إلى الله، وإنما المرض والشفاء كلاهما من الله.
ثانيا: في حواره مع آزر حينما قال له: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾مريم:46 تهديد من الأب بالرجم والهجر الطويل فبم رد خليل الرحمن: ﴿قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾مريم:47 إنه أدب الحوار، ورد نية الإساءة بالإحسان.
ثالثا: في حواره مع الملائكة مع جهله بحقيقتهم في بداية الأمر فقد ظنهم ضيوفا وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾هود:69 يبيّن أدب المعاملة وكرم الضيافة حتى مع الغرباء.
رابعا: في حواره مع أبنائه عندما وصّاهم بالتمسك بالدين في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾البقرة:132 ويظهر ما في لهجته مع أبنائه من تحبب وتقرب يدلان على أدب رفيع في الحوار مع الآخرين.
خامسا: في حواره مع الكفار والنمرود الذي ادّعى الألوهية وهو واحد منهم؛ ويتضح ذلك في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ الله يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.البقرة:258
وبعد فليس غريبا أن يقول الله سبحانه وتعالى في سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لله حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.النحل:120
8-حوار الله سبحانه وتعالى مع العزيز
نرى هنا كيفية سؤال هذا النبي عن بعض الأمور التي قد تكون غائبة أو غير حاضرة في تفكيره. سجل القرآن هذا الحوار فقال سبحانه وتعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.البقرة:259
الحوار في سورة البقرة :
1-حوار الله تعالى مع الملائكة
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
2-حوار الله تعالى مع ادم
قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
3-حوار ابراهيم مع النمرود
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
4-حوار الله مع الغبد الصالح
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.)
5-حوار الله مع ابراهيم
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
6-حوار الله تعالى مع ادم
وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)
المطلب الثاني: قواعد لابد ان تكون بالحوار
1 - الاحترام بين المتحاورين.
2 - البُعد عن الاستعجال في الردِّ على الخَصم.
3 - الهدوء في الحوار.
4 - التركيز على الفكرة والموضوعية في الحوار.
5 - أن يكون هدف الحوار الوصول إلى الحقِّ.
6 - تحديد موضوع الحوار والهدف منه.
ومن أهداف تحديد موضوع واحدٍ؛ حتى لا تَكثر النقاط المُتحاوَر عليها؛ لأنه تَصعب المحاورة في هذه الحالة.
7 - مناقشة الأصول قبل مناقَشة الفروع.
8 - الاتفاق على أصل يُرجَع إليه.
كالقرآن والسُّنة
9- اختيار المكان والزمان، والإنسان المناسب.
10- الموضوعيَّة.
فمن الموضوعية التالي:
- تحديد الموضوع، ويقتضي ألاَّ تخرج من نقطة حتى تنتهي منها.
- مناقشة الموضوع وليس الشخص وشخصيَّته.
- عدم إدخال موضوع في آخر.
- عدم استخدام الأيمان المغلَّظة.
- تجنُّب الكذب في النقاش.
- تجنُّب بَتْر النصوص.
- قولك: "لا أدري".
- التوثيق العلمي.
المطلب الثالث :آفة الحوار
- رفْع الصوت.
- تهويل مقالة الآخر.
- أخذ زمام الحديث بالقوة.
- الاعتداء في وصْف الآخر، لا تقل شيئًا إلا بدليل، فلا تتَّهم النيَّة مثلاً .
- خلاصة:
- الحوار يغلب عليه الهدوء.
- الحوار نوع من الحديث، والنِّقاش يكون بين طرفين أو أكثر.
- الحوار أوسع من الجدال.
- القرآن الكريم اهتمَّ بالحوار وحرَص عليه.
- يهدف الحوار إلى تحقيق عدة أمور.
- من خلال الحوار نستطيع إيصال الفكرة إلى الآخرين.
- الحوار يعلِّمنا سَعة الصدر، وقَبول الآخرين.
- لا بدَّ أن يكون المحاور على درجة من الثقافة والعلم.
- الحوار يقوم على قواعد وضوابط وآليات.
- لا بد في المحاور من آداب تتخلَّله.
- إنَّ الحوار له أصل مِن القرآن والسُّنة.
- عدم إلغاء الطرف الآخر في الحوار.
المطلب الرابع :اساليب الحوار في القران الكريم :
أسلوب الوصفي التصويري :
يعرض مشاهد حوارية واقعية. بقصد تبسيط فكرة وتقريبها للمستمع من خلال الحوار الجاري، وحمله على تبني موقف صحيح. ومثال ذلك حوار موسى عليه السلام مع فرعون: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قــَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.الشعراء:28-23
أسلوب الحجة والبرهان :
ومن أساليب الحوار في القرآن الكريم الأسلوب الحجة والرهان: يعتمد الحجة والبرهان لدحض ادعاءات المنكرين للتوحيد والبعث بأسئلة تزعزع تقاليدهم ومعتقداتهم الباطلة. وتهدف إلى توجيههم للنظر والتفكير في آيات الله من أجل بناء قناعات ومواقف صحيحة. ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.الأنبياء:67-66
المطلب الرابع :الخلاصة
بعد الوقوف على بعض صور الحوارات القرآنية يتضح لنا ما يأتي:
– الحوار القرآني مع أصحاب الملل المختلفة يدفع كل مسلم صادق في إيمانه إلى أن يسلك سبيل القرآن في الدعوة بكل الوسائل الخطابية والجدلية والبرهانية.
– الإسلام هو دين الحوار ولكنه الحوار المتكافئ القائم على إرادة الفهم، وإرادة العلم، وإرادة التعايش بعيداً عن مختلف الإكراهات السياسية والاجتماعية والنفسية والفكرية.
– إن حوارات القرآن الكريم كلها دروس وعبر، ومنها مناشدة المخالفين لبيان سر مخالفتهم حتى توضح لهم الطريق الذي حادوا عنه، وأول حواره مع إبليس عن سر رفضه الامتثال لأمر ربه جل وعلا للسجود لآدم عليه السلام وفيه دعوة للحوار مع المخالفين حتى وإن كانوا غير مسلمين.
المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم .
- السنة النبوية (على صاحبها الصلاة والسلام )
- معجم مفردات ألفاظ القرآن الكريم .للعلامة الراغب الاصفهاني .
- الصحاح في اللغة والعلوم , العلامة الشيخ عبدالله العلايلي .
- تاج العروس ، محمد مرتضى الزبيدي .
- ديوان العجاج .
- معجم مقاييس اللغة ،ابن فارس .
- مختار القاموس ، الاستاذ الطاهر احمد الزاوي .
رضا العاشور
المصدر : النور للدراسات الحضارية والفكرية
بقلم :د. إسحاق رحماني1