سمعنا من قبل عن الهندوسية والبوذية والكونفشيوسية كجزء من الديانات غير السماوية، وقد تناولنا في موضوع سابق أغرب الأديان التي استحدثها البشر والتي كان منها الرائيلية، والجيدية، وأمة يهوه، وبانا ويف، ولكل منها معتقدات وأتباع.
ولعل من أبرزها أيضًا السيانتولوجيا وهي من أهم الحركات الدينية التي ظهرت وحظيت على اهتمام كبير، بل وأتباع كثر من مشاهير العالم. فما هي الديانة السيانتولوجية ؟ وهل هي فعلًا ديانة؟ وكيف استطاعت جذب أتباعها خاصة مشاهير هوليوود أمثال توم كروز وجون ترافولتا؟!
السيانتولوجيا هي فلسفة من العقل البشري، لكنها في الخمسينيات أطلقت على نفسها “ديانة”. اليوم تدّعي الكنسية السيانتولوجية أن لها أتباعًا يصل عددهم لأكثر من 10 ملايين شخص حول العالم، تتمتع بالإعفاء الضريبي في الولايات المتحدة، ولها مرافق حول العالم. تقدّم السيانتولوجيا التطوير الذاتي للأعضاء الجدد من خلال الدورات الدراسية وتقديم المشورة. وتدّعي أنها تحسّن المجتمع ككل من خلال منظماتها التوعوية، والتي تضم تقديم المشورة لمتعاطي المخدرات ” Narconon” والسجناء “Criminon”، والوسائل التعليمية، ومنظمات خاصة بحقوق الإنسان والغوث في الكوارث.
لكن في المقابل هناك بعض الأدلة التي تشير إلى تراجع وجودها، وأن عدد أتباعها أقل من 100 ألف، كما أنها في صراع مع العديد من الحكومات لرفض اعتبارها ديانة خاصة فيما يتعلق بدوراتها الدراسية لتحسين الذات، والمرتبطة بالضغط على الأعضاء للتبرع، والتي تذهب في النهاية على الأصول والتي من بينها المباني الفارغة. كما أنها منتقدَة لقيامها بالاهتمام بالتجنيد والحشد لصالح السيناتولوجيا ذاتها أكثر من أعمال الخير! وربما أصبح كل شيء حولها هو محل خلاف.
والخلاف أيضًا يحيط بمؤسسها “رون هوبارد” والذي تراه الكنسية السيانتولوجية رجلًا ذا أبعاد أسطورية، مغامرًا، مستكشفًا، كاتبًا، وباحثًا مسئولًا عن أعظم الاكتشافات العلمية منذ اكتشاف النار!
فمن هو هذا الرجل؟
هو “لافاييت رونالد هوبارد” وُلد في تيلدن في نبراسكا في 13 مارس عام 1913م، وفي الثلاثينيات والأربعينيات أصبح معروفًا ككاتب خيال علمي. وفي الخمسينيات أصدر أول نسخة من نظرية “ديانتكس” والتي وضعها بعد ذلك في كتاب يختص بالصحة العقلية، ويعتبره الأتباع بمثابة كتابهم المقدّس، ويناقش الكتاب كيفية الوصول إلى الصحة العقلية عن طريق ممارسات وجلسات معينة. وقد اعتبر الناس ما توصل إليه هوبارد بأنه طريقة لاكتشاف العقل، وقد تعرّضت هذه الأفكار للانتقاد من قبل العلماء والصحافة. وبعد فترة شكّل هوبارد ما أطلق عليه “السيانتولوجيا”.
وبعد أن قدم أيضًا “الديانتكس” كعِلم والذي وعد من خلاله بتقديم العلاجات للأمراض النفسية، وجد أنه واقع تحت رقابة إدارة الغذاء والدواء. وللتهرّب من ذلك، بدأ في منتصف الخمسينيات بإرشاد أتباعه للإشارة إلى السيانتولوجيا كدين، وبدأت هذه المنظمة بالتحوّل إلى كنيسة فيما بعد.
وقد أدار هوبارد أتباعه وكل ما يخص ديانته عبر سفينة في البحر المتوسط، واستمر في البحث عن مستويات أعلى من البصيرة الروحانية. وفي 1975م استطاع الوصول إلى فلوريدا وتأسيس مقره في مدينة “كليرووتر”. وفي تلك الفترة أصبح يعيش في عزلة وخوف لوجود مشاكل مع مكتب التحقيق الفيدرالي. وقد توفي في عزلته في مزرعة في كاليفورنيا عام 1986م، ليتسلّم بعده مقاليد السلطة الدينية “ديفيد ميسكافيج” والذي لا يزال موجودًا حتى اليوم.
وصلت السيانتولوجيا ذروة شعبيتها في الثمانينيات، وذلك بفضل رجل يُسمى “جيفرسون هواكينز” والذي أشرف على تسويق الديانتكس، بل وعمل على إنتاج الحملات الإعلانية التلفزيونية، لكنه ترك الكنيسة عام 2005م. فقال أن الكنسية متهمة بالاحتيال وانتهاكات حقوق الإنسان؛ ما أدى لتركها من قِبل كثير من الناس، لكن البعض لا يزال يمارس وجوده فيها كسيانتولوجيين مستقلين.
بماذا يؤمن أتباع السيانتولوجيا؟
في الديانتكس ادّعى هوبارد أنه اكتشف طريقة جديدة لفهم العقل البشري، وأن الأفكار السابقة حول اللاوعي كانت غير صحيحة. فحين نكون بحالة من اللاوعي، أو أننا لا نتذكر كل شيء في حياتنا، فيتم تسجيل الذكريات خاصة الصادمة منها في تفاصيل دقيقة فيما أطلق عليه هوبارد العقل النشط أو الفعّال.
وفلسفة السيانتولوجيا تتركز في “صدمة الولادة” وهي التجربة التي عاشها الإنسان منذ أن كان جنينًا في الرحم، وما تعرّض له من ألم وأذى وهو في بطن أمه. فالسيانتولوجيا تتلخص في مساعدة الإنسان على التخلص من الآلام التي عاشها وهو في الرحم. فيرى هوبارد أن عقليات البشر مضغوطة وغير قادرة على تحقيق طموحاتها بسبب ما تعرضوا له في مرحلة ما قبل الولادة. ووظيفة السيانتولوجيا إزالة كل شوائب الماضي وعوالقه كونه يؤثر على صحة الإنسان. كما تؤمن بأن روح الإنسان سكنت أجسادًا عديدة في أماكن مختلفة، وهي ما تُسمى بـ “الثيتان” والتي ترسّخ فكرة الأرواح الخالدة.
ولكي يبلغ المرء مرحلة الـ “ثيتان” يجب أن يخضع للعلاج النفسي، من خلال جلسات خاصة ينظمها الأعضاء لتطهير الفرد من المدركات والمفاهيم السلبية التي ترسبت في عقله الباطن على مدار حياته. وتسمى هذه الأفكار السلبية أو الذكريات المؤلمة “Engrams” “إنجرام”. وتتم عملية التطهير من خلال ما يسمى “التقنية العقائدية” وهي عبارة عن عدد من الأسئلة والأجوبة تهدف إلى تحديد “الإنجرام” وإبطال مفعوله” على أيدي من يُقال عنهم “Auditors” أو “المستمعون” من خلال جلسات المكاشفة والمصارحة. وبمجرد التخلص من الصدمة في الحياة الماضية أوالحالية عبر العقل الفعال من خلال الاعتراف والمصارحة يصبح حينها الإنسان نقيًا! ولعلّ أهم الانتقادات الموجهة لهذه العقيدة، أنها تتعامل مع الإنسان على أنه مريض نفسي، لا قرار له، مجرد تابع فقط!
وأحد من كشف أسرار السيانتوجيا هو أحد أعضائها السابقين “دينيس إيرليش” والذي شرح تدرّج العضو السيانتولجي منذ دخوله الكنيسة حتى بلوغه لأعلى مستويات الثيتان وهو ما يسمونه “الجسر نحو الحرية الكاملة”.
فتبدأ إعادة البرمجة العقلية لمن يريد الانضمام للكنيسة السيانتولجية بالدورات الأساسية، والتي تدّرب الأفراد على ما يشبه تسليم أنفسهم بالكامل لمن يُعرف بـ “auditor” وهو بمثابة راعي لإخراج شوائب النفس وتخليصها من الآلام على عدة مراحل إلى أن يصل الفرد إلى جسر الحرية وهي المرحلة التي تُمحى فيها ذكريات العقل النشط، ويتم فيها طرد الأرواح الشريرة والغريبة، وكل ذلك يتم بتقنيات خاصة، ومكلفة جدًا.
ربما المرحلة الأولى للمبتدئين قد لا تتطلب الكثير من الأموال، لكن المستويات العليا من جلسات الثيتان قد تكلّف عشرات آلاف الدولارات لكل خطوة، والتي قد تستغرق شهورًا وربما سنوات.
وهذا ما يدفع للتساؤل إن كان الإنسان هو هدف السيانتولوجيا، فلماذا تفرض عليه كل هذه الأموال الطائلة؟ وهل هي ديانة أم تجارة؟
تعرّضت الكنيسة السيانتولوجية للانتقادات منذ نشأتها ولأسباب عديدة، فبالإضافة إلى أنها تتعامل مع الإنسان على أنه مريض نفسي، فهي تبتلع أمواله إذ تحتاج كل خطوة على طريق الانضمام للكنيسة وغسل النفس والوصول إلى النقاء عشرات الآلاف من الدولارات. وهناك أرقام تتحدث وتثبت ذلك!
فقد استطاعت الكنيسة جمع مبالغ ضخمة، فتمكّنت من الحصول على 100 مليون دولار خلال عام من الخدمات التي تقدمها في كليرووتر، و250 مليون دولار منذ عام 2006م لصالح الرابطة الدولية للسيانتولوجيين، وعشرات ملايين الدولارات لمبنى الكنيسة الجديد “Ideal Orgs”، وملايين لا تحصى من بيع نسخ جديدة من الكتاب المقدّس للكنيسة!
وسؤال آخر لا بد وأن نطرحه: كيف استطاعت السيانتولوجيا وفي فترة قياسية مقارنة بتاريخ نشأتها جذب أهم نجوم العالم؟
عشرات المشاهير انضموا للكنيسة السيانتولوجية، منهم من صرّح ذلك علنًا، ومنهم من أخفى ولاءه. ربما لا توجد تفسيرات دقيقة تدفع ثلة من عمالقة المشاهير لاتباع ديانة مستحدثة، يتطلب الانضمام لها إنفاق مبالغ كبيرة. لكن بعض التفسيرات التي قد تبدو منطقية إلى حد ما أن المال قد يبدو شيئًا تافهًا لأشخاص جمعوا عبر مسيرتهم الفنية ثروات كبيرة، فليس لديهم أي إشكالية في إنفاق المزيد من أجل أن يكونوا سيانتولوجيين بمراتب عليا. رون هوبارد نفسه كان يرى أن تجنيد المشاهير هي الطريقة الأكثر سهولة لإيصال رسالة السيانتولوجيا.
فيحاول هؤلاء البحث على مكانة عالية والتفوق على الجميع، وتحقيق شهرة ونجومية أكبر، وتعمل الكنيسة على إقناعهم بالانضمام إليها للوصول إلى المعنى الحقيقي للحياة في أن يكونوا الأعلى والأسمى. وربما سبب قد يبدو الأهم بنظر البعض هو أن هذه الكنيسة تتمتع بالإعفاء الضريبي في الولايات المتحدة، لذلك يرى النجوم أنها المكان الأمين لأموالهم.
فهم على أية حال سيستفيدون من الإعفاء الضريبي، فحين يتبرعون بأموالهم إلى الكنيسة التي تمتلك الطائرات واليخوت والمباني الفاخرة، فسيتمتعون بمزايا الخصم الضريبي، وفي ذات الوقت الاستفادة من هذه الممتلكات دون الحاجة مثلًا لإنفاق أموال عليها لإصلاحها أو استبدالها. وبالتالي هي طريقة عبقرية للحفاظ على الأموال!
من أشهر النجوم التابعين للكنيسة السيانتولوجية بالإضافة لتوم كروز وجون ترافولتا، هم: كريستي آلي، إليزابيث موس،، داني ماتيرسون، لورا بريبون، بيجو فيليبس، إيريكا كريستنسين، جولييت لويس، جايسون لي، سينجر بيك، جينا إليفمان، آن آرتشر، كيللي بريستون، كاثرين بيل.
كيتي هولمز وابنتها سوري
لكن منهم من تركوها، وأهمهم كيتي هولمز ونيكول كيدمان طليقتا النجم توم كروز، ويُقال أنهما قررتا مغادرة الكنيسة بسبب الانفصال عن كروز. وقد اعترف كروز في عام 2013م بأن زوجته السابقة كيتي هولمز اختارت الطلاق لحماية ابنتهما “سوري” من السيانتولوجيا، كما قال أن ابنته ليست عضوًا في هذه الكنيسة. وهناك مشكلة عاصفة تلاحق السيانتولوجيا، وذلك بعد عرض الفيلم الوثائقي “Going Clear” والذي فضحها وكشف سوءاتها ووجهها القبيح!
المصدر: 1 ، 2