يرفضون أي شكل من أشكال الاندماج في العالم الحديث بما فيه من ميزات وتقدم لصالح البشر، يبتعدون عن كل وسائل الاتصال والتواصل والحداثة، فيعيشون في عزلة قاتلة بدون كهرباء أو هاتف أو إنترنت، كما لا يركبون الطائرات أو السيارات، فوسيلة تنقلهم هي العربة التي يجرها الخيل. إنهم الأميش، الطائفة المسيحية التي توقف عندها الزمن….
يمارس الأميش شعائرهم الدينية بالتزام وصمت، ولا يشربون الكحول، كما يحرّمون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، فمن هي هذه الطائفة؟ وكيف نشأت؟ ولمَ تفضّل الانعزال وعدم الانخراط في المجتمعات الأخرى؟
من هم الأميش؟
أميش “Amish” طائفة مسيحية نشأت خلال فترة الإصلاحات الدينية وبروز تيارات دينية مسيحية تجديدية. ويُطلق على هذه الطائفة تجديدية العماد ” Anabaptista” وهي التي تدعو لعدم تعميد الأطفال لأنهم غير قادرين على الالتزام الديني، وتدعو في الوقت ذاته، لتعميد البالغين أو حتى الذين سبق وأن تم تعميدهم.
وقد نشطت هذه الحركة في القرن السادس عشر في أوروبا في كل من سويسرا وألمانيا وهولندا، وقد رفضت سلطة الكنيسة. الأميش مرتبطون بالحركة المينوناتية وهي طائفة مسيحية أنشأها “مينو سيمونز” في القرن السادس عشر، وقد نشأت كطائفة معترضة على حكم الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. وبسبب الاضطهاد الذي لاقوه أتباع الأميش والذين انشقوا فيما بعد عن المينونايت في أوروبا هاجرت غالبية عظمى منهم إلى الولايات المتحدة. وترجع جذور الأميش إلى القرن السادس عشر في أوروبا، مع نشوء حركة الإصلاح الدينية البروتستانتية في زيورخ في سويسرا على يد يعقوب أمان.
هدد انتشار حركة تجديد العماد السلطات المدنية والدينية، فبدأ استهداف أفراد هذه الجماعات وسقط أول قتيل عام 1527م. وقد تم الاعتداء على هؤلاء الأتباع بل وحرقهم، وإغراقهم، وتجويعهم في السجون، وإعدامهم بالسيوف، إلى أن قرر عدد كبير منهم الهجرة خارج أوروبا.
موجات الهجرة
بحثًا عن الاستقرار السياسي والحرية الدينية، هاجر الأميش على مرحلتين إلى أمريكا الشمالية، الهجرة الأولى كانت في منتصف القرن الثامن عشر، والثانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وأول مستعمرة قاموا بتأسيسها كانت في جنوب شرق بنسلفانيا. وكذلك توزعوا في مقاطعات مختلفة في بنسلفانيا، ثم إلى أوهايو، وإنديانا، وكذلك الولايات الغربية. واليوم، تتمركز مستعمرات الأميش وسط المحيط الأطلسي، وكذلك مناطق الغرب الأوسط من الولايات المتحدة. وقلة من الأميش تعيش غرب المسيسيبي، أو في أعماق الجنوب. أما في أوروبا، فقد انتهى وجود آخر طائفة من الأميش عام 1937م.
التوزيع الجغرافي للأميش
معظم الأميش يعيشون في الولايات المتحدة، وكما ذكرنا يعيشون في انغلاق وعزلة بعيدًا عن التقنية الحديثة، يرفضون الذوبان والانصهار في بوتقة الثقافة الأمريكية. فيمتنعون عن التصويت في الانتخابات الأمريكية أو حتى أداء الخدمة العسكرية. مع مطلع القرن العشرين، بلغ عدد أفراد طائفة الأميش في أمريكا الشمالية حوالي 5000. أما اليوم فينتشر أفراد الطائفة في 22 ولاية أمريكية، وكذلك وصل عددهم في أونتاريو في كندا إلى 150 ألف. ويعيش ثلاثة أرباع منهم في أوهايو، وبنسلفانيا، وإنديانا. وهناك مجتمعات محدودة لهم في ولاية آيوا، وميزوري، ونيويورك، وويسكونسن. لا يوجد للأميش منظمة وطنية، أو مؤتمر سنوي. ويشكّل مجتمع الكنيسة المحلي المكوّن من 25 أو 35 عائلة قلب حياة الأميش.
الأميش: العادات والتقاليد
يتجنّب الأميش التقنية الحديثة، أو أي من وسائل الراحة، ووسيلة النقل التي يعتمدون عليها هي العربات التي تجرها الخيول، يعيشون بدون كهرباء أو هاتف في منازلهم. يميل رجال الأميش إلى إطلاق لحاهم، ويرتدون السراويل التي لها أزرار بدلًا من السوستة. أما النساء فيرتدين أغطية بيضاء للرأس، وثوبًا بسيطًا من قماش بلون واحد. ويبتعد الأميش عن نوعية الملابس التي بها تباهي أو تفاخر. والهدف من نمط الملابس هو منع التفاخر والغرور، وتشجيع الأميش على التكيّف مع مجتمعهم، والتركيز على الجوانب الأخرى بدلًا من المظهر الخارجي. فالملابس موحَدّة، غير مبهرجة أو براقة، وكذلك غير ملفتة.
فيعتقد الأميش أن الملابس البسيطة تعبّر عن التواضع والإيمان والتي تميّز مجتمعهم عن العالم الخارجي الحديث. ومعظم قواعد اللباس المتبعة تنطوي على تعاليم الكتاب المقدّس والتي تنص على تغطية الرأس سواء للنساء أو الرجال.
يرتدي الرجال والأولاد أحذية وجوارب وسراويل سوداء مع حمّالات للسراويل ولا يرتدون الأحزمة. ويرتدون القبعات المصنوعة من القش لحماية وجوههم من الشمس خلال الصيف، أما في الشتاء فيرتدون قبعات سوداء، وهناك اختلافات بسيطة في القبعات قد تجدها بين مجتمعات الأميش.
أما النساء فيرتدين ثيابًا طويلة، ويكون فوقها مآزر أو ما يعرف بالمرايل وهي قطعة القماش البيضاء. كما يرتدين أغطية بيضاء للرأس والتي يتم ربطها بأربطة تحت الذقن. أما النساء المتزوجات فيرتدين أغطية سوداء على القبعات البيضاء، لكن في بعض المجتمعات تكون الأغطية فقط خلال الشتاء.
يؤمن الأميش بالحفاظ على أنفسهم من العالم، أي من الأشياء المختلفة مثل قيادة السيارات، أو امتلاك التلفاز، أو الذهاب إلى السينما، أو استخدام مساحيق التجميل، أو التمتع بوسائل الراحة الكهربائية أو الهواتف. وهم غالبًا ما يستخدمون المولّدات البسيطة التي تعتمد على الرياح للحصول على الطاقة لتشغيل معدّاتهم، ويستخدمون الخيول بدلًا من الجرارات الزراعية لأداء المهام الزراعية.
أما منازلهم فهي في غاية البساطة، تتميز بأنها متسعة بها عدد كبير من الغرف مع غرفة كبيرة تكون بمثابة كنيسة مصغرة حيث يقيمون فيها الصلوات. أثاث المنازل متواضع جدًا، والتي عادة ما تحتوي على المقاعد التي يتناول عليها الأفراد وجبات الطعام. وتكون طوابق المنزل فارغة في الغالب، مع نوافذ بستائر ذات نمط لوني واحد. وكذلك الحال بالنسبة لغرف النوم فهي بسيطة للغاية بدون أي إضافات أو أدوات زينة، وقد لا تجد في بعضها خزانات للملابس.
المحافظة والبساطة هي القاعدة السائدة، أما التقنيات الحديثة فهي بالكاد موجودة في بيوت الأميش وذلك بسبب المعتقدات الدينية. لكن، يمكن أن تجد بعض الأدوات المنزلية والتقنيات التي كانت مستخدمة في القرن التاسع عشر، مثل الغسّالة التي تعمل بمحرك غازولين، وثلاجات غاز البروبان التي لا تعمل بالكهرباء، ومصابيح الكيروسين، والهواتف في المحلات التجارية، والآلات التي تعمل بالديزل، والمولدات لآلات اللحام، والمحركات التي تعمل بالغازولين للأدوات الزراعية.
السلطة الدينية
يضع الأسقف التعاليم المسموح بها في المجتمع، وقد يكون بعض الأساقفة أكثر تساهلًا من غيرهم. للوهلة الأولى قد تعتقد أن المظاهر الملموسة للدين عند الأميش موجودة في كل مكان، لكن مع البحث بشكل أعمق فلن تجد هناك مثلًا مباني للكنيسة، أو التعليم الديني داخل المدارس، إلا أن التدين يعم جميع مظاهر حياة الأميش، فتتم الصلوات الصامتة قبل وجبات الطعام وبعدها في كل يوم.
“أوردنونج” مخطط ديني للسلوك ينظم السلوكيات العامة والخاصة في مختلف المناسبات، وتكون هذه التعليمات غير مكتوبة، إنما يتم تمريرها شفويًا فيما يتعلق بنمط حياة الأميش. وتنص قواعد الأوردنونج على إطلاق اللحية بدون شوارب، واستخدام العربات التي تجرها الدواب. كما أنها تحدد المحرّمات مثل الطلاق، ورفع الدعوى القضائية، وارتداء المجوهرات، وامتلاك السيارة، أو الالتحاق بالجامعة. ويتم تحديث هذه القواعد حسب نشوء قضايا جديدة، مثل زراعة الأجنة للأبقار، واستخدام الحواسيب، وأجهزة الفاكس، والعمل في المصانع.
ويقوم الأسقف في كل مجتمع أميش بشرح القواعد. ويمكن الوصول إلى تفاهمات جديدة لهذه القواعد مثلًا قد يتم التساهل في امتلاك أدوات جز العشب، أو شرب القهوة الفورية، لكن هناك أمور لا يمكن التغاضي عنها مثل امتلاك كاميرات الفيديو التي تعمل بالبطارية والتي قد تؤدي إلى الاتصال مع العالم الخارجي.
يتعلم الأطفال تعاليم الأوردنونج بمراقبة الكبار. فلا تضع الكنيسة الأطفال تحت رقابتها، أي أنهم لم يصلوا إلى المرحلة التي قد يُحَاسبون فيها على أية أخطاء. لكن بمجرد بلوغ 16 عامًا يتم التعميد، وعلى المراهقين بين 16-22 عامًا أن يُظهِروا إيمانهم بالعقيدة المسيحية، وأن يتعهدوا بالتمسك بتعاليم أوردنونج. أما أولئك الذين يختارون عدم الإيمان بهذه المعتقدات، فقد يُضطرون لترك المجتمع أو حتى أنهم قد يتعرضون للطرد، إلا أنهم مدعوون للعودة مرة أخرى إليه.
المصدر: 1 ، 2