المسألة الأولى: تمسكه بالوثنية وأعمالها
أ- مقاومته دعوة التوحيد
نشأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكة وتربى في ربوع بطاحها بين أهله وأبناء عشيرته بني عدي بن كعب، وشب كغيره من فتيان قريش وساداتها يدين بدين الوثنية، بل إنه كان ممن قاوم دعوة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، واضطهد من آمن بها من بني عدي بن كعب، فكان ممن نالهم إيذاء عمر على الإسلام أقرب الناس إليه، أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وأم سعيد فاطمة بنت بعجة [1]. وممن روى تعذيب عمر لهم، جارية بني المؤمل وهم حي من بني عدي بن كعب، فكان عمر يضربها حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة ..، فابتاعها أبو بكر الصديق فأعتقها [2].

ومن الأخبار المروية في تعذيب عمر للمستضعفين ما روي عن أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت: والله إنا لنرتحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر بن ربيعة بن كعب في بعض حاجتنا، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي -وهو على شركه- قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا. قالت: فقال: إنه للانطلاق يا أم عبد الله. قالت: فقلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله آذيتمونا، وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا مخرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أرها، ثم انصرف، وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله، لو رأيت عمر آنفاً، ورقته وحزنه علينا قال: أطمعت في إسلامه؟ قالت: قلت: نعم، قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأساً منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته عن الإسلام [3].

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعمر رضي الله عنه: "قد كنت شديد الشغب علينا يا أبا حفص، فدعوت الله أن يعز بك الإسلام". فتبين من النصوص السابقة أن عمر رضي الله عنه كان ممن يقوم في جاهليته بتعذيب المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم من المستضعفين وخاصة من بني عدي وهم قومه، والناظر في سيرة النبي وما تعرض له السابقون إلى الإسلام من التعذيب يجد أن هذا التعذيب إنما كان يقع من أشراف قريش وساداتها على من آمن من قومهم [4].

ب- تعاطي الخمور
ومن مساوئ الجاهلية التي ذكر أن عمر اتصف بها في جاهليته تعاطي الخمور وشربها، فقد روي عنه قوله: وإني كنت لأشرب الناس لها في الجاهلية [5]. ومما يدلّ على تأصل حبّ الخمر وشربها في نفوس العرب أن الله عز وجل لم يحرمها دفعة واحدة وإنما كان تحريمها بالتدرج حتى تعتاد النفوس ذلك. وكان عمر رضي الله عنه بعد إسلامه من أبعد الناس عن شرب الخمر وأكثرهم كراهية لها. يدعو الله ويقول: "اللهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً" حتى نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 90 - 91]. فقال عمر رضي الله عنه: "انتهينا انتهينا" [6].

ج- وأد الينات
ومنها وأد البنات (دفنهن وهن أحياء)، وهي عادة عرف بها العرب، لتفضيلهم الذكور على الإناث فهم يعتمدون على الذكور في الصيد والغزو والحرب والتجارة وغيرها. أما الإناث فلم يكونوا يعتمدون عليهن في ذلك. وقد ذكر الله عز وجل كراهيتهم للإناث في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل: 58 - 59]. وكانت بعض قبائل العرب تكره هذه العادة بل كان فيهم من يأخذ البنات من آبائهم ويعتني بهن، ويحميهن من الوأد كصعصعة بن ناجية بن عقال، وكان يعرف بالذي أحيا الموؤوادات فبعث الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم وعنده مائة جارية وأربع جوار أخذهن من آبائهن لئلا يوأدن، وفيه يقول الفرزدق (ابن حبيب: المحبر ص141):

جدي الذي منع الوائدات *** وأحيا الوئيد فلم يوأد.

وأما عمر رضي الله عنه فقد ذكر عنه أنه وأد ابنة له في الجاهلية، ولم أجد من روى ذلك عن عمر فيما اطلعت عليه من المصادر ولكني وجدت الأستاذ عباس محمود العقاد أشار إليها في كتابه عبقرية عمر، فقال: "وخلاصتها: أنه رضي الله عنه كان جالساً مع بعض أصحابه إذ ضحك قليلاً، ثم بكى، فسأله من حضر؟ فقال: كنا في الجاهلية نصنع صنماً من العجوة، فنعبده ثم نأكله، وهذا سبب ضحكي، أما بكائي، فلأنه كانت لي ابنة، فأردت وأدها، فأخذتها معي، وحفرت لها حفرة، فصارت تنفض التراب عن لحيتي، فدفنتها حية .. ". وقد شكك العقاد في صحة هذه القصة؛ لأن الوأد لم يكن عادة شائعة بين العرب وكذلك لم يشتهر في بني عدي ولا أسرة الخطاب التي عاشت منها فاطمة أخت عمر وحفصة أكبر بناته وهي التي كنى أباحفص باسمها، وقد ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها، فلماذا وأد الصغرى المزعومة..! لماذا انقطعت أخبارها فلم يذكرها أحد من إخوانها وأخواتها، ولا أحد من عمومتها وخالاتها [7].

وعلى الرغم من تمسك عمر رضي الله عنه بالوثنية ومقاومة دعوة التوحيد وأتباعها وما روي من تعاطيه الخمر وغيرها من عادات الجاهلية السيئة إلا أنه كان ممن يعظم شعائر الله ويعرف لها فضلها وهذا مما بقي من ملة الخليل إبراهيم عليه السلام على الرغم من تفاوته في النفوس، فقد كان القرشيون في الجاهلية يعظمون البيت الحرام، ويطوفون به ويحجون ويعتمرون ويقفون بعرفة والمزدلفة ويهدون الهدي. فقد سأل عمر رضي الله عنه بعد إسلامه النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية وهو أنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي بنذره [8].

المسألة الثانية: عمله بالرعي والتجارة
إن الاشتغال بالرعي والتجارة من المهن الفاضلة التي عرفت عند العرب في الجاهلية والإسلام، وكان أفضل الخلق نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم ممن عمل برعي الغنم. قال صلى الله عليه وسلم: "كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة". وأمّا التجارة فقد اشتهرت بها قريش وأصبحت من قبائل العرب التي امتازت على غيرها بالغنى والثراء الذي كان مصدره الثروة المالية من الذهب والفضة وغيرها من الأقمشة والعطور إضافة إلى الإبل والغنم والخيل. وقد عرف الثراء في عدد من الأسر القرشية قبل الإسلام وهم: بنو عبد شمس، وبنو نوفل، وبنو مخزوم، وكان هناك من الأسر القرشية من عرف بقله المال، ولم يعرف فيهم الثراء كبني المطلب أخو هاشم بن عبد مناف جدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم.

وأما عمر رضي الله عنه فقد عاش في صغره حياة الفقر والعوز وشدة العيش وقسوته، وهي حياة تجعل الفرد أكثر مقاومة للصعاب، وأشد تحملاً للمسؤولية، وأبعد عن حب الدعة والراحة والترف، يقول عمر رضي الله عنه وهو يصف حياة الفقر والشدة التي كان يعيشها في الجاهلية وعمله برعي الإبل: لقد رأيتني وأخية لنا، وإنا لنرعى على أبوينا ناضحاً (الإبل) لهما، فنغدوا فتعطينا آمنا يَمِينَيها من الهبيد (حب الحنظل يعالج حتى يمكن أكله)، وتلقى علينا نقبة (قطعة من الثوب) لها، فإذا طلعت الشمس، ألقيت النقبة على أختي، وخرجت أتبعها عرياناً ثم نرجع إليها، وقد صنعت لنا لفيتة5 من ذلك الهبيد، فنتعشاها، فيا خصبا [9].

ومر عمر رضي الله عنه بشعب ضجنان (شمال مكة)، ووقف، ووقف الناس، فقال: لقد رأيتني في هذا المكان، وأنا في إبل الخطاب، وكان فظاً غليظاً، أخبط عليها مرة وأحطب أخرى، ثم أصبحت اليوم يضرب الناس بجنباتي ليس فوقي منهم أحد، ثم تمثل هذا البيت [10]:

لا شيء مما ترى تبقى بشاشته *** يبقى الإله ويفنى المال والولد

واشتغل عمر رضي الله عنه في الجاهلية بالتجارة فقد كان رضي الله عنه عند هجرته يمتلك ثروة كبيرة، فقد قال رضي الله عنه لعياش بن أبي ربيعة حينما أراد الرجوع إلى مكة بعد هجرته: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي، ولا تذهب معهما، أي مع أبي جهل والحارث بن هشام [11]. والذي يظهر أن عمر رضي الله عنه اكتسب هذا المال من عمله بالتجارة فقد وردت نصوص عديدة تفيد أن عمر رضي الله عنه كان يعمل بالتجارة في الجاهلية من ذلك ما روي أن كعب بن عدي التنوخي كان شريكاً لعمر في الجاهلية في تجارة البز (نوع من الثياب). وروي أنه خرج في تجارة إلى الشام قبل إسلامه فاعتدى عليه أناس وأخذوا ماله [12].

المسألة الثالثة: قيامه بالسفارة
روي أن عمر رضي الله عنه كانت إليه السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشاً كانوا إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيراً، وإن نافرهم منافر (المفاخرة والمحاكمة) أو فاخرهم مفاخر رضوا به، وبعثوه منافراً ومفاخراً [13]. وهذا الخبر وإن ورد من طرق ضعيفة إلا أن احتمال تكليف قريش عمر بهذه المهمة العظيمة والهامة أمر وارد وذلك لما له من مكانة عالية ومنزلة رفيعة في قريش، وما كان لأبيه وجدّه من مكانة، ولما تميز به رضي الله عنه من صفات خَلقية قويّة وخُلقية حميدة وما اتصف به من رجاحة العقل وصواب الرأي.

[1] رواه ابن سعد/ الطبقات 3/79. ورواه ابن أبي شيبة/ المصنف 7/442، ورواه البخاري/ الصحيح 2/323،324. ورواه الحاكم/ المستدرك 3/440.
[2] ابن سعد/ الطبقات 8/356. وأحمد/ فضائل الصحابة 1/118 – 120. ابن هشام/ السيرة النبوية 1/393،394.
[3] رواه ابن هشام/ السيرة النبوية 1/423.
[4] البخاري/ التاريخ الصغير 1/250. وهو ضعيف. أكرم العمري/ السيرة النبوية الصحيحة 1/147 - 152.
[5] رواه البيهقي/ السنن الكبرى 10/214.
[6] رواه أحمد / المسند 1/53، أبو داود / السنن 3/325، الترمذي / السنن 4/319، 320، النسائي / السنن 8/286، الطبري / التفسير 5/34،35.
[7] عباس محمود العقاد: عبقرية عمر، ص221، 222.
[8] ابن كثير/ البداية والنهاية 2/174، 175، 178. البخاري/ الصحيح 1/345، مسلم/ الصحيح/ شرح النووي 11/125، 126، أحمد/ المسند 2/20 وغيرهم.
[9] رواه أبو عبيد/ الأموال ص559، 560.
[10] رواه ابن سعد/ الطبقات 3/266 ابن شبه/ تاريخ المدينة 2/221.
[11] رواه ابن إسحاق السيرة النبوية لابن هشام 2/129.
[12] رواه البلاذري/ أنساب الأشراف ص 158،159. رواه أبو نعيم/ معرفة الصحابة 2/160/أ.
[13] رواه ابن عبد البر/ الاستيعاب 3/235. ورواه ابن عساكر/ تاريخ دمشق ص220.


قصة الاسلام