الجريمة والفقر محمد محمود فايد :
أينما يكون الفقر، ترتفع معدلات الجريمة، تلك معادلة لا يختلف عليها اثنان، ليس هناك مكان في العالم يخلو من الفقراء، لكن يختلف الأمر باختلاف الموارد وإدارتها.
ففي دول تعانى من مشكلة الفقر تاريخيا، يصبح الأمر عادة على سكان هذه الدول التأقلم معها، غير أن دولاً عظمى باقتصادياتها، وبتنوع مواردها، لا تخلو من نسبة عالية من الفقراء بين سكانها، وذلك بسبب تحكم الأقلية الغنية بالأكثرية الفقيرة.
ولا تستطيع الدراسات التي قام بها الخبراء في علم الإجرام، أن تفصل بين الإجرام وتزلزل الحالة الاقتصادية للفرد أو المجتمع، بل تؤكد أنها تعود إلى أسس اقتصادية ينتج عنها عدم توافر مستلزمات الحياة الضرورية، أو عدم إمكانية إشباع الاحتياجات الإنسانية.
وقد لوحظ وفقا للدراسات الإحصائية التي أجريت في إنجلترا، أن ثمة علاقة وثيقة بين عدد الأحداث المنحرفين وبين أوقات الأزمات الاقتصادية، كما لوحظ ارتفاع معدل الجريمة بين الأحداث الذين يقطنون المدن الكبرى عنها بين أولئك المقيمين في المدن الصغرى أو القرى . وإليك دليل على ذلك، الدراسات الميدانية التي قام بها الخبراء والعلماء.
دراسات تؤكد تلك الحقيقة:
من السابقين في هذا الميدان الباحث الإيطالي (فورنا ساري) الذي أثبت في أبحاثه أن أكثر الطبقات فقرا في إيطاليا والذين يمثلون حوالى 60% من سكانها، يساهمون في تكوين 85% من المجرمين.
ويذهب الباحث الألماني في علم الإجرام (يري برس): أن الفقر يولد الجريمة، بدليل أن النظام الحالي للمجتمع قد أدى إلى ارتفاع منسوب الجرائم، وهذا النظام بطبيعته يجعل الطبقة الفقيرة هي الغالبة.
ويرى الدكتور (سيريل بيرت) أن الطبقة الغنية لا تمثل أكثر من 8% من سكان العاصمة البريطانية، وأن 37% منهم قد انحدروا من الطبقتين التاليتين اللتين تمثلان الفقراء المتوسطين، رغم أن هاتين الطبقتين تمثلان 22% فقط من سكان المدينة.
وترى الباحثة الغربية (مس ماري كارتير) في كتابها (الأحداث المنحرفون) أن المنحرفين ينقسمون إلى خمس مجموعات هي:
الأحداث المذنبون الذين يتميزون بالجسارة والجرأة، وهم أولئك الذين لفظهم المجتمع، ولم يعودوا يقيمون وزنا للقانون أو الإنسانية، ويرجع انحرافهم في الغالب إلى الطفولة المضطربة.
الأحداث الخطرون، وهم الذين تربوا في أحضان الجريمة، ودفعهم إليها آباؤهم أو المجرمون المحترفون، كأصحاب مدارس النشل وعصابات إفساد الأخلاق.
الأحداث الذين لم تكن لديهم ميول إجرامية، ولكن الإهمال الآثم الذي بدا من والديهم، والحاجة إلى الشعور الديني والتأثير الأدبي داخل المنزل يقودهم بالتدريج إلى الانحراف.
وانتهت الباحثة من عرض هذه المجموعات وعلقت عليها بأنه يبدو بوجه عام أن الفقر من أهم الأسباب الرئيسية لجرائم الأحداث.
وقد لاحظ بعض الباحثين عام 1958م أن الإحصاءات تشير إلى وجود علاقة بين الفقر وبين الجريمة تصل إلى 45% وذلك بسبب عدم الرعاية الذي يلازم الحياة الفقيرة عادة، فالفقر قد يجعل الحدث قابلا للانحراف، ثم يتضافر بعد ذلك مع غيره من العوامل على إسقاط الحدث فعلا في هوة الانحرافات.