بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآله محمد الطيبين الطاهرين
اطباء النفوس والابدان
نزل القرآن الكريم على صاحب الرسالة العامة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله بكل ما يصلح هذه البشرية في كافة نواحيها الحيوية
فلم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
ولم يفرط في شيء مما تحتاجه هذه الحياة إلا عالجه ولم يهمل جانباً من جوانب إصلاحها إلا أبانه،
ملائماً لكل ظرف من ظروفها، موافقاً لكل دور من أدوار حياة الانسان في أجياله المتعاقبة وعصوره المتتالية.
ولما كانت التكاليف السماوية لم تشرع إلا لسليم العقل، ولم يكن العقل السليم إلا في الجسم السليم
كان من الحكمة واللطف الإلهي أن يلحظ القرآن والسنة النبوية صحة الجسم ملاحظة خاصة،
وأن يهتم بها إهتماما لا يقل عن الاهتمام بالتكاليف الشرعية نفسها لتوقفها عليها.
ولقد ظهر في الناس من تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وإرشاداتهم ما دل على كامل معرفتهم وتمام اطلاعهم على مختلف العلوم لا سيما علم الطب ،
حتى جمع غير واحد من العلماء جملة من أقوالهم فألفها كتباً قيمة باسم ـ طب النبي ، وطب الائمة ،
وطب الرضا إلى غيرها مما ملئت الكتب وتواترت بها الاحاديث الصحيحة ،
وفي مقدمتها الرسالة الذهبية ( المذهبة ) التي ألفها الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام بطلب من المأمون الخليفة العباسي
وفيها فوائد جمة من قواعد الطب وأصول الصحة وقد أمر المأمون أن تكتب بالذهب ، ولذلك سميت بالذهبية أو المذهبة.
في ما يلي مجموعة من أبرز ما ورد في هذا المجال:
• وردت في الكتاب المجيد آية جمعت أهم أسس الطب ودعائم الصحة وشكلت خلاصة أفكار الفلاسفة والحكماء وتجارب العلماء والأطباء
حتى هذا العصر عصر العلم والإختراع :
يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لايحب المسرفين
فقد أجمع كافة الأطباء بعد التحقيق العلمي المستمر والتجارب المتعاقبة على أن مدار صحة الأجسام ودعامة سلامتها هو الاعتدال في الطعام ،
وإن هذا الاعتدال إذا ما تعدى إلى الافراط أو الاسراف أصبح وبالأ على البدن وفتح بابا واسعاً للفتك بالأجسام والنفوس ،
وما هذا النتاج العلمي الذي يفخر به الطب في تقدمه إلا مؤدى هذه الكلمات الثلاث ـ كلوا ـ واشربوا ـ ولاتسرفوا
حيث جمعت في طيها جميع أسس حفظ الصحة وخلاصة نواميسه.
• وردت عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) تعاليم وإرشادات صحية ما تنوف حد الحصر ،
وكلها أصول ترتكز عليها قواعد هذا العلم وتدعم بها أركانه مثل قوله (صلى الله عليه وآله) مشيراً إلى أعظم نقطة يتطلبها علماء هذا الفن في أبحاثهم
وهي النظافة والرياضة العقلية والبدنية حيث يقول :
- بئس العبد القاذورة.
- روحوا القلوب ساعة بعد ساعة.
- المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء واعط كل بدن ما عود
- تداووا فما أنزل الله داء إلا أنزل معه الدواء إلا السام فانه لا دواء له.
- لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فان الله يطعمهم ويسقيهم.
-اطفئوا حماكم بالماء .
- وكان (ص) إذا وعك دعا بماء فأدخل فيه يده.
- وعنه (صلى الله عليه وآله) ان قوماً من الأنصار قالوا له : يا رسول الله ان لنا جاراً يشتكي بطنه ، أتأذن لنا أن نداويه ؟
قال (صلى الله عليه وآله) : بماذا تداوونه ؟ قالوا : يهودي ههنا يعالج من هذه العلة ،
قال (صلى الله عليه وآله) : بماذا ؟ قالوا يشق بطنه فيستخرج منه شيئاً ، فكره ذلك رسول الله ولم يجبهم ،
فعاودوه مرتين أو ثلاث فقال (صلى الله عليه وآله) : إفعلوا ما شئتم
فدعوا اليهودي فشق بطنه ونزع منه جراحاً كثيراً ثم غسل بطنه ، ثم خاطه وداواه فصح،
فاخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بذلك فقال : ان الذي خلق الأدواء جعل لها دواء، وان خير الدواء الحجامة والفصاد والحبة السوداء.
أقول : أن هذا الحديث الشريف يعطينا درسا عن قدم فكرة العمل الجراحي في العلاج وانه لا حداثة له ، وانه آخر الدواء ،
الكي لا يحسن التسرع به وأن لا مانع عنه في الشرع.
من كتاب طب الإمام الصادق(عليه السلام) محمد الخليلي- بتصرف