·
·
·
·
·
الـــــهارب من القبـــــــــــــــــــــ ر قصص مشوقه للعبر منأغراء الدنيا
دخل الليل بسكونه العميق ،
ونام الناس وسبتـوا ..
... فى ذلك الليل البهيمى ،
كانت المرأة فى أشد حالاتالطلق ..
ولم يكن بجوارها أحدُ منالنساء
وتحت ضغط الحاجة ...
آلام الطلق ،
ندرة من حولها ،
وهذا الظلام الدامس ،
لم تجد المرأة أمامها إلاأن تنادى على أجيرها " سمعان ".
صرخت بأعلى صوتها مستغيثةبه
يا سمعااااااااااااااان .
قال سمعان : لبيك سيدتى .
قالت : أريد قبسًا من نار ،
وخرج سمعان مسرعًا لتلبيةطلبها .
فلم يكن الأمر يحتاج إلىأدنى تأخير .
وفوجئ سمعان برجل لم يرهقبل ذلك .
وقال له : إلى أين أنت ذاهب؟
قال سمعان : أُحضرُ نارًالسيدتى لأنها تعانى من آلام الطلق .
قال الرجل الغريب : هونعليك يا سمعان !
قال سمعان : أو تعرف إسمى ؟
قال الغريب : لقد ولدتالمرأة بنتا صغيرة .
قال سمعان : كيف عرفت ؟!
أكمل الغريب كلماته وكأنهلا يسمع لما يقوله سمعان قائلا :
أما إن هذه البنت الوليدةتكون امرأة من أجمل النساء ،
و ستزني بمائة رجل ،
ثم يتزوجها أجير أمها ،
ويكون موتها بسبب عنكبوت ،
قال سمعان : تتزوجنى أنا ؟!
قال الغريب : أجل ، بعد أنتزنى بمائة رجل .
قال سمعان : إن مثل هذه لاتستحق الحياة .. ولأدخلن فإن وجدتها بنتًا كما تقول لترين ما أصنع .
ورجع سمعان الأجير إلىسيدته فوجدها قد وضعت ،
فنظر فلما علم أنها جاريةصغيرة .
أسرع وأخذ سكينًا فبعج بهابطن الجارية الوليدة
فشقه ،
وسال الدم غزيرًا ،
فخرج مسرعًا من البيت ،
ونظر باحثًا عن الرجلالغريب فلم يجده ..
لقد اختفى ..
اختفى من أمامه إلى الأبد .
ثم ذهب سمعان هاربا .
تاركًا خلفه بنتًا صغيرة ..
بعد أن ظن أن الجاريةالوليدة قد ماتت.
(2)
لم تدرِ الأمُ لماذا فعلسمعان الأجير ما فعل بابنتها ..
وهى التى عهدته رجلا طيبالقلب رقيق النفس
مطيعًا لسيدته ..
وما ذنب هذه الجارية التىلم يتجاوز عمرها سوى لحظات قليلة ؟
ورغم آلام الوضع والميلادفقد نشطت الأم لمعالجة ابنتها ..
وخاطت بطنها بنفسها .
وأراد سمعان أمرًا
وأراد الله العلى القديرأمرًا آخر .
فقد برئت البنتُ ..
وشُفيت بإذن الله .
وشبت ..
وترعرعت ..
ونشأت كأحسن النساء
بل إنها عُرفت بعد ذلكبالفاتنة .
وكان مضرب المثال فى الجمالوالفتنة
وفتح ذلك لها بابًا شديدًامن الفتنة ،
لم تستطع أن تغلقه
ورويدًا رويدًا ..
تركت نفسها للطامعين ..
(3)
أما " سمعان "فقد ذهب بعيدًا ..
وبعيدًا جدًا ،
فى أماكن لا يعرفه فيها أحد .
وركب البحار والسفن أجيرًا،
وخادمًا عند كبار التجار ،
فتعلم منهم الكثير
وفطن إلى ما يعملون !
إن الأمر صار معروفا لديهتمامًا.
فما يقوم التاجر من هؤلاءإلا أن يشترى بضاعة من بلد تكثر بها هذه السلعة ،
فيشتريها بأسعار زهيدة .
ثم يأخذها التاجر ويذهب إلىبلد أخرى يندر فيها وجود هذه السلعة ،
فيبيعها بأعلى الأسعار .
وبين فرق الأسعار هنا وهناك،
يُكَوِنُ التاجرُ ثروته .
فألهمه الله أن يدخر مبلغًا،
من الأموال التى تخرج له منعمله كأجير .
ومع الأيام ..
وبمرور الوقت ..
صار لدى "سمعان"مبلغًا لا بأس به ،
لأن يبدأ به ،
فاشترى تجارة بسيطة
ثم أخذها ونقلها من بلد إلىأخرى ..
وكان سمعان يرى ذلك بعينيهكثيرًا ،
لكنه حين فعل ذلك وجربهبنفسه
فوجئ بالأموال الطائلة التىيجنيها من هذا العمل ،
فاغتنى وكثر ماله .
وأراد الله به أمرًا ،
فنجحت تجارته ،
وتوالت الأيام وهو يزدادنجاحًا إلى نجاحه ،
وصار معروفًا فى معظمالبلاد الذى يتردد عليها كتاجر من أعظم التجار.
يتمنى التجار أن يتعاملونمعه ، يبيعونه أنواعًا من البضاعة ،
ويشترون منه أنواعًا أخرى.
وعُرف بأمانته وصدقه .
وفى أثناء ذلك كان سمعانيرى من عجائب خلق الله ما يرى .
لكنه أبدا لم يرى أعجب منحديث الرجل الغريب له ،
وكان يحن إلى بلده ومسقطرأسه..
ويمنعه الماضى أن يرجع ..
وجذبه الحنين إلى بلده ..
وهذا أمر غرسه الله تعالىفى كل إنسان ،
أن يحن إلى البلد الذى نشأفيه ..
ودار هذا الحوار فى نفسه :
إلى متى أيها الرجل تعيشهاربا بعيدًا عن أوطانك
لقد مر ما يزيد عن عشرينعاما على الرحيل ؟
وهنا هداه تفكيره إلى أنيرجع متخفيًا فى صورة تاجر كبير ..
(4)
رجع سمعان إلى بلده التىهرب منها ،
فبدا كتاجر كبير ، فبنىبيتًا مهيبًا ،
و هابه الناس فلم يفكر أحدٌأن هذا الثرى هو نفسه سمعان الفقير البائس .
ولم يرد هو أن يكشف عنهويته ..
إنه هروب من نوع آخر
هروب إلى القمة .
وبعد هذه الرحلة الطويلة
ومع هذه الأموال الطائلةأراد سمعان أن يتزوج .
فقال لعجوز أريد أن أتزوجبأجمل امرأة بهذه البلدة .
فقالت ليس ههنا أحسن من" حسناء " .
فقال سمعان : أخطبيها على .
فذهبت العجوز إليها فكلمتها،
ورغبتها فيه حتى رضيت"حسناء" .
وفى حفل بهيج تجمع الناسفيه للطعام والشراب .
وفى ليلة لا تُنسى عند أهلالبلدة ،
تم زفاف هذه الفاتنةالحسناء "حسناء" ،
إلى ذلك التاجر الكبيروالثرى المحسود " سمعان "
فدخل بها ،
فأعجبته إعجابًا شديدًا ،وأحبها كما لم يحب رجل امرأة .
وتعلقت حسناء هى الأخرى بهتعلقًا شديدًا .
وشعر كل منهما أن الحياة قدوهبته مطلبه .
(5)
وبينما كانت " حسناء" تتسامر مع زوجها يومًا
قالت له : يا سمعان !
من أين أتيت وأين كنت تعيشقبل ذلك ؟
وفى حديث صادق قال لهاسمعان :
يا حسناء . لو أنى تزوجتبامرأة أخرى ما أخبرتها أبدا بالحقيقة .
لأن ذلك يعرضنى للمتاعب .
فقالت له بعد أن انجذبتلحديثه : ولم ؟
فأخبرها خبره ، وما كان منأمره في الجارية ،
وأنه أصلا من أبناء هذهالبلدة ،
ولكنى ما قلت لهم ذلك حتىلا يعرفنى أحد ،
وأريد منك أن تكتمى سرى .
فقالت حسناء : يا لها منحكاية عجيبة حقًا .
أتدرى أين ذهبت البنتالصغيرة التى طعنتها ؟
قال : أين ؟!
قالت : إنها أمامك يا سمعانبشحمها ولحمها وكيانها !
إنها أنا
حسناء ..
زوجتك .
وأرته مكان السكين
فتحقق من ذلك ...
دارت رأس الرجل
وشعر أن الحياة واسعة لأبعدحد ،
لكنها فى نفس الوقت ضيقةكسم الخياط .
قال سمعان : لكن
قالت حسناء : لكن ماذا ؟
قال سمعان : وتصدقينى القول .
قالت : أصدقك .
قال سمعان : لئن كنت إياهافلا بد من أمرين :
الأمر الأول : أنك قد زنيتبمائة رجل قبل زواجنا .
فقالت بعد صمت وإطراق : لقدكان شيء من ذلك ،
ولكن لا أدري ما عددهم .
فقال سمعان : هم مائة
و الأمر الثاني : أنكتموتين بسبب عنكبوت
فضحكت .. حتى ملأت البيتبضحكها على كلامه
ثم قالت : أنا أموت بسببعنكبوت !!
قال : نعم !
لقد تحقق كل شئ ،
ولسوف يتحقق ذلك .
(6)
كان الفرق واضحا بينالزوجين ..
أما الزوجة فكانت لا تبالى،
وأما سمعان فقد خاف علىزوجته ،
بعد أن أحبها وتعلق بها ،بل لم يتصور الحياة بدونها ،
فاتخذ لها قصرا منيعًاشاهقًا ،
بناه فى منطقة استشار فيهاأهل العلم والمعرفة ،
وأكدوا له جميعًا أن هذهالمنطقة لا يسكنها العناكب .
وصمموا البيت بحيث لا يدخلإليه حشرات ولا هوام ..
وصار الناس يتحدثون عن هذاالبيت الفريد ، وهذا البرج المشيد ،
فيتعجبون ..
ويتمنى كل منهم أن يكون هذاالبرج المشيد له.
ودارت الأيام والسنون ،
والرجل خائف على زوجته ..ولسان حاله يقول ..
ودع هُريرةَ إن الركبَمرتحلُ
وهل تُطيقُ وداعًا أيهاالرجلُ
بل لو أن الأعشى ميمون بنقيس - ذلك الشاعر العربى - رآى سمعان لظن أنه ما قال هذا البيت من الشعر إلا له .
أما حسناء ..
فكانت بطبيعتها لا تبالى ،
ولا تُعير هذا الأمرانتباهًا .
وفى أحد الأيام ..
وبينما هم يجلسون فى البيتالحصين ،
فإذا بعنكبوت تراه في سقففأراها إياها ،
فقالت : أهذه التي تخافمنها علىَّ ؟!
والله لا يقتلها إلا أنا ،
فأنزلوها من السقف ، فعمدتحسناء إليها ،
فوطئتها بإبهام رجلها ،
فقتلتها .
وهى تقول : أهذه التى أموتبسببها .
وملأت الدنيا ضحكًا وبهجة .
وما علمت حسناء أن منالعناكب أنواعًا سامة وأخرى غير سامة.
وما علمت حسناء أن هذاالعنكبوت كان نوعًا سامًا مميتًا .
حيث قد طار شئٌ من سمهافوقع بين ظفرها ولحمها ،
واسودت رجلها ،
وكان في ذلك أجلها
فماتت بإذن الله ..
وقد علمت العرب هذه الحادثةوتحاكوها بينهم وصارت مثلا يُضرب بينهم .
وأراد الله أن يخاطبهم بمايعرفون فقال تعالى :
" أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنةيقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمالهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا " [ النساء 78 ]
وأرض الله واسعة ولكن *** إذا نزل القضا ضاق الفضاء