انا .. وبعض من (علي)


مذ ان وعيت وانا افخر بانتمائي الى ثرى ضم جدث امام المجاهدين وقائد الغر المحجلين واربعة من الانبياء، فالنجف لولا الضريح الفخم للامام علي بن ابي طالب عليه السلام لم يكن ليعرفها الناس، والنجف لولا تلك القباب الذهبية التي يتلألأ نورها بمجرد عبورك جسر العباسيات، ما كانت لتكون مهوى الافئدة حياة وموتاً، حتى غدت المدينة الوحيدة في العالم للاحياء والاموات معاً لايفصل بينهما سوى برزخ دنيوي: شارع يتسع بالكاد لمرور سيارتين.

في النجف تعرفت على الثالث عشر من رجب، ففيه يشد النجفيون الرحال الى كربلاء للاحتفال بمولد الامام علي، وفيها سمعت لاول مرة صوتاً شجياً يترنم ( علي حبه جنة ... قسيم النار والجنة).. وفيها ايضا عرفت كنية ابي تراب من الشيخ العاملي (أأبا تراب وآدم من تراب ياعلي) .. وفي النجف عرفت (اشدد حيازيمك للموت .. فان الموت* لاقيكا) حين كان يقرأها (عبد المحمدي) في الصحن العلوي قبل ان يهرول راكضاً نحو بيت الامام علي في الكوفة وهو يضرب كفيه برأسه ويهتف (تهدمت والله اركان الهدى).

وفي النجف ايضاً تشكل وعيي وعرفت هويتي.. وعرفت اننا نعيش في رحاب "رجل يدور معه الحق اينما دار"، رجل استطاع ان يؤسس لحكومة العدل الالهي، ويجعل منها حقيقة، بدلاً من جمهورية افلاطون المفترضة.

ويوم أٌختير خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان، علن بين المسلمين معالم سياسته الداخلية والخارجية، وأكّد بصورة حازمة اهتمامه البالغ بأمر الخراج وسائر ما تملكه الدولة من وارداتها المالية، وأنّها ملك للشعب، وليس له أن يصطفي فيها لنفسه وذويه، وإنّما يجب أن تنفق على تطوير حياة المواطنين، وإنقاذهم من غائلة الفقر والحرمان، كما يجب أن تهيّأ لهم الفرص المتكافئة للعمل لئلا تشيع البطالة والجريمة في البلاد.

وقد اتّسم موقف الإمام (عليه السلام) بالشدّة والصرامة على هؤلاء الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حقّ، فأصدر أوامره الحاسمة بمصادرة جميع الأموال التي اختلسوها من بيت المال، وتأميمها للدولة، وقد قال في الأموال التي عند عثمان: وَاللهِ! لَوْ وَجَدْتُهُ – أي المال – قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّساءُ، وَمُلِكَ بِهِ الإِماءُ، لَرَدَدْتُهُ، فَإنَّ في العَدْلِ سَعَةً. وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أضيَقُ!.

ومابين الكعبة ومحراب مسجد الكوفة تتلخص حياة آخر الاوصياء الذي سيظل حتى آخر الزمان مالئ الدنيا وشاغل الناس.. يتأرجحون بين محب غالٍ ومبغض قالٍ.. اذ لم تعرف الإنسانية في تاريخها الطويل رجلاً، بعد الرسول الأعظم (ص) أفضل من علي بن ابي طالب ولم يسجّل لإحد من الخلق بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل لعلي بن ابي طالب، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل اسرّ اولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو اجتمع الناس على حبه، كما يقول الرسول صلى الله عليه وآله، لما خلق الله النار.