جاء زواج الامام علي (ع) من السيدة الجليلة أم البنين، بتوصية من نسّابة العرب في حينه، أخيه عقيل بن أبي طالب، بعد أن طلب منه الامام علي (ع) أن ينظر له في "إمرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً"، فأولدت له أربعة فرسان، على رأسهم العباس الذي شارك أباه في معركة صفين وهو في مقتبل العمر، وحمل راية أخيه الامام الحسين (ع) في معركة الطف وهو في العقد الخامس من عمره، ومن هنا جاءت كنية امه بأم البنين على أكثر الأقوال شهرة.
وللتعريف المفصل، هو العباس بن علي بن أبي طالب والدته هي السيدة فاطمة بنت حزام بن خالد وُلد سنة (26 هـ) في اليوم الرابع من شهر شعبان، له العديد من الألقاب و منها قمر بني هاشم و السقّاء (لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت في واقعة الطف) و بطل العلقمي (العلقمي هو اسم للنهر الذي استشهد على ضفافه) و حامل اللواء و كبش الكتيبة (لدوره في معركة كربلاء) و العميد و حامي الظعينة (لدوره في حماية وحراسة نساء اهل البيت طيلة انتقالهنّ من يثرب إلى كربلاء)، إستشهد مع أخيه الحسين بن علي بن أبي طالب في واقعة الطف في يوم عاشوراء سنة 60 هـ في كربلاء على يد الجيش الأموي .
وكان للامام العباس(ع) ثلاثة اخوة وهم : جعفر وعثمان وعبد الله، وقد أستشهدوا جميعاُ مع الامام الحسين(ع)في واقعة الطف بكربلاء.
وقد إجتمعت في العباس كل صفات العظمة، من بأس وشجاعة وإباء ونجدة من جهة، وجمال وبهجة ووضاءة وطلاقة من جهة أخرى، ولما تطابق فيه الجمالان الخَلقي و الخلُقي، قيل فيه (قمر بني هاشم ) وقد عاش (ع) مع أبيه أمير المؤمنين (ع) أربع عشرة سنة،وحضر معه حروبه، ولكن لم يأذن له أبوه بالنزال فيها. واستشهد مع أخــيه الحسين (ع) بكربلاء وعمره 34سنة وكان صاحب رايته.
ومن ألقابه(أبو الفضل) لأنه كان له ولد اسمه الفضل، و(باب الحوائج) لكثرة ما صدر عنه من الكرامات يوم كربلاء وبعده، وكان يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض.
ولقد شهدت الأمة الاسلامية بطولة العباس (ع) ومواقفه مع اخيه الحسين (ع) يوم الطف، واستماتته في الدفاع من اجله، حتى أن الحسين خاطبه قائلاً: (بنفسي أنت) فأقامه مقام نفسه الزكية، وهذا شرف له لم يبلغه أحد من الناس.
ويقع مرقد العباس (ع) في كربلاء المقدسة على مسافة بسيطة من قبر الحسين (ع)، ويلاحظ أن مرقده الشريف منفرد عن مرقد الحسين والاصحاب الشهداء، ويبعد عن مرقد الحسين (ع) بحدود مئة متر، وقد اقيمت فوقه قبة من الذهب شبيهة بقبة الحسين (ع).
وذكر الخوارزمي، ما نصه(ثم خرج العباس بن علي، وأمه أم البنين وهو السقا، فلم يزل يقاتل حتى قتل جماعة من القوم ثم قتل، فقال الحسين (ع) الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.
أما المقرم فقد اورد في مقتله ذلك باسهاب ص334، وقد اتفق مع الخوارزمي على أن مصرعه (ع) كان متأخراً، وهذا نصه:
قال العباس (ع): قد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين وأريد أن آخذ ثاري منهم، فأمره الحسين (ع) أن يطلب االماء للاطفال، فذهب العباس (ع) ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع، فنادى بصوت عال، يا عمر بن سعد هذا الحسين ابن بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء، فقد احرق الضمأ قلوبهم وهو مع ذلك يقول: دعوني أذهب إلى الروم أو الهند وأخلي لكم الحجاز والعراق، فأثّر كلام العباس (ع) في نفوس القوم حتى بكى بعضهم ولكن الشمر صاح بأعلى صوته: يابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة، الا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
ثم انه ركب جواده وأخذ القربة، فأحاط به أربعة آلاف ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده، ولواء الحمد يرفرف على رأسه، فلم تثبت له الرجال ونزل إلى الفرات مطمئناً غير مبال بذلك االجمع. ولما اغترف من الماء ليشرب تذكر عطش أخيه الحسين (ع) ومن معه فرمى الماء وقال:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني هذا الحســين وارد المنون وتشــربين بارد المعين، تالله ما هذا فعال ديني.
ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو المخيم فقطع عليه الطريق وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق وهو يقول:
لا ارهب المـوت إذا الموت رقى حتـى أوارى في المصاليت لقى نفسي لسبط المصطفى الطهر وقى إني أنا العبـاس أغدو بالسقــا ولا أخاف الشر يوم الملتقى.
فكمن له زيد بن الرقاد الجهني من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فبراها فقال (ع):والله إن قطعتـم يمينـي إني أحامي أبدا عن ديني وعن إمام صادق اليقين سبط النبي الطاهر الأمين.
فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همه إيصال الماء إلى أطفال الحسين وعياله، ولكن الحكيم بن الطفيل الطائي كمن له من وراء نخلة، فلما مرّ به ضربه على شماله فقطعها فقال:
يا نفس لا تخشي من الكفار وابشري برحمـة الجبـار مع النبي السيـد المختـار مع جملة السادات والأطهار، قد قطّعوا ببغيـهم يساري فأصلهـم يا رب حرّ النـار.
وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم وأريق ماؤها، وسهم اصاب صدره وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته، وسقط على الأرض ينادي: عليك مني السلام أبا عبد الله، فأتاه الحسين وقد استشهد.
لم يبق الحسين (ع) بعد أبي الفضل الا هيكلاً شاخصاً معرىً عن لوازم الحياة وقد أعرب سلام الله عليه عن هذه الحال بقوله: الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي.
وكان الإمام قد تركه في مكانه لسر مكنون اظهرته الأيام وهو أن يدفن في موضعه منحازاً عن الشهداء ليكون له مشهداً يقصد بالحوائج والزيارات وبقعة يزدلف إليها الناس وتتزلف إلى المولى سبحانه تحت قبته التي ضاهت السماء رفعة وسناء فتظهر هنالك الكرامات الباهرة وتعرف الأمة مكانته السامية ومنزلته عند الله تعالى فتؤدي ما وجب عليهم من الحب المتأكد والزيارات المتواصلة ويكون عليه السلام حلقة الوصل فيما بينهم وبين الله تعالى.
ورجع الحسين إلى المخيم منكسراً حزيناً يكفكف دموعه بكمه وقد تدافعت الرجال على مخيمه فنادى: أما من مغيث يغيثنا؟ أما من مجير يجيرنا؟ أما من طالب حق ينصرنا، أما من خائف من النار فيذب عنا؟ فأتته سكينة وسألته عن عمها، فاخبرها بقتله! وسمعته زينب فصاحت: وا أخاه وا عباساه وا ضيعتنا بعدك، وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقال: واضيعتنا بعدك، وانشد:وجه الصباح علي ليل مظلم وربيع أيامي علي محرم
والليل يشهد لي بأني ساهر إن طاب للناس الرقاد فهوموا
طمعت أمية حين قل عديدهم لطليقهم في الفتح أن يستسلموا