الإعانات المالية
الإعانات المالية subsidies هي مساعدة أو دعم يُقَدَّمان نقداً أو عيناً أو على نحو آخر. ولا يتوقع المانح، بمقابل ذلك أي عائد أو تعويض. وتكون الدولة على الأكثر هي الطرف المانح في حين يكون الطرف الآخر، إما فئات اجتماعية معينة تستفيد من الإعانات لتحسين وضعها المعاشي والحيوي، وإما فروعاً اقتصادية معينة، أو مناطق وأقاليم، أو بعض البرامج والمشروعات التي تقدم لها الإعانات من أجل تطوير وضعها وتمكينها من مواجهة بعض الأوضاع الاستثنائية.
وأكثر ما تتركز الإعانات في المواقع الهامشية للاقتصاد الوطني، وتمثل في حقيقتها قرارات حكومية أكثر من كونها اختياراً حراً بين البائعين والمشترين في إطار السوق. ولذلك فإنها تُعدّ إجراءات استثنائية تستخدم في أحوال طارئة، ويتوقف استخدامها عند زوال هذه الأسباب أو عند تحقيق الأهداف الموضوعة لأجلها. وتتشابه القوانين الناظمة لفرض الضرائب بالقوانين الناظمة لمنح الإعانات ولكن بالاتجاه المعاكس، فتوصف تلك الأخيرة في الكثير من الحالات بالضرائب السلبية.
أنواع الإعانات
تتنوع الإعانات وغاياتها تنوعاً كبيراً بين الدول والمجتمعات، فهي تقدَّم أحياناً لأغراض الدفاع ورفع الجاهزية العسكرية ولاسيما الإعانات بين الدول، أو تقدَّم لمواجهة بعض الأوضاع الاستثنائية الطارئة أو لدعم بعض فروع الاقتصاد الوطني وتطويرها وتحسين وضع ميزان المدفوعات.
وقد يشار إلى موضوع الإعانات بمجموع الإجراءات التي تؤدي إلى تحويل في الدخل الحقيقي من فئات اجتماعية معينة لمصلحة فئات اجتماعية أخرى، وعلى الأكثر من قبل دافعي الضرائب وجمهور المستهلكين لمصلحة منتجي بعض السلع والبضائع. ويتم ذلك عن طريق نفوذ الدولة وسلطتها. وتتحقق الإعانات بصور كثيرة، فقد تأخذ صورة مساعدات مالية ونقدية أو تكون بتخفيض الضريبة أو الإعفاء منها، أو تكون قروضاً بفوائد مُخفَّضة، أو ضمانات حكومية أو مدفوعات لدعم أسعار بعض السلع والخدمات، أو إعانات مباشرة لدعم إنتاج بعض السلع، أو سياسات حمائية لتطوير عدد من الصناعات الوطنية.
إن الإعانات المالية من وجهة نظر الحسابات الاقتصادية القومية، تؤلف صنفاً معيناً من المدفوعات النقدية التي تقدمها الدولة إلى بعض مشروعات الأعمال وإلى بعض المنتجين كي يتمكنوا من بيع إنتاجهم بسعر أقل من التكلفة. ويختلف هذا الصنف من الإعانات عن المدفوعات التحويلية الحكومية transfer payments التي تقدَّم إلى بعض الأفراد أو الإدارات الحكومية من دون مقابل. ويكون هذا الاختلاف بحسب طبيعة الجهة القابضة، فتخصص الإعانات المحوّلة للأفراد لتحقيق أهداف الأمن والضمان الاجتماعيين، في حين تخصص الإعانات المدفوعة إلى بعض الوحدات الحكومية لدعم برامج معينة لتلك الوحدات.
إلا أن مثل هذا التمييز لا ينطبق انطباقاً متماثلاً على جميع البلدان. وتؤلف الإعانات المالية وفق هذا التعريف نسبة ضئيلة من الدخل القومي ومن حسابات الإنتاج لدى معظم الدول الصناعية فلا تتجاوز 2% من الناتج القومي الإجمالي، إلا أنها قد تصل إلى نحو 10% من إجمالي الإنفاق الحكومي، كما هو الحال في إيطالية والمملكة المتحدة.
إن اختلاف الأساليب التي تمنح فيها الإعانات المالية ومناسبات استخدامها تعتمد على الأحوال الخاصة المحيطة، كما تعتمد على طبيعة البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة. وعموماً فإن الإعانات المالية تبدو ظاهرة خاصة بالاقتصادات الرأسمالية والمختلطة.
ففي الاقتصاد المخطط تبرز الإعانات بصورة مخصَّصات مالية محددة في الموازنة المركزية العامة للدولة من أجل مواجهة خسارات متوقعة في الموازنات الفرعية وفي موازنات المشروعات الحكومية والمؤسسات الاقتصادية التي تبيع إنتاجها الأساسي بأسعار أقل من الأسعار المخططة للتكلفة وتقدّم الإعانات إلى بعض المؤسسات في القطاعات غير الإنتاجية، أي القطاعات المنتجة للخدمات كالصحة والثقافة والتعليم.
وقد استخدمت الإعانات المالية في الاتحاد السوفييتي، حين كان قائماً، لدعم الصناعات الثقيلة إبان مرحلة إعادة الإعمار في سنوات الحرب الوطنية الكبرى (1941-1945) والسنوات الأولى بعد الحرب. وقد أسهمت هذه الإعانات في إسراع عملية تصنيع البلاد وإعادة بناء فروع الاقتصاد الوطني على أسس تقنية جديدة. إلا أن استعمالها قد عُدَّ بمنزلة إجراءات استثنائية طارئة، تتناقض مع مبادئ المحاسبة الاقتصادية. وفي حقبة لاحقة ألغيت الإعانات المالية عن معظم فروع الصناعة، عدا بعض الصناعات الاستخراجية والتحويلية وبعض المشروعات غير الرابحة التي تعمل كذلك وفقاً للخطة.
ويُلاحَظُ في البلدان النامية، ولاسيما البلدان التي تنهج طريق البرمجة والتخطيط وتعاني نقصاً واضحاً في العمالة الماهرة وتحاول إحداث تبديل في بنيتها الاقتصادية، استخدامُ برامج إعانات مخصصة لدعم الصناعات الجديدة وتطوير الصناعات التقليدية. وعلى العموم فإن برامج الإعانات المالية لدى هذه الدول تنطلق من ثلاثة مسوّغات: اعتبارات الأمن القومي ومن ذلك العمل على رفع الجاهزية العسكرية، والتزامات الدولة في دعم القطاع الصناعي وحمايته وإعانة بعض الجماعات أو الفئات المحلية التي لا تستطيع تحمّل بعض الصعوبات التي تواجهها، والنفوذ المتزايد لبعض الجهات السياسية والنقابية. وفي كثير من الأحيان فإن آثار هذه العوامل في برامج الإعانات تظهر بوجه مشترك ومتداخل. فالإعانات المالية الزراعية، قد تأتي جزئياً من رغبة الدولة في توفير وضع الاكتفاء الذاتي من إنتاج بعض المواد الغذائية الأساسية، وجزئياً بسبب الانخفاض النسبي للدخل الزراعي، وأخيراً قد تأتي نتيجة لنفوذ ممثلي النقابات الفلاحية في الإدارات الحكومية.
إن برامج الإعانات المالية لفروع الإنتاج الأساسية كالزراعة والصناعة والإسكان والنقل والمواصلات والتجارة الخارجية تتم، في الكثير من البلدان النامية والصناعية المتقدمة، بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي. إلا أن مضمون هذه البرامج ومدى شمولها وأوجه تطبيقها، تختلف بين بلد وآخر، وبين نظام سياسي ونظام سياسي آخر.
ففي حال الإنتاج الزراعي يغلب أن يجري دعمه على المستوى الدولي، بسياسات ضمان الأسعار للمنتجات المحلية، إضافة إلى نظام ملائم للرسوم الجمركية، ووضع ضوابط على الاستيراد وتنظيم عمليات التسويق وغير ذلك من الإجراءات ذات العلاقة.
وفي الكثير من الدول تقدَّم إعانات مالية لقطاع السكن. ففي الولايات المتحدة الأمريكية تقدم مثل هذه الإعانات لكل مرحلة من مراحل البناء السكني. وقد تتضمن هذه الإعانات توفير الموقع، ومساعدات لتغطية جزء من نفقات البناء السكني، إضافة إلى حوافز ضريبية وقروض بفوائد مُخفَّضة.
وتبادر بعض الدول إلى تقديم الإعانات لقطاع النقل والمواصلات، بصورة مساعدات رأسمالية لمشروعات بناء السكك الحديدية وخطوط النقل الجوي والبحري وتضمن توفير التجهيزات الجديدة لهذه المشروعات.
وتوضع برامج إعانات مالية لتوسيع قطاع الأعمال يشمل نفقات على الأبحاث والتطوير إضافة إلى مساعدات استثمارية مباشرة. وقد تكون هذه الإعانات واضحة معلنة، أو قد تكون ضمنية ومشمولة في إطار برامج حكومية وعسكرية.
عصام خوري