كي لا تحزن حزناً كاملاً !
"خذ من كلّ شيء نصفه حتى إذا ما فقدته فإنك لن تحزن حزنًا كاملاً " .
عدت إلى هذه النصيحة مجدّدًا، بعدما عثرت عليها بين أوراقي .فنسختها على مفكرّة العام الجديد ، لعلِّي أتذكرّها قبل أن أدخل في رهانات خاسرة مع الحياة ، و أنسى نصيحة أخرى لأندريه مالرو " لا تهيّئ أفراحك " . فالخيبات الكبرى تأتي دائماً على سجاد فاخر فرشناه لاستقبال السعادة .
قرّرت إذن أن أبدأ العام بأنصاف الأمنيات ، كي أضمن على الأقل أنصاف الأفراح .
أن أعتبر الأصدقاء أنصاف أصدقاء ،كي لا أفاجأ بعداوتهم في آخر المطاف .
أن أعتبر الأيام أنصاف أيام ، كي لا يغدر بي الوقت ، وأكتشف قبل الرحيل بقليل ،أنني أهدرته ،اعتقاداً منّي أنني كنت أمتلكه كلّه.
أن تكون لي أنصاف أحلام ، حتى لاتخيّب ظني الأحلام جميعها ، وأجدني عند الاستيقاظ من أوهامي ممسكة بأضغاث أحلام .
ألا آخذ من الكلمات التي أسمع منها العشرات ، إلاّ نصفها ، كي لا أعود من الوعود الجميلة ، ولا شيء معي " سوى كلمات ليست كالكلمات " . اقتداءًا بنزار الذي كان يصدّق " نصف ما تقول مايا "
و أن أُقلع عن دندنة أغنية أم كلثوم " الحبّ كُلّو حبّيتو فيك . . الحبّ كلّو "
فبعد جردة للعمر كُلّو ، أرى أنّ " الحبّ كُلّو " لشخص واحد كثير عليه . ففي الأمر خسارة فادحة ، إن أنت أعطيته قلبك كاملاً ، ووقتك كاملاً ، وحاضرك وغدك ، ثمّ خسرت الكلّ بخسارته . " لا تذهبي بقلبك كلّه " قالت نجلاء لهالة في " الأسود يليق بك " .. لكنها ذهبت إليه بقلبها كلّه وعادت بنصف عقل .!
أن تذهب " بكلّك " إلى الحبّ ،لا يقلّ سذاجةً عن ذهابك إلى البحر ، على لوح خشبيّ للتزلّج على الأمواج العاتية ، معتقداً أنّ شيئاً منك سيعود بعد العاصفة . ذلك أنّ البحر لن يأخذك بالتقسيط !
غالبا ما يُعطي الحب أكثر لمن وهب الأقل ،. إنه يتآمر على العشّاق بجعلهم في حالة جوع دائم إلى المزيد . فحتى " الكلّ " أقلّ مما يقبل به عاشق يصبو إلى الانصهار مع من يحبّ. وفي ذلك الحلم المستحيل يكمن هلاك العشّاق . فبعد الانصهار . . يأتي زمن الإنفصال و الانشطار. ويكتشف الصادقين والسذّج حينها ، أن في تلك القسمة غير العادلة ، من أحبّ الأكثر يجد نفسه قد خسر الكلّ . . لا نصفه الآخر فحسب !