فضل الليلة :
وهي ليلة بالغة الشرف ، سئل الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن فضل ليلة النصف من شعبان ، فقال ( عليه السلام ) : ( هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله العباد فضله ، ويغفر لهم بمنّه ، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها ، فإنّها ليلة آلى الله عز وجل على نفسه ، أن لا يردّ سائلاً فيها ، ما لم يسأل المعصية ، وإنّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت ، بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا ( صلى الله عليه وآله ) ، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى ، والثناء عليه ... ) .
أعمال الليلة : نذكر منها ما يلي :
1ـ الغسل ، فإنّه يوجب تخفيف الذنوب .
2ـ إحياؤها بالصلاة والدعاء والاستغفار ، كما كان يصنع الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، وفي الحديث : ( من أحيا هذه الليلة لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) .
3ـ زيارة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهي أفضل أعمال هذه الليلة ، وتوجب غفران الذنوب ، ومن أراد أن يصافحه أرواح مائة وأربعة وعشرين ألف نبي ، فليزره ( عليه السلام ) في هذه الليلة .
وأقل ما يزار به ( عليه السلام ) أن يصعد الزائر سطحاً ، فينظر يمنة ويسرة ، ثمّ يرفع رأسه إلى السماء ، فيزوره ( عليه السلام ) بهذه الكلمات : ( السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ ) ، ويرجى لمن زار الإمام الحسين ( عليه السلام ) حيثما كان بهذه الزيارة ، يكتب له أجر حجّة وعمرة .
4ـ أن يدعو بهذا الدعاء ، وهو بمثابة زيارة للإمام الغائب ( عليه السلام ) : ( اللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها الَّتِي قَرَنْتَ إِلى فَضْلِها فَضْلاً فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدقا وَعَدلاً ، لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ وَلا مُعَقِّبَ لآياتِكَ نُورُكَ المُتَأَلِّقُ وَضِياؤُكَ المُشْرِقُ وَالعَلَمُ النُّورُ فِي طَخْياء الدَيْجُورِ ، الغائِبُ المَستُورُ جَلَّ مَولِدُهُ وَكَرُمَ مَحتِدُهُ وَالمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ وَاللّهُ ناصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ إذا آنَ مِيعادُهُ وَالمَلائِكَةُ أَمْدادُهُ ، سَيْفُ اللهِ الَّذِي لايَنْبُو وَنُورُهُ الَّذِي لا يَخْبُو وَذُو الحِلْمِ الَّذِي لا يَصبُو مَدارُ الدَّهرِ وَنَوامِيسُ العَصرِ وَوُلاةُ الأمْرِ وَالمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَتَنَزَّلُ فِي لَيلَةَ القَدرِ وَأَصحابُ الحَشْرِ وَالنَشْرِ تَراجِمَةُ وَحْيِهِ وَوُلاةُ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ .
اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى خاتِمِهِمْ وَقائِمِهِمْ المَسْتُورِ عَنْ عَوالِمِهِمْ ، اللّهُمَّ وَأدْرِكْ بِنا أَيَّامَهُ وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ وَاجْعَلْنا مِنْ أنْصارِهِ وَاقْرِنْ ثَأْرَنا بِثَأْرِهِ وَاكْتُبْنا فِي أَعْوانِهِ وَخُلَصائِهِ وَأحْيِنا فِي دَوْلَتِهِ ناعِمِينَ وَبِصُحْبَتِهِ غانِمِينَ وَبِحَقِّهِ قائِمِينَ وَمِنَ السُّوء سالِمِينَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَالحَمْدُ للّهِ رَبِّ العالَمِينَ وَصَلَواتُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيّيِنَ وَالمُرْسَلِينَ وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الصَّادِقِينَ وَعِتْرَتِهِ النَّاطِقِينَ ، وَالعَنْ جَمِيعَ الظَّالِمِينَ وَاحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا أَحْكَمَ الحاكِمِينَ ) .
5ـ قال إسماعيل بن فضل الهاشمي : علّمني الإمام الصادق ( عليه السلام ) هذا الدعاء لأدعو به ليلة النصف من شعبان : ( اللّهُمَّ أَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الخالِقُ الرَّازِقُ المُحْيِي المُمِيْتُ البَدِيُ البَدِيعُ ، لَكَ الجَلالُ وَلَكَ الفَضْلُ وَلَكَ الحَمْدُ وَلَكَ المَنُّ وَلَكَ الجُودُ وَلَكَ الكَرَمُ وَلَكَ الأمْرُ وَلَكَ المَجْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ ، يا واِحُد يا أَحَدُ يا صَمَدُ يا مَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ ؛ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاكْفِنِي ما أَهَمَّنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِي ، فَإِنَّكَ فِي هذِهِ الليلة كُلَّ أَمْرٍ حَكِيمٍ تُفَرِّقُ وَمَنْ تَشأُ مِنْ خَلْقِكَ تَرْزُقُ فَارْزُقْنِي وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَأَنْتَ خَيْرُ القائِلِينَ النَّاِطِقينَ : وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ فَمِنْ فَضْلِكَ أَسْأَلُ وَإِيَّاكَ قَصَدْتُ وَابْنَ نَبِيِّكَ اعْتَمَدْتُ وَلَكَ رَجَوْتُ فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) .
6ـ ادع بهذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذه الليلة : ( اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ وَمِنَ اليَّقِينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا ، اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا وَلا تَجْعَلْ الدُّنْيا أَكْبَر هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ) .
7ـ أن يقرأ الصلوات التي يدعى بها عند الزوال في كل يوم .
8ـ أن يدعو بدعاء كميل .
9ـ أن يذكر الله بكل من هذه الأذكار مائة مرّة : ( سُبْحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ ، وَلا إِلهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ ) ، ليغفر الله له ما سلف من معاصيه ويقضي له حوائج الدنيا والآخرة .
10ـ يقال في هذه الليلة : ( إِلهِي تَعَرَّضَ لَكَ فِي هذا اللَّيْلِ المُتَعَرِّضُونَ وَقَصَدَكَ القاصِدُونَ وَأَمَّلَ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ الطَّالِبُونَ وَلَكَ فِي هذا اللَّيْلِ نَفَحاتٌ وَجَوائِزُ وَعَطايا وَمَواهِبُ تَمُنُّ بِها عَلى مَنْ تَشأُ مِنْ عِبادِكَ وَتَمْنَعُها مَنْ لَمْ تَسْبِقْ لَهُ العِنايَةُ مِنْكَ ، وَها أَنا ذا عُبَيْدُكَ الفَقِيرُ إِلَيْكَ المُؤَمِّلُ فَضْلَكَ وَمَعْرُوفَكَ ، فَإِنْ كُنْتَ يا مَوْلاي تَفَضَّلْتَ فِي هذِهِ الليلة عَلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ وَعُدْتَ عَلَيْهِ بِعائِدَةٍ مِنْ عَطْفِكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ واَّلِ مُحَمَّدٍ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الخَيِّرِينَ الفاضِلِينَ ، وَجُدْ عَلَيَّ بِطَوْلِكَ وَمَعْرُوفِكَ يا رَبَّ العالَمينَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَسَلَّمَ تَسْلِيما ، إِنَ اللهَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللّهُمَّ إِنِّي أَدْعُوكَ كَما أَمَرْتَ فَاسْتَجِبْ لِي كَما وَعَدْتَ إِنَّكَ لاتُخْلِفُ المِيعادَ ) ، وهذا دعاء يدعى به في الأسحار عقيب صلاة الشفع .
11ـ أن يسجد السجدات ويدعو بالدعوات المأثورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، منها : قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( كان ليلة النصف من شعبان وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند عائشة ، فلمّا انتصف الليل قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن فراشه ، فلما انتبهت وجدت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد قام عن فراشها ، فداخلها ما يدخل النساء ـ أي الغيرة ـ وظنّت أنّه قد قام إلى بعض نسائه ، فقامت تلفّفت بشملتها ، وأيم الله ما كانت قزّاً ولا كتّاناً ولا قطناً ولكن سداهُ شعراً ولحمتُه أوبار الإبل ، فقامت تطلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجر نسائه حجرة حجرة ، فبينا هي كذلك إذ نظرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ساجداً كثوب متلبّد بوجه الأرض ، فدنت منه قريباً فسمعته يقول في سجوده :
( سَجَدَ لَكَ سَوادِي وَخَيالِي وَآمَنَ بِكَ فُؤادِي هذِهِ يَدايَ وَما جَنَيْتُهُ عَلى نَفْسِي يا عَظِيمُ تُرْجى لُكُلِّ عَظيمٍ اغْفِرْ لِيَ العَظِيمَ فَإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذَّنْبَ العَظِيمَ إِلاّ الرَبُّ العَظِيمُ ) .
ثم رفع رأسه وأهوى ثانياً إلى السجود ، وسمعته عائشة يقول : ( أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَضأَتْ لَهُ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ وانْكَشَفَتْ لَهُ الظُّلُماتُ وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الأَوّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنْ فُجأَةِ نَقِمَتِكَ وَمِنْ تَحْوِيلِ عافِيَتِكَ وَمِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ ، اللّهُمَّ ارْزُقْنِي قَلْبا تَقِيّا نَقِيّا وَمِنَ الشِّرْكِ بَرِيئا لا كافِرا وَلا شَقِيّا ) .
ثم عفّر خديه في التراب وقال : ( عَفَّرْتُ وَجْهِي فِي التُّرابِ وَحُقَّ لِي أَنْ أَسْجُدَ لَكَ ) .
فلّما همَّ رسول الله بالانصراف هرولت إلى فراشها ، وأتى النبي إلى الفراش ، وسمعها تتنفس أنفاساً عالية ! فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( ما هذا النفس العالي ؟ تعلمين أيّ ليلة هذه ؟ ليلة النصف من شعبان ، فيها تقسم الأرزاق ، وفيها تكتب الآجال ، وفيها يكتب وفد الحاج ، وإنّ الله تعالى ليغفر في هذه الليلة من خلقه أكثر من شعر معزى قبيلة كلب ، وينزل الله ملائكته من السماء إلى الأرض بمكّة ) .
تقبل الله أعمالكم ونسألكم الدعاء .