عندما تتخيل المخترعين والمبتكرين ربما ترى في مخيلتك شخص عبقري في معمل ما محاط بأجهزة وأدوات مذهلة ومعقدة ويقوم بعمل تجارب وتصميمات وحل معادلات رياضية إلى أن يصل إلى نتيجة صحيحة وفي هذه اللحظة يكشف الستار عن اختراع جديد أو تقنية جديدة قد تغير كل شئ.
جزء كبير مما سبق صحيحاً، هناك الكثير من التجارب والأبحاث والتصميمات عندما يتعلق الأمر بابتكار جديد ولكن الأمر يتطلب وقتاً أطول مما نظن كما انه قد يتطلب أكثر من شخص واحد ليقوم بذلك. كما سنرى في الابتكارات العشرة التالية، احداً منها لم يأتي من فراغ كل واحد منها ظهر بفضل ابتكارات اخرى لمخترعين اخرين منذ عشرات أو حتى مئات السنين، لكل ابتكار مشكلة ما وقد لا يمثل الاختراع قيمة حقيقية إلى أن يأتي مخترع أخر بحل لهذه المشاكل كما قد لا كل ينسب الفضل للمخترع الاصلي ولكن يكون القدر الأكبر من نصيب المخترع الذي قام بعمل التطوير الحاسم الذي جعل الجميع يرغب في هذا الاختراع.
الثلاجة
الثلاجة في ابسط صورها عبارة عن مساحة معزولة حرارياً ومضخة حرارية (ميكانيكية او الكترونية او كيميائية) تعمل هذا المضخة على نقل الحرارة من داخل الثلاجة إلى خارجها مما يساهم في تقليل معدل تكاثر البكتيريا بسبب انخفاض الحرارة وحفظ الأطعمة من التلف. تعتمد الثلاجة في عملية التبريد على استغلال طريقة المواد في امتصاص وفقد الحرارة وفقاً لتغير حالاتها الفيزيائية من غازية إلى سائلة والعكس، كحال معظم الابتكارات السابقة يصعب الاشارة الى مخترع معين للثلاجة لأن مفهوم التبريد المستخدم كان منتشراً بكثرة وتم تطويرة تدريجياً على مدار 200 عام، قبل اختراع المبرد كان الناس يستخدمون ما يعرف بمنازل الثلج والتي كانت تمثابة مخزن لحفظ الأطعمة من التلف معظم فترات السنة وكانت تعل جيداً ويتم بناءها في جوف الأرض او بالقرب من البحيرات المتجمدة والماء العذب او كان يتم ملؤها بالثلج الجليد لتقليل درجة الحرارة، يبدأ عصر المبردات الصناعية عندما صمم البروفيسور الاستكتلندي William Cullen آلة تبريد بسيطة في عام 1755 تستخدم مضخة لتحريك بخار جزئي فوق حاوية بها مادة الإيثر والتي يتم عندها غليها لتبدأ في امتصاص الحرارة من الهواء المحيط بها، البعض يرجع بالفضل الى المخترع الامريكي Oliver Evans الذي قدم في عام 1805 تصميماً لوحدة تبريد تستخدم تعتمد على دورة ضغط بخاري مغلق لانتاج الثلج باستخدام مادة الإيثر، بينما ينسب اخرون الفضل الىا البروفيسور الألماني Carl von Linde والذي قدم تصميماً في عام 1876 مماثل للموجود في الثلاجات الحديثة اليوم إذ اخترع طريقة لإسالة الغازات واستخدامها في التبريد وبفضل طريقته تم استخدام غازات مثل غاز الأمونيا وثاني اكسيد الكبريت حتّى عام 1920 عندما ظهر غاز الفريون المستخدم حالياً. وخلال العقود التالية لهذين الحدثين العديد من العلماء ومنهم البرت اينشتاين عملوا على صقل وتطوير وتحسين تصاميم الثلاجات الى ان وصلت لما هي عليه اليوم.
فكرة عمل الثلاجة الحديثة بشكل مبسط
في بدايات القرن العشرين عملية جمع الثلوج الطبيعية من المناطق المثلجه من اجل استخدامها في التبريد كانت لا تزال امراً شائعاً ولكن صناعات عملاقة مثل مصانع الجعة كانت قد بدأت في استخدام آلات صنع الثلج لتسريع وتيرة الانتاج وبحلول الحرب العالمية الأولى كانت عملية جمع الثلوج الطبيعية من اجل اغراض صناعية من الأمور النادرة، بالرغم من ذلك لم يصبح استخدام الثلاجات او المبردات في المنزل امراً طبيعياً إلا عندما تم تطوير وانتاج المواد الكيميائية الآمنة المستخدمة في التبريد في فترة عشرينات القرن العشرين.
القدرة على حفظ الطعام في درجة حرارة منخفضة لإطالة فترة بقائه صحياً بالإضافة لحفظ الأطعمة ايضاً خلال عمليات نقل البضائع ساهمت في تغيير عمليات صناعة وانتاج الطعام بشكل كبير بالإضافة لعادات استهلاك الطعام حول العالم، اليوم يمكننا الوصول بسهولة للحوم الطازجة ومنتجات الالبان حتّى في أشد شهور الصيف حرارة ولسنا مضطرين للاعتماد على جمع الثلوج الطبيعية التقليدية لحفظ الطعام والتي لم تكن بأي حال من الأحوال لتتمكن من مجاراة الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الكوكب او التضخم الكبير في اعداد البشر وكميات استهلاكهم.
الاتصالات
ربما يرى البعض انه دم التلغراف والتلفون والراديو والتلفاز في اختراع واحد ليس بالامر الصائب ولكن السبب في ذلك هو انهم جميعاً متشابهين من حيث الفائدة كما ان التطور في تكنولوجيا الاتصالات كان مستمراً وتميز بوتيرة سريعة نسبياً منذ اختراع سامويل مورس للتلغراف الكهربائي في عام 1836 والذي بالطبع كان أيضاً مبنياً على اعمال واكتشافات مخترعين اخرين، وتلى ذلك النظام التلفوني الذي سمح بانتقال الصوت فعلياً عبر اسلاك نحاسية بدلاً من بعض النغمات والأصوات التي يتم ترجمتها لاحقاً لنصوص باستخدام شفرة مورس، بالطبع وسائل الاتصالات هذه كانت تتم بين كل شخصين على حدى وهو ما تتطلب بنية تحتية عظيمة من الأسلاك لتحقيق الاتصال بين كافة الأشخاص.
أمّا في حال ارسال الاشارات لاسلكياً باستخدام الموجات الكهرومغناطيسية أو موجات الراديو تحديداً فالأمر لا يتطلب كل هذا التعقيد كما انه ارخص بكثير واكثر اماناً وقد عمل العديد من المخترعين والعلماء حول العالم على تطوير الاتصالات اللاسلكية ولكن ماركوني ونيكولا تسلا كانا الأكثر شهرة وسيطاً في بدايات القرن العشرين وفي نهاية المطاف تمكن العالم من ارسال اول رسالة صوتية لاسلكياً وعمل المهندسون بعد ذلك تدريجياً على ارسال الصور ايضاً، التلفاز والراديو كانا من الانجازات العظيمة في الاتصالات لأنهما اتاحا لطرف واحد ان يرسل الرسائل الصوتية والمرئية لملايين البشر حول العالم طالما يمتلكون اداة استقبال.
تلك التطورات الضخمة في الاتصالات ساهمت في تقليص حجم العالم بالرغم من نموه، في اقل من 120 عاماً تحولنا من عالم قد يتطلب الأمر فيه اسابيعاً لمعرفة الاخبار التي حدثت في الطرف الاخر من بلدك الى عالم يمكنك فيه مشاهدة الاحداث التي تجري في الطرف الاخر من الكرة الارضية اثناء حدوثها وانت في منزلك. مجئ وظهور وسائل الإتصالات ذات النطاق الواسع سمحت لنا بالوصول لكم هائل من المعلومات وغيرت الطريقة التي نتفاعل بها مع بعضنا البعض بل يمكننا القول انها غيّرت العالم تماماً.
السيارات
سيارة كارل بينز – Motorwagen
اذا كانت المحركات البخارية قد اضافت الحركة والحيوية لقطاع الصناعة فقد اضافته السيارات للناس ايضاً، في الواقع فكرة المركبات أو وسائل النقل الخاصة والشخصية ظهرت منذ سنين عديدة مضت ولكن اختراع كارل بينز الذي اطلق عليه اسم Motorwagen او العربة ذات المحرك في عام 1885 والتي كانت تعمل بمحرك احتراق داخلي يعتبرها الجميع كأول سيارة حديثة في العالم تبع ذلك الحدث الهام في حياة البشرية التطويرات والتحسينات التي أضافها هنري فورد على عملية الانتاج وبالطبع التسويق مما جعل فكرة اقتناء سيارة خاصة فكرة مقبولة بالإضافة للسعر المناسب الذي ساهم في جعل هذه السيارات البدائية في متناول يد كافة الأمريكيين وأوروبا من بعدهم. للسيارات اليوم أثراً كبيراً جداً على الاقتصاد والمجتمع والثقافة عموماً، معظمنا اليوم يمكنه أن يركب سيارته ويذهب أينما شاء وقتما شاء ولن يعيقه شئ كما ان المدن أصبحت اكبر حجماً دون ادنى قلق من بعد المسافات كما ان بناء هذه المدن متمحور بشكل اساسي حول مداخل ومخارج وطرق السيارت الممهدة بالإضافة لأماكن رصفها وفي اغلب المدن اليوم ستجد ان السيارات وملحقاتها تحتل المساحة الأكبر منها وفي القطاع الصناعي فلا شك ان صناعة السيارات من اكثر الصناعات ربحاً حول العالم فشركة تويوتا اليابانية تمثل الشركة الأكثر ربحاً في العالم ولا شك ان صناعة السيارات ساهمت في زيادة معدلات النمو الإقتصادي للعديد من الدول تماماً مثلما ساهمت في زيادة معدلات التلوث والضوضاء والحوادث.
الكومبيوتر
ENIAC اول حاسوب الكتروني متعدد الأغراض
الكومبيوتر بالنسبة لأغلبنا لا يحتاج إلى تعريف فهو ببساطة شديدة آلة يمكنها ان تستقبل المعلومات بطرق مختلفة وتقوم بمعالجتها ثم اخراج معلومات جديدة او نفس المعلومات ولكن بشكل مختلف، كحال الاختراعات السابقة لا يوجد مخترع واحد للكومبيوتر الحديث بالرغم من ان افكار الرياضي البريطاني ألان تورينج تعد ذات أثر بارز في مجال الحوسبة، نظرياً مفهوم الحاسوب قد يمتد لآلاف السنين عندما ظهرت ادوات العد والحساب البدائية في الحضارات القديمة ولكن عملياً ظهرت أجهزة الحاسوب الميكانيكية في القرن الثامن عشر بينما ظهرت اجهزة الحاسوب الالكترونية في القرن العشرين. اجهزة الحاسوب قادرة على اداء عمليات حسابية معقدة بسرعة كبيرة جداً وعلى هذا الأساس البسيط جداً تمكنت البشرية من تحقيق معظم انجازاتها الضخمة في القرن العشرين والواحد والعشرين بفضل هذه الآلات، بدءاً من فك تشفير الجينوم البشري وصولاً الى ارسال المركبات الى الفضاء، إذا نظرنا جيداً لاستخدامات الكومبيوتر اليوم سندرك كيف نعتمد عليه بشكل كبير في حياتنا اليومية لقد سمحت لنا اجهزة الحاسوب بتخزين كميات هائلة من المعلومات واسترجاع اجزاء منها لحظياً عند الحاجة معظم الأشياء التي نراها اليوم من المسلمات وبديهيات الحياة اليومية لم تكن لتعمل لولا الكومبيوتر بدءاً من السيارات والمصانع ووصولاً الى الهواتف.
الانترنت
الانترنت عبارة عن شبكة من شبكات الكومبيوتر او لنقل شبكة كومبيوتر تغطي الكوكب بأكمله، تسمح لنا هذه الشبكة بالوصول الى كم هائل من المعلومات في أي مكان وفي أي وقت، يمتد تأثير الانترنت الى الاقتصاد والتجارة والاتصالات والترفية وحتّى السياسة، ربما لم يغير الانترنت العالم كما غيره المحراث ولكن يمكننا مقارنة تأثير الانترنت على حياة البشر بتأثير السيارات والمحرك البخاري. وكالة مشاريع ابحاث الدفاع المتقدمة الأمريكية او كما يشار اليها اختصاراً بـ DARPA تعد الذراع البحثي لوزراة الدفاع الأمريكية وقد أنشأت شبكة من اجهزة الحاسوب اطلقت عليها ARPANET في اواخر ستينات القرن العشرين وقد أنشأت هذه الشبكة البدائية بغرض اجراء الأبحاث في المجالات العسكرية والأكاديمية ويمكننا اعتبارها النواه الاولى للانترنت، في السنوات التالية بدأت شبكات اخرى كبيرة في الظهور حول العالم وفي اواخر السبعينات تمكن علماء الكومبيوتر من تطوير البروتوكول الشهير TCP/IP والذي سمح باجهزة الكومبيوتر في أي شبكة بالإتصال والتواصل مع اي كومبيوتر في اي شبكة اخرى حول العالم ويمكننا ايضاً ان نعتبر هذه اللحظة الرسمية لميلاد الانترنت، إذ تلى ذلك بعض التطويرات وبدأت الشبكات الأخرى حول العالم باستخدام هذا البروتوكل والإتصاا ببعضها البعض وبهذا بدأ نطاق الانترنت في الاتساع رويداً رويداً إلى ان وصل لمرحلة الهيمنة العالمية التي نراها اليوم. الانترنت اختراع قوي وعظيم والذي بدأنا في رؤية أثرة الحقيقي على العالم مؤخراً، القدرة على جمع ونشر المعلومات بهذه الكفاءة قد يزيد من سرعة ظهور اختراعات اخرى يمكنها تغيير العالم.
المصادر
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11
اختراعات وابتكارات مميزة غيّرت العالم – الجزء الأول