يعتبر فن الكاريكاتير من أقدم أشكال الرسم في العالم، وله القدرة على النقد بشكل أوسع وأكثر فعالية من الكلمات في كثير من الأحيان، وبسبب شدة تأثيره، لطالما تعرض للهجوم من السلطات والأفراد ممن يرون فيه تجاوزاً وتطاولاً، وتعرض الكثير من رسامي الكاريكاتير للقمع والاعتداء، منذ أيام الفراعنة والإغريق.
وتؤكد بحوث تاريخية عديدة أن أول ظهور لفن الكاريكاتير كان في مصر الفرعونية القديمة، حيث حرص الفنانون في ذلك الحين على تسجيل سخريتهم على قطع فخار والأحجار، وأظهر أغلب الرسوم حيوانات مختلفة، في نوع من الإشارة للعلاقة غير المتوازنة بين الحاكم والمحكوم.
وأكد أثريون مصريون أن قدماء المصريين عرفوا فنون السخرية من حكامهم، وأن شخصية الفرعون في مصر القديمة تعرضت للانتقاد بأسلوب ساخر بالكلمة والرسم، ويقول عالم المصريات، الدكتور منصور بريك، في تصريحات إعلامية، إن الزائر للجبل الذي يحتضن معبد الملكة حتشيبسوت غرب مدينة الأقصر يرى كيف كانت سخرية المصريين القدماء من العلاقة بين "حتشبسوت" والمهندس "سنموت" الذي أشرف على بناء معبده ونحته في صخور جبل القرنة، كما تكشف بردية "تورين" الشهيرة، كيف خاطب مواطن مصري بسيط الفرعون آنذاك.
ويؤكد بريك أن المصريين القدماء كانوا أول من تنبه لفن الكاريكاتير، واستخدم الفنان وقتها الحيوانات والرموز البسيطة للتعبير عن رأيه الحقيقي في أصحاب السلطة، ففي إحدى قطع "الأوستراكا" (قطعة مستوية من الفخار كانت تستخدم للكتابة عليها)، نرى تصوير كروكي لصراع بين القطط والفئران، حيث يدور ملك الفئران على عجلة حربية تقودها كلبتان ويهجم على حصن تحرسه القطط، في إشارة إلى قوة الشعب في وجه حاكم مستبد.
وفسر باحثون أن كثيراً من الكاريكاتيرات الفرعونية أظهرت رسالة ألا تستهينوا بالضعيف، وأن صاحب الحق سينتصر على صاحب البطش القوي.
وتؤكد معالم أثرية كثيرة مدى تمكن المصري القديم من توجيه النقد للنظام الحاكم بشكل مبسط مستتر ولكنه فعال من خلال صورة كروكي لثعلب يرعى قطعانًا من الماعز أو ذئبا يقود الأوز. ويقول الباحث المصري في مجال علوم الآثار الدكتور أحمد صالح عبد الله أن انتقاد الحكام كان "موضوعا عاماً للأدب الشعبي في مصر الفرعونية"، حيث عثر على العديد من الصور المرسومة على "الاوستراكا" وعلى أوراق البردي بشكل تهكمي، وقد كتب عليها: "تصبح القطة عبدة لدى مدام فأرة"، ويهاجم جيش من الفئران فرقة القطط المسكينة المحبوسة في قلعة.
ويرجع علماء المصريات أول ظهور لرسم كاريكاتيري للقط والفأر إلى حوالي عام 1300 قبل الميلاد، حيث رمز قدماء المصريين للصراع بين الملك والشعب بصراع بين القط والفأر، فكان يرمز بالقط إلى الملك وبالفأر إلى الشعب، لكن الفأر النحيل الجسد في قصص وصور المصريين القدماء كان هو المنتصر دائماً، فكانت القصص الشعبية الفرعونية تنتهي دائما بنهاية سعيدة وبانتصار الحق على الباطل.