تدفّق النور المتلألئ فغمر أرجاء الوجود ليلة النصف من شعبان سنة 255هـ، وتشعشعت أنوار المشيئة الإلهيّة في هذه الليلة التي شاء تبارك وتعالى أن يولد فيها مَن يُحيي به الأرض بعد موتها، ومَن تُشرق عند قيامه الأرضُ بنور ربّها
لقد اقتضت المشيئة الربّانية أن تجعل ليلة 15 شعبان ليلة ولادة خاتم الأوصياء عليهم السلام الذي يتحقّق على يديه الوعد الذي قطعه ربُّ العزّة لأكرم خلقه عليه صلى الله عليه وآله وسلم بأن يُظهر دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون.
ليلة النصف من شعبان هي ليلة ولادة <الصُبح المُسفر> وليلة إطلالة <الضُّحى> حين يتلألأ نور الرسالة وشعاع شمس النبوّة بوجود الإمام المهدي عليه السلام.
ليلة النصف من شعبان ليلة إشراقة نور الله المتألّق وضيائه المشرق، والعلم النور في طخياء الديجور .
ليلة النصف من شعبان ليلة يطّلع الله عزّ وجل فيها إلى خلقه فيغفر لعباده الاّ لاثنين: مُشاحن (أي مُعادٍ لأهل البيت عليهم السلام) وقاتل نفس.
ليلة النصف من شعبان ليلة بزوغ الشمس الطالعة من مغربها، وليلة تجسّد إطلالة عصرٍ أقسم الله تعالى به في قرآنه الكريم.
ليلة ولادة خاتم الأوصياء ليلةٌ مَن أحياها لم يَمُت قلبُه يوم تموت القلوب كما يقول خاتم الرسل صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام ـ حسب روايةٍ عن الإمام الرضا عليه السلام ـ لا ينام ثلاث ليالٍ: ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان، وفيها تُقسم الأرزاق والآجال وما يكون في السنة.
وكان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يعجبه أن يفرغ الرجلُ أربع ليالٍ من السنة: أوّل ليلة من رجب، وليلة النحر، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان)
وإنّ الله عزّ وجل ـ كما يقول ابن عبّاس ـ يلحظ إلى الكعبة في كلّ عامٍ لحظة، وذلك في ليلة النصف من شعبان، فعند ذلك يحنّ إليها قلوب المؤمنين.
ليلة 15 شعبان هي الليلة التي هبط فيها جبرئيل الأمين عليه السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم فسأله: يا محمّد أتنام في هذه الليلة؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم متساءلاً: وما هذه الليلة؟ قال جبرئيل: هي ليلة النصف من شعبان. قُم يا محمّد! ثمّ ذهب جبرئيل بخاتم الرسل إلى البقيع فقال له: إرفع رأسك، فإنّ هذه الليلة تُفتح فيها أبواب السماء، فيفتح فيها باب الرحمة، وباب الرضوان، وباب المغفرة، وباب الفضل، وباب التوبة، وباب النعمة، وباب الجود، وباب الإحسان... فأحيِها يا محمّد، وأمُرْ أمّتك بإحيائها والتقرّب إلى الله تعالى بالعمل فيها.
ليس من الصدفة أن يلحظ الله تبارك وتعالى الكعبة في كلّ عامٍ لحظة، ثمّ تكون تلك اللحظة في ليلة ولادة مُنجي البشرية الذي شاءت إرادة الملك العدل أن يملأ ربوع البسيطة ببركته قسطاً وعدلاً، ذلك المولود المبارك الذي سيُسند ظهره إلى هذه الكعبة عند قيامه فيُطلق نداء البشارة فتلقفه أرواح المؤمنين اللهفى قبل أسماعهم.
ليس من الصدفة أن يستيقظ خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم من نومه ـ وهو الذي تنام عينُه ولا ينام قلبُه ـ وقد أثلج فؤادَه تفتّح أبواب السماء بالرحمة والرضوان والمغفرة، فينسلّ من فراشه ويهوي لربّه ساجداً شاكراً أَنْعُم الله تعالى الذي شاء أن يمُنّ على الذي استُضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين.
لقد سُئل الإمام الباقر عليه السلام عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلةٍ بعد ليلة القدر... وإنّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم
لقد استدعى الإمام العسكري عليه السلام عمّته حكيمة وطلب منها أن تجعل إفطارها في بيته ليلة النصف من شعبان، لتكون إلى جنب <نرجس>، وتكون الشاهد على ولادة مهديّ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي تتوقّد جلابيب النور التي عليه من شعاع القدس.
وروت لنا حكيمة أنّ الخلف المهديّ عليه السلام لمّا وُلد سطع نورٌ من فوق رأسه إلى عنان السماء.
لقد كشف ربّ السماوات تعالى لإبراهيم الخليل عليه السلام عن بصره لمّا خلقه فنظر في جانب العرش أنواراً، فسأل ربّه عن تلك الأنوار، فعرّفه ربّه
أنّ أوّلها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم صفيّه،
وثانيها عليّ ناصر دينه،
ثمّ فاطمة، ثمّ الحسنَين، ثمّ الأئمة عليهم السلام وآخرهم القائم المنتظر عليه السلام،
فقال إبراهيم عليه السلام: اجعلني إلهي من شيعتهم ومحبّيهم؛ قال: قد جعلتُك منهم.)