"امرأة سريعة العطب" ليست رواية. هي نصوص متفرقة للروائي واسيني الأعرج
ساحاول جمعها هنا ..
ابق قليلا.
أحتاجك لألملم جرحي، فلم نعد كما كنّا. ألم تتعبك الأسفار والسماء وأصداء موت يتربص بك في كل الأمكنة؟ من أية طينة يولد قلبك من جديد؟ ألم تنتبه بعد أني مازلت أغفو في أنفاسك كالحلم الهارب؟ أنتظر منذ سنين عودة الأمطار وربيع الشوق، فقط لأراك قبل أن تسرقك الرياح؟ لا تغرق في دخانك الذي يأكل عذرية جسدك، واذكرني كما تعودتَ أن تفعل في خلوتك.
أنا هنا،
في مسافة يراها القلب ولا تراها العين. شيّدني في قلبك من لفافات الغيم ونوار الخزامى وطعم الريح الذي يتغير بسرعة، وتذكر أن امرأة لا تملك غيرك تفكر اللحظة فيك.
بعض الرسائل تدخل القلب كظل العاشق، بلا ساعي بريد، ولا اسم، ولا عنوان، ولا حتى طابع ملون. يكفي أنها محملة بعطر الحنين ولون البنفسح، لتكون رسالة حب تمحو جرح الثلج وريح الشمال.
أحبك
أحبك ولا يقين لي إلا سراب العشق المنتشي بوهمه الجميل. لم أطلب أكثر من كرم الأقدار التي حملتني بين ذراعيها ثم طوحت بي نحو دروبك. لم أكن أعرف أن وجها نبويا يمكن أن يسرق مني عقلا ظننته يكفي ليسكنني قلبك. لم أكن أعرف أن سؤالا صغيرا سيسرقني أبدا نحوك. بل لم أدر يومها أن الشمس بمكن ان تتوقف لتسمع همسا كان يأتي من القلب وترتب له كل المواعيد اللاحقة. سمعت صمتك فالتفت صوبك كأنك امرأة القدر المشتهى.
أحبك ربما كانت الكلمة أصغر من همسة. أحبك أبجدية مثل ندى الروح إذ يصيبها عطش الجفاف. أُ حِ بْ بًُ كِ سر الله في أحرف خمسة تشبه اسمه أَ لْ لَ ا هٌ . أحبك، كلمة أصغر من نفس رجل اشتهى أن يشهق امرأته كلها للمرة الأخيرة وأن يزفر كل ما مضى من زمن هرب من دون أن يوقفه ويسأله عن بعض خفاياه. أحبك. أصغر من عين ترى وأوسع من دنيا ملفوفة بأسرارها، قبل ان تنام على لذة الانسحاب. لو كنت أعرف أن تلك الثانية التي جمعتنا قبل أن تبعثرنا، كانت لنا كنت سبقتها بعشرين سن فقط لأسكنك كل هذا الوقت.
لي صباح يشبهني قليلا وشمس لا تعرف إلا قلبي.
لي ذاكرة تشعلني، وتفرش للقادم فرحا من ألمي.
ولي امرأة مثل الفراشة ملونة بكفّ السماء وعطش العاشق، لا تعرف الغفوة إلا في كفّي،سرقتني من كتبي واعتمدتني كما اشتهتني قديسا ورجلا مستحيلا، عوّضت كل خساراتي بلغة، كلما التفتُّ صوب رمادي، قالت هيتَ لك، امنحني ما منحتك، أو غادرني بسرعة البرق، وتخفّ في تيهك لكي لا أعيش ثانية هذا الحريق
كلما انزلقت قدماي، تهاويت نحو قلبك....
حبيبي يا خوفي المجنون؟ ما الذي ينتابك كلما تعريت أمامك واحرقتني ثم مددت ناري نحوك؟ كل الظلال تخيفك يا هبلي وكل المدن بلا اسماء ولا سماء. كفي اليسرى لم تغلق أبدا حتى عندما اشتهاني الموت، وأصابعي لم تفقد رجفة الطفولة. في انتظارك بلا ملل، عندما أتوسد رماد الشمس الليلي وماءها الفجري. لست سيدة لنبوة تهدي العشاق بوصلة الوقت وفسحة الهرب في غابة الكلمات. أبغض نفسي إذ أكون نقطة تقتل سحر الجملة. أشتهي أن يستمر كل شيء بلا هدنة ولا هداية. لست ككل النساء والرجال أيضا، لأمسح لغتي وأتمادى في غي الوهم الكبير. لست شيئا كبيرا، مثلي مثل اللغة. مجرد عابرة في سبيل لا تعرف مسالكه. لا تطلب الكثير من النجمة البعيدة سوى أن تظل مضيئة، ولا من السيدة التي تعبر الرصيف بسرعة، سوى أن يظل عطرها أطول مدة ممكنة في أنوف تعودت على البارود وشمّ الخوف، لا أملك قدرة الآلهة لاسكن الرعد والبرق في كفي ثم أطرز بهما قبور الموتى حتى أوقظهم من غفوة الأبدية. لا أملك سوى خطواتي التي تسلك الحواف وتحلم بأن ترجع الحياة لكل النجوم التي أصبحت رمادا؟ وكلما انزلقت قدماي تهاويت نحو براكين قلبك وتركتني أناااااام. وكم أتمنى أن لا يوقظني أحد.
كم يلزمني من عمر فقط لآخذ يدك واسحبك فجرا نحو بحر اسرقه في غفلة منه واخبئه في قلبك، قبل ان اغفو فيه وأنام على ملحه السخي وعطره. كم يلزمني من الشموس والاشعة لاغزل لك عرسا من الكلمات والحنين، سحرا من الالوان ولباسا من بحر ورذاذ فقط لادهشك قليلا. أشتهي ان ادهشك مثل طفل حفظ كل كلمات العشق دفعة وارمي في حجرك كحباتالشوق فقط لتدركي كم اصبحت انا وان لا شيء يعوضك في غيابك وحضورك.
مرة يوم حلمت بامرأة تشبهك، ومرة يوم رأيتك. لي في هذه الدنيا فرحتان. فرحة الوجود معك وفرحة الاستمرار بك. لي حيرتان، حيرة الخوف عليك وحيرة السفر فيك. لي حزنان، حزن افتقادك يوما، وحزن أن تنسي أني هنا. لي سفران، السفر نحوك بلا خوف والعودة منك لأسكنك. لي دهشتان. دهشة اكتشافك في قلبي، ودهشة الشمس التي تغطيك. لي سؤالان سؤال القلب المتعب وسؤال ذاكرة نحن فيها. لي أنت مرتين. والثالثة شراكة بيننا اسمها الحياة.