النتائج 1 إلى 7 من 7
الموضوع:

" عملية كوندور " كابوس أمريكا اللاتينية

الزوار من محركات البحث: 53 المشاهدات : 563 الردود: 6
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    حُلْمٌ ضائع
    تاريخ التسجيل: August-2014
    الدولة: بلد اللا قانون
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 16,921 المواضيع: 1,151
    صوتيات: 153 سوالف عراقية: 1
    التقييم: 13268
    مزاجي: مُشَوَّش
    المهنة: موظف
    أكلتي المفضلة: لِبَن وتَمُر
    موبايلي: iPhone 15 Pro & Google Pixel 8
    آخر نشاط: منذ 2 ساعات
    الاتصال:
    مقالات المدونة: 5

    " عملية كوندور " كابوس أمريكا اللاتينية

    إرهاب الدول بمباركة الولايات المتحدة .
    بقلم الصحفي (بيار ابراموفيتشي) (PIERRE ABRAMOVICCI)
    في الثاني عشر من شهر كانون الثاني/يناير سلّمت المكسيك ريكاردو ميغيل كافالو، وهو ارجنتيني مسؤول عن اعمال التعذيب، الى اسبانيا لكي يحاكم هناك. وفي السادس من آذار/مارس قام قاض آخر في بيونيس آيرس بتجاوز القوانين التي تحمي العسكريين من الملاحقات القضائية بعد انتهاء عهد الديكتاتورية. في المقابل، اطلق الجنرال بينوشيه في تشيلي بكفالة بعد خفض توصيف جرائمه. بيد ان الشهادات والوثائق تتكاثر حول "الحرب الوسخة" التي شنتها الديكتاتوريات العسكرية في القرن الجنوبي بموافقة الولايات المتحدة الاميركية.
    "نحن، التشيليون، كما جميع شعوب الغرب نقاتل الديكتاتوريات أياً يكن "لونها" وجميع العملاء الأجانب الذين يهددون بلادنا. يجب أن نقاتلهم بكل قوانا وسلاحنا الرئيسي هو التعاون بين الأجهزة البوليسية في القارة الأميركية(1)".
    هذا "والسنيور كاستيلو ، من جهاز المخابرات التشيلية " يحدق في المشاهد في فيلم بعنوان "الجريمة لا تفيد (Le crime ne paie pas)" من حقبة الحرب العالمية الثانية حيث كانت هوليوود تنتج أفلاما وطنية قصيرة مخصصة لنشر مفهوم "الدفاع المشترك". وهذه الأفلام، وهي من وحي المخابرات الفيديرالية الأميركية، كانت تدعي محاربة جواسيس النازية في أميركا اللاتينية وإظهار التعاون بين الأجهزة البوليسية والمخابراتية على مستوى القارة الأميركية.
    ربما أن الخطة التي عرفت في ما بعد بعملية "كوندور" تعود في جذورها الى تلك الحقبة، وهي عبارة عن مشروع موسع للقمع على مستوى القارة جرى تنفيذه على أيدي الأنظمة الديكتاتورية الأميركية اللاتينية في السبعينات والثمانينات، مع تغير بسيط في "اللون" المستهدف إذ تحول من البني إلى الأحمر.
    في مرحلة أولى لعبت الصدفة دورها في تكوين فكرة عن الأعمال الإجرامية لهذه الشبكة الدولية، حين اكتشف في أواخر كانون الأول/ديسمبر عام 1992 طنّان من الوثائق تعود الى عهد ديكتاتورية ستروسنر وذلك في مفوضية لامباري إحدى ضواحي آسونسيون (الباراغواي). ثم جاء رفع الاستخبارات الاميركية، في 13 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2000، السرية عن الوثائق المتعلقة بتشيلي ليؤكد بدقة فحوى "وثائق الارهاب" هذه.
    فمنذ انعقاد مؤتمر الأميركتين في شابولتيبيك في المكسيك في شباط/ فبراير عام 1945، حذرت الولايات المتحدة القادة العسكريين الاميركيين الجنوبيين من الشيوعية، وتقرر في هذه
    المناسبة مواصلة العمل في اطار "دائرة الدفاع الأميركي المشترك" التي كانت قد انشئت في العام 1942، وهي مجلس مشكل من ضباط يمثلون الدول المشاركة ومهمتها دراسة امكان توسيع التعاون العسكري الذي كان بدأ خلال الحرب. وفي هذا الاطار وقعت فعلاً، في العام 1951، اتفاقات ثنائية للتعاون العسكري شملت الامداد الاميركي بالسلاح والمال، ووجود المستشارين العسكريين وتدريب ضباط أميركا اللاتينية في الولايات المتحدة وفي "المدرسة الاميركية" في القطاع الاميركي من قناة بنما.
    وفيما كانت التوترات الاجتماعية والسياسية تتضاعف جاءت ثورة كاسترو في العام 1959 لتدفع التحرك طبعا في اتجاه "دفاع قاري ضد الشيوعية". وفي العام 1960 دعا الجنرال تيودور بوغارت ، قائد القوات الاميركية في القطاع الجنوبي، المتمركزة في منطقة القناة في باناما، زملاءه الاميركيين الجنوبيين الى اجتماع "ودي" لتدارس المواضيع المشتركة. وهكذا ولدت فكرة مؤتمر الجيوش الاميركية الذي كانت اجتماعاته تنعقد سنويا في فورت امادور(باناما) ثم في وست بوينت في عام 1964، لتتباعد مواعيدها ابتداء من العام 1965 فتنعقد كل سنتين. هناك، في مكان الاجتماعات هذا، الحصري الى حد ما، ورمز الحرب الباردة والذي نادرا ما تذاع أخبار ما يجري فيه، تشكلت نواة ما سيطلق عليه يوما "عملية الكوندور".
    ومن الأفكار التي استحوذت على اهتمام العسكريين الاميركيين اللاتينيين من دون استثناء، اضافة الى حركة الشيوعية العالمية (وكانت تطلق على جميع المعارضين)، فكرة ترابط الخدمات. وفي اجتماعه الثاني أبدى مؤتمر الجيوش الاميركية رغبته في انشاء هيئة دائمة في قطاع قناة بنما وذلك " من أجل تبادل الأخبار والمعلومات"(2). وقد أفضى هذا التمني تحديدا الى تشكيل شبكة اتصالات على مستوى القارة والى لقاءات ثنائية بالغة السرية من أجل الاستخبارات (الارجنتين- الباراغواي، البرازيل- الارجنتين، الارجنتين- الاوروغواي، الباراغواي- بوليفيا الخ.)
    واذا بطاقات المعلومات ترسل من بلد الى آخر أو أكثر، وتجول عبر شبكة "اغريميل" (وهي منحوتة من كلمتين بمعنى "ملحقين عسكريين" agregados militares)، وكما تصدر بشكل عام عن دوائر الاستخبارات العسكرية، يمكن أن ترسل أيضا من الشرطة السياسية أو حتى من دوائر ذات صفة رسمية أدنى مثل منظمة تنسيق عمليات مكافحة التخريب، احدى سرايا الموت التابعة للشرطة السياسية في الأوروغواي والتي يشارك أعضاؤها في التحقيقات وعمليات التعذيب وفي الاعدامات وخصوصا في الأرجنتين(3).
    وفي الاجتماع الخامس لمؤتمر الجيوش الاميركية الذي انعقد في كراكاس في 3 أيلول/سبتمبر عام 1973، أقر الجنرال برينو بورجس فورتس، القائد الأعلى للجيش البرازيلي أن استراتيجيا الكفاح ضد الشيوعية هي حصرا من مسؤولية القوات المسلحة في كل بلد إنما " في ما يتعلق بالعمل الجماعي نعتبر أن الفاعلية تتأتى فقط (...) من تبادل الخبرات أو المعلومات والتعاون التقني حين تطلب احدى الدول ذلك"(4). فاتخذ القرار "باعطاء المزيد من الدفع لتبادل المعلومات بغية التصدي للارهاب (...) ومراقبة العناصر المخربة في كل بلد".(5)
    وفيما كان جنوب القارة يقع تدريجيا في قبضة الأنظمة العسكرية التي استوحت النموذج البرازيلي، كانت الارجنتين تعيش مرحلة انتقالية لافتة ما بين عودة الديكتاتور السابق خوان دومينغو بيرون الى السلطة عام 1973 وانقلاب العام 1976. واذ عمدت الاجهزة البوليسية والقوات المسلحة الى مزيد من العنف في أعمال القمع، فقد سمحت بتطوير سرايا الموت المنبثقة من صفوفها مثل التحالف الارجنتيني المعادي للشيوعية. ومع ذلك فقد ظلت الارجنتين حتى ذلك الوقت البلد الوحيد في القرن الجنوبي يجد فيه آلاف اللاجئين ملاذا خصوصاً التشيليين والأوروغوانيين ضحايا الاضطهاد السياسي والاجتماعي.
    وفي أوائل آذار/مارس عام 1974 اجتمع ممثلون عن أجهزة البوليس في تشيلي والاوروغواي وبوليفيا مع نائب رئيس الشرطة الفيديرالية الارجنتينية المفوض البرتو فيلار لتدارس الطريقة الممكنة لتعاونهم من أجل تدمير "النواة التخريبية" التي يشكلها في نظرهم وجود هؤلاء الآلاف من "المخربين" الاجانب في الارجنتين. فاقترح ممثل تشيلي وهو جنرال في قوات الدرك "أن يصار الى تعيين عميل لأجهزة الامن في كل سفارة، يمكن أن يكون من الجيش أو من البوليس على ان تكون وظيفته الأساسية تأمين التنسيق مع الشرطة أو مع ممثل أمني لكل بلد". واضاف الجنرال: "كما يجب أن يوضع في تصرفنا مركز معلومات حيث يمكن الحصول على المعلومات المتعلقة بالأشخاص الماركسيين (...) وتبادل البرامج والمعلومات حول الأشخاص المسيسين(...). ومن المفترض أن يكون لنا حرية التحرك داخل بوليفيا، ومن بوليفيا الى تشيلي ومن هناك العودة الى الارجنتين ، في اختصار يجب أن نتمكن من التنقل في أي من هذه البلدان دونما حاجة الى شكليات الاستقصاء"(6).
    وقد وعد المفوض فيلار بان تهتم دائرة الشؤون الخارجية للمراقبة الامنية التابعة للشرطة الفيديرالية الارجنتينية، بالأجانب الذين يهمون المجالس الحاكمة المجاورة، وبدأت فعلا، في آب/اغسطس من تلك السنة، تظهر في مكبات النفايات في بوينس آيرس أولى جثث اللاجئين الأجانب وتحديدا البوليفيين. وفي 30 أيلول/سبتمبر أودت قنبلة وضعها رجل كومندوس شيلي وعميل للاستخبارات الاميركية (أو عميل سابق لها) هو ميكاييل تاونلي بحياة الجنرال كارلوس براتس في بوينوس آيرس، وهو القائد السابق للجيش التشيلي ابان حكم الوحدة الشعبية ورأس الحربة في معارضة نظام الجنرال أوغوستو بينوشيه.
    وبكل حرية كان رجال الكومندوس من البوليس أو من الجيش يعبرون الحدود، وخلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل من العام 1975 مثلا أوقف في بوينوس آيرس أكثر من خمسة وعشرين شخصاً اوروغوانياً على أيدي رجال بوليس من الارجنتينيين والاوروغوانيين الذين كانوا يجرون التحقيقات جنبا الى جنب في مراكز البوليس الأرجنتيني. أما خورخي ايزاك فوينتوس آلاركون، المناضل الارجنتيني، فقد أوقفته شرطة الاوروغواي على حدودها. وبحسب ما أوردته لجنة ريتنغ، اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق والمصالحة في التشيلي، في تقرير رفعته الى الرئيس باتريسيو آييلوين في 8 شباط/فبراير عام 1991(7)، فان التحقيق مع هذا المعتقل قد جرى على يد الشرطة الباراغوانية وأجهزة المخابرات الأرجنتينية و... موظفين في سفارة الولايات المتحدة في بوينوس آيرس، كون هؤلاء يمدون البوليس التشيلي بالمعلومات التي جمعوها. بعد ذلك سلم آلاركون الى عملاء ادارة المخابرات الوطنية التشيلية الموجودين في الباراغواي لينقل بعدذلك الى تشيلي.
    ذاك أن تشيلي كانت في ذلك الوقت قد انجزت هذا النظام باتقان، فبعد انقلاب 11 أيلول/سبتمبر عام 1973، وفيه يتحمل الرئيس الاميركي السابق ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنجر مسؤولية مباشرة، أعطى الجنرال بينوشيه كامل الصلاحيات الى الكولونيل مانويل كونتريراس لتشكيل تنظيم جدير بالمهمة الكبرى الملقاة علىعاتقه: "استئصال السرطان الشيوعي" من البلاد، وسرعان ما تحولت منظمة "دينا" دولة داخل الدولة.
    وما سبب احدى المشاكل الرئيسية للديكتاتورية التشيلية هو وجود عدد هائل من المعارضين الشرسين في الخارج، وان كانت قد نجحت في اغتيال الجنرال براتس ، الا أن مناهضي نظام كاسترو من الكوبيين الذين جندتهم لهذه الغاية قد فشلوا في شباط/فبراير عام 1975 في اغتيال كارلوس ألتاميرانو وفولوديا تيتلبويم وهما على التوالي رئيسا الحزبين الاشتراكي والشيوعي التشيليين في المنفى. وفي أوائل آب/اغسطس قام الكولونيل كونتريراس بجولة بهدف اقناع أجهزة الأمن في كل أميركا اللاتينية بانشاء قوة خاصة ضد المنفيين، وقد كلف نفسه أيضا عناء زيارة مركز وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية في 25 آب/اغسطس حيث التقى السيد فرنون والترز مساعد المدير المسؤول عن شؤون أميركا اللاتينية.
    وبعد يومين، في كراكاس، قام بزيارة السيد رافاييل ريفا فاسكيز، المدير المساعد لدوائر الاستخبارات الفنزويلية "شارحا له انه يرغب في أن يكون له عملاء في السفارات التشيلية في الخارج وانه قد بدأ فعلا يدرب ضباطا للسفارات مستعدين للعمل عند الاقتضاء كعملاء، وقال انه قام برحلات عدة تكللت بالنجاح من اجل تأمين دعم مختلف دوائر الاستخبارات الاميركية اللاتينية، وذلك بناء على اتفاقات شفوية"(8). وبحسب السيد ريفا أمرت الحكومة الفنزويلية دوائر استخباراتها بأن ترفض عروض الكولونيل كونتريراس، وكان هذا الرفض الوحيد فيما قبلت سائر الدول ( البرازيل والارجنتين والاوروغواي والباراغواي وبوليفيا).
    وفي موازاة ذلك اعطيت الاوامر لتشكيل شبكة في اوروبا، ارتكزت على ارهابيين من اليمين المتطرف الايطالي خصوصا من أولئك الذين اقترفوا العديد من الاغتيالات العمياء التي فجعت ايطاليا في السبعينات. ولأنهم لم يستطيعوا القضاء على كارلوس ألتاميرانو الذي كان يعيش في جمهورية المانيا الاتحادية تحت حماية مسلحة، هاجم هؤلاء القتلة السيد برناردو لايتون نائب رئيس التشيلي السابق وأحد مؤسسي الحزب الديموقراطي المسيحي. ففي السادس من تشرين الأول/اكتوبر عام 1975 تعرض السيد لايتون وزوجته لمحاولة اغتيال على يد رجل كومندوس فاشي، وقد نجوا لكن السيدة لايتون اصيبت بشلل مدى الحياة. ورغم هذا الفشل التقى الجنرال بينوشيه زعيم الكومندوس الايطالي المدعو ستيفانو ديللي تشيياي الذي وافق على البقاء تحت تصرف التشيليين.
    وبدعوة من مؤتمر الجيوش الاميركية عقد اجتماع أول للمخابرات الوطنية دعا اليه الكولونيل كونتريراس في سانتياغو في تشيلي، في 25 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1975. وقد اتخذ الاجتماع "طابعا بالغ السرية" والغرض منه " أن يكون أساسا للتنسيق التام ولأفضل تحرك في مصلحة الامن القومي لبلادنا على التوالي". وجاء الاقتراح الرئيسي للكولونيل كونتريراس بوضع نظام بطاقات بالمعارضين على مستوى القارة، "على ان يكون في خطوطه العامة شيء شبيه بما عند الانتربول في باريس، انما متخصص في اعمال التخريب". وهكذا وضعت عملية كوندور بنسختها التشيلية.
    وبحسب وكالة المخابرات المركزية الاميركية التي تدّعي انها لم تسمع فعلا بذلك الا في العام 1976(9)، فان ثلاث دول مشاركة في عملية كوندور هي تشيلي والارجنتين والاوروغواي "قد وسعت حقل نشاطاتها التعاونية المعادية للتخريب لتشمل اغتيال ارهابيين من مستوى عال منفيين في أوروبا". وفي حين أنه كان من المسلّم به ان تبادل المعلومات كان يجري بالاحرى بشكل ثنائي "فقد قام توجه ثالث من عملية كوندور تمثل في إعداد فرق خاصة من مختلف البلدان الاعضاء تكفلت تنفيذ عمليات شملت اغتيال ارهابيين او موالين للمنظمات الارهابية. فمثلا اذا كشفت هوية إرهابي أو موالٍ لاحدى المنظمات الارهابية من أحد البلدان ، يرسل فريق خاص من أجل تحديد الهدف ومراقبته، وعندما تنجز عملية التحديد والمراقبة يرسل فريق ثان لتنفيذ العملية ضد الهدف، ويزود الفريق الخاص وثائق مزورة صادرة عن أحد البلدان الاعضاء، كما يمكن أن يتشكل الفريق من عناصر أتوا من بلد واحد أو من بلدان عدة من الاعضاء المشاركين".
    وبالنسبة الى وكالة المخابرات الاميركية فان مركز عمليات هذه "المرحلة الثالثة" كان في بيونس آيرس حيث تم تشكيل فريق خاص منظم كوحدة أميركية خاصة يضم طبيبا وخبيرا في الاعمال التخريبية ومحققا والخ. وفي هذه الاثناء توالت الاجتماعات الثنائية على مستوى مؤتمر الجيوش الاميركية بين مختلف بلدان القرن الجنوبي الذين تميزت اعمالهم كلهم ايضا بالوحشية(10).
    وقد تم العديد من اجتماعات أعضاء عملية كوندور في العام 1976، وغالبا بمشاركة أطراف اللقاءات الثنائية أنفسهم. ودائما بحسب وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية " قام التعاون بين دوائرهم المخابراتية والامنية مننذ وقت طويل (...)، لكن الجهود المبذولة لشرعنة التعاون لم تثمر قبل أواخر شهر أيار/مايو عام 1976، حين عقد اجتماع لاعضاء عملية كوندور في سانتياغو في تشيلي، حيث كان الموضوع الأساسي هو التعاون على المدى الطويل بين دوائر البلدان الأعضاء، انما ليس على مستوى تبادل المعلومات وحسب، واتخذت البلدان الأعضاء في عملية كوندور أسماء مشفرة مثل "كوندور واحد"، كوندور اثنين"، الخ.
    وكانت سنة رهيبة بالنسبة الى المعارضين الذين هاموا على وجههم سعيا الى الملجأ، فتحت ذريعة مهاجمة "إرهابيين" من محازبي المعارضة المسلحة ، كان يتم الفتك باي كان، فعاث المنفذون الاميركيون اللاتينيون قتلا وخطفا، لا يسلم من شرهم أحد حيثما كان. في تلك الحقبة كان السيد هنري كيسنجر يقول للجنرال بينوشيه في حوار حميم أجري في 8 حزيران/يونيو في سانتياغو: " كما تعلمون نحن في الولايات المتحدة معكم من كل قلبنا(...)، واتمنى لكم التوفيق" (11). ولا يمكن طبعا في هذه الاجواء القمعية الحفاظ على السرية، فتصدر عن وكالة المخابرات المركزية الاميركية أصداء الاستياء: "فبدأ ضباط الجيش الذين اطلعوا على الموضوع التحدث في الامر علنا، وكانت نكتتهم المفضلة أن أحد زملائهم هو خارج البلاد لأنه يطير مثل طائر الكوندور".
    وللمفارقة أن سياسة الاغتيالات الهادفة التي استنبطها الكولونيل كونتريراس هي التي وضعت حدا لعملية كوندور، أقله رسميا. وفي الواقع أن الضابط التشيلي ارتكب خطأ عندما عمل على اغتيال وزير الخارجية التشيلي السابق اورلاندو لوتيليي في واشنطن مع احدى المتعاونات معه، في 21 أيلول/سبتمبر عام 1976. ففي التحقيقات اكتشف الاميركيون مدبري العملية. وقد اصدر ضابط الاتصال التابع لمكتب التحقيقات الفيديرالي في بوينوس آيرس تقريرا يصف فيه عملية كوندور "ومرحلتها الثالثة"، وقد نشرت مقتطفات منه في الصحف الاميركية. وشكلت لجنة تحقيق برلمانية بدأت العمل فورا على الموضوع. وفي تشيلي حلت فوراً مديرية الاستخبارات القومية، ليشكل غيرها بدون الكولونيل كونتريراس. أما أفراد عملية كوندور فواصلوا نشاطاتهم بمزيد من السرية.
    ولكن الرئيس الأميركي الجديد، الليبيرالي جيمي كارتر، جعل من حقوق الانسان أحد محاور سياسته، فلم يوافق على هذا النوع من النشاطات، أو أنه على الأقل كان يرى انه ليس على الولايات المتحدة ان تتورط فيها. وبشكل عام يمكن الاعتبار أن الادارة الاميركية قد ضغطت في ذلك الحين على البلدان الاميركية اللاتينية من أجل أيقاف عملية كوندور.
    وفي إطار هذا السياق الجديد أجتمع في بوينوس آيرس ما بين 13 و15 أيلول/سبتمبر من العام 1976 ممثلون عن جميع الدول الأعضاء في المنظمة للتباحث في الخطط المستقبلية، حيث بدا من الواضح أن الارجنتينيين أخذوا الأمر مجددا على عاتقهم ووجدوا مع الأوروغوانيين سبيلا آخر أكثر سرية وأماناً.
    وفي آذار/مارس عام 1977 عقد في آسونسيون الاجتماع الثالث لاتحاد أميركا اللاتينية المناهض للشيوعية، وقد شاركت فيه صفوة الديكتاتوريات، من الجنرال غوستافو لايت من المجلس الحاكم في تشيلي الى الرئيس الأرجنتيني الجنرال يورغي فيديلا مرورا بكل من في أميركا اللاتينية من جلادين وعناصر سرايا الموت، إذ ليس هذا الاتحاد الا وليد العصبة الدولية لمكافحة الشيوعية، وهي حركة دولية مرتبطة بمختلف اجهزة المخابرات. وقد طرح في الاجتماع العديد من القضايا، مثل الموقف الاميركي الهادف الى إعادة إقامة الديموقراطية في أميركا اللاتينية، من جهة، ومن جهة اخرى تنامي حرب الغوار في أميركا الوسطى والخطر الذي تشكله تحديداً على نظام سوموزا في نيكاراغوا، وأخيرا المواقف التي تتخذها بعض قطاعات الكنيسة الكاثوليكية والتي اعتبرت شريكة كاملة في حركة الشيوعية العالمية.
    وقد اقترح البوليفيون مخططا، أعد تحت اسم "مخطط بانزر" على أسم الديكتاتور البوليفي، يهدف الى "تصفية" بعض رجال الدين الذين اعتنقوا المفهوم اللاهوتي التحرري، وقد طبق هذا المخطط فعلا في السنوات اللاحقة، وأدى الى تصفية مئات الكهنة ورجال الدين والرهبان والراهبات والعلمانيين من أعضاء الجمعيات الدينية والمطارنة إلخ، ليبلغ الذروة مع اغتيال المطران أوسكار روميرو في سان سلفادور (في السلفادور) .
    وعندما تولى الارجنتينيون عملية القمع على مستوى القارة تيسر لهم التفلت من كل رقابة، كما ان ايكال تنسيق عمليات القمع الى سرايا الموت حتى وإن كان تحت مراقبة عسكريين أو رجال شرطة، يعني من زاوية ما "خصخصة" هذه العمليات. ومن جهة أخرى فان الاجتماعات المخابراتية الثنائية استمرت كما ان لقاءات مؤتمر الجيوش الأميركية تحت رعاية الولايات المتحدة تواصلت، انما انتقلت في اتجاه الشمال واميركا الوسطى حيث مسرح المواجهات الجديد، إذ عقد اجتماع العام 1977 في ماناغوا في نيكاراغوا واجتماع العام 1979 في بوغوتا في كولومبيا. وقد أوفد الارجنتينيون بعثات عدة الى اميركا الوسطى لمساعدة قوات الجيش والشرطة السياسية. وابتداء من ربيع العام 1979 بدأوا ينظمون في بوينوس آيرس دورات تدريبية لمكافحة التخريب محاولين بذلك تقليد مدارس القتال الاميركية ومن الطبيعي أن يؤدي سقوط ديكتاتورية سوموزا في تموز/يوليو عام 1979 الى تشجيع الاميركيين اللاتينيين لاعتماد الخطط النموذجية المشتركة في مكافحة التخريب.
    وفي الاجتماع الرابع للاتحاد الاميركي اللاتيني المناهض للشيوعية الذي انعقد في بوينس آيرس في أيلول/سبتمبر عام 1980 برئاسة الجنرال الارجنتيني سواريز مايسون دارت المناقشات حول اعتماد "حل أرجنتيني" لمجمل أميركا اللاتينية. ومنذ نيسان/ابريل عام 1980 كانت وزارة الدفاع الاميركية تعلم أن تشيلي والارجنتين والاوروغواي والباراغواي والبرازيل وضعت موضع التنفيذ فكرة "منظمة دولية لمكافحة الارهاب" وهي تركيبة جديدة لعملية كوندور! في هذه الاثناء تواصلت في أميركا الوسطى أعمال الاغتيالات بطريقة منظمة تحت راية الاتحاد الاميركي اللاتيني وعلى يد سرايا الموت والاجهزة الامنية. واستمرت بطاقات "اغريميل" تدور على القيادات العسكرية العليا مع كل ما تستتبعه من اعتقالات متعددة الجنسية وتبادل الاسرى وفرق التعذيب الدولية، الخ.
    وبعيد انتخاب الرئيس الجمهوري رونالد ريغن عقد اجتماع مؤتمر الجيوش الاميركية في واشنطن ، مع منعطف جديد هو قيام النظام السانديني في نيكاراغوا مما استدعى اعادة اطلاق عمليات التعاون(12)، وقد تقرر توقيع معاهدات ثنائية جديدة حول المعلومات المتعلقة بـ"الإرهابيين" والأهم كان القرار بانشاء سكريتاريا دائمة لمؤتمر الجيوش الاميركية اتخذت فعلا مقرا لها في سانتياغو في تشيلي ابتداء من 24 أيار/مايو عام 1984.
    وبعدما عادت الارجنتين الى الديموقراطية في العام 1985 سيبقى نظام العسكريين في تشيلي (مع الباراغواي) الأداة الوحيدة لمحاربة الشيوعيين في اميركا الجنوبية. وفي هذه الأثناء اوكلت ادارة ريغن الى وكالة المخابرات المركزية والى القطاع الخاص والى الاتحاد الاميركي اللاتيني على السواء برنامج حربها السرية في اميركا الوسطى(13)، فيما ظل المفهوم الايديولوجي لمؤتمر الجيوش الاميركية هو محاربة الشيوعية الدولية. والتغيير الوحيد هو أن هذه التسمية باتت تشمل اضافة الى معارضي اليسار التقليديين والكهنة، منظمة العفو الدولية ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان، لتتوسع من يوم الى آخر مطاولة مؤيدي الدعاوى لمحاكمة الجلادين ، والقضاة أو الصحافيين ثم معارضي الفساد الذي تورط فيه العسكريون الى اقصى حدّ.
    وقد ضاعت عملية كوندور رسميا في ادغال اميركا الوسطى عندما أخذت الولايات المتحدة على عاتقها محاربة النظام السانديني في نيكاراغوا، وببساطة أكثر جاءتها الضربة القاضية من انتهاء الحرب الباردة ومن مجمل أعمالها المفرطة في العنف. فحتى وإن كانت العملية في حد ذاتها لا تستهدف عشرات أو حتى مئات الضحايا، فان الحصيلة العامة لأعمال القمع في القرن الجنوبي وحده كانت خلال هذه الحقبة حوالى 50000 قتيل و35000 مفقود و400000 سجين.
    ومع أنه لم يعد هناك اغتيالات او أعمال تعذيب مسجلة رسميا على مستوى القارة الا ان لا شيء يؤكد أن هذه الممارسات قد توقفت، والدليل على ذلك هو اعمال الابتزاز التي تمارسها المنظمات شبه العسكرية الكولومبية المرتبطة ببعض القطاعات العسكرية في البلاد. ففي 8 آذار/مارس عام 2000 صدر تقرير عن اللجنة الخاصة بالأمن القاري التابعة لمنظومة الدول الأميركية استعرضت فيه أشكال التعاون بين مختلف الدول اللاتينية والاميركية الوسطى على مدى عشر سنين، ولحظ أن العدو بات يسمى "تاجر مخدرات" بدلا من "شيوعي" لكن الخطاب في شكله العام يبقى هو نفسه مهما نمّق بكلام خاص بحقوق الإنسان.
    وقد وقعت مجموعة من المعاهدات بين العديد من دول أميركا اللاتينية وأميركا الوسطى وبينها وبين الولايات المتحدة، وكلها تهدف الى مزيد من التعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف وبشكل أساسي في مجال الإرهاب وتبييض الأموال وتجارة المخدرات، وهكذا ستستعيد القوات العسكرية مكانتها في تنظيم الرقابة على المجتمع.
    وفي السياق نفسه ضاعفت بلدان أميركا اللاتينية منذ أواسط التسعينات وبرعاية الولايات المتحدة من مبادلاتها الثنائية التي يمكن إحصاء العشرات منها في قطاع الاستخبارات فقط ، من دون اعتبار المؤتمر السنوي لأجهزة الاستخبارات التابعة لجيوش الدول الأميركية الأعضاء في منظومة الدول الأميركية. كما أن مؤتمر الجيوش الأميركية واصل لقاءاته في الأرجنتين عام 1995 وفي الإكوادور عام 1997. وأخيرا فقد عقد ما بين 8 و10 آذار/مارس عام 1999 وبدعوة من الجيش البوليفي، مؤتمر عسكري متعدد الأطراف حول أجهزة الاستخبارات، هو الأول منذ الاجتماع الذي أعده الكولونيل كونتريراس في العام 1975، وقد حضره ممثلون عن جيوش كل من الارجنتين والبرازيل وكولومبيا والإكوادور والولايات المتحدة، قيادة القطاع الجنوبي) والباراغواي والاوروغواي وفنزويلا.
    إن هاجس "أمن الأميركتين"، الأولوية العزيزة على الولايات المتحدة، لا يولي حكماً الديموقراطية المكانة الأولى، وليس أفضل لمن سمح بعملية كوندور من إعادة إطلاقها.


  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: حيث يقودني قلبي
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 85,880 المواضيع: 20,576
    صوتيات: 4586 سوالف عراقية: 663
    التقييم: 58705
    آخر نشاط: منذ 2 ساعات
    مقالات المدونة: 1
    طرح ومعلومات قييمة
    اعاد هذا الشخص لأذهاني
    حقبة الجنرال فرانسيسكو فرانكو
    الذي حكم إسبانيا أربيعينيات القرن الماضي

    تحيتي و ودي لك :-)

  3. #3
    حُلْمٌ ضائع
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أحمد العثمانيے مشاهدة المشاركة
    طرح ومعلومات قييمة
    اعاد هذا الشخص لأذهاني
    حقبة الجنرال فرانسيسكو فرانكو
    الذي حكم إسبانيا أربيعينيات القرن الماضي

    تحيتي و ودي لك :-)
    كل الود والاحترام لمرورك الراقي ، فعلاً نفس دكتاتورية فرانكو الذي حكم اسبانيا أربعين سنة تقريباً

  4. #4
    من أهل الدار
    الصبر كميل يا زكية
    تاريخ التسجيل: August-2012
    الدولة: مُرني
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 14,201 المواضيع: 2,060
    صوتيات: 2 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 6137
    مزاجي: كده..اهو ^_^
    آخر نشاط: 16/July/2024
    دكتاتورية جماعية
    حكم وسلطة ونفوذ
    بوركت حسن - استمتعت بسعادة تامة في قراءة الموضوع الشجي

  5. #5
    حُلْمٌ ضائع
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المحامي احمد التميمي مشاهدة المشاركة
    دكتاتورية جماعية
    حكم وسلطة ونفوذ
    بوركت حسن - استمتعت بسعادة تامة في قراءة الموضوع الشجي
    سرني مرورك وإعجابك بالموضوع شكراً لك

  6. #6
    من أهل الدار
    Bad Shadow
    تاريخ التسجيل: December-2015
    الدولة: الكرة الأرضية التافهة
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 25,430 المواضيع: 948
    صوتيات: 300 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 20073
    مزاجي: مشاغب
    المهنة: ممثل بفلم الرسالة
    أكلتي المفضلة: عند الجوع لا يوجد خبز سيء
    موبايلي: Nokia
    مقالات المدونة: 6
    موضوع حلو
    عاشت ايدك
    استمر حبي

  7. #7
    حُلْمٌ ضائع
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zeto مشاهدة المشاركة
    موضوع حلو
    عاشت ايدك
    استمر حبي
    انت العايش حبي نورتني

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال