طريق واشنطن الى ايران يمر عبر سورية
أكدت فيرونيكا كراشينينيكوفا التي تشغل منصب المدير العام لمعهد بحوث ومبادرات السياسة الخارجية بموسكو ان واشنطن اطلقت بموجب إتفاق جنيف المرحلة النهائية لتنحية الرئيس بشار الاسد. وأشارت الباحثة في مقالة لها الى أن نتائج محادثات جنيف حول سورية تعكس رأي الجهة التي يتحدث المرء بإسمها. فإن وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون تصر على ان مبدأ " الوفاق المتبادل" الذي سيتم بموجبه تشكيل " الحكومة الانتقالية" في سورية ، يعني ان الرئيس الأسد يجب ان يرحل. اما سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي فيصر، على العكس ، قائلا ان " الحكومة الانتقالية " يجب ان تتشكل على أساس الاتفاق بين الاطراف في داخل البلاد.
دعنا نتأمل هنيهة الحقيقة الخالصة قبل الدخول في مناقشة حول معنى ذلك: فقد اجتمعت خمس قوى كبرى لتقرير مصير احدى البلدان ، في غياب زعيمها وشعبها، اللذين لم يطلبا منها أبدا ذلك، ولم يمنحاها أي تفويض. وهذا يمثل خرقا فظا للقانون الدولي. والأمر الأكثر فظاظة ان أي احد لا يهتم وحتى بالكلام عنه.
والآن نجد ان نص البيان الختامي لا يدعو صراحة ، بإصرار من جانب روسيا ، الى رحيل الاسد. وبدلا من ذلك يشير الى ان الحكومة الجديدة " ستشكل على أساس الوفاق المتبادل". وتفهم روسيا والصين هذه الصيغة بمعنى ان الرئيس الأسد يمثل جزءا من العملية ، حسب رأي المسؤولين في البلدين المذكورين.
والآن دعنا نرى كيف يفسر الخطة الجديدة واضعها كوفي عنان الامين العام السابق لهيئة الامم المتحدة، حيث يقول:" يجب ان يعاد تشكيل الحكومة عبر النقاش والمفاوضات وبالاتفاق المتبادل ، وأنا اشك في ان السوريين الذين ناضلوا كثيرا من أجل الاستقلال .. سينتخبون اشخاصا تلطخت ايديهم بالدماء لتولي قيادتهم". اما وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، الذي أبدى بشكل عجيب إستمرار الولاء الساركوزي الى واشنطن ، فقد أوضح الأمر حتى بقدر أكبر في حديثه مع قناة التلفزيون"تي- أف 1" فقال:" حتى اذا ما قالتا (روسيا والصين ) العكس فان النص يعني في الواقع ..انه لن يكون هناك حضور لبشار الأسد. فالمعارضة لن توافق عليه أبدا، لذا فالنص يعطي ضمنا إشارات حول ان الأسد يجب ان يرحل فهو قد إنتهى".
ويبدو أن واشنطن قد وجدت الحل النهائي لبشار الأسد. وستشكل " الحكومة الانتقالية " على أساس " التوافق المتبادل" بالنسبة الى سورية مثل " المنطقة المحظورة للطيران" بالنسبة الى ليبيا. علما ان الانسان العادي يفهم " المنطقة المحظورة للطيران" بأنها المنطقة الى لا يسمح للطائرات بالتحليق فوقها ، اما مفهوم واشنطن لهذا المصطلح فيقتصر على شن أكثر من 30 ألف غارة لقاذفات القنابل التابعة لحلف الناتو والقيام بتحليقات استطلاعية.
وفيما يخص سورية فأن الولايات المتحدة اطلقت بموجب اتفاق جنيف المرحلة الختامية لتنحية الرئيس بشار الأسد. ومرة أخرى وكما هي الحال في ليبيا فسيتم تغيير " النظام" بموافقة تامة من قبل الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي.
والأمر الاكثر فظاعة هنا هو ان روسيا سقطت كما يبدو مرة أخرى في الفخ الذي نصبته واشنطن. فقد وقعت روسيا مع هذا في نهاية اليوم ، وبالرغم من كل التصريحات والجهود السديدة، على اتفاق بالتنازل عن سورية شبيه بالامتناع عن التصويت على قرار" حظر الطيران " في ليبيا والذي سمح الى واشطنن بشن الغارات عليها.
ولابد من ايراد بعض الكلمات عن دور كوفي عنان في العملية ، وهو الدور الذي كشف موقف البزنيس في أمريكا في التعامل التكتيكي اكثر مع موضوع تغيير" النظام". فبالمقارنة مع سلوك" الشرطي الجلف" للأدارة الامريكية ، مارس الصوت الهادئ ذي المسحة المؤدبة للدبلوماسي الكيني دور " الشرطي الطيب" المحب للسلام كليا.
وفي فبراير عام 2012 ظهر كوفي عنان على الساحة حالما بدأت الحكومة السورية بالقضاء على الارهابيين الناشطين في اراضي بلادها الذين سلحتهم ودربتهم امريكا وحلفاؤها بصورة غير شرعية. وطرح عنان " خطة السلام المؤلفة من ستة بنود" التي طالبت القوات الحكومية بالعودة الى ثكناتها "فورا " بينما طلب من الارهابيين " إيقاف القتال" فقط. وفي الواقع ان خطة عنان أعطت الفرصة لتسليح وتدريب المتمردين ، ودعم قدراتهم في ممارسة الارهاب ، فيما يجري تهيئة الرأي العام الغربي لكي يؤيد الحرب.
طرح كوفي عنان لدى التحضير لمباحثات جنيف " خطة سلام " أخرى واصلت المرحلة الثانية لتنحية الرئيس بشار الاسد وهي : يجب تشكيل "حكومة وحدة وطنية" يمكن "ان تضم اعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة وجماعات أخرى"" بأستثناء الذين " يؤدي استمرار بقائهم ومشاركتهم الى تقويض مصداقية التغيير ونسف الاستقرار والوفاق". وهكذا بموجب رؤية عنان/الولايات المتحدة سينضم القتلة الذين دبروا مذبحة الحولة الى الحكومة ، أما زعيم البلاد المنتخب بصورة ديمقراطية فلا يحق له ذلك.
وبدا كما لو ان ذلك لم يكن كافيا اذ ان "خطة السلام رقم 2 "التي طرحها كوفي عنان تتطلب إجراء " انتخابات تعددية حرة وعادلة" والتي اثبتت كما هي الحال في طريقة " الثورات الملونة" بكونها الوسيلة العملية لأسقاط الحكومة وترسيخ مكاسب " المعارضة".
ان هدف الولايات المتحدة المباشر من زعزعة الوضع في سورية موجه مباشرة ضد ايران. وفي هذا الاتجاه تتزامن العمليات في سورية في آن واحد مع تحركات اذربيجان على حدود ايران الشمالية.
وفيما يخص روسيا فأنها اذ تسقط مجددا في فخ واشنطن يجب ان تتعض بالدرس. ان موسكو تخسر على الصعيد الدولي الولاء السابق لحلفائها الاستراتيجيين ، لا سيما ايران . ومن الناحية الجيوسياسية فإن سقوط سورية سيستحث الاندفاع الامريكي الجامح عبر الشرق الاوسط الى القوقاز وآسيا الوسطى، وبذلك تعزز بنيتها الأساسية على الجبهة العسكرية الجنوبية لروسيا وتقضي على آفاق إقامة الاتحاد الاوراسي.