عندما تثبت صفات الرجل:
كثيرًا ما نصادف أناسًا يتغيرون بتغير الظروف والمواقف التي يمرون بها، وتتبدل صفاتهم وطبائعهم تبعًا لمصالحهم أو منافعهم، أو ربما تبعًا للضغوط التي تُمَارس عليهم أو الحاجات التي هم معوزون إليها، وتتبدل من ثم ردود أفعالهم ونظرتهم إلى الأمور،وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى أن تتبدل قيمهم ومبادئهم.
أما محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد تغيرت الظروف التي عاشها، وتبدلت كثيرًا من مرحلة اليتم والفقر إلى مرحلة القدرة على اكتساب المال، ومن مرحلة الاستضعاف والمطاردة والإيذاء إلى مرحلة التمكين والغلبة والرئاسة، ومن مرحلة الهزيمة إلى مرحلة النصر، ومن المطاردة في الكهوف إلى مراسلة الملوك والرؤساء، هكذا تغيرت الظروف من حوله، ولكننا نستطيع أن
نقول: إنه لم تتغير قراراته وردود أفعاله ونظرته إلى الأشياء جميعًا.
فلم يُوهن الفقر عزيمته، ولم يُطْغِه الغنى، ولم يُمتهن وهو مستضعَف، ولم يتجبر وهو قوي، ولم ينافق ولم يداهن وهو ضعيف، ولم ينتقم وهو غالب منتصر، بل عاش على مبادئه وعلى قيمه، وانتصر على الظروف، ولم تنل منه تلك الظروف؛ رغم تغيرها وتبدلها الشديد.
لقد كوَّن محمد (صلى الله عليه وسلم) لنفسه منظومة فكرية ورسالة واضحة،استمدها من وحي الله تعالى، وثبت عليها، وبنى عليها مواقفه جميعًا، حتى إن المحيطين به كانوا يعرفون مبادئه ويحفظون قيمه ويتحدثون بثوابته ويتوقعون ردود أفعاله في كثير من الأحيان، ولعل من هذا ما علمه أهل مكة عنه يوم الفتح، حين جاؤوه من قبل وجهه وقالوا: "تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَك اللَّه عَلَيْنَا"يوسف: 91
فهم يعلمون يقينًا ثبات مبادئه وردود أفعاله في مواقفه، فكان رده هو العفو عنهم، كما توقعوا تمامًا، وقال : "يغفر الله لكم لا تثريب عليكم اليوم " يوسف 92