صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 17
الموضوع:

معالم الأسرة الصالحة لسماحة الشيخ بناهيان

الزوار من محركات البحث: 288 المشاهدات : 1592 الردود: 16
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 609 المواضيع: 210
    التقييم: 146
    آخر نشاط: 22/June/2017

    معالم الأسرة الصالحة لسماحة الشيخ بناهيان

    معالم الأسرة الصالحة ـ 1

    كيف نعصم أبناءنا من سوء الأدب؟/ يجب أن يشاهد ابنكم «جهاد النفس» في سلوككم

    الزمان: 30/11/2013
    المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي
    ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الأولى:

    يساق العالم اليوم إلى الضياع عبر منهجين 1ـ الكفر والإلحاد المفرط (الخلاعة) 2ـ التدين المنحرف

    يساق العالم والناس اليوم إلى الضياع عبر منهجين؛ الأول هو الفساد والشهوات والخلاعة، والثاني النقطة المقابلة للخلاعة، أي عبر التديّن المنحرف والسلوك المتطرّف تحت غطاء الدين، فيربّون على أساس هذا المنهج آلاف الشباب الذين يلبسون حزاما ناسفا ويقتلون الأبرياء من الشيعة والسنّة. وحتى إذا اعترضوا عليهم أن كيف تقتلون هؤلاء وهم أبرياء يقولون: «لا بأس بذلك فإن كانوا إبرياء سيذهبون إلى الجنّة! ولكنّنا يجب أن نعمل بتكليفنا»!
    وكلّ من هذين الأسلوبين الذَين يمارسهما الأعداء لإفساد حياة الإنسان، يعزّز الأسلوب الآخر. فهم يعرضون خلاعة الفاسدين على الجماعات المتديّنة المنحرفة، فيعزّزون ديانتهم المنحرفة وأساليبهم المتطرّفة. ومن جانب آخر يعرضون على الفاسدين جرائم المتديّنين المنحرفين ومدى وحشيّتهم وعنفهم تحت غطاء الدين والشريعة، فيزدادون فرارا وابتعادا من الدين ويتمادون في الخلاعة والفساد.
    لقد أصبح العالم والمنطقة التي نسكنها في قبضة هذين الفئتين فيفتكان بالعالم والمجتمع الإنساني كشفرتي المقصّ وزمام أمورهما بيد إبليس وبعده بيد التيارات الصهيونيّة ومستكبري العالم. فما الذي يجب أن نفعله نحن؟ وأيّ جهة يمكن أن نتسالم ونتماشى معها دون الأخرى؟
    فنحن إن تسالمنا مع الخلاعة والفساد، سوف تتبلور النقطة المقابلة لها وهي التديّن المتطرّف. طبعا لا يخفى أن الدين ليس بمتطرّف، ولكن هؤلاء هم متطرّفون فيلبسون تطرّفهم بغطاء الدين. ولذلك فلابدّ أن نسمّي هذه الظاهرة بـ «التطرّف تحت غطاء الدين».
    «الخلاعة المفرطة» و «التطرّف تحت غطاء الدين» كلّ منهما يمارس «حرب الإبادة» على المجتمع الإنساني بطريقته الخاصّة
    إن هاتين الظاهرتين أي «الخلاعة المفرطة والتطرّف تحت غطاء الدين» كلّ منهما يمارس «حرب الإبادة» على المجتمع الإنساني بطريقته الخاصّة.
    كيف يقوم الإفراط في التلذّذ واتباع الشهوات بحرب الإبادة؟ بهذه الطريقة وهي أن هذه الثقافة تسبّب قلة الإنجاب كما نرى في البلدان الأوروبّية. وإنّ هذه القضيّة من الأهمّية بمكان بحيث أخبرت بعض الإحصائيات عن انقراض الأوروبّيين الأصلاء الذين قد ولدوا من أب وأم أوروبّيّين بعد عدّة سنوات.
    ومن جانب آخر «التطرّف تحت غطاء الدين» يمارس حرب الإبادة أيضا. وأنتم تشهدون كيف يقتل هؤلاء ويذبحون ويفخخون بأسهل ما يكون، حتى أنهم يصرّحون وبكل فخر واعتزاز بأننا قد أجرينا كذا ألف عملية انتحارية لحدّ الآن!
    في الواقع لقد أصبحت ظاهرة التديّن ظاهرة جدّية ولا يمكن مجاملتها. يجب أن نحدّد نوعيّة ديانتنا وهذا أمر ضروري جدّا. إن إنقاذ مجتمعنا والمجتمع الإنساني لهو من أوجب الواجبات وعدم الاكتراث بهذه القضية خيانة. كلّ من لم يهتمّ في حياته الشخصية بموضوع الدين وإنقاذ حياة الإنسان، فقد ارتكب خيانة، إذ قد راح يقضي هذا المقصّ بشفرتيه («الخلاعة المفرطة» و «التطرّف تحت غطاء الدين») على حياة الإنسان. وإن هذا المقصّ بيد أناس يودّون أن يكون الناس لا أباليّين وبالتأكيد سوف يذبحون هؤلاء المغفّلين أو يستعبدونهم. لذلك يجب أن نخوض في هذا الموضوع كضرورة لابدّ منها؛ لم يعد اختيار التديّن اليوم أمرا تابعا لمذاقنا، بل قد أصبح ضرورة حياتيّة.

    نحن آخر لاعب في سباق التتابع الذي بدأه الإمام الحسين(ع) والآن قد وصلتنا الراية/ فعندما نقترب إلى خطّ النهاية يجب أن نبذل قصارى جهودنا

    في هذه الظروف التي أصبحنا نقترب فيها إلى خطّ النهاية، يجب أن نبذل قصارى جهودنا. كالعدّائين الذين يبذلون كلّ طاقتهم عند اقترابهم من خطّ النهاية لكي يسجّلوا رقما أفضل. نحن في مقام التشبيه كآخر عدّاء في سباق التتابع، فقد بذل باقي اللاعبين في فريقنا جهودهم وطاقاتهم وسلّموا العصا إلينا، فالآن قد بدأ شوطنا فلابدّ أن نبذل قصارى جهودنا في سبيل إيصال جهود العدّائين السابقين إلى النتيجة المطلوبة والفوز.
    أوّل عدّاء في سباق التتابع هذا هو أبو عبد الله الحسين(ع) ثم سلّم الرايةَ إلى العقيلة زينب(س) واليوم قد سلّمت هذه الراية بيدنا ونحن قد اقتربنا إلى خطّ النهاية. فإن انتصارنا في هذا الميدان يعبّر عن تقديرنا لجهود جميع العدّائين العظام الذين سلّمونا هذه الراية وفي المقابل تقصيرنا في هذه الساحة بمعنى عدم اكتراثنا بجهود هؤلاء العظام.
    يبذل إبليس ونظام الكفر والاستكبار قصارى جهودهم في آخر الزمان، وكذلك علينا أن نبذل قصارى جهودنا في مقابلهم. إن حساسيّة زماننا ليست كحساسيّة أيّام الدفاع المقدّس بل أكثر حساسيّة بكثير. فإن أقصى خطر كان يهدّدنا يومذاك هو أن يقوم العدوّ بإبادتنا تحت رعد الصواريخ ودويّ القنابل، بينما اليوم فإن لم نواجه الخطر الذي يهدّدنا فسوف نهلك بموت صامت، من قبيل الموت على أثر التسمّم بالغاز. ولا شكّ في أن مواجهة هذا الخطر المهدّد أصعب من المرحلة السابقة. إذ ليس بإمكان الإنسان أن يغيّر نمط حياته ويترك حياة الفسق والفساد والخلاعة والمفرطة واتباع هوى النفس والشهوات أو أن يترك التطرّف تحت غطاء الدين، إذ أن الصراط المستقيم صراط ضيّق ودقيق. فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «الصِّرَاطُ أَدَقُ‏ مِنَ الشَّعْرِ وَ مِنْ حَدِّ السَّيف» [الزهد/ص92]

    يتبع إن شاء الله...



  2. #2
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 2

    كيف نعصم أبناءنا من أعمال السوء وسوء الأدب؟/ المهمّ في تربية الولد هو أن تسحقوا هوى نفسكم أمام ولدكم

    يشكو الكثير من الآباء والأمّهات اليوم من أولادهم ويتساءلون: «ماذا نفعل لكي يصبح أولادنا من المصلّين؟ وكيف نعصمهم من أعمال السوء وسوء الأدب؟» فلابدّ من القول لهؤلاء الآباء والأمّهات: كم تجاهدون أنفسكم أمام أولادكم؟ لا يكفي أن تكونوا أناسا صالحين وحسب ولا ينفع ذلك في تربية الولد كثيرا، وإنّما يجب أن يرى الولد جهادكم للنفس لكي يتأثر. فعلى سبيل المثال إن كان أحدكم إنسانا خلوقا وعطوفا بمقتضى سجيّته ووراثته فهذا ما لا ينفع كثيرا في تربية طفله. المهمّ هو أن تحصوا كم مرّة قد سحقتم هوى نفسكم وضحّيتم بمشتهياتكم أمام طفلكم بحيث يدرك طفلكم ذلك؟ فإن لم تكونوا قد فعلتم ذلك أمام طفلكم فلا تتوقعوا أن تجدوا طريق حلّ لإصلاح ولدكم!
    عندما يجد الإنسان أن ابنه قد أوشك بالانحراف والضياع وهو المسبّب في ذلك لا ابنه، عند ذلك حريّ به أن ينتبه ويشعر بضرورة التديّن وجهاد النفس له قبل ابنه.

    الأسرة الصالحة هي الأسرة التي تربّي أطفالا صالحين في نفس هذه الظروف الموجودة في المجتمع وحتى في ظروف أسوأ

    نحن نخرّب تربية أطفالنا في البيت ثمّ نلقي اللوم على الفساد الموجود في المجتمع! الأسرة الصالحة هي الأسرة التي تربّي أطفالا صالحين في نفس الظروف الموجودة في المجتمع وحتى في ظروف أسوأ. الأسرة الصالحة لا تنتج ولدا معقّدا حتى إذا صار متديّنا يمارس التطرّف. مثلا يتزمّت في موضوع التطبير ويأبى إلّا أن يطبّر! فأمثال هؤلاء الناس إذا دخلوا في أي سلك يتجاوزون الحدّ ويفرطون ويتطرّفون. فعلى سبيل المثال في المأكل والمشرب يتعدّون الحدود ويتورّطون في أكل الحرام. وفي العلاقات والصداقات يفرطون حتى قد يرتكبون قتلا في سبيل بعض العلاقات. وكذلك في إقامة العزاء تراه يفرط ويطبّر على حساب تشويه سمعة الدين. وكذلك يفرط في الالتذاذ والتمتّع حتى يقع في الحرام.
    يجب أن نرى في أي أسرة قد تربّى أمثال هؤلاء وكيف كان أخلاق الوالدين في البيت. إذا درستم أسر هؤلاء الناس لوجدتم أن أكثرهم كان آباؤهم وأمهاتهم لم يكونوا يسيطرون على لسانهم إذا غضبوا ويتلفظون بكل شيء، ولذلك ترى الطفل قد نشأ هكذا. حتى وإن كانوا يلزموا أنفسهم حين الغضب أحيانا، فلم يكن ذلك من أجل الله، بل من أجل عوامل أخرى قد منعتهم عن إطلاق الكلمات البذيئة، مثلا لعلّهم لزموا أنفسهم حفاظا على سمعتهم أمام أقربائهم وجيرانهم لا في سبيل الله. لذلك فالطفل الذي يترعرع في مثل هذه الأسرة لم ير والديه قد لزما أنفسهما وكفّا عن بعض السلوك في سبيل الله قطّ وفعلوا بما شاء هواهم واشتهته أنفسهم.

    لا نكن متطرّفين تحت غطاء الدين ولا نكن إفراطيّين ماديّيين/ إن مشاهدة هبوط نافورة الثقافة والحضارة الغربية النخرة قد صعّد قابليّات الشباب

    فماذا يجب أن نفعله نحن في هذه الأجواء الحسّاسة؟ فمن جانب يجب أن لا نكن متطرّفين معنويّين تحت غطاء الدين ولا نكن إفراطيّين مادّيين تحت لواء الحياة الحرّة الغربيّة النخرة، ومع الأسف تروّج هذه الحياة بالرغم من انقضاء شوطها.
    برأيكم لماذا تزداد أجهزة الستلايت والموبايل وغيرها لأنواع الفسق والفساد يوما بعد يوم؟ صحيح أن التقنيّة في تطوّر وأنّ بعض الأيادي المنتزهة هي وراء توسعة أدوات الخلاعة والفساد، ولكن ليست هذه الأسباب خارجة عن تدبير الله وحكمته. فما هي الحكمة من تيسّر الوصول إلى مختلف أدوات الفساد؟ ويا ترى لماذا قد اقتضت حكمة الله أن يحصل مثل هذا التوسّع في أدوات الفسق والفساد؟
    يبدو أن الله سبحانه وتعالى الذي يمتحننا في مثل هذه الظروف، علم أنّنا لابدّ أن نقدر على النجاح في هذا الامتحان وإلا لما سمح الله بأن يفرض علينا امتحان صعب فوق طاقتنا. وهذا يعني أن شبابنا قادرون على أن يحظوا بقابليّة تمكّنهم من النجاح في مثل هذا الامتحان.
    لم يكن يروّج الفساد بهذا القدر في الأزمان الماضية، ولكن في نفس الوقت لم تكن العقول قد بلغت إلى هذا المستوى من الرشد ولم تتوفّر إمكانات الصلاح والرشد المعنوي ولم تكن القدوات الصالحة بمرأى الناس ولم ينكشف لدى الناس نهاية طريق الحضارة الغربية النخرة وثقافتها المشؤومة القائمة على الكفر والإلحاد. الماء الذي ينطلق إلى الأعلى في النافورة فكلما يقترب إلى نقطة أوجه فهو في الواقع يقترب إلى مرحلة هبوطه. وها نحن نرى اليوم لحظة هبوط نافورة الثقافة الغربية النخرة. إذن نحن نحظى بإمكانات عالية للنجاح في هذه الامتحانات.
    إن لم نجتز هذه الامتحانات بنجاح سيستغلها بعض ذوي الأفكار السقيمة فيتمسّك ببعض مظاهر الفساد في المجتمع كذريعة ويستدلّ بها على عدم أحقيّة طريق الحسين(ع). مثلا يقول: إن مقيمي عزاء الحسين(ع) هم نفس هؤلاء الذين لا يراعون الكثير من المسائل الشرعية. لذلك فقد أصبح التديّن الصحيح ضرورة حياتيّة اليوم.
    الدليل الآخر لهذه الضرورة هي أن العديد من الجهات والتيارات أصبحت تعادي تديّننا وصلاحنا.



  3. #3
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 3

    الدليل الآخر لهذه الضرورة هي أن العديد من الجهات والتيارات أصبحت تعادي تديّننا وصلاحنا، وبعض أعدائنا هم أولئك الذين ينتحلون الديانة غير أنهم متطرّفون تحت غطاء الدين.
    لا يكفينا في ظروفنا اليوم أن نخالف الخلاعة والفساد وحسب. إذ قد ظهر بعض ما يسمّون بالمتديّنين الذين يخالفون الفسق والفجور بحسب الظاهر ولكنهم على استعداد من حزّ رؤوسنا بأبسط فسق يروه منّا!

    الأولويّة في الالتزام الصحيح بالدين هو «التزام الأسرة» لا التزام الفرد ولا التزام المجتمع/ يجب أن تعطى الأصالة للأسرة بدلا من الفرد أو المجتمع

    فالآن وبعد ما اتّضح مدى ضرورة الالتزام الصحيح بالدين، لابدّ أن نرى هل الأولوية في التديّن الصحيح هو تديّن المجتمع أو تديّن الفرد؟ في الحقيقة ليس لأحدِ هذين الاثنين الأولوية، بل الأولويّة لتديّن الأسرة، إذ أن الفرد والمجتمع كلاهما أسيران بيد الأسرة، ولذلك في سبيل إصلاح مستوى تديّن المجتمع ونمط الحياة والوقوف أمام الفسق والفجور وغيرها لابدّ من إصلاح الأسرة أولا. يعني يجب أن يقرّر الزوج والزوجة أن يصلحا أنفسهما معا ويتعاونا مع بعض في هذا السبيل. كما قال أمير المؤمنين(ع) في حقّ فاطمة الزهراء(س) بأنها: «نِعْمَ‏ الْعَوْنُ‏ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ‏» [مناقب‌آل‌أبيطالب/ج3/ص356]
    إن الطريق المعقول لصيانة مستوى الالتزام الديني الفردي والاجتماعي هو تحسين المستوى الديني في الأسرة. فلابدّ من إعطاء الأصالة للأسرة بدلا من الفرد أو المجتمع. إذ أن اللبنة الرئيسة في المجتمع هي الأسرة. لذلك فإن عرفنا وضع الأسر في مجتمع ما، سوف يتسنّى لنا تقييم المجتمع كلّه.
    فعلى سبيل المثال، بإمكاننا أن نعرف مستوى الأسر التي تربّى فيها بعض الأشخاص والشخصيّات الذين ينحرفون عن جادّة الإنصاف في نشاطهم السياسي والاقتصادي. البائع الذي يغشّ في المعاملة أو الموظّف الذي يرتشي ولا يقضي حاجة أخيه إلا باستلام مبلغ، أو المدير والمسؤول الذي يفكّر بتصفية حساباته الشخصية مع هذا وذاك أكثر من تفكيره في خدمة الناس، وبدأ يخطّط لحفظ منصبه في أولى أيام وظيفته ومنصبه، أو بعض الإعلاميين الذين يکتبون ويتحدّثون بتفكير سلبيّ ويبالغون في تشويه الأوضاع ويحاولون أن يجدوا لأي ظاهرة إيجابيّة في المجتمع نقطة سلبيّة، أفرأيتم في أي أسر نشأ هؤلاء؟ وإن لم تكن جميع عيوبهم تقصير أسرهم، ولكن ترجع الجذور وأصول هذه الصفات إلى التربية الأسرية. ولذلك في السنين الماضية عندما كان يريد شخص [في إيران] أن يدافع عن نفسه، يقول: «أنا قد نشأت في كنف والدي» يعني قد ترعرعت في أسرة أصيلة وأحظى بصفات قيمة وبنجابة بحيث لا أفعل كلّ شيء.
    نحن لدينا «وحدة أساسية» يجب أن تحدّد موقفها وتكليفها من الدين وهي الأسرة. إن للأسرة شؤون خاصّة بها. كما أن لكل هيئة وموكب مختصات وشؤون. من قبيل زمان إقامة المراسم فيها، فهل يكون في الصباح أم في الليل؟ ثم كم تطول مراسمها؟ هل تلقى فيها محاضرة أم لا؟ هل هي هيئة أسبوعية أم موسمية؟ كذلك الأسر فلكلّ أسرة خصائص ومميّزات. مثلا هل الطفل يحترم أمّه وأباه أم لا؟ هل يقوم احتراما لأبيه وأمّه أم لا؟
    في الأسر التي لا تظهر الأمّ احترامها للأب أمام الأولاد، ترى الأولاد أيضا لا يحترمون أباهم كما ينبغي. فإن الأم إذا لم تحترم الأب باستمرار وبمرأى الطفل، سوف يتأثر الطفل تلقائيّا ولا يحترم أباه. ومن جانب آخر إذا كان الأب يجرح مشاعر الأم بسهولة أمام الأطفال، عند ذلك يسهل على الأطفال إيذاء أمهم. وإلّا فلو كان الأب يراعي مشاعر الأم في البيت ولا يجرح مشاعرها ـ أمام الأولاد على الأقل ـ ويعطف عليها، سوف لا يسمح الأولاد لأنفسهم أن يجرحوا مشاعر أمّهم. عند ذلك تصبح آلة تربية الأم هي أن تقول لولدها: «لا أحب أن تفعل كذا» وسوف تكفي هذه العبارة لأن لا يقترف الولد ذاك الفعل المكروه لدى أمّه.
    لماذا لا يحظى الآباء والأمهات بهذا الاحترام؟ إذ كان يجب على الأمّهات أن يحفظوا هذا الاحترام للأب بحيث عندما يدخل الأب للبيت، يقوم الجميع باحترامه ويستقبلوه ثم يجلسوا أمامه باحترام. كما كان ينبغي للآباء أن لا يجرحوا مشاعر الأمهات ويعطفوا عليهن لكي يتعلّم الأبناء ولا يجرحوا مشاعر أمهاتهم. هذه القضايا هي أركان التربية في الأسرة. فنحن إن هدمنا أركان التربية في البيت فلن يصلح مستوى التديّن الفردي لدى الناس وإن صلح إنسان على الرغم من سوء أسرته فغالبا لا يكون إنسانا راقيا وصالحا جدّا.

    إن فقدان الأسرة هو السبب في تبلور الإرهاب/ أحد خصائص الأخلاق العلمانية هي «الصلاح الفردي»

    عندما يقال لكم أن أمريكا قد أنتجوا النواة الأولى لفرق الإرهاب من حضانات الأطفال، فذلك يعني أنهم قد انتقوا أطفالا بلا قيّم ثم صنعوا منهم طلبة منحرفين يقتلون كشرب الماء. وهذا ما يحكي عن مدى تأثير فقدان الأسرة في تربية الإرهابيّين.
    طيّب، فإذا أرادت الأسرة أن تكون متديّنة، فما الذي يجب أن يحصل فيها؟ هل إذا كان كلّ فرد من الأسرة إنسانا صالحا، تصبح الأسرة صالحة متديّنة؟ فو كان كذلك فما معنى هذه الآية الكريمة في القرآن التي تقول: (يا أَيهَا الَّذينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا) [آل عمران/100] فلا فائدة في أن يكون كلّ واحد منّا صالحا، بل يجب أن نصلح معا.
    «الصلاح الجماعي وإصلاح الأنفس معا» من المضامين الغريبة علينا، إذ أن الأخلاق التي درسناها هي أخلاق علمانية. إحدى خصائص الأخلاق العلمانيّة، هي الصلاح الفردي. والحال أن ثمرات الصلاح الفردي قليلة. يجب أن نصلح أنفسنا في إطار الأسرة. فإن إصلاح النفس في الإسلام هو نشاط أسري.

    لقد انطلق ديننا من أسرة وحفظ بأسرة

    هناك أسرة هزّت العالم بأسره. فعندما نريد أن نسلّم على أفراد هذه الأسرة لا ننظر إليهم كأفراد بل ننظر إليهم كأسرة واحدة ونقول: (السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة). أساسا إن أفراد هذه الأسرة قد بنوا كيان ديننا معا وفي ضمن علاقاتهم الأسرية. يعني قد تعاهد أفراد هذه الأسرة مع بعض على التضحية والفداء. الأب والأم والصهر والابن والبنت كلّهم قد ضحّوا بأنفسهم في سبيل الدين. لذلك نقول: لقد انطلق ديننا من أسرة وحفظ بأسرة.
    السؤال الذي لا يزال صعبا ولا يمكن الإجابة عنه بسهولة، هو هذا السؤال الذي قد واجهه الحسين(ع). إذ قالوا له: يا أبا عبد الله الحسين(ع)! لقد عزمت على هذا السفر الخطر الذي تشمّ منه رائحة الحرب والدماء، فلماذا قد استصحبت عائلتك في سفرك هذا؟ لماذا تستصحب أختك وبناتك الصغار؟...

    ألا لعنة الله على القوم الظالمين

  4. #4
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 1.2

    معالم الأسرة الصالحة ـ 2

    من لا يعير قيمة للإنجاب، فهو في الواقع لا يعير قيمة لإنسان وعبد الله؟/ إن ثواب بعض الأعمال البسيطة التي يقوم بها الرجل والمرأة في البيت لأعظم من ألف عبادة وخدمة اجتماعية

    الزمان: 30/11/2013
    المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي

    ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الثانية:

    إن إصلاح النفس وارتقاء الإنسان في أجواء الأسرة أسهل من أيّ مكان آخر/ إن ثواب بعض الأعمال البسيطة التي يقوم بها الرجل والمرأة في البيت لأعظم من ألف عبادة وخدمة اجتماعية

    ذكرنا أن إصلاح الأسرة مقدّم على إصلاح الفرد والمجتمع. أحد أسباب هذه الأولويّة هي سهولة إصلاح الفرد في أجواء الأسرة واكتسابه النور والمعنوية في البيت. يعني بإمكان أعضاء الأسرة أن يتعاونوا مع بعض ليسلكوا سبيل الارتقاء والسعادة بسهولة، بينما إصلاح المجتمع عمليّة أصعب وأعقد. وإذا أراد شخص واحد أن يصلح نفسه بوحده وبلا صديق أو معين فذلك أمر عسير جدّا. إن صيانة المستوى المعنوي لأفراد الأسرة أسهل من أن يحاول فرد واحد ليسلك طريق الكمال بوحده، وكذلك أسهل من صيانة المستوى المعنوي لأفراد المجتمع.
    من أين تريدون أن تجدوا طريق النيل إلى درجات الكمال العالية؛ من صلاة الليل، أم من التصدّق ومساعدة الآخرين، أم من خدمة المحرومين، أم من إيثار الناس على النفس؟ العمل الذي يمنح الإنسان النور والمعنوية أكثر من كل هذه الأعمال الصالحة، هو معاشرة الزوج والأولاد في البيت بشكل صحيح. فإنكم عندما تقومون ببعض الأعمال البسيطة جدّا في داخل الأسرة، تحصلون على ثواب أعظم من ثواب ألف عبادة وخدمة اجتماعية. فقد روي عن النبي(ص): «جُلُوسُ الْمَرْءِ عِنْدَ عِيالِهِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنِ اعْتِکَافٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا» [مجموعة ورام/ج2/ص122] طيّب فإذا أراد امرء أن يرتقي معنويّا ويصلح نفسه، فسوف يتيسّر هذا الإنجاز في أجواء الأسرة بعيدا عن بعض المشاكل والتعاقيد.

    صلوا إلى الدرجات العليا في الجنان عبر إدخال السرور في قلب زوجاتكم وأولادكم!

    يقول الإمام الرضا(ع): «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَى الْإِنَاثِ أَرْأَفُ مِنْهُ عَلَى الذُّکُورِ وَ مَا مِنْ رَجُلٍ يدْخِلُ فَرْحَةً عَلَى امْرَأَةٍ بَينَهُ وَ بَينَهَا حُرْمَةٌ إِلَّا فَرَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى يوْمَ الْقِيامَةِ» [الكافي/ج6/ص6] فمن لا يقوم بهذا العمل السهل ولا يُفرح أقرب الناس إليه، ثم يريد أن يفرح أناسا آخرين بعيدين ليصل إلى بعض الدرجات، فهو في الواقع قد صعّب الأمر على نفسه. فعلى سبيل المثال إذا كنّا نستطيع أن نفرح بنتنا بشراء شيء صغير مثل قرّاصة الشعر، أو أن نفرح زوجتنا بشراء ثوب بسيط، فلماذا نغضّ الطرف عن هذا الثواب العظيم؟! وحريّ بالذكر أن قد وُصّي الرجال بشراء اللباس لإزواجهم.
    كذلك روي عن النبي(ص): «أَکْثِرُوا مِنْ قُبْلَةِ أَوْلَادِکُمْ فَإِنَّ لَکُمْ بِکُلِّ قُبْلَةٍ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَام‏» [وسائل الشيعة/ج21/ص485] فكم يريد الإنسان أن يفعل من الأعمال الصالحة خارج بيته لينال هذا الثواب العظيم؟! وكذلك قال النبي الأعظم(ص): «مَنْ لَمْ يأْنَفْ مِنْ خِدْمَةِ الْعِيالِ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ» [جامع الأخبار/102]

    إن اكتساب الثواب في البيت أمر بسيط جدّا/ إن جهاد النفس في البيت أمر سهل، وفي نفس الوقت إهماله خطر

    إن اكتساب الثواب في البيت أمر بسيط، وفي نفس الوقت إهماله خطر جدّا. أحد نماذج إهمال هذا الموضوع في البيت هو ما يسمّى بعقوق الوالدين، بحيث إن آذى ولد والديه فقد أصبح عاقّا. المثال الآخر هو ما ذكره رسول الله(ص) في هذه الرواية حيث قال: «الْمُؤْمِنُ يأْکُلُ بِشَهْوَةِ عِيالِهِ وَ الْمُنَافِقُ يأْکُلُ أَهْلُهُ بِشَهْوَتِهِ» [وسائل الشيعة/ج21/ص542] طبعا ليس هذا بمعنى أن أهله وعياله لا يأكلون حسب رغبته أبدا! إذ من الطبيعي أن النساء عادة ما يطبخن الطعام المفضّل لدى أزواجهن، ولكن إن تفرعن الرجل واستعبد أفراد أسرته واضطرّهم إلى أكل ما لا يحبّون وما لا يشتهون تلبية لرغبته وشهوته وخوفا من سطوته، فهذه هي روح النفاق.

    مع الأسف لقد شاعت ثقافة بين الناس بحيث يزعمون «ربّة البيت» لا عمل لها وليس لها احترام!

    كما أن هناك آداب في سبيل الانتفاع الأكثر من المساجد وبيت الله الحرام ومراقد أهل البيت(ع)، كذلك هناك آداب في سبيل الانتفاع من أجواء الأسرة وارتفاع مستوى الإنسان المعنوي عبر سلوكه الأسري. فإن للبيت والأسرة آدابا كثيرة وحرمة عالية جدا، ولكننا مع الأسف قد أسأنا التعامل مع هذا الموضوع بحيث قد شاعت ثقافة بين الناس بحيث عندما تقول امرأة أنا «ربّة بيت» يزعمون أنها بلا عمل وليس لها احترام!
    في الواقع إذا قالت امرأة: «أنا خريجة جامعة ولكني أفضّل العمل في المنزل على باقي الأعمال» يجب أن تحترم عشرة أضعاف، لأنها إنسانة فهيمة واقعا. إن العمل في المنزل ليس بعمل هيّن. طبعا بعض النساء يمارسن الحدّ الأدنى من العمل في المنزل ولا يصرفن كثيرا من الوقت في هذا المجال، ولكن يمكن الارتقاء إلى الحد الأقصى.

    يتبع إن شاء الله...



  5. #5
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 2.2

    هل بإمكان المرأة أن تحصل على ثواب سقاية زوجها شربةً من الماء في مكان أو مجال آخر؟! لقد قال الإمام الصادق(ع): مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ إِلَّا کَانَ خَيراً لَهَا مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ صِيامِ نَهَارهَا وَ قِيامِ لَيلهَا وَ يبْنِي اللَّهُ لَهَا بِکُلِّ شَرْبَةٍ تَسْقِي زَوْجَهَا مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ وَ غَفَرَ لَهَا سِتِّينَ‏ خَطِيئَةً» [وسائل الشيعة/ج20/ص172]
    ومن جانب آخر إن كانت المرأة قد آذت زوجها بحيث أدى ذلك إلى غضبه وسخطه عليها أفهل تقبل عبادتها وصلاتها؟! لقد قال النبي(ص): «ثَمَانِيةٌ لَا يقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يرْجِعَ إِلَى مَوْلَاهُ وَ النَّاشِزُ عَنْ زَوْجِهَا وَ هُوَ عَلَيهَا سَاخِط...» [من لا يحضره الفقيه/ج1/ص88] واللطيف أن في أثناء ما تظلم المرأة زوجها لعلّها تشعر بالمهجة والرغبة في الصلاة والإطالة في الصلاة والعبادة! لماذا؟ لأن صلاتها غير مقبولة، فلا يمنعها الشيطان منها بل يعينها على الخشوع والتمتع والشعور بالنشاط والبهجة في الصلاة! في حين أن تكليفها في هذا الوقت هو رعاية علاقتها مع زوجها لا الصلاة.
    نحن إن كنّا نصبو إلى السعادة والكمال، يجب أن نعرف أن السعادة والكمال تحصل في أجواء الأسرة بشكل أسهل وأوفر من الأجواء الأخرى. فلماذا لا نعطي الأولوية للأسرة؟ إن ثواب خدمة الأسرة أكثر من العبادة الفردية بل حتى أكثر من خدمة الناس. كما أن النور والمعنوية الموجودة في التعاون الأسري أكثر من العبادة الفردية. فقد روي عن رسول الله(ص) أنه قال: «سَاعَةٌ فِي خِدْمَةِ الْعِيالِ خَيرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَ أَلْفِ حَجٍّ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ وَ خَيرٌ مِنْ عِتْقِ أَلْفِ رَقَبَةٍ وَ أَلْفِ غَزْوَةٍ وَ أَلْفِ عِيادَةِ مَرِيضٍ وَ ...» [جامع ‌الأخبار/ص102]

    يتباهى بعض الناس بعدم مبالاته بأسرته/ إن الرجل مسؤول عن ديانة أسرته

    في بعض الأجواء أحيانا يتباهى بعض الناس بعدم مبالاته بأسرته. في حين أن عدم المبالاة بشؤون الأسرة هي من خصائص نمط الحياة الوحشية التي نرى نماذجها في الحضارة الغربية بوفور، ومع الأسف نجد بعض الناس يتباهى بهذه الخصلة!
    إن الرجل مسؤول عن دين أسرته ويجب أن يكترث بهذا الشأن. يقول الإمام الصادق(ع): «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيةُ (يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِيکُمْ ناراً) قَالَ النَّاسُ يا رَسُولَ اللَّهِ: کَيفَ‏ نَقِي‏ أَنْفُسَنَا وَ أَهْلِينَا، قَالَ اعْمَلُوا الْخَيرَ وَ ذَکِّرُوا بِهِ أَهْلِيکُمْ فَأَدِّبُوهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَ لَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ يقُولُ لِنَبِيهِ وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيها» [دعائم الإسلام/1/82] وكذلك روي عن رسول الله(ص) أنه قال: «الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيتِهِ وَ هُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُم» [مجموعة ورّام/ج1/ص6]
    بالتأكيد لا ينبغي للرجل أن يتعسّف في هذا المسار ويسيئ الأخلاق باسم الدين. فعلى سبيل المثال لا ينبغي أن يوقظ أطفاله لصلاة الصبح بطريقة غير مناسبة، بحيث ينفّر أولاده من صلاة الصبح. كان الإمام الخميني(ره) يقول لأولاده: «لا توقظوا أحفادي لصلاة الصبح بشدّة ومرارة، لكي لا يبغضوا الصلاة». يجب أن يكون سلوكنا برفق ومداراة ولطائف الأساليب، لكي لا ينفر الأولاد. ولكن يجب أن نعرف بأننا مسؤولون عن ديانة أسرتنا.

    من لا يرى قيمة لإنجاب الأطفال، فهو في الواقع لا يقدّر ثمن «الإنسان» و «عبد الله»

    الشباب العُزْب الذين ليسوا بصدد تكوين الأسرة، كيف يريدون أن يكتسبوا الثواب؟! فبغضّ النظر عن الذنوب التي هم معرّضون لها، بمجرّد عدم زواجهم قد حرموا أنفسهم من فرصة عظيمة لاكتساب الثواب. في بعض الأحيان ترى السبب في تأخر بعض الرجال في أمر الزواج، هو ضعف الروح الدينية، يعني ليس له حافز كبير في التقرب إلى الله واكتساب النور والمعنوية. إن فرص الإنسان المتزوّج أكثر بكثير من الأعزب في الارتقاء المعنوي واكتساب النور والثواب.
    مع الأسف ترى بعض الأزواج قد مرّت من زواجهم سنين ولكنهم لم يعزموا على إنجاب الطفل بعد! فأولئك الذين لا يرون قيمة لإنجاب الأطفال، فهم في الواقع لا يقدّرون ثمن «الإنسان» و «عبد الله». کما لا يقدّرون ثمن أنفسهم أيضا. إن إنجاب الإنسان وولادته لعمل ثمين جدّا، ولذلك فلدور الأمومة أجر عظيم جدّا. فمن يكوّن أسرة وينجب أطفالا لينشأون ويترعرعون في أجواء أسرته، فهو في الواقع يربّي عبادا لله وإنها لعبادة قيّمة جدّا. فمن أعرض عن هذا الطريق للسير في عبادة الله واكتفى بالصلاة في سبيل التقرّب إلى الله كم سينجح ويوفّق؟! لأن هذا نوع من الأنانية وعبادة الهوى، وبينه وبين العبودية مسافة شاسعة. وفي الواقع سبب الإعراض عن الزواج هو أن يقول الولد أو الفتاة «فما حصتي من العيش والحياة إن خضعت لقيود الزواج وتكوين الأسرة؟!» أو «أريد أن أعيش براحة بال وبدون مسؤوليات». وبالتأكيد من طلب الراحة وحياة الدعة لا يستطيع أن يتقرّب إلى الله.

    لماذا صار أبناء الغرب عبيدا بيد الصهاينة؟/ من لا أسرة له فهو إنسان ذليل

    النتيجة التي تؤول إليها «حبّ الراحة» هو هذه الثقافة المنحطّة والتعيسة التي عمّموها على الشعوب الغربية. أتعلمون لماذا شيّدوا كيان هذه الثقافة على أساس «أهوى وأشتهي وأحب»؟! لكي يتمكّن شرذمة من الصهاينة من استعبادهم بكل سهولة. اليوم خمسة ملايين إنسان يسترقّون خمسة مليارات إنسان. وبطبيعة الحال يوجد مختلف العبيد بين هؤلاء، من العبيد المترفين إلى العبيد الفقراء والعبيد الأمّيين والدارسين والعلماء. وعلامة هذه الرقّية هي أنه ليس بين البلدان الأوروبّية ـ التي بعضها أصغر من بعض محافظاتنا ـ بلدا يستطيع أن يحرّك ساكنا من دون إذن إسرائيل! يجب على سياسيي الغرب ورجالهم أن يستأذنوا إسرائيل في كل قضيّة، وكل هذا لا يثير حفيظة الشعوب الغربية، ولا يشعرون بالمهانة إن رأوا كبيرهم قد وقف وقفة الذلّ والصَغار بين يدي الصهاينة، إذ أن الشعب الذي سلب كرامته الإنسانية لا يشعر بالذلّ والهوان بمشاهدة هذا الذلّ والاستعباد، إذ لا عزّة لهم من الأساس.
    المجتمعات الغربيّة الكبيرة اليوم لا عزة لها. وبطبيعة الحال المجتمع الذي لا يهتمّ بكيان الأسرة ولا يعطيها قيمتها يفقد عزّه. ولكن لا يرى بعض السطحيّين والمغفلين المنبهرين بنظم الغربيّين والتزامهم بقوانين المرور، قبح الذل والهوان المسبّب لهذا الانتظام في الغرب. لا شك في أن الانتظام والالتزام بأوامر شرطي المرور عمل جيّد، ولكن ليس انتظامهم بسبب إنسانيتهم، بل الحقيقة هي أن من لم يترعرع في الأسرة، أو كانت أسرته أسرة هشّة متخلخلة، فهو إنسان ذليل يخضع لكل إنسان ولا سيّما شرطي المرور، ومستعدّ لأن يكون عبدا ذليلا بيد كل إنسان. طبعا ليس بالضرورة أن انتظام أهل الغرب كلّه بسبب انهيار كيان الأسرة وانعدام الغيرة في المجتمع، ولكن جزء كبير من هذا النظم الموجود ناتج من هذا السبب.

    يتبع إن شاء الله...



  6. #6
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 3.2

    النظم الناتج من فقدان العزّ وانهيار كيان الأسرة لا فائدة فيه/ لا تغترّ بمن لا يعصي بسبب جبنه

    إن تهوّر وتمرّد الشاب الذي يعيش في ظلّ الثقافة الشرقيّة، ولكنّه لم يفقد أصالته الإنسانيّة، أفضل وأشرف من انتظام هذا الإنسان الذي نظّموه بسحق عزّه وكرامته وشخصيته الأسريّة. إن قلتم لشابّ إيراني أو شابّ مسلم عاش في بلداننا الإسلامية الشرقية: «يا دعيّ! من هو أبوك؟»، فهذه تعدّ أكبر مسبّة ولا يكاد يطيقها حتى المنحطّون والسفلة من مجتمعنا، أما في الغرب فما أكثر الشباب الذين لا يعرفون أباهم ولا يشمئزون من هذه الكلمة، لأن هذا هو واقعهم وقد تطبّعوا عليه. أما الغيور فلا يستطيع أن يتطبّع على هذه الظاهرة.
    الإنسان المنتظم المطيع للقانون ولشرطي المرور، يجب أن يكون عمله على أساس أصول وأسس إنسانية، وإلا فإن كانت إطاعته من وحي ذلّه وانعدام عزّه وكان خاضعا لكل إنسان، فهو قد أصبح «عبدا»! إن إطاعة مثل هذا الإنسان وامتثاله للأوامر يصبّ في آخر المطاف في مصلحة القوى الكبرى والظالمة المهيمنة عليه، ولا شك في أننا لا نريد مثل هذا النظم الذي تفوق آثاره السيئة، جمالَه وآثاره الحسنة.
    يقول الإمام الرضا(ع): «إِذَا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ قَدْ حَسُنَ سَمْتُهُ وَ هَدْيهُ وَ تَمَاوَتَ فِي مَنْطِقِهِ وَ تَخَاضَعَ فِي حَرَکَاتِهِ فَرُوَيداً لَا يغُرَّنَّکُمْ فَمَا أَکْثَرَ مَنْ يعْجِزُهُ تَنَاوُلُ الدُّنْيا وَ رُکُوبُ الْمَحَارِمِ‏ مِنْهَا لِضَعْفِ نِيتِهِ‏ وَ مَهَانَتِهِ وَ جُبْنِ قَلْبِهِ فَنَصَبَ الدِّينَ فَخّاً لَهَا...» [الاحتجاج/ج2/ص320] فعلى سبيل المثال قد يكون امرء بعيدا عن الفسق والخلاعة، ولكنه طمّاع محبّ للمال، ولعلّه ليس من هواة شيء منهما، ولكنه من طلّاب الجاه والسلطة، فهو مستعدّ لارتكاب الذنوب في سبيل الحصول على حفنة من الجاه. فقد حذّرنا الإمام من الاغترار بالظواهر.

    نحن لا نريد أن نكون منتظمين وخلوقين بأي قيمة/ إن بعض الكلمات الأخلاقية تربّي الناس على أن يصبحوا عبيدا بيد الصهاينة

    نحن لا نريد أن نكون منتظمين وخلوقين بأي قيمة. لذلك فما الفائدة من درس الأخلاق الذي يربّي الناس على أن يصبحوا عبيدا بيد الصهاينة؟! وبالمناسبة بقدر ما يستثمر الصهاينة لاستعباد الناس عبر الخلاعة والفجور، كذلك يستثمرون في سبيل استعبادهم عن طريق الأخلاق. فعلى سبيل المثال يوصون الشعوب أن: اصبروا على المشاكل! لقد قال الإمام الخميني(ره): «لو فرضنا أنّ أمريكا قدّمت مشروعا إسلاميا مئة بالمئة، نحن لا نصدّق بأنهم يخطون خطوة لصالحنا وفي سبيل السلام. حتى لو قالت أمريكا وإسرائيل كلمة «لا إله إلا الله» نحن لا نقبل ذلك منهم، لأنهم يريدون أن يخدعونا. هؤلاء الذين يتحدّثون عن السلام فإنهم يريدون إشعال هذه المنطقة بالحروب». [صحيفه امام (الفارسية)/ج15/ص339]
    ينبغي للآباء والأمهات الكرام الذين يريدون أن يربّوا أولادهم، أن يلاحظوا حوافز الطفل في العمل الصالح. فعلى سبيل المثال ليعطوا الطفل حافزا صحيحا للدراسة. مع الأسف يعطي بعض الآباء والأمهات حوافز سيئة وفاسدة لأطفالهم فيقولون له: «ادرس جيّدا لكي لا يسبقك ابن خالتك أو زيد من أقربائك»! أو يقولون: «ادرس لتحصل على جاه ومكانة في المجتمع»! يعني يدفعون الطفل صوب حبّ الجاه وطلب الدنيا منذ البداية، ويربّونه بهذه الحوافز والنوايا السقيمة إنسانا مرائيا حسودا وحقودا.

    المكان الرئيس للتربية هو البيت، وأما المدرسة فهي معاونة البيت ومستشارته في التربية

    الأب والأم مسؤولون عن ديانة الأسرة وأطفالهم. والأسرة هي المكان الأفضل لتنمية ديانة الأولاد وترسيخها في قلوبهم. في أيّ مجتمع، إن نجحت الأسر في حفظ الدين وتعزيزه، سوف يصلح هذا المجتمع وأفراده كذلك.
    في الحقيقة المكان الرئيس للتربية هو البيت، وأما المدرسة فهي معاونة البيت ومستشارته في التربية. فمن لم يتربَّ في البيت، كيف يمكن أن يتربّى في المدرسة؟! طبعا قد تكون هناك استثناءات، فعلى سبيل المثال يستطيع بعض الناس أن يصلحوا أنفسهم بالرغم من فساد أسرتهم، ولكنهم يعبرون عن حالة نادرة استثنائية. كما قد نجد بعض الأشخاص الذين لم يصلحوا في أجواء الأسرة، ثم يصلحوا في المدرسة أو المسجد، ولكن الأصل هو أن يصلح الناس في البيت وفي أجواء الأسرة.

    يفترض أن تكون علاقة الزوجين مع بعض حميمة وحسنة/ زوج كل امرء معينه على عبادة الله

    بعد زواج فاطمة الزهراء(س) مع أمير المؤمنين(ع)، زارهما النبي(ص)، «فَسَأَلَ عَلِياً کَيفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ قَالَ نِعْمَ الْعَوْنُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ سَأَلَ فَاطِمَةَ فَقَالَتْ خَيرَ بَعْلٍ» [مناقب ‌آل ‌أبيطالب/ج3/ص356] إن هذه الرواية الرائعة تدلّ على أن المفترض للزوج أن يكون عون زوجه على عبادة الله، ويفترض أن تكون علاقة الزوجين مع بعض حميمة وحسنة.
    إن شكت امرأةٌ بعلَها وقالت إن زوجي غير صالح، فغالبا ما يجب توصيتها بأن تقوم هي بإصلاح زوجها، لأن الواقع هو أن للنساء قدرة عالية على التأثير الإيجابي على أزواجهن وقد أعطاهنّ الله هذه القدرة. إن للنساء تأثيرا كبيرا على أزواجهنّ فبإمكانهنّ أن يعينوا أزواجهنّ على طاعة الله. فإذا أرادوا أن يستخدمن مواهبهنّ الإلهية في سبيل إصلاح أزواجهنّ فهنّ يعرفن الطريق جيّدا. أما إذا لم يردن استخدام قابليّاتهنّ وقدراتهن وأكتفين بالنزاع والصياح فهذا أسلوب عقيم لا فائدة فيه.

    إذا كانت الأمّ أمّ البنين(ع)، يتربّى في هذا البيت مثل أبي الفضل العبّاس(ع)

    إن الأسرة محلّ لرشد الإنسان وارتقائه، وللأم دور كبير جدّا في تربية أفراد الأسرة. إذا كانت الأمّ أم البنين(ع) عند ذلك تتوفّر الظروف في مثل هذه الأسرة أن ينشأ ويتربّى ولد كأبي الفضل العبّاس(ع). هذا هو العبّاس الذي رأى أخاه الحسين(ع) يقول لأصحابه ليلة العاشر: «أَلَا وَ إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فَانْطَلِقُوا جَمِيعاً فِي حِلٍّ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذُوهُ جَمَلا» فكان أول من أجاب الحسين(ع) وقال: «لِمَ نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ لِنَبْقَى بَعْدَكَ؟! لَا أَرَانَا اللَّهُ‏ ذَلِكَ‏ أَبَداً» [وقعة الطف/198] لعلّ أحد معاني كلمة العباس هي أنه: أخي لو تركتك وذهبت، فماذا أقول لأمي أمّ البنين؟! لذلك عندما أُخبِرت أم البنين باستشهاد الإمام الحسين(ع) في كربلاء، سرعان ما سألت: أفأين كان العبّاس...




  7. #7
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحةة 1.3

    معالم الأسرة الصالحة ـ 3

    إن طريق الحصول على اللذة العميقة في الأسرة هو «جهاد النفس في أجواء الأسرة» / الزواج هو تعبير عن الاستعداد لجهاد النفس في إطار الأسرة/ يجب أن يصبح الطفل بين السنة السابعة إلى الرابعة عشر مؤدّبا ومنظّما كالعبد بين يديه مولاه/ العقاب والثواب الذان يسيئان إلى تربية الطفل

    الزمان: 02/12/2013
    المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي
    ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الثالثة:

    أحد أسباب سهولة الدين، هو سهولة إصلاح الإنسان في أجواء الأسرة/ إن مفتاح إصلاح الفرد والمجتمع، هو إصلاح الأسرة

    من القضايا التي تحكي عن سهولة ديننا وسهولة طريق التربية الدينية والارتقاء المعنوي وبساطته، هو تسليط الضوء على دور «الأسرة» البنّاء في إصلاح الفرد والمجتمع، إذ أن إصلاح الإنسان في «الأسرة» عمليّة سهلة جدّا. عادة ما نحن نحاول أن نصلح الفرد أو المجتمع، بينما مفتاح إصلاح كليهما هو إصلاح الأسرة. ولكن لأننا لا نسلك طريق الهداية والإصلاح بشكل صحيح، نزعم أن التربية الدينية وعملية إصلاح الفرد والمجتمع عن طريق الدين، عمليّة معقّدة وصعبة.
    ينبغي علينا أن نهدف إلى إصلاح الأسر، أكثر من أن نعمد إلى ملء نواقصها عن طريق وزارة التربية والتعليم، إذ أن أساس التربية في الأسرة. إن تعليم الطفل الذي نشأ في أسرة صالحة، سهل جدّا، كما أنه سيحظى بقابلية عالية على التعلّم. لا داعي لوزارة التربية والتعليم أن تملأ أذهان الأطفال بالمحفوظات كثيرا، فبدلا من تكثير محفوظات الأطفال، حريّ بها أن تسعى قليلا في سبيل إعطاء تعليمات مدروسة وعامّة للآباء والأمهات، وتثقّف الوالدين ـ في مسار إصلاح الأسر ـ ببعض المعارف العميقة والدقيقة الدينية.
    إن أولينا الاهتمام بإصلاح الأسرة وأصلحنا الأسر بنفس مقدار اهتمامنا بإصلاح الفرد أو المجتمع، عند ذلك سوف يصلح كلا الفرد والمجتمع بكلّ سهولة. ولكن إذا تركنا مركز الأسرة الرئيس، ثمّ عمدنا إلى إصلاح الناس عبر طرق أخرى، فسوف لا ننال غايتنا المطلوبة. فعلى سبيل المثال إذا أوصينا أفراد المجتمع بشكل مباشر أن: «لا تسرفوا! وعليكم بالنظم في المرور!» أو أوصينا مدراء المجتمع أن: «أن لا تخونوا، ولا تضيّعوا بيت المال!» أو قلنا للسياسيّين: «لا تتنازعوا معا!» فلا بأس به. ولكن الأفضل من كلّ ذلك هو إصلاح الأسر. فإن اتجهنا نحو إصلاح الأسر سوف تسدّ كلّ هذه الثغور.

    ليست الأسرة الصالحة بمعنى الأسرة المنزّهة من النزاع والطلاق

    قبل أن نتحدّث عن خصائص الأسرة الصالحة، نذكر باختصار بعض الصفات والخصائص التي لا تدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة. مثلا إذاكانت الأسرة في انسجام وتفاهم بحيث لا يتحدثون أفرادها عن الطلاق أبدا، ولا يتنازعون معا، فهذا لا يدلّ بالضرورة على صلاح الأسرة ورقيّ كفاءتها. فلعلّ في بعض الأسر التي ليس فيها طلاق ولا نزاع، يمارس أحد الزوجين الظلم تجاه الآخر، فاستسلم الآخر للأمر الواقع وصبر على مضض، فاستتبت أمور الأسرة. ولكن لا يدلّ ذلك بالضرورة على صلاح هذه الأسرة. فلعل أحد أسباب انسجام الزوجين مع بعض بحسب الظاهر، هو أن أحد الزوجين يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر بحسن خلقه. طبعا هذا الذي يتحمّل سوء خلق الطرف الآخر، هو إنسان صالح وجيّد، ولكن لا نستطيع أن نحكم على هذه الأسرة بأنها أسرة صالحة.

    الأسرة الصالحة، هي الأسرة التي يسدّ كلٌّ من أفرادها حوائج باقي أفراد الأسرة، لا أن يتحمّل كلّ الآخر

    ليست الأسرة الصالحة هي الأسرة التي ليس فيها نزاع فقط، بل هي الأسرة التي قد لبّيت احتياجات أفرادها الجسمية والمعنوية. لا يليق بأفراد الأسرة الصالحة أن يعانون من نقص عاطفي وروحي، فلابدّ أن تسدّ الاحتياجات في الأسرة.
    الأسرة الصالحة هي الأسر ة التي تلبّي الحدّ الأقصى من احتياجات أفراد الأسرة الجسمانية والروحيّة. يجب أن تلبّى احتياجات الأولاد بشكل كامل في خضمّ العلاقة الأسرية، وكذلك ينبغي للمرأة والرجل أن ينغمرا بالمحبّة والعواطف في علاقتهما مع بعض في أجواء الأسرة. الأسرة الصالحة هي الأسرة التي يسدّ كلّ من أفرادها حوائج باقي أفراد الأسرة، لا أن يتحمّل كلّ الآخر.
    صحيح أن الأجهزة والتقنية الناشرة للفساد أخذت تكتسح العالم يوما بعد يوم، ولكن إذا تربّى أولادنا في «أسر صالحة»، ليس بوسع أيٍّ من أجهزة الفساد هذه أن تفسد أولادنا، إذ قد لبّيت جميع احتياجاتهم في داخل الأسرة ولا يشعرون بنقص، من قبيل النقص العاطفي.
    الفتاة التي قد نشأت في أسرة صالحة، عندما يقول لها شابّ في الشارع: «إني أحبك!»، ستعتبره شابّا سخيفا عديم الشخصية وتستغرب من إبدائه الحبّ والغرام بهذا الأسلوب السخيف، لفتاة غريبة لا يعرفها ولا يعرف صفاتها! فلا أنها لا تفرح بإبداء الحبّ هذا وحسب، بل تشمئز من هذا التصرّف، إذ قد ارتشفت من الحبّ والحنان بالقدر الكافي في أسرتها ولا تعاني من أيّ نقص عاطفيّ حتى تنخدع بإبداء حبّ سطحيّ في الشارع.
    وكذلك الولد الذي قد نشأ في أسرة صالحة، لا يخطر بباله أن يتحرّش بفتاة. وإذا اضطرّ في موقفٍ ما إلى مساعدة فتاة، يقوم بذلك بكل حياء وغيرة.
    الطفل الذي تعوّد على أكل ما طبخته له أمّه بكل محبّة وحنان، لن يرضى بأكل طعام هذا وذاك خارج البيت، حتى وإن أصرّوا عليه كثيرا.

    يتبع إن شاء الله...



  8. #8
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 2.3

    لا يخرج من الأسرة الصالحة، إنسان يعاني من نواقص روحية وعاطفية

    للأسرة الصالحة خصائص ومؤشرات عالية جدّا. فلا يخرج من الأسرة الصالحة إنسان يعاني من نواقص روحية وعاطفيّة. مع الأسف إن بعض الناس يعانون من نقص الحبّ والحنان بشدّة، بحيث يبحثون عن من يملأ نقصهم العاطفي في الشوارع، ثمّ يسمّون عملهم حبّا وغراما بدلا من أن يسمّوه وقاحة. وبدلا من أن يقول أحدهم: «عندي مشكلة وأصبحتُ مريضا أو معقّدا نفسيّا»، يقول بفخر: «أحببت وعشقت!»
    يقول أحد الروات: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْعِشْقِ، قَالَ قُلُوبٌ خَلَتْ مِنْ ذِکْرِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ حُبَّ غَيرِهِ» [أمالي الشيخ الصدوق/ص668]
    في الأسرة الصالحة بعد مضيّ ثلاثين سنة من الحياة المشتركة، تصبح المحبّة بين الزوجين أكثر بكثير من محبتهما في شهر العسل. ولذلك عندما تمرّ سيارة عروس من جانب هذه المرأة، لا تتحسّر على الأيّام الأولى من حياتها المشتركة أبدا، إذ قدّ اشتدّ حبّ كلّ من الزوجين إلى زوجه بعد مضيّ ثلاثين سنة.

    إن طريق الحصول على اللذة العميقة في الأسرة هو «جهاد النفس في أجواء الأسرة» / أغلب الأزواج الذين يعقتدون بسوء اختيارهم في الزواج مخطئون

    الأسرة الصالحة تمنح الإنسان لذة ألصق بالفؤاد وأعمق بكثير ممّا يعطيه الفسق والفجور. ولكن في سبيل نيل هذه اللذة العميقة، هناك طريق واضح لابدّ لنا من سلوكه، وهو طريق «جهاد النفس في أجواء الأسرة». يزعم بعض الناس ـ مع الأسف ـ أن طريق نيل هذه اللذة هو أن يبحثوا عن أفضل زوج في العالم! يعني أن يختاروا زوجا لا يسأمون منه أبدا، وأن يكون حسن خلق الزوج ورأفته ورحمته وتواضعه وجماله من الشدّة والروعة بمكان بحيث لا تقع معه طيلة الحياة أيّ مشكلة. ثمّ يستمر جمال الزوج وباقي محاسنه إلى آخر عمره! وفي الواقع يبحث هؤلاء عن مورد كامل متكامل لا نقص فيه، لأنهم أشخاص غير لائقين وفيهم عيوب كثيرة!
    ليس معنى هذا الكلام هو أن لا يدقّق الإنسان في اختيار زوجه، أو أن لا يبحث عن المورد المناسب، ولكن لا تأتي السعادة عبر الاختيار الصائب والصحيح وحسب، بل يجب على الإنسان أن يحصل على السعادة في مسار حياته المشتركة شيئا فشيئا، ولا سعادة أهنأ من هذه السعادة الحاصلة بالتدريج، وكلّ أنواع السعادة الأخرى لا تبلغ عمق لذّتها ودوامها. كما هناك الكثير من الناس الذين قد حصلوا على أفضل الأزواج ولكنهم من أسوأ الناس، فلا يصلحون إلى جانب أزواجهم الصالحين، بل يزدادون سوء وفسادا. وأساسا قد يكون سوء الزوج سببا لرشد الإنسان وازدياد مراقبته على أعماله.
    لابدّ من «صنع» الحياة المليئة بالسعادة، لا أن نربح بها مفاجأة. لا يربح الإنسان بأسرة صالحة بالصدفة، ولا يتعلّق صلاح الأسرة باختيار الزوج الصالح وحسب. مع الأسف قد جرى على ألسن كثيرا أن «لم يكن اختياري صائبا»، ولكن أغلب الأزواج الذين يعتقدون بسوء اختيارهم في الزواج مخطئون. بعض هؤلاء هم أشخاص أنانيّون وأتباع الهوى، ويريدون أن يكون الآخرون عبيدا لهم، وتجري رياحهم كما تشتهي سفنهم. لذلك فهم يبحثون عن من ينقاد تماما إلى رغباتهم وهذا ما لا يمكن أبدا، إذ يودّ هؤلاء في مسار حياتهم المشتركة أن يلبّوا أهواءهم ويلتذّون وحدهم دون الطرف الآخر.

    الخطوة الأولى لتكوين الأسرة الصالحة، تغيير رؤيتنا تجاه «الأسرة» / الإنسان الذي يرى لذّته في تلبية هواه لا يصلح للزواج!

    طيّب، كيف نستطيع أن نكوّن أسرة صالحة؟ الخطوة الأولى لتكوين الأسرة الصالة هي تغيير وإصلاح رؤيتنا تجاه الأسرة وأن نعلم حقيقة الأسرة. الأسرة مقرّ له آدابه الخاصة. للحضور في الأسرة آداب كما هو الحال في الحضور في المسجد. فكما أن للمسجد حرمة، كذلك للأسرة حرمة ولابدّ من مراعاة الكثير من الآداب فيها. طبعا لا مانع من الراحة في أجواء الأسرة، ولكن هناك حدود للراحة في البيت.
    هؤلاء الذين يقولون لا تتزوجوا مبكّرا والعبوا وامرحوا قبل الزواج والتذّوا بالعيش في أيام شبابكم (وهم يقصدون الفسق والفجور) فيا ترى لماذا يتزوجون أساسا؟! إذ أن الإنسان الذي يرى لذّته في تلبية هواه، فهو غير صالح للزواج من الأساس! وحري بمثل هذا الإنسان أن لا يبحث عن زوج صالح، إذ مهما كان زوجه صالحا، مع ذلك سينساق إلى الفسق والفجور تلبية لهواه. إن كان الإنسان متّبعا لهواه، فحتى لو حصل على أفضل زوج في العالم، مع ذلك سرعان ما يسأم منه ويضجر وينفر.

    كما أن المائدة ليست محلّ النهم والبطنة ولها أدابها، كذلك ليست الأسرة بمرتع لإشباع الغرائز والشهوات ولها آداب خاصّة/ الأسرة بمعنى الحياة في إطار دستور

    كما أن الأسرة ليست محلّا للنهم والبطنة ولها أداب معيّنة، كذلك ليست الأسرة بمرتع لإشباع الغرائز والشهوات ولها آداب خاصّة. الأسرة بمعنى الحياة في إطار دستور. إن مراعاة آداب الأسرة ومقرّراتها من الأهمية بمكان بحيث تنزل آية قرآنية لتحدّد قانون ذهاب الأطفال إلى غرفة الوالدين؛ (لِيسْتَأْذِنْکُمُ الَّذينَ مَلَکَتْ أَيمانُکُمْ وَ الَّذينَ لَمْ يبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حينَ تَضَعُونَ ثِيابَکُمْ مِنَ الظَّهيرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ...) [النور/58]
    يجب أن نغيّر رؤيتنا عن الأسرة. فعلى سبيل المثال إن رؤيتنا عن المعسكر هي أنه مقرّ تجب فيه مراعاة الكثير من الآداب والضوابط والسلوك الخاص. عندما نواجه في المعسكر من هو أعلى رتبة منّا، يتعيّن علينا أن نضرب له تحية عسكريّة، فحتى لو كنّا نودّ قائدنا جدّا، لا يجوز لنا أن نعانقه ونعبّر عن حبّنا واحترامنا له كما نشاء، بل يجب علينا أن نضرب تحية عسكرية له حسب الأصول والضوابط. طبعا ليست آداب الأسرة وضوابطها شديدة ومتصلّبة كما في المعسكر، ولكن يجب أن تراعى بعض الآداب والاحترامات في أجواء الأسرة. لقد ذكرت في رواياتنا تفاصيل آداب المعاشرة بين الزوجين في إطار الأسرة بشكل دقيق، وفصّلت القوانين والضوابط تفصيلا. فلم نترك في البيت سدى، بل مكلّفون بمراعاة الآداب والضوابط.

    يتبع إن شاء الله...

  9. #9
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 3.3

    بموجب أحكام الإسلام يجب تعلّم الأدب والنظم من السنة السابعة وفي الأسرة، لا بعد الثمانية عشر وفي العسكرية / يجب أن يصبح الطفل بين السنة السابعة إلى الرابعة عشر مؤدّبا ومنظّما كالعبد بين يديه مولاه

    يجب على الوالدين أن يعلما أولادهما «الأدب» بعد السنة السابعة، لكي يدرك الأطفال أصل جهاد النفس ويعلموا أن لابدّ لهم من محاربة كلمات «أحب» و «أشتهي» و «يعجبني» وأمثالها. اليوم، يذهب الشباب إلى الجندية بعد الثمانية عشر من عمرهم، ويتدرّبون هناك على النظم والانضباط وبعض الآداب، بينما يفرض الإسلام أن لابدّ من تأديب الأطفال وتعليمهم النظم من السنة السابعة؛ قَالَ الصَّادِقُ ع: «دَع ابْنَكَ يلْعَبْ سَبْعَ سِنِينَ وَ يؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَيرَ فِيهِ» [من‏لايحضره‏الفقيه/3 /492/ح 4743] و «الْوَلَدُ سَيدٌ سَبْعَ‏ سِنِينَ‏ وَ عَبْدٌ سَبْعَ سِنِينَ وَ وَزِيرٌ سَبْعَ سِنِينَ» [وسائل‏الشيعة/21/476] و «دَع ابْنَكَ يلْعَب سَبْعَ سِنِينَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعاً فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَيرَ فِيهِ» [الکافي/6/46/ ح‏1]
    لابدّ أن يتأدّب الطفل بعد السنة السابعة ويصبح منظّما كالعبد بين يديه مولاه؛ وبالتأكيد لابدّ أن يكون أبوا هذا الطفل كالمولى الرؤوف العطوف، فينهيان الطفل ويأمرانه بلين وحنان، ولكن على الطفل أن يمتثل أوامرهما كما يمتثل الجندي أوامر قائده. لابدّ أن تكون أجواء البيت في هذه السنين السبع أي من السنة السابعة إلى الرابعة عشر، تشبه أجواء المعسكر، ليتدرّب الطفل على مراعاة النظم والأدب. يجب على الطفل أن يراعي بعض القضايا في هذه السنين من قبيل ترتيب غرفته ووسائله، والالتزام بمواقيت النوم والاستيقاظ وأداء الاحترام للكبير وكثير من الآداب الأخرى ليعلم أن الدنيا ليست محلّا لطلب الراحة. من المسائل المؤكّد عليها هو الاستيقاظ بين الطلوعين، والتي لها آثار وبركات كثيرة في الروح والبدن، فيا حبّذا لو استطاع الأب والأم أن يوقظ أولادهما في هذه الفترة ويمنعانهما من النوم برأفة وحنان.

    لابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس/ البيت مقرّ مليئ بالمقرّرات والضوابط وينطوي على أجواء مناسبة لجهاد النفس

    يقول البعض: إن مراعاة الآداب ولا سيّما للأولاد في سنيّ الطفولة والمراهقة صعب! في حين أن تحمّل المشقّة ومخالفة النفس، مودع في ذات الإنسان، والحياة مقرونة بجهاد النفس. فلابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس، ثم يستمرّ بجهاد نفسه في السبعة الثالثة بمشورة والديه. فعندما يقدم مثل هذا الإنسان على الزواج، يدرك أن لابدّ من الاستمرار بضوابط جهاد النفس في الأسرة، ويعرف أنه بهذا الزواج في الواقع دخل في مرحلة جديدة من عمليّات جهاد النفس.
    إذن الخطوة الأولى هي أن نغيّر رؤيتنا عن البيت والأسرة ويجب أن نعرف أن البيت مقرّ مليئ بالضوابط والمقرّرات وهو محلّ مناسب لجهاد النفس. ولابدّ أنكم تعرفون كم لبيت الله الحرام من ضوابط ومقرّرات. فعندما يحرم الحاج ويدخل في نطاق بيت الله، تحرم عليه الكثير من الأعمال ويلزم بمراعاة آداب ومقرّرات صعبة. فكما أن في بيت الله مقرّرات وضوابط، كذلك بيوتنا هي محالّ مراعاة مقرّرات وضوابط كثيرة.
    فعلى سبيل المثال أحد قوانين البيت هي أنه عندما يحتضر أحد أعضاء البيت ويشرف على الموت، لابدّ أن يوضع في المكان الذي كان يصلّي فيه عادةً؛ «إِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَيتِ مَوْتُهُ وَ نَزْعُهُ قُرِّبَ إِلَى‏ مُصَلَّاهُ‏ الَّذِي کَانَ يصَلِّي فِيهِ» [الكافي/ج3/ص125] إذن من الأولى أن يتخذ كلّ واحد من أفراد الأسرة مصلّى له في البيت ويصلّي في ذلك المكان. فأحد آداب البيت هي أن يكون لكل فرد من أعضاء الأسرة مصلّى خاصّ به.
    ومن الضوابط الأخرى التي ينبغي مراعاتها في البيت هو تحديد ساعات معينة لفتح التلفاز وغلقه. يعني لا ينبغي أن يكون التلفاز مفتوحا على الدوام وبلا أي نظم وضابطة، وكلّ يتفرّج من البرامج ما يشاء. فقد قال علماء النفس: «من يکثر من مشاهدة التلفاز ـ حتى وإن كان يشاهد برامج جيدة ـ يصاب بعد فترة بالبلادة والبلاهة».


    الأسرة محلّ جميل لجهاد النفس/ الزواج هو تعبير عن الاستعداد لجهاد النفس في إطار الأسرة

    الأسرة محل جميل لجهاد النفس، فعندما يدخله الإنسان، فإنه قد دخل في الواقع في خضمّ مجموعة من العلاقات التي تفرض عليه جهاد النفس. فمن أقدم على الزواج يتعيّن عليه أن يوطّن نفسه على مرحلة جديدة في جهاد النفس، وبالتأكيد ينبغي أن يكون هذا الجهاد حلوا وممتعة لديه، إذ يبعده عن اللهو واتباع الشهوات ويتحفه بلذّات أفضل وأمتع. إن معنى عزم الشابّ على الزواج هو التعبير عن استعداده لجهاد النفس في أجواء الأسرة، لا التعبير عن عزمه على تلبية شهواته في الأسرة! ولذلك فغالبا ما كان السيد الإمام الخميني(ره) يوصي الأزواج الذين يعقد لهم أن: «تکيفوا وتماشوا مع بعض» فهذا ما يدل على أن الأسرة هي محلّ لبناء الذات لا محلا للاسترخاء وطلب الراحة.
    فمن تطبّع على أصل جهاد النفس منذ السابعة من عمره، وعرف أنّ والديه قد شدّدا عليه بعض الشيء برفق ورأفة في السنين السبع الثانية من عمره لكي يتأدب على بعض الآداب، فمثل هذا الإنسان سيبحث بعد زواجه عن موطن جديد لجهاد النفس، والأسرة هي الموطن الجديد والجميل لجهاد النفس.

    إن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا

    في الواقع لقد صمّم الله سبحانه هذه الدنيا بحيث لا يلتذّ الناس في دنياهم إلا عن طريق جهاد النفس. ولذلك فإن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا. بحسب الإحصاء الذي انتشر قبل حوالي عشر سنين في أوروبّا، لم يزدد مدى رضا الناس عن حياتهم حتى واحد بالمئة وذلك بالرغم من تطوّر التقنية وصعود مستوى الرفاه العامّ بالنسبة إلى قبل سبعين سنة. في حين أن منذ قبل سبعين سنة ولحد الآن قد أنتجت وسائل وإمكانات كثيرة لتسهيل حياة الناس.
    لا تغرّنكم وسائل الإعلام بأفلامهم ومقابلاتهم، بحيث يصوّرون الشعوب الغربية في غاية السرور والسعادة. طبعا لا ينكر أحدٌ التذاذَ أتباع الشهوات والملذّات، إذ كل من يذهب وراء الخلاعة والفجور، يتمتّع شيئا ما، ولكنه لو كان قد عفّ عن فسقه، لأذاقه الله نفس هذه اللذة عبر الطريق الحلال. ولذلك فلم يحصل الإنسان على شيء عن طريق الفسق والمجون سوى أنّه جعل لذّته الحلال حراما. وشتّان بين بركة الحلال ونحوسة الحرام! كالسارق الذي يأكل ويصرف بعض الأموال، فلو لم يكن يسرقها لرُزِقَها عن طريق حلال.

    «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي ملح الحياة، فإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحیاة مالحة لا تطاق!

    الأسرة مكان لا ينبغي أن يكثر الإنسان فيه من استخدام كلمات «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي». يعني لا ينبغي أن يفكّر الإنسان دوما بتلبية رغباته وشهواته. طبعا ليس قصدنا أن لا يستخدم هذه الكلمات أبدا، ولكن ليقلّل من استخدامها. روي عن الإمام الصادق(ع) أن: «دَخَلَ قَوْمٌ عَلَى الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ ع فَقَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ نَرَى فِي مَنْزِلِكَ أَشْیَاءَ نَکْرَهُهَا وَ إِذَا فِي مَنْزِلِهِ بُسُطٌ وَ نَمَارِقُ فَقَالَ ع إِنَّا نَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَنُعْطِیهِنَّ مُهُورَهُنَّ فَیَشْتَرِینَ مَا شِئْنَ لَیْسَ لَنَا مِنْهُ شَیْ‏ءٌ» [الكافي/ج6/ص476] وهذا يعني أن الإمام الحسين(ع) قد لبّى رغبة زوجته، فلابدّ من تلبية بعض هذه الرغبات في البيت، ولكن ترى بعض الناس مع الأسف لا يفكّرون إلا بتلبية رغباتهم في البيت، وهذا غير صحيح. «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي مثل ملح الطعام الذي يجب أن نستخدم مقدارا قليلا منه في الطعام، وكذلك هذه الكلمات، فهي ملح الطعام وإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحياة مالحة لا تطاق!

    يجب أن يرى الطفل «جهاد النفس» في سلوك والديه/ العقاب والثواب الذان يسيئان إلى تربية الطفل

    إن أساس إصلاح النفس هو جهاد النفس ومخالفة الهوى، فالوالدان الذان لا يعلّمان ولدهما ذلك بعملهما وسلوكهما، ولا يعيّشانه أجواء جهاد النفس في البيت، فلا يتوقّعا صلاحه وأن يتربّى تربية سالمة. الوالدان الذان يتفوّهان بكلّ كلمة حين الغضب، بطبيعة الحال سيفعل ولدهم كل ما يشاء! يجب أن يرى الطفل مرارا في سلوك والديه أن قد غضبا مرارا، ولكنهم لم ينطقوا بشيء وإنما تبسّموا فقط. فإن رأى الطفل مثل هذا السلوك، سيعرف أنه يجب عليه أن يتصرّف بما لا يشتهيه هوى نفسه ويسحق نفسه في مواطن كثيرة.
    المهمّ هو أن يرى الطفل جهاد النفس في فعل والديه وقولهما، وإلّا فمهما رأى أفعالهما الصالحة التي تخلو من عنصر جهاد النفس، فلا تنفع هذه الأفعال في تربيته. إذ أن الأفعال الصالحة التي رآها من أبيه، قد أنجزت بحوافز ومشجّعات أخرى، وكان الأب راغبا بإنجاز هذا العمل الصالح، وعليه فيتربّى الولد تابعا لشهوته ورغباته. فعلى سبيل المثال إن كنت قد صليت كلّما اشتهيت الصلاة ورغبت بها، وتركتها كلّما رغبت عنها، وأديت باقي أعمالك الصالحة على هذا الأساس وبحسب ما راق له هواك، كذلك يتربّى ولدك تابعا لأهوائه ورغباته ويقوم بما يعجبه ويشتهيه! وهذا ما تعلّمه منك بالضبط.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    التعديل الأخير تم بواسطة قبسات ; 30/March/2016 الساعة 10:47 am

  10. #10
    صديق فعال

    معالم الأسرة الصالحة 1.4

    معالم الأسرة الصالحة ـ 4

    إن بعض الناس قد خلطوا بين البيت وبين الأريكة! / أولئك الذين لم يهتمّوا بإنجاب الأولاد فلم يدركوا معنى الأسرة أساسا/ المرأة التي تتواضع لزوجها، فهي في الواقع تزيد إمكان تمتّعها في الحياة/ في البيت الذي تكون الأمّ فيها محبوبة والأب مطاعا، يصبح الولد متعادلا نفسيّا/ ناسبوا العوائل الذين يحظون بالتعادل الروحي

    الزمان: 03/12/2013
    المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي
    ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الرابعة:

    أحد أسباب التأخير في الزواج، هو الانطباعات غير الصحيحة التي تبلورت في أذهان الناس عن الزواج

    الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى الأسرة الصالحة هو إصلاح رؤيتنا وانطباعنا عن «الأسرة». يجب أن نرى أولا ما هي رؤيتنا وما هو انطباعنا عن الأسرة؟ هل انطباعنا عن الأسرة هو أننا نرى «الأسرة» مفهوما عظيما ورائعا؟ هل نعتبر الأسرة موطنا لبناء الذات ومجمّعا أشبه بالمعسكر أو نادي الرياضة مع مزيد من اللطافة والرأفة، أو أننا نعتبرها موطنا للاسترخاء والراحة المطلقة؟ هل نرى الأسرة كفندق ليس سوى محلّ للاستراحة والطعام، أو أنها موطن للقيام بمسؤوليّة ودور مهمَّين؟
    مع الأسف إن لبعض الناس انطباعا غير صحيح عن الأسرة. فعلى سبيل المثال تراهم يقولون: «لقد ورّط فلان نفسه وتزوّج!» أو يقولون: «أتعلمون أن المرأة الفهيمة مع أي رجل تتزوّج؟ المرأة الفهيمة لا تتزوّج أبدا!» إن مثل هذه الأحاديث تترك أثرا سلبيّا على نفسيّة الشباب، وتخرّب رؤيتهم عن الزواج شيئا فشيئا. أحد أسباب التأخير في الزواج، هو هذه الانطباعات غير الصحيحة التي تبلورت في أذهان الناس عن الزواج. وعلامة هذه الانطباعات هو هذه الكلمات والعبارات التي كوّنها الناس عن الزواج. أو ما يمارسه بعض الناس من المبالغة في تبيين صعوبة تكوين الأسرة، أو یتحدّثون بنظرة سلبية عن هذا الموضوع، ومع الأسف قلّ ما وجدنا من يشكر ويثني على جمال الأسرة ومحاسنها.
    إن انطباعنا عن تكوين الأسرة لأمر مهمّ جدّا. كما أن هذا الانطباع يترك تأثيره على كيفيّة سلوكنا في اختيار الزوج، أو في اختيار الأسرة التي نناسبها. إن سبب تصعّب بعض الأسر في مدى مكنة الصهر الاقتصادية، أو مستواه الاجتماعي، أو مستواه الدراسي فهذا ما هو ناجم عن رؤيتهم الخاطئة تجاه الأسرة. فلعلّهم يعتبرون الأسرة وسيلة للتفاخر والمباهاة. حتى أن بعض الفتياة يصرّحن بأن: «هذا الفتى لا يليق بي كثيرا! فإذا مشينا سويّة في الشارع، يقول الناس: إن هؤلاء غير متناسقين مع بعض!» فإن مثل هؤلاء يعيشون في ظرف «یقول الناس»، ورؤيتهم عن الأسرة متعلّقة بما يقول الناس عنها.

    كثير من الرجال لا يعرفون طبيعة المرأة/ يجب على الرجل أن يلزم الصمت ويصبر على كلام زوجته المرّ

    كثير من الرجال المتزوّجين لا يعرفون طبيعة المرأة، وليس لهم رؤية صحيحة عنها. فعلى سبيل المثال لا يعرفون أن طبيعة النساء ـ ما عدى اللاتي قد تعبن على أنفسهن وجاهدن أنفسهن ـ هي بحيث، إذا أطلقن لسانهنّ بالعتاب والشكوى، يعتبن بشكل مطلق ويكفرن بكلّ جميل، وإذا تألمّت إحداهنّ من زوجها، لعلّها تقول له: «لم أر منك خيرا قط!»؛ «لِأَنَّهَا إِذَا غَضِبَتْ عَلَى زَوْجِهَا سَاعَةً تَقُولُ مَا رَأَیْتُ مِنْكَ خَیْراً قَطُّ» [مستدرك الوسائل/14/244] «و لَا یَشْکُرْنَ الْکَثِیرَ إِذَا مُنِعْنَ الْقَلِیل» [من لایحضره الفقیه/2/554] عندما تقول المرأة هذا، يزعم الرجل أنها تكرهه أشدّ كره وحاقدة عليه، في حين أن الأمر ليس كذلك، وعلى الرجل أن يلزم الصمت ويصبر في مثل هذه المواقف. لقد ذكر رسول الله(ص) أن النساء عاجزات عن التعبير بشكل صحيح، يعني قد تزداد مرارة كلامهنّ عن الحدّ الطبيعي، فعليكم أن تستروا ذلك بالسكوت؛ «إِنَّمَا النِّسَاءُ عِیٌ ... و اسْتُرُوا الْعِیَّ بِالسُّکُوت» [الكافي/5/535 , من‌لایحضره‌الفقیه/3/390]
    تجمع الأسرة بين الرجل والمرأة مع ما يتّصفان به من فوارق كثيرة وبيّنة، مما تؤدي إلى حلاوة ومرارة في الحياة. فإن لم تكونوا تتنبأون هذه الظاهرة، سوف لا تملكون القابليّة للتمتّع بحلاوة الحياة ولا تقدرون على استيعاب مرارتها ومواجهتها بشكل مناسب. وأساسا إن اللّه قد قرن بين هذين الجنسين المتعارضين والمختلفين من عدّة جهات في نطاق الأسرة لكي تتجسّد مواطن التعارض والانسجام بينهما، وليرى المواقف وردود الأفعال التي تصدر من كلّ زوج تجاه الآخر على مدى أيام حياتهما المشتركة وعلى رغم كل الاختلافات الموجودة بينهما. وفي الواقع يجب على الزوجين وبالرغم من كل الاختلافات والفوارق الموجودة بينهما أن يكمّل كلّ منهما الآخر ويتكاملا معا.

    أي زوجة اخترتها، فيجب أن تعتبرها الزوجة التي اختارها الله لك

    دقّقوا وأمعنوا النظر في مسار اختيار الزوجة، ولكن اعلموا أنه لستم من يحسم الأمر، فبعد ما تمّ الاختيار وانعقد الزواج، يجب أن تعتبروا زوجتكم، هي الزوجة التي قد اختارها الله لكم. فتحمّلوا كلّ المرارات والمصاعب التي ستواجهونها في حياتكم وقولوا: لابدّ أن هذه المشاكل والمرارات لمصلحتي ولولا ذلك لما قدّرها الله لحياتي ـ طبعا ما عدى بعض الموارد النادرة التي هي خارجة عن موضوع بحثنا ـ. لذلك فاعملوا بتكليفكم في مقام التحقيق والتدقيق في اختيار الزوج، ولكن بعد ما عملتم بتكليفكم فاعتبروا كلّ ما يحدث، من مشيئة الله وإرادته. فقد روي عن النبي(ص): «لو دَعا لك إسرافیلُ و جِبریلُ و میکائیلُ و حَمَلةُ العَرشِ و أنا فیهِم ما تَزَوَّجتَ إلاّ المرأةَ التي کُتِبَت لكَ» [میزان الحکمة/ح16500]
    يقول بعض الناس الذين يتصعّبون جدّا في قضية اختيار الزوج: «أريد أن أجد كفوا لي!». طبعا إن أصل «الكفوية» بین الزوجين أصل صحيح، ولكن النقاش في تفسيركم لهذا الأصل. في الواقع إن أفضل زوج لكم هو الذي من خلال الحياة معه، يعينكم على معالجة عيوبكم والكمال والتقرّب من الله سبحانه وتعالى.

    يتبع إن شاء الله...

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال