الموتُ يَتخطفُ الوجوهَ
في الشوارعِ
في الأرصفةِ والطرقاتِ
في المقاهي الحزينةِ
على ضفافِ الفراتِ
في المدارسِ
حيث الأطفال الأبرياء
في المعابرِ والحدودِ
في قلبِ العاصمةِ بغداد
في الشمالِ ... في الجنوبِ
في كربلاء الإباء
في الرمادي
في كلِّ الأنحاءِ
في أور .. في سومر وأكد
في بابل وعشتار
في كوفان .....
يتجولُ الموتُ كما السيل
كما الطوفان
آهِ كم أتعبني هذا العراق
لم يكنْ بوسعي أن لا أكونَ عراقياً
لم يكنْ بوسعي
أن لا أشرب ماءَ الفراتِ
أو أتنفس نسماتِ دجلة
لم يكنْ الأمرُ بيدي
حتى لا أولد في هذا العراق
لذا أنا في انتظار الموت
من أجل هذا العراق
نسجتْ أمي أكفاني منذ ولادتي
وحينما كَبرتُ قالتْ لي ....
كم كانت عسيرةً ولادتُكَ
لذا ستكون أيامُكَ
هماً ... وجعاً ... ألماً .. غماً
وستبكي ياولدي كثيراً
من أجل هذا العراق
ومرَّ العمرُ بألمٍ
حيناً من الدهرِ
لم يكنْ لديّ لباسٌ أرتديه
كي أذهبَ إلى مدرستي
لأعلمَ الأطفالَ فاتحةَ الكتابِ
ثم مرَّ حينٌ
لا ماءٌ ولا شجرٌ كما قالَ الحُطيئةُ
وحينٌ آخرٌ
في قعرِ السجونِ الظلماءِ
بتهمةِ الصلاةِ !!
آهِ كم أوجعتني أيّها العراق
كم مرَّ ليلٌ
ومقلتاي تفيضُ بالدموعِ
كيف لا ....
وألف شحاذٍ يعترضُني !
وألفُ يتيمٍ بِيعَ أبوهُ
لأنّه يعشقُ العراقَ
ألفُ يفطةٍ أقرأها يومياً
على ذاك الجسر العتيق
الذي توشحَ بالسوادِ
عناوينها ... الشهيدُ البطلُ ....
حقاً صدقت أمي حينما قالت لي
ستحيا على الشهيد البطل
وسيفنى عمرُكَ ويعلو شيبُكَ
واليفطاتُ معلقةٌ على الجسرِ
مرّ أربعونَ واقتربت الخمسونَ
وما زلتُ أتذكرُ أبي
حينما اشترى لي دراجةً هوائيةً
كي أذهبَ بها إلى مدرستي
التي كان اسمها( متوسطة البعث )
وَرغمَ أنني تعلمتُ منها الكثيرَ
لكنّهم حفظوني شعاراتٍ مزيفةٍ
وحدة .... حرية ... اشتراكية
وأنَّ الرسالةَ الخالدةَ
هي رسالة الأمةِ العربية
وأنَّ القضيةَ الفلسطنيةَ
هي منْ تجمع القومية !!
لكنني رَغمَ صِغَري
كنتُ مُتيقناً أنّها أكاذيبٌ
وأنّها شعاراتٌ باليةٌ
وأنّ نفطَ العربِ ليس للعربِ !
وأنَّ نفطَنا لنا
ماهي إلاّ عبارةٌ
أقنعونا بها عقوداً من الزمنِ
فالأكاذيبُ باتت مكشوفةً
كضوءِ الشمسِ الساطعِ
لأنّ زمنَ الحريةِ الذي نعيشه
إمتدت به الأفكارُ إلى بعيدٍ
حتى أمسى الطفلُ يُحلل مايشاء
وراحَ المفسرُ يفسرُ كما يشاءُ
وراحَ اللصُ يسرقُ
بطريقةٍ عجيبةٍ بأسم الحرية !
لا أخفي عليكم بتُ خائفاً
أن يظهرَ لنا محمدٌ من جديد ويدعي الرسالةَ
والأدهى أن يصدقَهُ الساذجون
وبذات الوقتِ
أخافُ أن يظهرَ بطلٌ قوميٌّ آخرٌ
يدعي البطولةَ والعدالةَ
لا أدري هل أنصفَ الزمنُ معنا
أم نحنُ المتهرؤن !!
فما عدتُ أرى غيرَ باعةِ الضميرِ
على العروشِ متربعون
وما عدتُ أرى غيرَ الموتِ يتخطفُ الوجوهَ
فلنمضي إذن للشهادةِ
مادامت يفطاتُ عامرِ الشيباني
بالكاد تكون أزليةَ
ومادام الزمنُ يأبى
في كلِّ العقودِ أن يمحوَ
من ذاكرتنا كلمتين
هما ( الشهيد البطل )
========================