العلم نور وضياء والجهل ظلام يحرق الشعوب، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سلك طريقاً من طرق الجنة، والملائكة تحف طلبة العلم، كل هذه المقولات وأكثر تحثّنا على طلب العلم الذي يعتبر هو أساس قيام الحضارات والتقدم الذي يرفع من شأن الفرد وأيضاً الأمة على حد سواء لأعلى المراتب.
وهناك من أفنوا حياتهم من أجل العلم سعياً لتقدم الإنسانية ولإفادة البشرية ولإعمار الأرض، وسنعرض خمساً من العلماء الذين توفوا بسبب العلم وبسبب اختراعاتهم بعد أن أفادوا البشرية بعبقرياتهم وأمدوها بعلومهم:
1- ماري كوري (1867م– 1934م)
بيير وماري كوري في معملهما
هي رائدة علم الإشعاع وهي أول سيدة تحصل علي جائزة نوبل مرتين الأولي في الفيزياء والثانية في الكيمياء، وهي أول امرأة تكتسب رتبة الأستاذية في جامعة باريس. اكتشفت مع زوجها بيبر كوري عنصري الراديوم والبولونيوم المُشِعين وابتكرت طريقة لعزله، كُرِّما الزوجين بإطلاق اسم “كوري” علي قياس النشاط الإشعاعي.
قتلها شغفها بالعلم والعمل، فقد توفيت بسبب إصابتها بمرض “فقر الدم اللاتنسجي” بعد تعرضها للإشعاع لإعوام.
2- الجاحظ الكناني (159 هـ-255 هـ)
الجاحظ
الجاحظ من كبار الأُدباء في العصر العباسي، وُلد بالبصرة ومات فيها، سُمي بالجاحظ لجحوظ عينيه وبروزها من موضعها. منذ نعومة أظافره وهو محبٌ للقراءة وعاشقٌ للمطالعة والعلوم فلم يكن يكتفي بكتاب أو اثنين في اليوم الواحد، بل كان يقضي الليل في دكاكين الورَّاقين للقراءة.
قال عنه ياقوت الحموري الذي كان من معاصريه:
“لم أر قطُّ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُّ إلا استوفى قراءته كائناً ما كان ولا عَجَبَ إذ ذاك في أن يُفْرِد الصَّفحات الطِّوال مرَّات عدَّة في كتبه، للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها. والحقُّ أنَّه كان أشبه بآلة مصوِّرةٍ، فليس هناك شيءٌ يقرؤهُ إلاَّ ويرتسم في ذهنه، ويظلُّ في ذاكرته آماداً متطاوله.”
ترك كتباً كثيرة يصعب حصرها ومن أشهرها كتاب الحيوان والبيان والتبين. وعندما أصبح عمره ما يقرب من التسعين عام، كان قد أصابه شلل أقعده وشيخوخته أضعفت قواه وصار هزيلاً، وبينما هو جالس في مكتبته يطالع بعض الكتب المحببة إليه، وقع عليه صف من الكتب أردَتْهُ ميتاً. لقد مات الجاحظ مدفوناً بالكتب، مخلفاً وراءه كتباً ومقالات وأفكاراً ما زالت خالدةً حتى الآن.
3- هيباتيا (350-370م تقريباً – 415م)
هيباتيا
فيلسوفة تخصصت في الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وهي أول امرأة تخصصت كعالمة رياضيات، ودرّست أيضاً الفلسلفة والفلك. وكانت بارعة في تحصيل كل العلوم المعاصرة، ما جعلها تتفوق على كل الفلاسفة المعاصرين لها، حيث كانت تقدم تفسيراتها وشروحاتها الفلسفية لمريديها الذين قدموا من كل المناطق، بالإضافة إلى تواضعها الشديد لم تكن تهوَى الظهور أمام العامة.
رغم ذلك كانت تقف أمام قضاة المدينة وحكامها دون أن تفقد مسلكها المتواضع المهيب الذي كان يميزها عن سواها، والذي أكسبها احترامهم وتقدير الجميع لها، كان التفاف جمهور المثقفين حولها يسبب حرجاً بالغاً للكنيسة المسيحية وراعيها الأسقف كيرلس الأول الذي كان يدرك خطورة هيباتيا على جماعة المسيحيين في المدينة، خاصة وأن أعداد جمهورها كان يزداد بصورة لافتة للأنظار، وازداد الأمر سوءاً عندما دخل الأسقف في صراع مع اليهود الموجودين بالمدينة، ونجح في إخراجهم منها بمساعدة أعداد كبيرة من الرهبان.
عرفت هيباتيا بدفاعها عن الفلسفة والتساؤل، ومعارضتها للإيمان المجرد، وقد هُدِّدَت بالقتل عدة مرات إذا لم تتوقف عن تدريس الفلسفة ،ولكنها لم تلقِ بالاً لهذه التهديدات وأصرت علي نشر الفلسفة الأفلاطونية. حتى قُتلت علي يد حشد من المسيحيين الهمجيين بعد اتهامها بممارسة السحر والإلحاد والتسبب في إضطرابات دينية.
هناك رواية رائعة كتبها داود روفائيل خشبة عنها أسماها “هيباتيا والحب الذي كان” ،وهناك أيضاً فيلم عنها يسمي “Agora”.
4- ألكسندر بوجاندوف (1873م-1928م)
ألكسندر بوجاندوف
عالِم روسي لديه اهتمامات عديدة ،فهو فيزيائي وطبيب وفيلسوف وكاتب خيال علمي واقتصادي وثوري ، في عام 1926م أصبح مديراً لمعهد فصل الدم.
حينما كان يعمل علي فكرة تجديد الشباب باستخدام نقل الدم، وقد قام بهذا الأمر للعديد من المشاهير منها أخت الزعيم السوفيتي “لينين” ، بوجدانوف قام بحقن نفسه بدماء أحد مرضاه وكان مصابًا بالملاريا والسل، فمات بالعدوى بعد فترة قصيرة.
5- ويليام بولوك (1813م-1867م)
بورتريه للمخترع ويليام بولوك
ويليام بولوك مخترع أمريكي، وُلد في جرينفيل، نيويورك. فقد والداه فى سن مبكرة، واصطحبه أخاه للعمل معه فى مجال الميكانيكا، وكان “بولوك” مهووساً بقراءة الكتب العلمية مما ساعده فى معرفة الكثير فى هذا المجال.
اخترع الطابعة الدوّارة عام 1863م التي أحدثت ثورة في عالم الطباعة. ونتيجة لسرعتها الكبيرة والفائقة، مات بولوك وهو يصلح واحدة من تلك الطابعات عندما سُحقت رجله تحت واحدة من الآلات بينما كان يحاول رَكْل بَكَرة في مكانها، أصيبت قدمه بالغرغرينا (موت الخلايا وانسداد الشرايين) حتي توفي خلال عملية بَتْر رجله سنة 1867م، ودفن فى مقبرة الاتحاد فى الجانب الشمالى من أستراليا.