المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي
الورقة التعريفية بأعمال النسخة الثانية من الورشة .. ماذا جرى ؟
بعد أن أكملنا شوطنا في النسخة الأولى من الورشة و الذي تحقق لنا من خلاله ما سبق و أوضحته في افتتاحية النسخة الثانية ، كنتُ قد جلست إلى نفسي و نظرت إلى المستويات التفصيلية لرواد الورشة الأعزاء ، جلستُ لأقرأ و أطالع و وضعت أمامي ورقة لأثبت عليها تقييمات تقريبية مفصلة تجاوزت أبوابها لكل صديق الــ 23 تبويباً لأخرج بتقييم نهائي و كأني أعمل ضمن لجنة تحكيم في مسابقة .... و لعل المتصلين منكم بالنقد يعلم جيداً أن العرب أمة شعر .. ثقافتها شعرية ، و أذنها الذوقية ميالة لموسقة الشعر ، هذا ينجر على تفاصيل ثقافية عميقة يعبر عنها النقد الثقافي بالأنساق ، و ما دمنا جزءاً من هذه الأمة فنحن مصابون بالشعر شئنا ذلك أم أبينا ، على العكس من الثقافة الغربية التي أنتجت أمة متأثرة بالقص و الرواية و فنون السرد .. لذلك ربما تجد رواجاً لفنون السرد في العالم الغربي أكثر من الشعر ، و لهذا السبب ـ بالدرجة الأساس ـ فكرت في أنه لا بد لنا من التطرق للسرد في نسخة الورشة الثانية ، على أن جملة من الأسباب غير هذا السبب دفعتني لاختيار السرد منها :
- لأن الكثير من رواد الورشة ـ حسب تقييمي ـ لديه القدرة و الموهبة في السرد ، و البعض منهم لا يعلم أنه سيبدع في السرد أكثر من فنون الكتابة الأخرى ، و كل ما يحتاجه هو التعرف على السرد و قواعده و أصوله ليدشن علاقة أمتن مع الكتابة في فنون القص .
- لأنه لا يكاد يخلو نص من موضوعات السرد كعناصر البناء السردي ، و هو ـ أي النص ـ و إن كان غير مجنس بصنف من صنوف القص غير أن التعرف على السرد و قواعده مهم جداً للكاتب الذي يكتب و إن كان النص الذي يكتبه قصيدة .
- إنني بتطرقي للسرد أمنح فرصة للكتاب الأعزاء بمراجعة نصوصهم و النظر في أدائهم السردي و معرفة الفارق المتحقق بعد معرفتهم بقواعد السرد و أصوله .
لهذه الأسباب و غيرها كان اختيار السرد نتاج بوصلة تأملي للمرحلة التي نجحنا في اجتيازها في نسختنا السابقة ، و لأنه و بأهمية مساوية لا يمكننا إغفال جزء هام و حيوي مثل السرد و نحن نزعم أن ورشة نقدية تنشد إضاءة الطريق للكتابة و الكتّاب .
فكان أن نفذت ما في ذهني ، و لأن السردية الوظيفية ( سردية بروب ) تبدو أبعد لمهمة الورشة و وظيفتها إلا من جانب وظيفة البطل و ما إلى ذلك ، فقد كانت السردية الدلالية لــ ( غريماس ) هي ضالتنا التي ننشدها ، و بدأت الطريق بــ ( عناصر البناء السردي ) المتكونة من :
- المكان
- الزمان
- الحدث
- الشخصيات
و لأن الكاتب غير المطلع على النقد يكون مدفوعاً و محرضاً بإبداعه و موهبته فقط ـ و هي كافية لإنتاج نص مذهل لا ريب ـ فإن توظيفاته الإبداعية داخل النص لو قورنت بتوظيفات كاتب مبدع موهوب كذلك مضافاً لكونه مثقفاً في النقد لوجدنا فارقاً كبيراً .. يتضح في أن يوظف الكاتب (س) مكاناً و يصفه و يمنحه أبعاده ، في حين يوظف الكاتب ( ص ) مكاناً و يحمله حمولات دلالية كبيرة تنهض به بصورة رائعة داخل النص ، و قد كان الواجب في درس المكان من جانبين :
- جانب تشخيصي : يتمثل في قراءة نص و الكشف عن عنصر المكان و تنوعاته داخل النص المقروء لأنمي المعرفة النظرية بالتطبيق ، و هذا ما سيحسن القراءة و الكتابة معاً
- جانب توظيفي : يتمثل في توظيف ما تعلمناه من معرفة في الكتابة .. و كنت على يقين أن المحاولة الأولى بعد المعرفة لا تمثل المستوى الحقيقي للكاتب بل هي مجرد محاولة ... ما أدهشني فعلاً أنني قرأت نصوصاً وظف فيها المكان بشكل احترافي و من كاتبات و كتاب ضارعوا تجارب الكبار ... فألف ألف تحية لهم .
و مع عنصر الزمان بدا الأمر أكثر تعقيداً ، فأول إشكالية تواجه الكاتب هي التفريق بين الزمن الموضوعي و الزمن الافتراضي و الزمن السردي ...الخ .... ذلك التفريق الذي من شأنه وضع الكاتب على قاعدة رصينة تجعله متمكناً من الخوض في تجارب احترافية و مخاتلة القارئ و سرقته من زمنه الواقعي المعاش و توظيف ذلك في صالح النص .. و كان أن تطرقنا إلى الوحدة أو العلاقة المتداخلة بين المكان و الزمان و التي عبرنا عنها بالزمكانية و مفهومها و الذي أجزم أنه سيجد حيزاً كبيراً في تواقيعكم النصية كبصمات تميزكم عن الآخرين ، لذلك كله كان واجب الزمان مؤلف من أربعة نقاط .
كثيراً ما نقرأ الروايات و القصص هل كنا نميز بين أنواع و مستويات الحدث ؟ في الغالب كلا ... الآن و بعد ما فهمنا عن الحدث سنوظف هذا العنصر الهام بشكل أعمق و أبلغ في نصوصنا ، كثيراً ما قرأت لكتّاب و وجدت ضعفاً دلالياً في توظيف عنصر الحدث ، هذا العنصر الذي مكّن روايات عالمية من الانتشار و من حصد الإشادة بها من قبل نقاد عالميين ، لهذا كله فصلنا القول في الحدث و أهميته ، كذلك الحال مع عنصر الشخصيات الذي يبقى توظيفه مفتقراً للعمق الدلالي و سطحي إلى حد بعيد و نحن خارج فهم هذا العنصر نقدياً و الاطلاع على ما يمكننا تقديمه ككتّاب بهذا الصدد .
هنا انتهت عناصر البناء السردي و التي تعد الحجر الأساس في النص السردي ، و التي تعد بداية المشوار مع النص السردي ، لكنها ليست كل شيء ، بقي لدينا عنصر هام من عناصر السرد و من أساسياته ألا وهو الراوي .. الراوي الذي لا يفرق الكثير من الكتّاب بينه و بين الروائي .. كما لا يميز الكثير بينه و بين الشخصية التي ربما تكون الراوي أو لا .. لا يميز الكثير بين معطيات الشخصية كشخصية و بين كونها راوياً في القصة ... و حدث أن اطلعت على نصوص سردية في الدرر كان المؤشر السلبي الوحيد عليها هو ضعف الراوي و سوء تموضعه .. أليس من المؤلم أن يتعب الكاتب و يبدع في توظيفات عناصر السرد لكنه لا يوظف راوياً ينقل القصة بالشكل الذي يتناسب و روعتها ؟ !!
إن الأمر لأشبه بمعنى عظيم بليغ مؤثر في صدر لا يستطيع البوح .. معنى كبير لكن صاحبه لا يستطيع التعبير عنه فتأتي كلماته دون المعنى المطلوب فتذهب بروعته !!! إن العمل الأدبي و إن كان غير مخطط له بالأصل إلا أن بعض التفاصيل المهمة لابد من التفات الكاتب لها ابتداءً و سيرورة فلا بد و الحال هذه أن يكون الكاتب ملتفتاً لصياغة و خلق الراوي الذي يشكل علاقات مترابطة مع الحدث الذي يرويه و الشخصيات التي يتولى التعريف بها كما الأماكن و علاقتها بالأزمنة ... كل ذلك دفعني باتجاه الوقوف عند الراوي الذي تزودنا بمعرفة أولية عنه تؤهلنا لخلقه في النص بصورة أكمل .. هذه المعرفة التي سيكون لها أثر كبير في نتاجنا الأدبي ، و لأن الراوي في :
- التمييز و التفريق بينه و بين الروائي ( الكاتب )
- طبيعة وجوده و حضوره في النص
- وظيفته في القص
يتماهى مع الروائي ( الكاتب ) في الجانب الإجرائي أي في لحظات الكتابة ، فقد استثنيت الدرس من واجب .. كي لا تتطرفوا في التفريق و التمييز و تفصلوا بين كينونات الروائي و الراوي و تموضعاته في النص .. لأن ذلك من شأنه أن يولد نصاً ميتاً أو ميكانيكياً .
بعد ذلك لم يبق لدينا إلا المنظور السردي ، ذلك المفهوم الذي لن يكون للراوي شأن دون أن يدرك معناه و تفاصيله ... إنه : أن يعرف الراوي أين يقف و ماذا يرى و ماذا يُري المتلقي .. بالضبط ماذا يريه و ماذا يحجب عنه نعم بهذه الدقة . .. و لأنه كذلك فقد عدت لتقرير واجب بصدده كممارسة تطبيقية للراوي داخلكم و في نصوصكم .
هذا ما جرى في النسخة الثانية ... و هذه الورقة التعريفية بماذا جرى في النسخة السابقة إيذان انطلاق دروسنا القادمة في هذه النسخة التي أتوقع أن تكون أكثر دهشة .. الشوط الثالث هذا شوط التحليق في السماء .. حتى الآن نحن على الأرض .. فشدوا أحزمتكم أحبائي .. كل الود لكم ... هنا أيضاً لا بد أن أتوجه لكم بالشكر الذي لن يفيكم حقكم و الله ... لكنها بضاعة من يشعر بالعجز أمام روعتكم ... دمتم في قمة الألق