درر العراق

احمد العثمانيے · 16/December/2015

كثيرٌ ممن يسمع عن الفنغ شوي يعتقد أنه حديث العهد لارتباط ذِكره بالديكور والتصميم الداخلي للمنزل وكثرة المحدثين عنه والخبراء به هنا وهناك في السنوات الأخيرة، ولكن قبل أن نذهب بعيداً؛ الفنغ شوي ليس موضوعاً خفيفاً للمطالعة فقط، فكل من اطلع عليه عن كثب تغيرت نظرته لعناصر الطبيعة والبيئة من حوله لأنه علم صيني قديم جداً له أسس وقواعد معرفية ثابتة امتدت عبر العصور إلى يومنا هذا، ولم تعد تقتصر على كونها فلسفة صينية فحسب. وقبل ذلك وجب التحذير بأن الكثير مما يتم تداوله بين طيات مجلات الديكور وتدوينات بعض المواقع عن قواعد يجب مراعاتها عند تصميم ديكور منزلك من أجل خلق طاقة إيجابية وغير ذلك؛ ما هي إلا تناقل سريع لمعلومات يشوبها في غالب الأحيان العديد من المغالطات والمزايدات وتفتقر للبحث الدقيق والاعتماد على مراجع صحيحة لهذا العلم.

نبذة تاريخية
يَعتقد الباحثون في تاريخ الفنغ شوي أن ممارسته والاعتقاد بأسسه يعود لحقب زمنية لم تُعرف فيها الكتابة،حيث كشفت بحوث علمية عن قطع ومنحوتات أثرية تحمل رموزه في مواقع حفرية يعود تاريخها إلى 4000 سنة قبل الميلاد. وتنحدر آخر السجلات التي تؤرخ له إلى عهد سلالة هان الحاكمة مئتي سنة (ق.م)، وتطورت نظرياته على مر القرون، فتعاقبت عدة مدارس على تنقيح تعاليمه، ساهمت كل واحدة في إغنائه، وأولت السلالات الحاكمة أهمية كبرى لمعلمي الفنغ شوي والباحثين فيه، وساهم بشكل كبير في الهندسة المعمارية وشَكْل المدن الصينية والقصور والقرى والمقابر. و أضحى من كلاسيكيات الأدب الصيني حيث اعْتُبِر أكثر من فن وعلم معاً بل أسلوب حياة.
بعد سقوط الإمبراطورية الصينية، لم يعد الفنغ شوي مُرحباً به من طرف الحكومة الشيعية، وتم التخلص من العديد من المؤلفات الخاصة به إبان الثورة الثقافية، وضُيّق الخناق على معلمي الفنغ الشوي ليكون ذلك السبب الرئيسي في انتشاره حول العالم، حيث التجأ هؤلاء إلى تكوين تجمعات خارج بلادهم طلباً للأمان، وكانت لندن وفانكوفر إلى جانب مدن آسيوية أخرى من أوائل الأماكن التي سينتشر منها إلى باقي أنحاء العالم ويعرف إقبالاً من مختلف الحضارات وشعبية لا حدود لها.

ريح وماء.. كل ما يحيط بنا،العالم المرئي واللامرئي يخفي منابع للطاقة!

يربط فنغ شوي أو الفنغ شواي بين مبادئ الفلسفة الصينية القديمة وعلوم أخرى مثل الفيزياء و الفلك، و المعنى الحرفي وراء هذا المسمى يتجلى في كلمتي “ريح” و”ماء”. رغم أن هناك مدارس مختلفة للفنغ شوي وتأثيرات متداخلة مع بعضها البعض مثل الفلسفة الكونفوشيسية نسبة للفيلسوف كونفشيوس Confucius – و الطاوية نسبة للاوتسو Lao Tseu -رمز التنور الروحي في الصين القديمة، إلا أن جميعها تستند إلى مفاهيم أساسية ثابتة أبرزها مفهوم العناصر الخمسة؛ الماء، الخشب، النار، المعدن، الأرض والثنائية الشهيرة؛ “اليان” أي طاقة المذكر و”الين” طاقة المؤنث، وإيجاد طرق لخلق توازن وتناغم بين هذه العوامل في تفاعلها اليومي مع الإنسان بمحيطه والفضاء الذي يعيش فيه هو جوهر الفنغ شوي نظراً للأهمية التي كانت تحتلها الطبيعة في علاقتها مع الإنسان في الفلسفة الشرقية القديمة.
فأي خلل في الانسجام بين هذه العناصر يسبب انعدام توازن في تدفق الطاقة ويتمظهر ذلك في العالم المادي للإنسان مثل حدوث أمراض، عدم الإحساس بالراحة، فشل..! كما يعتمد الفنغ شوي في تطبيقاته العملية على الكثير من الرمزية، الجمع بين الأشياء التي ترمز للعناصر الخمسة في فضاء واحد خطوة أولية نحو تناغم أكثر، فلوحة مائية لشاطئ مثلاً ترمز لعنصر الماء، قطعة آتات خشبية رمز لعنصر الخشب، نبات طبيعي معين يرمز لعنصر الأرض، فكلما توفرت العناصر بشكل متوازن توفرت تلك الوحدة التكاملية بين الين واليان.

في عالم الفنغ شوي، الاتجاهات الجغرافية والأشكال الهندسية والألوان أيضاً تلعب دوراً مهماً في التأثير على صحة ومحيط الإنسان من خلال ذبذباتها الطاقية، وتحمل في حد ذاتها تعبيرات للعناصر الخمسة والين واليان، الشكل الدائري أو اللولبي للسلالم يرمز لعنصر المعدن، اللون الأصفر أو البرتقالي مثلاً يتميز بطابع الحيوية و النشاط و يستحسن عدم إدراجه في غرف النوم على سبيل المثال حيث يكون للون الأزرق فعالية أفضل لقدرته على المساعدة على نوم هانئ وهادئ.
مستشار الفنغ شوي؛ تجارة مربحة وأموال طائلة!
ولكن ما أصبحت عليه هذه المعرفة حالياً جعلت منها نظام جد معقد في فهمه وتطبيقه لأن العديد في العالم الغربي وكذلك في بعض بلادنا العربية مؤخراً اتخذوا منه طريقاً للربح المادي، شواهد خبرة، تخصصات ودبلومات، عيادات واستشارات خاصة في الفنغ شوي، هذا هو الجانب التجاري الذي جعل من معرفة صينية كانت يوما سراً قيماً من أسرار الإمبراطورات إلى سلعة جد مستهلكة في عالم الخدمات والتسويق التجاري.
فإذا قررت يوماً أن تستشير خبير فنغ شوي لمساعدتك في تغيير أثاث منزلك أو تصميم ديكور مكتبك فعليك أن تتوقع مجموعة من التعقيدات والعمليات الحسابية وأحياناً بعض الهرطقات التي ستجعلك تتساءل لم أقحمت نفسك في كل ذلك؟! قد يُطلب منك تغيير مفروشاتك بالكامل، اقتناء أشكال وتماثيل لحيوانات مثلاً لأنها تجلب الحظ في الثقافة الصينية، وقد يصل الأمر لتغيير منزلك أيضاً لأنه لا يقع في إحداثيات جغرافية متناغمة مع تاريخ ميلادك على سبيل المثال! وستكون أتعاب مستشارك باهظة جداً أكثر مما تتخيل، فمعدل الدخل السنوي لمستشاري الفنغ شوي في السنوات الأخيرة بكندا وصل إلى 30,000 دولار. والأمر لم يعد بالتأكيد مقتصراً على الصينيين أو فئات المجتمع الراقية.

فنغ شوي حياتك بأبسط الطرق وبدون تكاليف باهظة
يتمحور الفنغ شوي كعلم متخصص في طاقة المكان حول فكرة أن الفضاءات التي نعيش ونشتغل بها هي مرايا تعكس دواخلنا، وطريقة الاعتناء بالبيئة من حولنا حتماً له وقع على حالتنا النفسية العامة. بدون الحاجة إلى استشارة متخصص وتسديد فاتورة طويلة عريضة، إليك أربع خطوات فنغ شوي لإضفاء لمسة توازن منعشة لمحيطك:
تخلص من الركام، أي كل قطعة أثاث، ملابس، جهاز غير مستعمل، أدوات.. وما إلى ذلك من الأشياء المتواجدة في بيتك أو لا تستعملها ولن تحتاجها يوماً، يمكنك منح البعض منها كهدية والتصدق بالبعض للمحتاجين، سيعطيك هذا التصرف شعوراً بالخفة والإنعاش إضافة إلى المزيد من المساحة الحرة، وأكثر من ذلك تدفقاً أكبر للطاقة.
ضوء الشمس؛ احرص على فتح النوافذ خلال النهار لضمان دخول أشعة الشمس، فالإضاءة في الفنغ شوي تمثل قوة الحياة ولا ننس طبعاً دورها في القضاء على البكتريا.
الألوان؛ نسبة كبيرة من الأشخاص يكاد يتكون لديهم رهاب تجاه الألوان؛ لا تقتصر على نوعية واحدة من الألوان، حاول إدراج الفاتحة منها بشكل أكبر في المكان ولا تنس ارتدائها أيضاً، الانفتاح على الألوان المختلفة يعبر عن انفتاحك على الحياة والفرص المتنوعة.
البساطة؛ لا يعني الفنغ شوي الرفاهية والمغالاة في الأمور بقدر ما يركز على خاصية أن يعكس مكانك شخصيتك الحقيقية وليس الانطباع الذي ترغب أن يأخذه الناس عنك، يعني أن الأمر برمته يخصك، الأذواق تختلف لذا أحِط نفسك بالأشياء التي ترى فيها أنت سمة الجمال والتي ستجعلك تبتسم كلما نظرت إليها، قد تكون لوحة مائية، وسادة بلون بنفسجي أو هدية من عزيز على قلبك.

يرى البعض أن معظم تعاليم الفنغ شوي أسطورية وغريبة ولا أساس لها من الصحة، ويرى فيه آخرون أكثر من تطبيقات منزلية على الديكور، بل فلسفة وفكر ومزيجاً من علم وفن يشمل جميع جوانب حياة الإنسان ويهدف لخلق التوازن والتناغم والحكمة في عالمنا.