سأَلوني: لِمَ لَمْ أَرْثِ أَبي؟ . . . . ورِثاءُ الأَبِ دَيْنٌ أَيُّ دَيْنْ
أَيُّها اللُّوّامُ، ما أَظلمَكم! . . . . أينَ لي العقلُ الذي يسعد أينْ؟
يا أبي، ما أنتَ في ذا أولٌ . . . . كلُّ نفس للمنايا فرضُ عَيْنْ
هلكَتْ قبلك ناسٌ وقرَى . . . . ونَعى الناعون خيرَ الثقلين
غاية ُ المرءِ وإن طالَ المدى . . . . آخذٌ يأخذه بالأصغرين
وطبيبٌ يتولى عاجزاً . . . . نافضاً من طبَّه خفيْ حنين
إنَّ للموتِ يداً إن ضَرَبَتْ . . . . أَوشكَتْ تصْدعُ شملَ الفَرْقَدَيْنْ
تنفذ الجوَّ على عقبانه . . . . وتلاقي الليثَ بين الجبلين
وتحطُّ الفرخَ من أَيْكَته . . . . وتنال الببَّغا في المئتين
أنا منْ مات، ومنْ مات أنا . . . . لقي الموتَ كلانا مرتين
نحن كنا مهجة ً في بدنٍ . . . . ثم صِرْنا مُهجة ً في بَدَنَيْن
ثم عدنا مهجة في بدنٍ . . . . ثم نُلقى جُثَّة ً في كَفَنَيْن
ثم نَحيا في عليٍّ بعدَنا . . . . وبه نُبْعَثُ أُولى البَعْثتين
انظر الكونَ وقلْ في وصفه . . . . قل: هما الرحمة ُ في مَرْحَمتين
فقدا الجنة َ في إيجادنا . . . . ونَعمْنا منهما في جَنّتين
وهما العذرُ إذا ما أُغضِبَا . . . . وهما الصّفحُ لنا مُسْتَرْضَيَيْن
ليتَ شعري أيُّ حيٍّ لم يدن . . . . بالذي دَانا به مُبتدِئَيْن؟
ما أَبِي إلاَّ أَخٌ فارَقْتُه . . . . وأَماتَ الرُّسْلَ إلاَّ الوالدين
طالما قمنا إلى مائدة ٍ . . . . كانت الكسرة ُ فيها كسرتين
وشربنا من إناءٍ واحدٍ . . . . وغسلنا بعدَ ذا فيه اليدين
وتمشَّيْنا يَدي في يدِه . . . . من رآنا قال عنّا: أخوين
نظرَ الدهرُ إلينا نظرة . . . . سَوَّت الشرَّ فكانت نظرتين
يا أبي والموتُ كأسٌ مرة . . . . لا تذوقُ النفسُ منها مرتين
كيف كانت ساعة ٌ قضيتها . . . . كلُّ شيءٍ قبلَها أَو بعدُ هَيْن؟
أَشرِبْتَ الموت فيها جُرعة . . . . أَم شرِبْتَ الموتَ فيها جُرعتين؟
لا تَخَفْ بعدَكَ حُزناً أَو بُكاً . . . . جمدتْ منِّي ومنكَ اليومَ عين
أنت قد علمتني تركَ الأسى . . . . كلُّ زَيْنٍ مُنتهاه الموتُ شَيْن
ليت شعري: هل لنا أن نتلقي مَرّة . . . . ، أَم ذا افتراقُ المَلَوَين؟
وإذا متُّ وأُودعتُ الثرى . . . . أَنلقَى حُفرة ً أَم حُفْرتين؟