علي عواد الكردي
يعد موضوع انتهاك مراسلات البريد الالكتروني من الموضوعات المهمة والجديرة بالبحث كونه يتصل بالحريات المتعلقة بشخص الانسان والتي تعد من حرياته الضرورية فضلاً عن ان هذه الجريمة تنفذ بوساطة وسائل تقنية المعلومات(الحاسوب أو غيره)، وتنفيذ الجريمة بهذا الشكل يعد من الظواهر الاجرامية المستحدثة التي تتطلب أشخاص يتمتعون بمؤهلات معينة ويمتلكون وسائل تقنية المعلومات اللازمة لتنفيذ هذه الجرائم.

واذا كانت البلدان العربية ومنها العراق لم تتأثر بشكل كبير بعد بالنتائج المترتبة على هذه الجريمة الا انه يمكن تصور مدى الاضرار الكبيرة التي تسببها هذه الخروقات في المستقبل لاسيما بعد زيادة مستخدمو شبكة الانترنت في العراق والعالم فضلا عن كون بلدنا لايمتلك الوسائل التقنية والتشريعية الكفيلة بمجابهة هذه الجريمة ولاهمية هذه الجرائم وجسامتها التقينا استاذ القانون الجنائي في جامعة المثنى زين العابدين عواد كاظم وسالناه:
هل استطاع المشرع العراقي ان يواكب التطور ويشرع قوانين ملائمة له؟؟
مما لاشك فيه ان هذه الابتكارات والاختراعات الجديدة التي هي مصالح جديدة وجديرة بحماية القانون لأنها ذات أهمية كبيرة للمجتمع. وبما أن حاجات المجتمع ومصالحه متغيرة ومتجددة ومتطورة لذا كان لزاماً على المشرع القانوني ان يواكب ويساير أوضاع المجتمع الجديدة سواء أكان ذلك على الصعيد العلمي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي.... ألخ من خلال مراجعة القوانين القديمة وتشريع قوانين جديدة لكي يُسَد الفراغ التشريعي الذي قد يحصل بين أوضاع المجتمع ونظامه القانوني. ومن الجدير بالذكر ان المراسلة عبر البريد الالكتروني من حاجات المجتمع الجديدة ومن المصالح الجديرة بالحماية القانونية التي على المشرع العراقي معالجتها في التشريع الجزائي من أجل سد الطريق أمام كل من تسول له نفسه الاعتداء على هذه المصلحة.
ولكثرة الاعتداءات على مراسلات البريد الالكتروني في وقتنا الحالي ولخطورة هذه الاعتداءات على سرية الحياة الشخصية للانسان ، لاسيما وان هذه الاعتداءات أصبحت ظاهرة اجرامية لكن قانون العقوبات العراقي قد صدر عام 1969 أي قبل اختراع الشبكة المعلوماتية العالمية(الانترنت) لذا لم تكن هذه المصلحة موجودة ليشملها المشرع بحمايته كما ان التعديلات الكثيرة التي عدّلت قانون العقوبات العراقي لم تتطرق لبحث هذه المسألة..
وماذا عن الدستور العراقي لعام 2005؟؟
ان حرية المراسلات من الحريات التي ترتبط بشخص الانسان، وهي من الحريات الشخصية والاساسية، ولأهميتها البالغة أوردتها الدساتير في صلبها ومنها الدستور العراقي الحالي الصادر عام 2005 في المادة (38) اذ نصّت على أن( حرية الاتصالات والمراسلات البريدية والبرقية والهاتفية والالكترونية وغيرها مكفولة ولايجوز مراقبتها أو التنصت عليها إلا لضرورة قانونية أو امنية وبقرار قضائي)، فضلا عن ذلك لم يكتف المشرع العراقي بالنص على ضمان حرية المراسلات بأنواعها وانما جعل من انتهاك المراسلات جريمة يعاقب عليها القانون وذلك في المادة (328) اذ نصت على ان "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات أو بالحبس كل موظف او مستخدم في دائرة البريد والبرق والهاتف وكل موظف أو مكلف بخدمة عامة فتح أو اتلف أو أخفى رسالة أو برقية أودعت أو سلمت للدوائر المذكورة أو سهل لغيره ذلك أو أفشى سراً تضمنته الرسالة أو البرقية. ويعاقب بالعقوبة ذاتها ممن أفشى ممن ذكر مكالمة تليفونية أو سهل لغيره ذلك" ونصت المادة (438) على ان "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1 - من نشر بإحدى طرق العلانية أخباراً أو صوراً أو تعليقات تتصل بأسرار الحياة الخاصة أو العائلية أو الافراد ولو كانت صحيحة اذا كان من شأن نشرها الاساءة اليهم.2- من اطلع من غير الذين ذكروا في المادة 328 على رسالة أوبرقية أو مكالمة هاتفية فأفشاها لغير من وجهت اليه اذا كان من شأن ذلك الحاق ضرر بأحد) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 .
هل يستطيع القاضي تكييف نص م 328 و م 438 على الشخص الذي يعتدي على مراسلات البريد الالكتروني؟؟؟
ان قانون العقوبات العراقي قد صدر عام 1969 أي قبل اختراع الشبكة المعلوماتية العالمية(الانترنت) لذا لم تكن هذه المصلحة موجودة ليشملها المشرع بحمايته كما ان التعديلات الكثيرة التي عدّلت قانون العوبات العراقي لم تتطرق لبحث هذه المسألة.
بما ان المادة الاولى من قانون العقوبات العراقي النافذ نصت على مبدأ شرعية الجريمة والعقاب أو مبدأ لاجريمة ولا عقوبة ولاتدبير الاّ بنص فأن القاضي العراقي لايستطيع ان يكييف نصوص القانون الجزائي لتشمل افعال إجرامية جديدة كتلك التي تنفذ بوساطة البريد الالكتروني وان كانت تشكل اعتداء على مصلحة.
ان المادتين 328 و438 من قانون العقوبات العراقي النافذ غير قابلتين للتطبيق على الانتهاكات التي تقع على المراسلات الالكترونية لأنهما تعالجان جرائم المراسلات العادية وليس الالكترونية، لذا نهيب بالمشرع العراقي أن يأخذ بنظر الحسبان جميع التطورات الحاصلة في مجال تقنية المعلومات
هل هناك فرق بين المراسلات العادية والمراسلات الالكترونية ؟
نعم هناك عدة فروق بين المراسلات العادية والمراسلات الالكترونية1 أهمها ما يأتي:
ان المراسلات العادية ذات كيان مادي ملموس ويمكن رؤيتها بالعين المجردة لكن المراسلات الالكترونية ذات كيان غير ملموس ولايمكن رؤيتها الى بوساطة أجهزة تقنية المعلومات.
المراسلات العادية يمكن قراءتها من خلال ورقة الاصل أما المراسلات الالكترونية لا يمكن معرفة محتواها الاّ بعد قراءتها بوساطة أحد أجهزة تقنية المعلومات كالحاسوب أو بوساطة طباعتها بالطابعة.
المراسلات العادية لاتتمتع بذات درجة الثبات التي تتمتع بها المراسلات الالكترونية اذ ان الاخيرة يمكن تغييرها بسهولة ودون ترك أي أثر مادي، لذلك فهي تتطلب إجراءات تقنية معقدة للمحافظة عليها عكس المراسلات العادية.
ما هي أركان جريمة انتهاك مراسلات البريد الالكتروني وعقوبتها؟؟

الركن المادي
لمّا كان الركن المادي للجريمة بشكل عام هو "النشاط المادي الذي يصدر عن الجاني متخذاٍ مظهراً خارجياً يستهدف الاعتداء على مصلحة يحميها القانون"،أو كما عرّفه المشرع العراقي في المادة 28 من قانون العقوبات النافذ بأنه"سلوك اجرامي بإرتكاب فعل جرّمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون"،لذا فان الركن المادي في جريمة انتهاك مراسلات البريد الالكتروني هو الاطلاع على المراسلات الالكترونية عمدا ودون مسوغ قانوني أو الحصول عليها عن طريق التقاطها أو اعتراضها وحجبها لكي لاتصل الى المرسل اليه.

الركن المعنوي:
لا يمكن تصور وجود جريمةٍ ما دون توافر الركن المعنوي الى جانب الركن المادي ،لذا يُعد الركن المعنوي من العناصر الضرورية واللازمة لِتَحَقُق الجريمة، ويُراد بالركن المعنوي الارادة الجرمية أو الإرادة الآثمة المقترنة بالفعل سواء اتخذت صورة القصد الجرمي وعندئذٍ توصف الجريمة بالعمدية أم اتخذت صورة الخطأ غير العمدي حينئذ تكون الجريمة غير قصدية أو غير عمدية.
وعرّف المشرع العراقي القصد الجرمي في المادة 33 فقرة 1 من قانون العقوبات النافذ بأنه " توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفاً الى تحقيق نتيجة الجريمة التي وقعت أو أية نتيجة جرمية اخرى وبما ان انتهاك حرمة مراسلات البريد الالكتروني من الجرائم العمدية التي تتطلب توافر القصد الجرمي بعنصريه العلم والارادة ، لذا يجب على الفاعل ان يكون عالما بأن فعله مخالف للقانون أو بتعبير آخر انه يرتكب فعلاً مجرما2.ففعل الاطلاع على المراسلات الالكترونية للغير او التقاطها أو حجبها عن المرسل اليهم أفعال تشكل قرينة على علم الفاعل بعدم مشروعيتها.
أمّا العنصر الثاني للقصد الجرمي فهو الارادة وتتحقق اذا ما اتجهت نحو ارتكاب الفعل المكون للجريمة من الحصول على النتيجة التي يستهدف حدوثها الفاعل أو أي نتيجة جرمية اخرى حتى لو كان الفاعل لا يريد وقوعها غير المشروع في نظام المعالجة الالكترونية للبيانات أو في جزء منه يعاقب بالحبس لمدة سنة وغرامة 100000 مائة الف فرنك فرنسي، فإن نتج الارادة بأنها"نشاط نفسي واعٍ يتجه اتجاهاً جدّيا نحو غرض معين بحيث يسيطر هذا النشاط على الحركات العضوية ثم يدفعها نحو تحقيق هذا الغرض.
ويجب ملاحظة ان الارادة المعتد بها قانونا هي الارادة الصحيحة الصادرة عن انسان مسؤول جزائيا ذي ارادة حرة غير مكرهة، اذ يُعد الاكراه مانعا من موانع المسؤولية الجزائية فتنص المادة 62 من قانون العوبات العراقي النافذ على ان "لا يسأل جزائيا من اكرهته على ارتكاب جريمة قوة مادية أو معنوية لم يستطع دفعها
العقوبة: تُعد جريمة التنصت أو الالتقاط أو اعتراض المراسلات الالكترونية عن طريق الشبكات المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات من جرائم الجنح ومن خلال ماتقدم يمكن لنا معرفة الاهمية البالغة التي تتمتع بها المراسلات الالكترونية بشكل عام ومراسلات البريد الالكتروني بشكل خاص وكونها من الحريات الحديثة واللصيقة بشخص الانسان والتي تعد من اهم الامور الحياتية الخاصة بالفرد لأنه غالبا ما يعمد من خلالها الى تداول اسرار حياته الخاصة بينه وبين الاخرين ، ولكل ذلك لابد للمشرع الجزائي العراقي ان يأخذ بنظر الحسبان هذه المصلحة المستحدثة والجديرة بحماية القانون لاسيما وان هناك بعض القوانين التي تعاقب على حرمة الحياة الخاصة للانسان عبر الشبكات المعلوماتية فحسب وانما بمجرد الدخول للنظام المعلوماتي دون تصريح أو بمجرد البقاء داخل النظام المعلوماتي بصورة غير مصرح بها يستدعي المشرع العراقي لسد الفراغ التشريعي لحماية مراسلات البريد الالكتروني لكونها تتضمن اسرار الحياة الخاصة للأفراد..
وماذا تقترح؟؟
اقترح أضافة النص الآتي لقانون العقوبات العراقي"
1 - يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل شخص فتح أو التقط أو حجب أو أخفى أو عدّل رسالة الكترونية مرسلة بوساطة شبكة معلوماتية أو احدى وسائل تقنية المعلومات أو أفشى سراً تضمنته رسالةالكترونية.
2 - اذا كان مرتكب أحد الافعال المذكورة اعلاه موظف أو مكلف بخدمة في احدى دوائر اتصالات يعد ذلك ظرفاً مشدداً.