التطرّف
حالة غير معقولة، ولا يفصل بينها وبين التوحّش شيء سوى بعض التبريرات
الّتي من خلالها تمارس الأكثريّة المتطرّفة جرائمها ضدّ الآخرين المختلفين
عنها. ولا يمكن تصوّر بشاعة الأمر في حال سكوت الدّولة عن انتشار التوتر
الاجتماعي القائم على البغض الديني أو الطائفي، بل وتواطؤ الدولة في هذه
الجرائم، عبر تشريعات قانونية تستهدف الأقليات باسم الأغلبية، وهو ما يحدث
للطائفة الأحمدية في باكستان، التي أحرق بعض معتنقيها أحياء لمجرد تبنيهم
لتعاليمها، ودمِّرت مساجدهم بأمرٍ من المحكمة، وهجِّروا وضُرِبوا وعذِّبوا.
يعيش أبناء الطائفة الأحمديّة الّتي تشكّل أقليّة في باكستان، ويتّهمها
الإسلاميون المتطرفون بالكفر، في حالة خوفٍ بعد أعمال عنف طائفيّة شهدتها
مدينة جهلوم في شرق البلاد خلال الأيام الماضية.
وفي المنزل الجديد الذي لجأوا إليه، تعيش الطفلة صبيحة ابنة العامين في حالة
خوف، بعد أن اختطف والدها آصف شهزاد من عناصر غاضبين أضرموا النار يوم
الجمعة الماضي في مصنع في المدينة، لاتهام موظفين في المصنع من الطائفة
الأحمديّة بحرق صفحات من القرآن. وآصف شهزاد هو أحد موظفي المصنع الذين
ينتمي قسم كبير منهم إلى الأقلية الأحمدية التي لم تعد تعتبر مسلمةً في
باكستان بموجب تعديل قانونيّ.
وبعدما فرّ من المدينة لحماية عائلته، يقول شهزاد في شهادته: "توسّلت إليهم ألا
يقربوا زوجتي وأولادي. قبل أن يتركوني، قاموا بضربي، وكانوا يعتزمون إحراقي
في فرن المصنع"، وأضاف: "لكني نجوت بعد أن ساعدني مسلم طيّب القلب على
الهروب". وقال آصف شهزاد: "زوجتي حفصة بنت الـ24 عاماً، أوشكت هي الأخرى
على الموت". وتقول حفصة: "لم أكن أريد التخلّي عنه، لكنّه أصرّ قائلاً إنه
سيعود إلينا إذا بقي على قيد الحياة، وطلب مني أن أهرب مع بناتنا".
حينها، استقلت الزوجة سيارةً جهّزها شهزاد للهروب من مدينة جهلوم مع عائلات أخرى
من الطائفة الأحمدية، قبل أن تهاجمها الحشود. وتضيف حفصة أنّ السائق المسلم
شقّ طريقه بين جموع الشبّان المعبّئين من زعماء دينيّين، وأكمل طريقه
بمجموعة النساء اللّواتي عاملهنّ كبناته، حسب قولها.
وبالنّسبة إلى هذه الطائفة، فقد تأسّست سنة 1889 في منطقة البنجاب الهنديّة، على يد
حضرة ميرزا غلام أحمد، الّذي يجسّد بحسب مريديه، عودة المسيح والمهدي،
ويعتبرونه مرسلاً من الله لاستكمال رسالة النبيّ محمّد الذي يعتبرونه
بدورهم خاتم الأنبياء.
وينظر الإسلاميون المتطرفون إلى الأحمديين على أنهم هراطقة، لأنهم يؤمنون برسول
ظهر في القرن التاسع عشر. وهي مسألة حسّاسة جدّاً في باكستان، حيث أعدم عدد
كبير من الأشخاص من دون محاكمات، غالبيّتهم من الأقلّيات، بتهمة التّجديف.
ويعيش في باكستان 500 ألف شخص من الطائفة الأحمديّة، وهو التجمّع الأكبر
في العالم. وتؤكّد مصادر إنتروبولوجيّة، أنّ الفكر الأحمدي يشدّد على الاعتقاد أنّ الإسلام
هو الديانة السماوية الأخيرة للبشرية جمعاء والتي نزلت على النبيّ محمد،
ويشدِّد على أهميَّة استعادة جوهره الحقيقيّ وشكله الأصلي، الّذي أصبح
مبهماً على مدى القرون الماضية.
وبذلك، ترى الجماعة الأحمديّة نفسها رائدةً في مجال إحياء الدّين الإسلامي ونشره
بطرق سلميّة. وفي العامين 1974 و1984، أصدرت السلطات الباكستانية تشريعات
بضغط من الإسلاميين، تحظّر على الأحمديين ادّعاء انتمائهم إلى الإسلام
وممارسة شعائر المسلمين. حتى إنّ إلقاء التحيّة بقول "السلام عليكم"، قد
تكلّف الأحمدي ثلاث سنوات من السجن.
يقول دنيس يونغ، من المجموعة البرلمانية الأوروبية لحريّة العبادة، إن
"الأحمديين في باكستان يواجهون مضايقات يوميّة، وهم ضحايا الترهيب
والاضطهاد بسبب معتقداتهم".
ويضيف في بيان صحفيّ أدان فيه الهجوم على المصنع في جهلوم، أنّ مثل هذه الهجمات
"تظهر العجز في حماية حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة"، وهذا ما يعاني
منه الأحمديون. وفي يوليو، تمّوز العام 2014 قامت حشود غوغائيّة بإحراق
ثلاثة أحمديّين أحياء، ثم أحرقوا منازلهم في مدينة جوجرانوالا في إقليم
البنجاب شـرق باكستان.
تـقول مبشـرة جري الله، وهي إحـدى ضحايا أعمال العنف: "النّاس يكرهوننا بسبب
ديننا". وأضافت: "أحرقوا منزلنا بعد اتهاماتٍ باطلةٍ بالتّجديف، إذ فقدت
والدتي وابنة أختي وطفلتي التي كنت حاملاً بها في الشّهر الثّامن حينها".
وفي مايو/أيّار الماضي، ساد التوتر في منطقة تشاكوال التي تبعد 200 كلم عن
إسلام آباد، بعدما أمرت محكمة بتدمير مآذن للأحمديّين لتشابهها مع بناء
المسجد. ويعتبر مسؤولون من الجماعة الأحمديّة أنّ اضطهادهم عمليّة منظّمة
من الدولة. ويشير المتحدّث باسم الجماعة، سليم الدين، إلى أنّه "لا يمكننا
حتى التصويت، فإذا أعلنّا أنّنا مسلمون سنتعرّض لملاحقة القضاء". من
جانبها، تؤكّد الدولة أنّ الأحمديّين "محميّون بموجب الدّستور"، على غرار
جميع الأقليّات في باكستان.
وتعهّد الوزير الاتحادي للشؤون الدينيّة، سردار محمد يوسف، أنّه "في حال كان لدى
الطائفة الأحمديّة قلق أو مخاوف، عليها إبلاغنا بذلك، ونحن سنعالج
الموضوع".
في مقابل هذا التّصريح، يؤكّد سليم الدين أن الدولة بهذه الطريقة تتملّص من
مسؤوليّة الحماية الدّائمة للأقلية الأحمدية، إذ "يعلم المسؤولون جيّداً ما
يحدث لنا من جرائم واعتداءات، وهم موقنون أنّ المئات من الشكايات والقضايا
مرفوعة ضدّ المتطرّفين، لكن لا يوجد أيّ قصاص أو عدالة"، وأضاف سليم الدين
أنّ كـلّ الأحمديّين سوف يغادرون باكستان خوفاً على حياتهم.
منقول