عندما نتحدث عن الطب والصحة سوف نلاحظ تقدمًا هائلًا تنعم به البشرية حاليًّا وخاصةً عندما نقارن ما نحظى به الآن بما كان يعاني منه البشر في القرن الماضي فقط فضلًا عن القرون الأخرى. إن كان عمُرك الآن ثلاثين عامًا فقد أصبت حتمًا وأنت في الخامسة من عمرك بالجدري، فقد كان أمرًا شائعًا وبالتأكيد عاصر والداك مرحلة انتشار شلل الاطفال والحمى القرمزية، فهذه أمراض كانت منذ سنين بسيطة خلت من الصواعق التي تخشى كل عائلة أن تهبط على أحد أفرادها في أي وقت.
بفضل التقنيات الحديثة والتقدم الكبير الذي نشهده في مجال الصحة، أصبح لدينا وعيٌ وطرقٌ للوقاية من تلك الأمراض، وأمسى لدينا العقاقير التي يمكننا أن نواجهها بها، أو على الأقل أصبحت تلك الأمراض أقل شيوعًا بين الناس وقلّت فرص العدوى. التطعيمات والعقاقير واللقاحات والعمليات الجراحية المتطورة وأساليب الوقاية الحديثة كلها أمور ساهمت في خلق ثورة صحية ننعم اليوم بخيراتها، ولكن لسوء الحظ للا ينعم الجميع بها؛ فما زالت هناك شعوبٌ وأمم تعاني من أمراض باتت منسية عند شعوبٍ أخرى. وعلى الرغم من الجهود الدولية والخيرية التي تُبذل في سبيل تقليل الفجوة الإنسانية تلك إلا أنها ما زالت كبيرة وقد يتطلب الأمر وقتًا طويلًا للقضاء عليها.
تقديرًا لما نعايشه اليوم من حياة شبه خالية من الامراض والأوبئة التي كانت تحصد الملايين من الأرواح في يومٍ من الأيام، نذكر لكم 10 أمراض كانت بمثابة حكمٍ بالإعدام لكل من يصاب بأحدها.
الإيدز – AIDS
من المرجح أنك سمعت من قبل عن فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV الذي يتسبب في الإصابة بمتلازمة نقص المناعة المكتسبة أو الإيدز – AIDS والذي بلغ ذروته في مطلع الثمانينيّات من القرن الماضي، ينتقل هذا الفيروس عبر الدم، أي يمكن للعلاقات الجنسية أو الإبر أو الجروح أو نقل الدم أن تتسب في انتقاله من شخص لآخر.
الأعراض العامة للمصاب بهذا الفيروس كانت تتمثل في طفح جلدي واضطرابات وحمى وتضخم في الغدد اللمفاوية وقرحة في الحلق وفي حالة عدم العلاج يبدأ الجسم في فقد قدرته على مقاومة الأمراض المختلفة حيث يبدأ الفيروس في القضاء على جهاز المناعة وتدميره أو تحويل خلاياه لخلايا تابعة له ليصل المريض للمرحلة الأخيرة من المرض حيث يصبح عرضة للإصابة بأي عدوى إذ لا يوجد جهاز مناعه ليدافع عنه، في ذلك الوقت إذا تبين لشخص ما أنه مصاب بذلك الفيروس فذلك يُعد بمثابة حكمٍ بالإعدام وليس عليه سوى أن يعاني حتى الموت، ولكن بحلول منتصف التسعينيّات تغيّر الوضع كثيرًا عندما تم تطوير مضادات للفيروسات الرجعية (الفيروسات الرجعية يقصد بها الفيروسات التي تقوم بزرع نسخة من حمضها النووي في خلايا المصاب لتصبح تابعة لها وهذه هي وسيلتها للتكاثر).
في ذلك الوقت كانت الفترة الزمنية المقدرة لبقاء مصاب الإيدز على قيد الحياة هي ثمان سنوات كحد أقصى أمّا اليوم فالشخص المصاب بالإيدز إذا تلقى العلاج بشكل صحيح ومبكر يمكنه أن يحيى حياة طبيعية بتناوله حبة دواء واحدة يوميًّا للقضاء على الأعراض، ولكن بالطبع لن يتمكن من التخلص من الفيروس نفسه تمامًا، ويجدر بنا أن نذكر هنا أن فيروس الإيدز من أقوى وأذكى الفيروسات ويمكنه أن يتوقف حرفيًّا عن الحياة ليصبح جمادًا ويعود مرة أخرى إذا كانت الظروف ملائمة.
في عام 2010 كان مرض الإيدز يحتل المرتبة السابعة من حيث مسببات الوفاة في الولايات المتحدة الامريكية بعد أن كان يحتل المرتبة الأولى في عام 1995، وبالرغم من ذلك فما زال الإيدز إلى يومنا هذا وباءً لا يستهان به لوجود ما يزيد عن 34 مليون إنسان مصابٍ به حول العالم أغلبهم لا يدركون ذلك. [1 2 3 4 5 6]
السل – Tuberculosis
مرض السل يعرف أيضًا بالهزال أو المرض الاستهلاكي consumption لشدة تأثيره على المصاب به. في مطلع القرن العشرين كان مرض السل من أسباب الوفاة الأساسية، حيث كانت واحدة من أصل كل سبع وفيات سببها السل، وينتقل المرض من الأشخاص المصابين عبر الكحة أو العطس أو انتقال سوائل الفم والأنف بأي وسيلة أخرى.
يقدر حاليًّا أن ثلث سكان كوكب الأرض مصابون بما يعرف بالسل الكامن ويتميز بأن لا أعراض له وأنه غير معدٍ في الوقت الحالي، ولكنه سينتقل للحالة النشطة مع مرور الوقت، وعندما يحين ذلك الوقت تبدأ البكتيريا في شن حرب ضروس على الرئتين متسببة في الكحة الدامية التي يعاني منها المصاب والقشعريرة والإحساس بالبرودة بالإضافة للعرض المستمر والحمى.
المضادات الحيوية والعقاقير الحديثة ساهمت بشكل ملحوظ في خفض حدة انتشار السل في الدول المتقدمة ولكن ما زالت الدول النامية تعاني منه حيث يقدر أن 95% من الحالات المصابة بالسل والوفيات الناتجة عنه تقع في تلك الدول. [1 2 3 4 5]
داء الكلب – Rabies
إذا تعرضت لعضة كلب، خفاش أو حيوان غاضب آخر عليك أن تهرع مباشرة نحو أقرب مستشفى لتتلقى العلاج واللقاح حتى وإن لم يبدُ الحيوان مسعورًا، فداء الكلب ليس بالمرض الذي يجب أن تتهاون أو تتخاذل في تجنبه وأخذ الحيطة منه، بمجرد ظهور الأعراض يتحول داء الكلب إلى مرض مؤلم جدًّا يهاجم الجهاز العصبي بشكل منقطع النظير متسببًا في حدوث ارتباك وهذيان للمصاب ثم الموت.
بالرغم من شراسة هذا المرض إلا أنه مرض يسهل علاجه وتفاديه طالما بدأت العلاج قبل ظهور الأعراض ونحن نتفق جميعًا أن عضة كلب ليست بالشيء الذي يصعب ملاحظته أو يمكن تجاهله وبالتالي فتدارك الأمر ووأد المرض في مهده أمرٌ يسيرٌ خاصة في ظل وجود وانتشار اللقاحات في كل مكان.
بالرغم من التفاوت العجيب بين قدرة هذا المرض على الفتك بالإنسان وقدرتنا على تفاديه بسهولة نجد مفارقة عجيبة وهي أنه في عام 2007 كان مرض داء الكلب يحتل المرتبة الأولى من حيث أكثر الأمراض فتكًا في الصين. [1 2 3 4]
الطاعون الدبلي – Bubonic Plague
يُشار إلية أيضًا بالموت الأسود، الطاعون من الأمراض المرعبة والمهولة التي قد لا يصدق شراستها عقل ولكنها حقيقة حصدت 75 مليون روح خلال القرن الثالث عشر وحدة، حيث بدأ انتشاره من قارة آسيا وصولًا إلى أوروبا حيث أصاب ثلث سكان القارة ليعانوا من التورمات الضخمة والقيء المستمر والحمى والقشعريرة والآلام الشديدة قبل الموت.
نعلم اليوم يقينًا أن الفئران والبراغيث المصابة بهذه البكتيريا هي وسيلة نقل المرض للبشر وأنه باتباع إرشادات النظافة والصحة العامة يمكننا تجنب تكرر الفاجعة، ولكن هذا لا يعني أن الطاعون الأسود أمسى من التاريخ، فخلال الفترة من 2000 وحتّى 2009 أصيب أكثر من 10 آلاف إنسان بهذا المرض في الكونغو، وفي الولايات المتحدة خلال نفس الفترة أصيب 56 شخصًا بهذا المرض توفي منهم سبعة أشخاص. واليوم بعد أن كان الطاعون الأسود يمثل حكمًا بالإعدام لمن يصاب به وبفضل المضادات الحيوية أصبحت عملية علاجه في غاية السهولة، ولكن يجب أن يتم بسرعة قبل وصول البكتيريا إلى الرئتين ليتحول إلى طاعون رئوي قاتل. [1 2 3 4]
الجدري – Smallpox
الجدري يُعد من أقدم عشرة أمراض عرفتها البشرية، وقد كان ملك مصر رمسيس الخامس الذي توفي عام 1157 قبل الميلاد مصابًا به، وقد تسبب الجدري في موت أكثر من 300 مليون إنسان خلال القرن العشرين. يختلف الجدري عن مرض السفلس الزهري رغم التشابه الكبير بينهما، وينتقل المرض من شخص لآخر عبر التلامس المباشر. تتمثل أعراض الجدري في حمى وصداع شديدين وآلام في الظهر متبوعة ببثور بارزة حمراء اللون تغطي الجسد بأكمله تترك خلفها ندوبًا بارزة في الجسم.
مرض الجدري كان أيضًا أول مرض يتوفر له لقاح، حيث لاحظ الطبيب البريطاني Edward Jenner أن خادمته بعد أن أصيبت بعدوى جدري البقر لم يتطور لديها المرض ويتحول للجدري. وفي عام 1796 قام بحقن طفل بالسائل الموجود في البثور الناتجة عن جدري البقر ولاحظ أنه اكتسب مناعة ضد مرض الجدري، وقد كان هذا الاكتشاف من أعظم الإنجازات الطبية التي ساهمت في تطور وتقدم أبحاث التطعيم واللقاح، في عام 1959 قررت منظمة الصحة العالمية إبادة مرض الجدري تمامًا والقضاء عليه فقامت بعزل كافة المصابين بالجدري وتطعيم كل من حولهم وفي عام 1980 أعلنت انتصارها والقضاء على المرض نهائيًّا. [1 2 3]
السفلس الزهري – Syphilis
يمكننا اعتبار مرض السفلس الزهري أصل الأمراض التي تنتقل جنسيًّا وهو من أقدم الأمراض التي عرفتها البشرية أيضًا، مرض الزهري من الأمراض المعدية جدًّا وذلك لأن أعراضه دائمًا ما يتم حملها على محمل خاطئ أو يتم ربطها بمشاكل أخرى. في حال عدم الانتباه لأعراض المرض في مرحلته الأولى والثانية يتطور المرض مباشرة للمرحلة الثالثة متسببًا في الجنون والعته وأمراض القلب وفشل أعضاء الجسم وتوقفها عن العمل وأشياء أخرى تهدد حياة المصاب.
مرض الزهري كان يُعد من أكثر الأمراض انتشارًا خاصة في الدول التي تكثر فيها الممارسات الجنسية غير الشرعية، حيث تسمح مثل هذه الممارسات باتساع نطاق انتشار المرض وزيادة فرص وصوله لأشخاص أكثر. في الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع القرن العشرين كانت الإحصائيات تشير إلى أن 15% تقريبًا من السكان مصابون بمرض الزهري، ولكن هذه النسبة انخفضت بعد اكتشاف البنسلين الذي ساهم في علاج الكثير من الحالات. [1 2 3]
الإنفلونزا – Influenza
بالرغم من أن الإنفلونزا أصبحت بالنسبة لنا مرضًا شبه موسمي إلا أنها لم تعد تتسبب في وفيات مثلما كانت في العقود الماضية، كل عام يبذل فيروس الإنفلونزا كل جهده من أجل وضع علماء اللقاح والفيروسات في حيرة من أمرهم، في بعض الأحيان قد يعمل اللقاح ونحظى بشتاء خال من الإنفلونزا، وفي أوقاتٍ أخرى تخيب آمالنا. يرجع السبب إلى قدرة فيروس الإنفلونزا على التغير بشكل مستمر وبالتالي يعتمد العلماء على توقع البنية الجديدة التي سيعود إلينا بها الفيروس وبناء لقاح مناسب لهذا التغيير.
تتسبب الإنفلونزا الموسمية في أعراض كثيرة مزعجة مثل الحمى والبرد والقشعريرة وآلام في العظام ولكنها لا تصل لمستوى أعلى من ذلك نخشى منها على حياتنا بغض النظر عن كبار السن والرضع والحوامل ومن لديهم مشاكل في جهاز المناعة. ولنعلم مدى الرخاء والصحة التي ننعم بها اليوم أذكر لكم أن أقوى هجوم لفيروس الإنفلونزا تم تسجيله كان في عام 1918 وحصد أرواح 40 مليون إنسان حول العالم، أمّا اليوم فتقدر حالات الوفاة حول العالم بسبب الإنفلونزا في المتوسط بـ350 ألف حالة سنويًّا. [1 2 3]
سرطان عنق الرحم – Cervical Cancer
بالعودة إلى منتصف القرن العشرين، سنجد أن أكثر مرض تسبب في حالات الوفاة بين النساء في الولايات المتحدة الأمريكية هو سرطان عنق الرحم، وبعد ابتكار اختبار عنق الرحم المعروف باسم PAP Test تقلصت تلك النسبة بمقدار 60% خلال 25 عامًا.
يعتمد الاختبار على كشف خلايا عنق الرحم السرطانية مبكرًا قبل أن تخرج عن السيطرة وذلك بالبحث عن فيروسات الأورام الحميدة papillomavirus التي تنتقل جنسيًّا وتؤثر على خلايا عنق الرحم لتحولها إلى سرطانية، لذلك ينصح الأطباء والخبراء النساء بأخذ اللقاح الخاص بتلك الفيروسات في أقرب فرصة ليقوم بالقضاء على هذه الفيروسات تمامًا فور انتقالها للجسم.
في عام 2010 وفي الولايات المتحدة الأمريكية، لقي أكثر من 4000 امرأة حتفها بسبب سرطان عنق الرحم، وهناك أمل كبير بتقليل تلك النسبة بالاعتماد على نشر فكرة اللقاح بين النساء وحثهم على الكشف المبكر عن الخلايا والفيروسات السرطانية ليصبح القضاء عليها أسهل. [1 2 3]
الملاريا – Malaria
عندما نذكر الملاريا علينا أن نذكر البعوض، فهو في هذه الحالة لا تتمثل خطورته في الإزعاج والحساسية فقط لأنه يقوم بنقل الطفيليات المسؤولة عن الإصابة بمرض الملاريا الخطير، تتمثل أعراض الملاريا الأساسية في حمى وشعور بالبرد والقشعريرة بالإضافة للعرق المستمر، وبالرغم من اندثار المرض بشكل تامٍّ في أمريكا الشمالية ومعظم أوروبا، إلا أنه لا زال يشكل خطرًا وتهديدًا محتملًا لحياة البشر في المناطق الاستوائية في أفريقيا وآسيا.
مرض الملاريا بالرغم من خطورته الشديدة إلا أن الوقاية منه ممكنة وكذلك علاجه شريطة أن يتم بشكل صحيح وسريع، وقد أدى التشخيص السليم والسريع والعلاج بالمضادات الحيوية الخاصة إلى إنقاذ 3 ملايين إنسان منذ عام 2000 حتى عام 2013، أي أن نسبة الوفيات بسبب الملاريا قد قلت بمقدار 42% خلال تلك الفترة. [1 2]
الالتهاب الرئوي – Pneumonia
الالتهاب الرئوي مرض مخادع حيث يقتنص فرصته ويصيب الإنسان أثناء معاناته مع مرض آخر مثل الإنفلونزا أو التهاب الشعب الهوائية. في بدايات القرن العشرين كان الالتهاب الرئوي يحتل المركز الأول من حيث عدد الوفيات التي يتسبب بها، وفي عام 2006 كان يحتل المركز الثامن في الولايات المتحدة الأمريكية من حيث عدد الوفيات الناتجة عنه بالتساوي مع الإنفلونزا.
قد يحدث الالتهاب الرئوي نتيجة الفطريات أو البكتيريا أو الفيروسات أو أي نوع من الجراثيم إذا تمكنت من الوصول إلى إحدى الرئيتين أو كلاهما. العلاج متاح لهذا المرض، ولكن السيطرة عليه صعبة خاصة أنه يقع في منطقة خطيرة ويتسبب في ضيق التنفس وتتكون فقاقيع مائية على الرئتين تؤثر على وظيفتها، وقد تصل البكتيريا من خلال الرئتين إلى مجرى الدم وتؤدي بذلك إلى فشل في أعضاء معينة من الجسم. [1 2]