Thursday 28 June 2012
هذه حقيقتي _ الحلقة الثالثة 3-5
إبعاد بن علي خطة ممرحلة على الطريقة التونسية
تؤكد مؤلفة الكتاب ليلى بن علي أن علي السرياطي، مدير الأمن الرئاسي، في ظل زين العابدين بن علي، لعب دوراً هاماً في إبعاد الرئيس التونسي السابق إلى السعودية، وأنه هو الذي أقنعه بضرورة الابتعاد «قليلا» عن تونس.
وهي تثير الكثير من الأسئلة عن حقيقة دوره، وهل كان متآمرا أم كان يريد إبعاد الرئيس التونسي السابق خوفا على حياته؟ أم كان يحضّر لوصول آخر؟.
فلماذا جرى اعتقاله بعد رحيلهم إذن؟.إنها تقدم بكل الأحوال توصيفا للعديد من الوقائع والشهادات عن دوره. هذا إلى جانب ذكر دور شخص آخر في «احتجاز» أفراد من أسرة «بن علي» وأسرة «الطرابلسي» كرهائن، وذلك الشخص هو سمير الترهوني، أحد عناصر كتيبة مكافحة الإرهاب.
وهي تطرح تساؤلات أيضا عن دور الجنرال رشيد عمار، قائد أركان الجيش التونسي وعن حقيقة دوره في ترحيل بن علي إلى السعودية.
وبعد أن تتعرض ليلى بن علي لما تسميه بمعاناة أسرتها وأسرة زوجها، تحكي عن بعض المنعطفات الأساسية في مسيرة حياتها.
غداة يوم 14 يناير من عام 2011.
تلقى الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي معلومات في غاية الأهمية من مروان مبروك. وتحدد ليلى بن علي مفاد تلك المعلومات أن أحد مستشاري قصر الإليزيه، مقر الرئاسة الفرنسي، أبلغه أن أحد حراس الرئيس التونسي مكلف باغتياله.
هل كانت تلك المعلومات دقيقة؟
هكذا تتساءل زوجة الرئيس التونسي السابق.
وتضيف تساؤلا آخر عما إذا كان الأمر يشكّل بالأحرى جزءاً من «سيناريو» مكرّس لإبعاد الرئيس التونسي السابق بن علي بأقرب وقت ممكن. وذلك بالاتفاق مع علي السرياطي الذي كان على علاقات وثيقة مع برنار سكارسيتي، مدير الإدارة المركزية للاستخبارات الفرنسية الداخلية؟
وتشير ليلى بن علي إلى أن ما تصفه بالانقلاب كان مبرمجا لصباح 14 يناير 2011. ومنذ الصباح أفرغوا قصر قرطاج وحضوا المتظاهرين على الخروج إلى الشوارع وجرت تعبئة وسائل الإعلام ورُفعت شعارات: «إرحل!».
وسرت بالوقت نفسه شائعة في عموم تونس مفادها أن الجنرال رشيد عمار، قائد الجيش، رفض الأوامر الصادرة بإطلاق النار على الجماهير، مما جلب غضب الرئيس الذي استدعاه من أجل صرفه من الخدمة.
«هذا كله لا أساس له من الصحة»، تقول ليلى بن علي، وتشير أن صلات بن علي كانت مع وزير دفاعه أولاً، وبالتنسيق معه كان يتم اتخاذ القرارات.وتؤكد أنه كان ينبغي أن يذهب رشيد عمار إلى التقاعد منذ فترة طويلة، وأنه جرى الاحتفاظ به لضرورات المهنة، وأن بن علي لم يستدعه أبدا خلال فترة الاضطرابات، لا بقصد «صرفه» من الخدمة ولا لأي سبب آخر. وتنتهي إلى القول: «اقتناعي هو أن أولئك الذين حضروا الانقلاب، ذلك أنه ينبغي الآن تسمية الأشياء بأسمائها، لم يكونوا من وزارة الداخلية باستثناء بعض الذين جرى استغلالهم. ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك».
السرياطي والترهوني
وتعود ليلى بن علي للحديث عن ذلك الحلم الذي تراءى لها أثناء نومها، حيث كان علي السرياطي يجلس (في الحلم) بالسيارة إلى جانب بن علي وهي في المقعد الخلفي.
وفجأة أخرج علي السرياطي مسدسا وصوّبه لرأس بن علي. عندها بدأت تصرخ ووجهت الكلام له قائلة: «لماذا تفعل ذلك؟ لا تقتله، أرجوك، لا تقتله». «ذلك الحلم ألحّ على ذاكرتي يوم 14 يناير»، كما تقول.
وتحدد ليلى بن علي القول أن علي السرياطي، كان «ثرثارا» ويحب تقديم نفسه بشخصية «من يعرف كل شيء» وأنه «يعرف كل الأسرار». وتشير أنه «منذ بعض الوقت كانت ردود أفعال السرياطي غريبة». وذلك ما تجده في طريقة معاملته لأسرتها وحديثه المستمر بالهاتف.
وذات مرة توجه للرئيس التونسي السابق عند نهاية إحدى مكالماته وقال: «إنه يتجرأ على شتيمتي، يا سيادة الرئيس!». ولم يجب عندما سأله بن علي من يقصد بذلك. تعتقد ليلى أن المقصود كان أحد مرؤوسيه.
سر مبهم
وتؤكد ليلى بن علي أن أحد الأسرار المبهمة بالنسبة لها يتمثل دائما بإلحاح السرياطي على ابتعاد بن علي. وهل كان الأمر خوفا على حياة الرئيس وبدافع المحبة والإخلاص حياله؟ أم كان من أجل تحضير المكان لآخر؟ أو لأسباب أخرى؟
خطة المراحل
وتروي زوجة الرئيس أنهم عندما كانوا بجانب الطائرة تلقى السرياطي اتصالا هاتفيا سأله المتحدث: لماذا لم تقلع الطائرة حتى الآن؟ كان على الطرف الآخر دون شك الجنرال رشيد عمار أو وزير الدفاع. وكان من الواضح أن مهمة صعود بن علي ورفقته إلى الطائرة ومغادرتهم تونس موكلة للسرياطي. لكن ليلى بن علي تتساءل أنه إذا كان الأمر كذلك لماذا جرى اعتقال مدير الأمن الرئاسي لدى بن علي؟.
وتقدم فرضيتين: الأولى هو أنه كان يلعب «دوره» ولكن آخرين انقلبوا عليه، والثاني هي أن اعتقاله يعود إلى «خطأ في الإخراج».
وتشرح أن السرياطي عمل حسب خطة «المراحل» الغالية على التونسيين. المرحلة الأولى إقناع الرئيس التونسي السابق بإبعاد عائلة الطرابلسي إلى الخارج ثم إقناعه بإرسال زوجته والأطفال للاستراحة في السعودية ثم مرافقتهم إلى المطار ثم مرافقتهم بالاعتماد على «سيناريو الكارثة» في البلاد. ولقد وثق فيه بن علي و»وقع في الفخ».
وإلا «ما كان له أن يغادر». هكذا صعد إلى الطائرة بدون نظارتيه وبدون أمتعة ودون جواز سفر، وحتى دون أدويته.
وكان السرياطي هو نفسه الذي تولى شخصيا استقدام أفراد الأسرة كلها إلى سيدي بوسعيد صباح 14 يناير 2011. وأسئلة كثيرة هنا: لماذا أخفى السرياطي على الرئيس التونسي السابق أن الحرس الرئاسي غادر قصر قرطاج فجر ذلك اليوم؟ ولماذا لم يخبره أن رجال الشرطة سلّموا أسلحتهم للجيش؟وتنقل ليلى بن علي عن شاهد تقول إنها «لا تستطيع ذكر اسمه، قال إنه تحادث هاتفيا مع السرياطي بعد إقلاع الطائرة مباشرة وسمعه يقول له: «لقد وضعته للتو في الطائرة»، وكان يقصد الرئيس السابق بن علي.
وعلى خلفية اعتقاده أن «الشاهد» أغلق هاتفه سمعه يقول لصحبته: «هيا يا شباب يمكننا الآن أن ندق الكؤوس، فالرئيس غادر».
وبعد مغادرة بن علي لم يتوجه السرياطي إلى القصر الرئاسي للدفاع عنه ولكنه ذهب إلى صالة شرف المطار حيث جرى اعتقاله بأمر من وزير الدفاع بينما كان الأكثر إلحاحا هو اعتقال سمير الترهوني.كان هذا الأخير مجرد عنصر في كتيبة مكافحة الإرهاب. لكنه تباهى بعد 14 يناير أنه هو الذي قرر اعتقال أفراد أسرتي بن علي والطرابلسي.
وافتخر أمام وسائل الإعلام أنه المسؤول عن «أخذهم رهائن» وبـ»مبادرة منه».
وتشير ليلى بن علي أنه هو الذي اعتقل إحدى بنات الرئيس السابق من زواج سابق ثم أفرج عنها. وتنقل عنه قوله: «لو كان الأمر يخص نسرين، ابنة ليلى، كنت سلخت جلدها».
وتشير أن الترهوني والسرياطي كانا على خلاف كبير. فسمير الترهوني تصفه أنه كان «جاهلا ومجنوناً بالعظمة، ويشبه رجال العصابات، ووقحاً ومنفراً» ولم يكن يروق للسرياطي الذي عمل تحت أمرته في الأمن الرئاسي فصرفه من الخدمة حيث ذهب الترهوني للعمل في كتيبة مكافحة الإرهاب.
شهادات متقاطعة
وتوجّه ليلى بن علي الانتباه إلى ما تسميه «نقطة أخرى هامة «تقدمها بالاعتماد على عدة شهادات تتقاطع ومفادها أن عندما علم وزير الدفاع بالوضع في مطار «العوينة» طلب من رشيد عمار تفريغ المطار وتوقيف نشاط عناصر كتيبة مكافحة الإرهاب بأي ثمن وإعلانه عن رفضه لـ»احتجاز الرهائن» وضرورة إخراجهم من هناك.
لكن الجنرال رشيد عمار لم ينفّذ أوامر وزيره. وهذا يعني برأي ليلى بن علي أنه كان على علم بما يجري، أو أنه كان يخشى معركة دموية بين الحرس الوطني مدعوما من كتيبة مكافحة الإرهاب وبين قواته. بكل الأحوال ترى أن كل شيء يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أن ما جرى يوم 14 يناير 2011 كان «مبرمجا» منذ أيام عديدة.
وفي يوم 15 يناير 2011 تحدث محمد الغنوشي مع بن علي في الهاتف وخاطبه «السيد الرئيس» كالعادة. ولكن عندما أعلن بن علي أنه عائد توسل له رئيس الحكومة قائلا: «خاصة ليس الآن: وينبغي الانتظار بعض الوقت».في اليوم التالي طلب بن علي من الغنوشي تزويده ومن معه بجوازات السفر وبالأدوية.
وأكد برسالة لفؤاد المبزع عن غضبه وانزعاجه لقبوله بشغل منصبه على رأس الدولة، مؤكدا أنه لا يزال هو رئيس الدولة الشرعي لتونس طالما أن الدستور لم يتغير.
مسيرة حياة
بعد حديث ليلى بن علي تحت عنوان «عائلة تعيش الرعب» عن المتاعب والاعتقالات التي شهدتها أسرتها وأسرة زوجها، حيث يوجد في السجن العسكري لـ»العوينة» قسم مخصص لأسرتي «بن علي» و»الطرابلسي»، وعن المحاكمات «الصورية» وعمليات التشهير الإعلامية، تنتقل إلى الحديث عن مسار حياتها منذ «الطفولة» و» لقائها مع الرئيس التونسي السابق» و»حياتها كسيدة أولى» وأخيراً «حياتها كزوجة وأم».
هكذا نعرف أنها من مواليد 24 أكتوبر من عام 1956 في مدينة تونس. وأن أسرتها تتألف من خمس بنات وخمسة فتيان.
وتعترف أنها تقدمت ثلاث مرات للحصول على الشهادة الثانوية - البكالوريا- لكنها فشلت في المرات الثلاث.
وهي تدحض جميع ما قيل عن حصولها على شهادات جامعية وأطروحات دكتوراه «محاباة لها». وتؤكد قولها «لم أحصل أبدا على الشهادة الثانوية، ولا أحمل شهادة جامعية ولا دكتوراه، ولم يرني إنسان وأنا أبرز مثل الشهادات».
وتعلن أنها تزوجت مرة أولى عندما كانت شابة بالغة ومن شاب كان يقطن مقابل مدرسة «مونفلوري» الثانوية، وكانت ترقبه كل يوم وهو يخرج ويدخل إلى بيته ثم «تزوجته بعد عامين». كان عمرها 22 سنة، لكنها لم تنجب أطفالا وانتهى الأمر بالفراق والطلاق.
وتروي ليلى بن علي كيف أوقفتها سيارة شرطة عام 1984 بسبب قيادتها سيارتها بسرعة.
وكان ذلك لقاؤها الأول مع زين العابدين بن علي. وحصل «المكتوب»، كما تقول بعد ذلك اللقاء الذي كان يشغل بن علي أثناءه منصب المدير العام للأمن الوطني.والتقيا مرة أخرى بعد أشهر من جديد قدمته بعد ذلك لأسرتها، وتزوجا لتصبح «السيدة بن علي». وبعد 7 نوفمبر 1987 أصبحت «السيدة الأولى» بعد أن خلف زوجها الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة.
المؤلفة في سطور
ليلى بن علي، ليلى طرابلسي قبل زواجها من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، كانت السيدة الأولى في تونس لسنوات طويلة.
والصورة الشائعة عنها هي أنها كانت شغوفة بالسلطة والمال وأنها أغدقت الكثير منهما على أبناء عائلتها، عائلة «الطرابلسي».
غادرت تونس في 14 يناير من عام 2011 مع زوجها للإقامة في المملكة العربية السعودية.
عرف العديد من أفراد أسرتها الاعتقال بعد رحيلها عن تونس وعن السلطة.وعلى الرغم من أنها عاشت طفولة صعبة واستهلت حياتها العملية بالعمل مصففة للشعر، إلا أنها في كتابها تنفي ذلك وتصفه بأنه شائعات، كما نفت كل ما يتداول في تونس عن علاقاتها العاطفية.
وقد رفضت «أسطورة حاكمة قرطاج» الطروحات التي تحدثت طويلاً عن مساوئ عائلتها وبطشها واعترفت بالمقابل بما وصفته «الأخطاء الفادحة» التي ارتكبتها هذه العائلة.
اقرأ المزيد..
"حقيقتي" ليلى الطرابلسي.. تأويل شخصي للأحداث التي عاشتها في تونس
حقيقتي الحلقة الاولى "ليلى الطرابلسي"
حقيقتي "الحلقة الثانية" ملثمون احتجزوا الغنوشي والوزراء في قصر قرطاج