الإمام علي الهادي عليه السلام في مجلس المتوكل
روى المسعودي في مروج الذهب (ج 4 ص 10 ) عن محمد بن عرفه النحوي عن المبرد ، قال : قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام : ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب ؟ قال : وما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل افترض الله طاعة نبيه على خلقه ، وافترض طاعته على نبيه ، فأمر له بمائة ألف درهم ، وإنما أراد أبو الحسن عليه السلام طاعة الله على نبيه فعرض - فظن المتوكل أنه عليه ا لسلام أراد من طاعته على نبيه طاعة عمه العباس ، وإنما أراد عليه السلام طاعة الله تعالى لا طاعة عمه - . وقد كان سعي بأبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام الى المتوكل ، وقيل له : إن في منزله سلاحا وكتبا وغيرها من شيعته ، فوجه إليه ليلا من الأتراك وغيرهم من هجم عليه في منز له ، على غفلة ممن في داره ، فوجده في البيت وحده ، مغلق عليه ، وعليه مدرعة من شعر ، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى ، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجها الى ربه ، يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، فأخذ على ما وجد عليه ، وحمل الى المتوكل في جوف الليل ، فمثل بين يديه والمتوكل يشرب وفي يده كأس ، فلما رآه أعظمه وأجلسه الى جنبه ، ولم يكن في منزله شئ مما قيل فيه ، ولا حالة يتعلل عليه بها ، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده ، فقال : يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط ، فأعفني منه ، فعافاه ، وقال : أنشدني شعرا استحسنه ، فقال : إني لقليل الرواية للأشعار ، فقال : لا بد أن تنشدني فأنشده :
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجال فما اغنتهم القلل
واستنز لوا بعد عز عن معاقلهم
فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا
أين الأسرة والتيجان والحلل ؟
أين الوجوه التي كانت منعمة ؟
من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا
فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا
وطالما عمروا دورا لتحصنهم
ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموال وادخروا
فخلفوها على الاعداء وارتحلوا
أضحت منازلهم قفرا معطلة
وساكنوها الى الأجداث قد رحلوا
قال : فأشفق [ كل ] من حضر على علي [ بن محمد ] عليه السلام ، وظنوا أن بادرة تبدر منه إليه ، قال : والله لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته ، وبكى من حضره ، ثم أمر برفع الشراب.