كنت في الأسواق أشتري الجبن ، فكان في يدي علبة من الجبن أعجبتني . وبينما أنا اقرأ في محتوياتُها عسى أن لا تكون تحتوي على منفحة حيوانية ، لكون مصدرها أجنبي . هنا دخل فتى للأسواق بدا عليه كأنه ذَا أثنى عشر ربيعاً تقريباً ، عرفت فيما بعد أن أسمه " سعودي" ، يرتدي تي شيرت ملاءت واجهته الأمامية صورة لـ( جيفارا ) ! . أبو عماد (الرجل الكبير صاحب الأسواق ) لا يعرف صاحب الصورة ، لذلك سأل الفتى : من هذا بني ؟ فأجاب سعودي والأعجاب يملاءُ ثناياه بأبتسامة ثقة : هذا جيفارا يا عمو .
أبو عماد : ومن هو جيفارا هذا يا سعودي ؟
سعودي : أنه قائد ثوري عظيم ، كيف لا تعرفه عمو !
أبو عماد : والله ياعمو لا أعرفه ، ولكن ماذا فعل جيفارا هذا
كي يضعون صورته على الملابس !
سعودي : هذا قائد ثوري بطل ، أستشهد في سبيل وطنه وعقيدته الداعية للحرية فهو كالإمام الحُسَيْن ع ، حتى أنهم يسمونه أبا الأحرار
هنا سعودي طرق بابي ، رغم أني أتجنب النقاشات دائماً لأسباب عدة . فتحول الحوار بيني وبين سعودي ..
أنا : هل تعرف جيفارا هذا من أي دولة يا سعودي ؟
سعد : لا - لكنه بطل
أنا : بما كانت بطولته ؟
سعد : يقولون أنه فعل الكثير !
أنا : مثل ماذا ؟
سعد : يقولون أنه ثائر وقائد عظيم
أنا : وهل كانت ثورته كـثورة الإمام الحُسَيْن ع ؟
وهل كانت له كربلاء معينه ؟ هل ضحى بأهله
وأصحابه من أجل العقيدة الحقة وطلب وأصاب
بالحفاظ عليها من الزوال !
سعد : لا لا ولكنهم يقولون .....
هنا قاطعته .. قائلاً :
يا سعودي من هم الذين يقولون !
فَلَو كان أهله يعظمونه فهو من حقهم
على فرض أنه فعل لهم الكثير كما تقول فمن
باب الأنصاف تعظيمه وذكره بالثائر
أو أبا الأحرار حتى !
ولكن فلم تعظمنه أنت ! هل أنت كوبي ؟
سعد : وهل هو من كوبا ؟
أنا : نعم يا سعد ، أنه من كوبا ولكن لم يكن كوبياً
بل كان مكسيكي الأصل ، وفي كون لماذا فعل كل هذا
لكوبا ، هذا الأمر أختلف عليه الكثيرون .
سعد : لم أكن أعرف ذلك !
أنا : هناك أمور كثيرة لا تعرفها يا سعودي وليس مهم هنا
أخبارك بأن صاحبك هذا رجل عصابات وقاتل ، بل الأهم
هو أنك لديك بطل .. بل أكثر من بطل
فلما تتركهم لتتأثر بشخص تجهله ، لمجرد أنهم " قالوا" !
سعد : فهمت عمو ..
أنا : سعودي حبيبي أنا هنا لست بناقد لك ، ولا مستهزيء !
لا .. أنت فتى ذكي وتدرك ما تفعل ، ولكن يحصل أحياناً للأنسان
بعض الأخطاء ، والأنسان القوي هو من يتدارك أخطاءه .
سعد : حسناً سأحرق التي شيرت هذا ..
أنا : لا لا يا سعودي !
سعد : بعد كل هذا الكلام ! لماذا تقول لا عمو !
أنا : يا حبيبي ، لا تكن ذَا حدين - يعني لو أبيض لو أسود - أما تمجيد .. وأما أحراق ! بل أرتديه إن أردت ، ولكن لا تمجده يا سعودي .. لا تقل شيء لا تؤمن به أو تعرفه على أقل تقدير .
أترى هذا الجبن الذي في يدي ، لا آكله حتى أعلم محتوياته ، الأمر مشابه بشكل ما . أنت رجل يا سعودي ، والرجل مسؤول
عما يقول ويفعل . فهم عندهم جيفارا أبا الأحرار ونحن عندنا الإمام الحُسَيْن ع أبا الأحرار ، فمن تفضل أنت ؟
سعد : طبعاً الإمام الحُسَيْن ع .
أنا : أتعلم يا سعد ، أن في الحديث قد جاء بما معناه ؛ لا يقاس
بآل محمد أحد . يا سعودي أن لك قلب مؤمن إن شاء الله ، وأني
أراك تحب الثقافة والتطلع .
سعد : نعم يا عمو أنا الأول على صفي ، وأنا أريد أخبارك بأمر
أنا : قل يا سعودي .. أتريد شراء شيء ؟
سعد : لا لا .. ولكن أحببت أن أخبرك قبل ذهابي ، بأني كنت أرتدي هذا التي شيرت ، لأنه " موديل " فأصدقائي يرتدون أيضاً تي شيرتات بها صور أخرى مثل ماركس ولينين وغيرهم .
أنا : ألم أقل لك أن لك قلب مؤمن ، وأنت رجل مثقف وشجاع . فالأعتراف شجاعة يفتقر أليها الكبار أمثالي يا سعودي !
سعد : في أمان الله عمو
أنا : في أمان الله يا بطل .
ألتفت ألي أبو عماد قائلاً : هل يرغب جميع الأولاد هذه التي شيرتات ذات الصور ؟
أنا : ذلك واضح يا أبا عماد ، أما تراهم ..
أبو عماد : غداً سأذهب " للشورجة " وأشتري كمية كبيرة منها الظاهر إن بها ربح وفير !
أنا : !!! ماذا !
فأعطيته الجبن وهممت بالخروج ، فناداني مستهزئاً :
ماذا ، هل وجت به منفحة حيوانية ؟
أنا : لم تكن " الحيوانية " في الجبن يا أبا عماد ، كانت بمكان آخر !
فسكت متحيراً .
كان الحوار بالعامية طبعاً - ولكن لا يمكن نقله كما هو أكيد ..
منقول بتصرف .. من أرض الواقع المرير .. تحيتي لكم أحبتي
قسم الرقابة .