أكثر من مرة كتب الوسط في إفتتاحياته أن أزمة سحب الثقة التي أخذت أكثر من شهرين حتى الآن،
ومن قبلها المعركة الضارية التي إندلعت بين الرئيسين البارزاني والمالكي، هي من تفرعات قضية نائب رئيس الجمهورية الهارب طارق الهاشمي، فقد تم التعامل معها بطريقة خاطئة رغم أحقية الحكومة في ملفات الإدانة والأدلة التي تثبت تورطه في الارهاب. وبدل أن تكون قضية الهاشمي نصراً ومنجزاً للحكومة وأجهزتها الأمنية، فانها تحولت الى أزمة حادة،
المستهدف فيها السيد المالكي، والناجي منها هو طارق الهاشمي الهارب الملاحق قضائياً، الذي يعيش بإرتياح وأمن وأمان في ضيافة متنقلة بين قطر والسعودية وتركيا.كان أبطال الأزمة وصناعها، مقربون من السيد المالكي، بعضهم تصرف ببساطة وسذاجة ومزاجية، مدفوعاً بالرغبة الطاغية في التصريح أمام وسائل الإعلام،
وبعضهم يتحرك وفق حسابات ومصالح خاصة مدروسة وفق مقياس الربح والفائدة الشخصية.البعض الأول راح يطلق التصريحات الإستفزازية ضد القادة الكرد، فبدأت أولى حلقات الأزمة بين كتلة دولة القانون وكتلة التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي، ثم تلاحقت التصريحات لتضع الأزمة وسط الطريق بين السيد المالكي وبين السيد مسعود البارزاني،
ثم جاء من ينعشها بهجوم كلامي ساهم فيه مقربون من المالكي حول النفط والصادرات والحدود، وكأنهم أختزنوا هذه المشاكل العالقة، ليثيرونها في هذا التوقيت بالذات عبر وسائل الإعلام، وبذلك راحت تتراجع قضية الهارب طارق الهاشمي،
لتأخذ مكان الصدارة العلاقة بين بغداد وأربيل.
البعض الثاني من المحيطين بالسيد المالكي هم ضباط كبار تحدثوا معه عن قدرتهم بتوجيه ضربة عسكرية للأكراد، ويبدو أن هذا التوجه الغريب كان مقصوداً ومخططاً له بدقة، حيث جرى تسجيل صوتي سري للاجتماع، وصلت نسخته الى السيد البارزاني، وحدث ماحدث.(الضربة الموجعة هي التي تأتيك من المقربين.. عندما لا تعرف كيف تختارهم)،
هذه العبارة منسوبة الى أحد أباطرة روما القديمة، وقد ظلت متوارثة بين الملوك والحكام، يأخذ بها الحكيم منهم، ويرفضها المتهور، فتعززت سلطة هذا وضاعت سلطة ذاك.وعندما تفجرت دعوات سحب الثقة، بادر مقربون من المالكي الى تصعيد نشاطاتهم،
فصنعوا سلسلة من الأزمات والانتقادات للسيد رئيس الوزراء، نتيجة القدر الكبير من التصريحات والمواقف المرتبكة والغريبة.
على أن من الضروري التأكيد انهم لم يكونوا مغرضين يضمرون الشر لرئيس الوزراء،
ولكن مستوياتهم البسيطة هي التي تصنع المشاكل وتزيد الأزمة إشتعالاً.
لكن المنطق يفرض علينا أن لا نبقى نلقي اللوم على هؤلاء المقربين الذين لا يحسنون التصرف،
فهذا تحميل لهم فوق طاقتهم، إنما المنطق يفرض على السيد المالكي أن يقدم على خطوة شجاعة حاسمة،
يعيد فيها بناء فريقه وتشكيلاته المقربة، بأشخاص لهم كفاءتهم وقدرتهم على التفكير والتخطيط والعمل،
وبذلك سيعطي إنطباعاً صادقاً بانه يريد الحل وانه يسعى الى الاصلاح الجاد في العملية السياسية.