صور من حياء الزهراء عليها السّلام
صور من حياء الزهراء عليها السّلام
ينقل لنا التاريخ صوراً مشرقة لخصلة أخرى من الخصال الحميدة التي امتازت بها سيّدة النساء عليها السّلام، فقد كانت حَيِيّةً يغلب عليها الحياء، كما هو المفترض من المرأة المؤمنة الصالحة العفيفة.
وقد رسمت الزهراء البتول عليها السّلام صورة الحياء المثالي في معناه الحقيقيّ، لأنّها ترى الحياء على أنّه حياءٌ من الأب، ومن الخطيب، ومن الزوج، ومن الله تعالى، ولنترك الروايات ترسم لنا هذه الصور المدهشة عن حياء سيّدة نساء العالمين عليها السّلام:
حياء العذراء الطاهرة
• يروي الشيخ الطوسي عن الضحّاك بن مزاحم، قال: سمعتُ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يقول ( وذكر قصّة خِطبة أمير المؤمنين للزهراء عليها السّلام، إلى أن يصل إلى قوله: )
فقلت: يا رسول الله، فاطمة تُزَوِّجنيها ؟
فقال: يا عليّ، إنّه قد ذَكَرها قبلك رجال، فذكرتُ لها ذلك، فرأيتُ الكراهةَ في وجهها، ولكنْ على رَسْلك حتّى أخرج إليكَ. فدخل عليها فقامت إليه فأخذت رداءه ونَزَعتْ نعلَيه وأتته بالوَضوء ( أي ماء الوضوء )، فوضّأتْه بيدها، وغَسَلتْ رِجلَيه، ثمّ قَعَدتْ، فقال لها: يا فاطمة!
فقالت: لبّيكَ، حاجتك يا رسول الله ؟
قال: إنّ عليّ بن أبي طالب مَن قد عَرَفتِ قرابتَه وفضلَه وإسلامَه، وإنّي قد سألتُ ربّي أن يُزوّجكَ خيرَ خلقِه وأحبَّهم إليه، وقد ذَكَر مِن أمركِ شيئاً، فما تَرَين ؟ فسكتتْ ولم تُوَلِّ وجهَها ولم يَرَ فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتُها إقرارُها. فأتاه جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد، زوِّجها عليّ بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها له، ورضيه لها (45).
• ويروي المجلسي حديثاً عن عبدالله بن مسعود، تحدّث فيه عن زواج أمير المؤمنين وفاطمة عليها السّلام، جاء فيه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله استدعى فاطمة عليها السّلام بعد انتهاء وليمة الزواج، فأقبلت عليها السّلام فلمَّا رأتْ عليّاً عليه السّلام جالساً إلى جنب رسول الله صلّى الله عليه وآله حصرتْ وبكت ( أي استحيت وانقطعت )، فقال لها النبيّ صلّى الله عليه وآله: ما يُبكيكِ ؟ فواللهِ ما ألوُتكِ ونفسي فقد أصبتُ لكِ خيرَ أهلي. وأيمُ الذي نفسي بيده، لقد زوّجتُكَهِ سيّداً في الدنيا، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين، فَلانَ منها وأمكنتْه من كفّها (46).
• وروى الإربلي في ( كشف الغمّة ) عن أسماء بنت عميس قالت:
كنتُ في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله. فلمّا أصبحنا جاء النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى الباب فقال: يا أمّ أيمن، إدعي لي أخي. قالت: هو أخوك وتُنكحه ابنتك ؟!
قال: نعم يا أمّ أيمن...
ثم قال: ادعي لي فاطمة، فجاءت خرقة ( أي لا تدري ما تفعل ) من الحياء، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: اسكني، لقد أنكحتُك أحبَّ أهل بيتي إليّ. ثمّ نضح عليها من الماء ودعا لها (47).
• وروى الشيخ الطوسي في الأمالي عن الإمام الصادق عليه السّلام قصّة خِطبة أمير المؤمنين عليه السّلام وزواجه، ذكر فيها وليمة الزفاف، ثمّ قال: حتّى إذا انصرفت الشمس للغروب قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا أمّ سلمة، هلمّي فاطمة؛ فانطلقتْ فأتت بها وهي تسحب أذيالها وقد تصبّبتْ عَرَقاً حياءً من رسول الله صلّى الله عليه وآله، فعثرت، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: أقالكِ اللهُ العثرة في الدنيا والآخرة، فلمّا وقفتْ بين يديه كشف الرداء عن وجهها حتّى رآها عليّ عليه السّلام، ثمّ أخذ يدها فوضعها في يد عليّ عليه السّلام، فقال: بارك الله لكَ في ابنة رسول الله، يا عليّ، نِعم الزوجة فاطمة؛ ويا فاطمة، نِعم البعلُ عليّ (48).
• وروى المجلسي عن شرحبيل بن سعيد الأنصاري، قال:
لمّا كانت صبيحة العرس أصاب فاطمة عليها السّلام رِعدة، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: زوّجتُك سيّداً في الدنيا، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين (49).
حياء الزهراء الطاهرة عليها السّلام من الله تعالى
• روى ابن بابويه في كتاب « مولد فاطمة عليها السّلام » عن الإمام زين العابدين عليه السّلام قال: قال عليّ بن أبي طالب لفاطمة عليهما السّلام: سألتِ أباكِ ـ فيما سئلتِ ـ أين تَلقَينه يوم القيامة ؟ قالت: نعم، قال لي: اطلبيني عند الحوض.
قلتُ: إن لم أجدك ها هنا ؟ قال: تجديني إذاً مستظلاً بعرش ربّي، ولن يستظلّ به غيري.
قالت فاطمة: فقلت: يا أبه، أهل الدنيا يوم القيامة عُراة ؟
فقال: نعم يا بُنيّة... وإنّه لا يلتفت فيه أحدٌ إلى أحد.
قالت فاطمة: فقلت له: واسوأتاه يومئذٍ من الله عزّوجلّ!
فما خرجتُ حتّى قال لي: هبط عليّ جبرئيل الروح الأمين عليه السّلام فقال لي: يا محمّد، إقرأ فاطمة السلام وأَعْلِمها أنّها استحيت من الله تبارك وتعالى، فاستحيى الله منها، فقد وعدها أن يكسوها يوم القيامة حُلَّتَين من نور.
قال عليّ عليه السّلام: فقلتُ لها: فهلاّ سألتيه عن ابن عمّك ؟
فقالت: قد فعلتُ، فقال: إنّ عليّاً أكرم على الله عزّوجلّ من أن يُعريه يوم القيامة (50).
• وروى فرات الكوفي في تفسيره عن أبي سعيد الخدري، قال:
أصبح عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم ساغباً، فقال: يا فاطمة، هل عندكِ شيء تغذّينيه ؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمكَ بالوصيّة، ما أصبح الغداةَ عندي شيء، وما كان شيء أُطعمناه مُذ يومَين، إلاّ شيء كنتُ أُؤثركَ به على نفسي وعلى ابنيَّ الحسن والحسين، فقال عليّ: يا فاطمة، ألا كنتِ أعلمتيني فأبغيكم شيئاً ؟!
فقالت: يا أبا الحسن، إنّي لأستحيي من إلهي أن أُكلّف نفسك ما لا تقدر عليه (51).
حياء الزهراء عليها السّلام من أمير المؤمنين عليه السّلام
• روى الشيخ الطوسي في الأمالي عن الإمام الصادق عليه السّلام قصّة خِطبة أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة الزهراء عليها السّلام، جاء فيها:
قال عليّ عليه السّلام: فأخذتُ بيد فاطمة وانطلقتُ بها حتّى جلستْ في جانب الصُّفّة، وجلستُ في جانبها، وهي مُطرقة إلى الأرض حياءً منّي، وأنا مُطرقٌ إلى الأرض حياءً منها، ثمّ جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال: مَن ها هنا ؟ فقلنا: ادخل يا رسول الله، مرحباً بك زائراً وداخلاً. فدخل فأجلس فاطمة عليها السّلام من جانبه، وعليّاً عليه السّلام من جانبه، ثمّ قال: يا فاطمة إئتيني بماء، فقامت إلى قَعْبٍ في البيت فملأته ماءً ثمّ أتته به، فأخذ منه جُرعة فتمضمض بها ثمّ مجّها في القعب، ثمّ صبّ منها على رأسها، ثمّ قال: أقبِلي، فلمّا أقبلتْ نَضَح منه بين ثدييها، ثمّ قال: أدبِري، فلمّا أدبرتْ نضح منه بين كتفَيها، ثمّ قال: اللهمّ هذه ابنتي وأحبّ الخلق إليّ، اللهمّ وهذا أخي وأحب الخلق إليّ، اللهمّ لك وليّاً، وبك حفيّاً، وبارِك له في أهله. ثمّ قال: يا عليّ، ادخل بأهلك، بارك الله لك، ورحمة الله وبركاته عليكم، إنّه حميد مجيد (52).
شبكة الامام الرضا عليه السلام
منقول