كيف السبيل للإصلاح؟ .. سؤال يطرحه لويس إنريكه في خلده أملاً في العثور عن حل لدفاعه المهزوز قبل موقعة الـ"بيرنابيو".باسم السالمي
باتت القمة الإسبانية الملتهبة على المشارف، ومع دنوّها تتزايد مخاوف محبّي برشلونة في شأن هاجسهم الأكبر، المتعلق حصراً بهشاشة الخط الخلفي لفريقهم، الذي أضحى في هذا الموسم عرضة للإنتهاك من قبل صغار الليغا قبل كبارها.
معضلات برشلونة مع دفاعه ليس موضوعاً حديث العهد أو الطرح، فإن كانت مدرسة البرصا هي العنوان الأول لفنون الكرة هجوماً، فهي أيضاً مرجع ثابت للوهن الدفاعي، فمنذ زمن يعاني مفخرة كتالونيا من قصوره المزمن على مستوى الخط الخلفي، مشكل لازم أجياله المتعاقبة، برغم بعض الأسماء الرائعة التي مرّت على هذا الخط الحسّاس، لعلّ آخرهم "الصخرة" كارليس بويول.
الهاجس الأساسي

لا شك أنه الهاجس الأساسي لفظاً ومعنًى.. دفاع برشلونة لم يعد توصيفاً عادياً كأي دفاع لأي فريق، بل أصبح هو التعريف الحقيقي للمشكل في حد ذاته.
أخطاء واضحة وهنّات فاضحة، أصبحت معتادة لمتابعي الـ"بلاوغرانا"، في ظل عجز إدارة الفريق ومدربيه منذ أمد، على إيجاد دواء لهذا الدّاء، فلا اللجوء إلى شتلات "لاماسيا" نفع ولا حتى الوافدون على أنواعهم نفعوا، حيث بدا لوهلة، أنّ "الخراب" الدفاعي في بيت برشلونة هو قدر أزلي، سيسعى "الملكي" إلى ترسيخه أكثر بزيادة غلته من الأهداف في شباك غريمه على بساط الليغا إلى أكثر من 278 هدفاً.

قبل موعد تقليدي وذو حساسية خاصة جداً كالكلاسيكو، يبحث المدرب إنريكه عن ضالّته، في تركيبة دفاعية من ضمن الموجودين، تحفظ له ارتكاب أقل عدد من الأخطاء الفادحة، حتى يتجنّب نتيجة "فضائحية" في لقاء سانتياغو بيرنابيو هذا السبت، الذي سيوظّف فيه أهل الدار كل جهودهم للبصم على فوزهم الثاني والخمسين على أرضهم لحساب منافسات الدوري.
بعيداً عن أسلوب التكهّنات، قد تبدو اجتهادات إنريكه البعيدة عن المثالية سبباً هي الأخرى في ما وصل إليه الفريق حتى الآن.
الاستقرار.. كلمة لا يعرفها إنريكه

السر في أي تركيبة دفاعية ناجحة ومتماسكة داخل أي فريق تعتمد قطعاً على كلمة واحدة.. تعرف بـ"الإستقرار".
وفيما يبدو، لا وجود لهذه الكلمة في معجم مدرب برشلونة، الذي قام بمجازفة جنونية، منذ بداية هذا الموسم، تمثلت في تغييره لثنائي محور الدفاع في 15 مناسبة كاملة من جملة 19 مباراة رسمية لعبها فريقه في كل المسابقات حتى الآن، وتحديداً منذ موعد السوبر الأوروبي الذي حسمه البرصا أمام إشبيلية (5-4) وحتى الوصول إلى الجولة الحادية عشرة من الليغا، التي فاز فيها الفريق على ضيفه فياريال (3-0).
منافسات الدوري الإسباني بدورها، لم تسلم من عاصفة التجارب والتغييرات التي ضربت الخط الخلفي الكتالوني، حيث تغيّر ثنائي المحور في 6 مباريات من جملة 11 خاضها الفريق في المسابقة.
لغة الإحصائيات بدورها، تكشف أموراً عدّة في دفاع البرصا منها ما هو منطقي ومنها أيضاً ما هو بعيد جداً عن المنطق، ومن الأمور المفهومة مثلاً أن يستهلّ جيرارد بيكيه - نظراً لخبرته - معظم المباريات أساسياً وهو أكثر المدافعين ثباتاً في التشكيل حيث خاض 12 مباراة كأساسي (891 دقيقة)، مقارنة بزملائه (فيرمايلين 6 مباريات و386 دقيقة + بارترا 6 مباريات و382 دقيقة + جيريمي ماتيو 5 مباريات و701 دقيقة).

المتأمل في هذه الأرقام، يلاحظ أن الفرنسي ماتيو الذي سجّل حضوره كأقل لاعب يبدأ أساسياً يسجّل في رصيده عدد دقائق أعلى بكثير من زميليه فيرمايلين وبارترا، اللذان يفوقانه في عدد المباريات التي بدأ فيها كأساسيين، وهذا عائد إلى اعتماد إنريكه على ماتيو في خطة الظهير الأيسر في حالة إصابة جوردي ألبا، وهي نفس حالة متوسط الميدان الأرجنتيني خافيير ماسكيرانو (9 مباريات كأساسي و1007 دقائق)، الذي يقضي غالب وقته في خطة المحور عوض مركز متوسط الميدان الدفاعي، الذي يعتبر مركزه الأصلي.
في المحصلة، كان وقع هذه التغييرات وخيماً على تجانس الدفاع في جميع المسابقات، حيث تكبّد 23 هدفاً كاملاً مع عدم بلوغنا إلى منتصف الموسم حتى، وهو ما قد يؤشر إلى حصيلة كارثية في نهاية الموسم، قد تجبر البرصا على رمي المنديل في استحقاقاته المقبلة، إذا ما تواصل الحال على ما هو عليه.
تقهقر سببه غامض

لغز جديد يظهر داخل فريق إنريكه، متمثّل في التراجع المخيف لمردودية خط الظهر مقارنة بالموسم المنقضي، ووجه الغموض هنا أنّ النادي لم يقم بأية تعزيزات لصفوفه الدفاعية، أي أنّ الأسماء عينها هي من تؤثث الدفاع، وبالرغم من ذلك فقد سجّل دفاع الفريق تقهقراً مخيفاً حتى الآن، إذ يعتبر ثاني أسوء خط دفاع ضمن سباعي المقدمة في الليغا (قبلت شباكه 12 هدفاً)، ولم يتجاوزه في هذا السوء سوى سلتا فيغو (قبلت شباكه 18 هدفاً).
وجه الطرافة الآخر، أنّ برشلونة كان صاحب أفضل دفاع في الموسم الماضي، حيث تلقّت شباكه 21 هدفاً فقط، في حين أنّه سجّل أكثر من نصف هذه الحصيلة قبل انتصاف الموسم، وهو ما يعدّ مؤشراً سيّئاً.
من المفارقات أيضاً، أنّ الفريق حافظ على نظافة شباكه في المباريات الأربع الأخيرة بمحاور دفاع مختلفة: (ماتيو + بيكيه، في مباراتي الليغا مع خيتافي 2-0 وفياريال 3-0) و(بارترا + فيرمايلين، في مباراة كأس الملك مع فيانوفينسي 0-0) و(ماسيكرانو + فيرمايلين، في مباراة دوري الأبطال مع باتي بوريسوف 3-0).
ما السر وراء هذه الفلسلفة؟

تهون الملايين لأجل ألمع نجوم الهجوم، وتشحّ الجيوب عند الحديث عن تأمين الدفاع.. تلك هي استراتيجية النادي الكتالوني منذ عشريات خلت، وإلى يومنا هذا لا يعلم أحد أي إجابة عن هذا السؤال.. لما لا يدعمّ برشلونة صفوفه بمدافعين أفذاذ وذوي قيمة مالية أو تسويقية عالية؟
قد يذهب أحدهم إلى التمسّك بالمقولة المشهورة "الهجوم أحسن وسيلة للدفاع"، أي أنّ الاعتماد الأساسي يكون على الغزارة التهديفية في مرمى الخصوم لتجاوز الأهداف المقبولة، ولكنّ هذا النهج ليس مضموناً بل وإنّه عتيق جداً، على اعتبار أنّ هجوم أي فريق لن يكون قادراً على تدوين 4 أو 5 أهداف في كل مباراة بشكل منتظم حتى يؤمّن نتيجة الفوز، فتأمين خط الظهر أمر لا مناص منه في الكرة الحديثة التي تطوّرت كثيراً فنياً وبدنياً وتكتيكياً.
موعد الكلاسيكو، سيكون امتحاناً قوياً لدفاع البرصا، الذي سيحكم على فلسفة النادي العريق إمّا بالنجاح المؤقت أو الفشل المستمر.