اسعد الله صباحكم بكل خير
السؤال الأول: ما مقدار حدود سلطة الشيطان على الإنسان؟
الجواب: ليس للشيطان سلطة أكثر من التزيين والتسويل والوسوسة والنزغ، أي لا يجبر الإنسان على ارتكاب المعاصي ولا يسلبه الاختيار في الأفعال وهذا ما جاء في لسان الآيات والأحاديث التالية:
1 آية تشير إلى النزغ أي الإغراء بين الناس وحمل بعضهم على بعض كما في قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم}( سورة الأعراف، الآية: 200).
2 آية تشير إلى إظهار القبيح حسنا فيتصوره الإنسان نفعا فيقع فيه كما في قوله تعالى: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب}( سورة الأنفال، الآية: 48).
3 آية تشير إلى الوسوسة وأثرها القبيح كما في قوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس}( سورة طه، الآية: 12).
4 آية تشير إلى التسويل كما في قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم} (سورة محمد، الآية: 25).
السؤال الثاني: ما هي الوسائل التي يتخذها الشيطان لإيقاع الإنسان في المعاصي أو الكفر؟
الجواب: الوسائل كثيرة وقد ذكر منها أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث فتن هي بمثابة أصول الفتن ليفتتن بها الإنسان فيقع في معصية الله تعالى: «الفتن ثلاث: حب النساء وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر وهو فخ الشيطان، وحب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان»( كنز العمال: 30883. ميزان الحكمة: ج5، ص1921، ح9376).
السؤال الثالث: ما هو ردنا على الذي يلقي باللوم على الشيطان عند وقوعه في المعصية؟
الجواب: إن إلقاء اللوم على الشيطان هو هروب من المسؤولية وعدم الاعتراف بالتقصير، لما تقدم من أن إبليس ليس له إلا التزيين والوسوسة دون الإجبار على الفعل كما أن الشيطان يتبرأ من فعل الإنسان السيئ ويلقي باللائمة عليه كما في قوله تعالى: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بمآ أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم }( سورة إبراهيم، الآية: 22).
ورد أمير المؤمنين عليه السلام على من يلعن الشيطان الذي أوقعه في المعاصي بقوله: «لا تسبن إبليس (الشيطان) في العلن وأنت صديقه في السر»( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج20، ص329، ح767).
السؤال الرابع: ما هو ردنا على من يقول أن شيطانه تغلب عليه فأوقعه في المعصية؟
الجواب: هذا تبرير يدل على التنصل من المسؤولية ودفع التقصير عن النفس حيث إن الشيطان لا قدرة له على المؤمن القوي لسببين هما:
ألف: ضعف كيد الشيطان كما في قوله تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}( سورة النساء، الآية: 76).
باء: إن المؤمن القوي هو الذي يجاهد الشيطان فينتصر عليه، وأما من يضعف أمام الشيطان ويستسلم له لا يعد من المؤمنين الأقوياء (والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) ولذلك ينصحنا الإمام الكاظم عليه السلام في وصيته لهشام: «فله (أي لإبليس) فلتشتد عداوتك، ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته؛ فإنه أضعف منك ركنا في قوته، وأقل منك ضررا في كثرة شره، إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم»( تحف العقول: ص400. ميزان الحكمة: ج5، ص1925، ح9387).
وفي رواية عن الإمام الكاظم عليه السلام لما سئل عن أوجب الأعداء مجاهدة قال: «أقربهم إليك وأعداهم لك... ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس»( تحف العقول: ص399. ميزان الحكة: ج5، ص1920، ح9370).
السؤال الخامس: لماذا ترك الله تعالى الشيطان يعبث بعباده؟
الجواب: نعلم أن هذه الدنيا هي دار امتحان واختبار ولكي يتحقق الثواب والعقاب فلابد من فتنة يفتتن بها المؤمن لكي يستحق أحد الأمرين من الثواب أو العقاب وهذا هو عين العدل الإلهي كما في قوله تعالى: {وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ}( سورة سبأ، الآية: 21).
السؤال السادس: ما هي الطريقة المثلى للتخلص من فتن الشيطان؟
الجواب: الأمر واضح لكل ذي لب وهو أن الالتجاء إلى الله تعالى والتمسك بحبله والاستعاذة به خير الطرق المنجية من الشيطان الرجيم كما في قوله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون}( سورة المؤمنون، الآيتان: 97 و98).
وقوله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}( سورة النحل، الآية: 98).
وقوله تعالى: {فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}( سورة آل عمران، الآية: 36).
وقوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}( سورة الأعراف، الآية: 200).
وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «أحمد الله وأستعينه على مداحر الشيطان ومزاجره (مزاحره)، والاعتصام من حبائله ومخاتله»( نهج البلاغة: الخطبة 151).
السؤال السابع: من هو الذي ينجو من إبليس؟
الجواب: لا ينجو منه إلا العباد الذين يخشون الله تعالى ويعبدونه كأنما يرونه وهذا ما أشار إليه قوله تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} (سورة النحل، الآية: 99).
وقوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}( سورة الحجر، الآية: 42).
وهذه العبادة التي يجب أن يتصف بها من يريد النجاة من إبليس بينها الإمام الصادق عليه السلام بقوله: «قال إبليس: خمسة (أشياء) ليس لي فيهن حيلة وسائر الناس في قبضتي: من اعتصم بالله عن نية صادقة واتكل عليه في جميع أموره، ومن كثر تسبيحه في ليله ونهاره، ومن رضي لأخيه المؤمن بما يرضاه لنفسه، ومن لم يجزع على المصيبة حين تصيبه، ومن رضي بما قسم الله له ولم يهتم لرزقه»( الخصال: ص285، ح37. ميزان الحكمة: ج5، ص1928، ح9401).
وكما أشار الإمام الباقر عليه السلام إلى ضرورة الخوف من الله تعالى خوفا حقيقيا بقوله: «تحرز من إبليس بالخوف الصادق»( بحار الأنوار: ج78، ص164، ح1. ميزان الحكمة: ج5، ص1928، ح9402).
وهناك طريقة سهلة يتبعها العبد ليسلم من براثن إبليس أشار إليها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «أكثر الدعاء تسلم من سورة الشيطان»( بحار الأنوار: ج78، ص9، ح64. ميزان الحكمة: ج5، ص1928، ح9403).
السؤال الثامن: إذا لم يكن لإبليس سلطان على الذين آمنوا كما تصرح به الآية الكريمة: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} فكيف نفسر تعرض بعض المؤمنين لأضرار إبليس؟
الجواب: إن سلطة إبليس محصورة بالجانب المادي أي لا يستطيع أن يلحق الضرر إلا بالجنبة المادية من الإنسان دون الجنبة المعنوية، أي أن دينه وعقائده مصونة من قبل الله سبحانه وتعالى وهذا ما يصرح به الإمام الصادق عليه السلام:«يسلط والله من المؤمن على بدنه ولا يسلط على دينه، قد سلط على أيوب عليه السلام فشوه خلقه ولم يسلط على دينه»( الكافي: ج8، ص288، ح433. ميزان الحكمة: ج5، ص1929، ح9405).