جانب من خطبة الجمعة 19 للسيد الشهيد الصدر حول أطلاق صيغة الجمع على المفرد .
ومن الامور السائرة والمشهورة جدا في الحوزة الشريفة وغيرها نداء المؤمن بضمير الجمع، يقول له: (جئتم، وقلتم، وذهبتم)، ولايجوز في نظره مخاطبته بضمير المفرد. مع اننا نخاطب الله بضمير المفرد ! كقوله في بعض الادعية: (اللهم انك قلت في كتابك المنزل). وفي القران الكريم، ولعلي لا احفظ الاية: ((تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب )). ونخاطب المعصومين عليهم السلام، بضمير المفرد،كقوله في بعض الزيارات: (اني اشهد انك تسمع سلامي وترد جوابي). فهل كان هؤلاء المؤمنين اعظم شأنا من الله ورسوله ؟! الا حسب دعاوى النفس الامارة بالسوء، وطلب الدنيا والشهرة. واصبح هذا راسخا، حتى اصبحت اللغة الفارسية يعيدون فيها ضمير المخاطب وضمير الغائب جمعا، فيقول (هم قالوا، وهم ذهبوا) ونحو ذلك حيث يقصد الواحد بطبيعة الحال. وهذا ايضا من المؤسف بطبيعة الحال. شانه في ذلك شان تقبيل اليد. واما اذا غضب الفرد لعدم تقبيل يده، او لاجل عدم مخاطبته بضمير الجمع، بل مخاطبته بالضمير المفرد. فاعلم انه خارج من رحمة الله، وداخل في غضب الله. وقد رووا في ذلك رواية تقول: (ان المؤمن بجماعة)، فكانه اذا يجب اعادة الضمير اليه، (ضمير جماعة)، او (ضمير الجمع)، وهذه الرواية لاوجود لها اطلاقا، ولو كانت موجودة فهي مرسلة وضعيفة السند وليست بحجة. ولو تنزلنا وقبلناها امكن ان نفهم منها معنى اخر غير اعادة ضمير الجمع، ولا ربط لها بذلك اصلا، وهو التركيز على اهمية المؤمن، ومدى ارتفاع شأنه عند الله، ومدى تاثيره في المجتمع، فان تاثيره كتاثير الجماعة كما يعبرون (واحد كألف) او كما يعبرون عن واحد انه كفرقة كامله في الجيش بكامل اسلحتها. والمؤمن المخلص الشجاع كذلك بطبيعة الحال..
وهذا لايعني انه ليس فردا واحد (إذا كان مهما جدا) بحيث يجب في اللغة ان تعيد الضمير اليه مفردا، ومن الغلط في اللغة اعادة الضمير اليه جمعا. بل الوارد في الروايات، هُو اختصاص الضمير بالمفرد وعدم امكان ارجاعه إليه جمعا. ففي الحديث عن منصور بن حازم عن ابي عبد الله الصادق (سلام الله عليه)، قال: (ثلاثة ترد عليهم رد الجماعة، وان كان واحدا. عند العطاس تقول يرحمكم الله، وان لم يكن معه غيره. والرجل ليسلم على الرجل فيقول السلام عليكم. والرجل يدعو للرجل يقول عافاكم الله وان كان واحدا، فان معه غيره). وهذه واضحة بالحصر في هذه الموارد الثلاثة ،معناها انه في غير هذه الموارد الثلاثة ممنوع ومرجوح، وليس من الادب الاسلامي. فان قلنا باستحبابها (أي باستحباب هذه الموارد). فلا دليل على الاستحباب في غيرها، مضافا إلى انها لاتدل على الاستحباب حتى في هذه الموارد. لإمكان ان الامام عليه السلام هنا يريد ان يرفع هذه الغرابة في اعادة الضمير جمعا الى المفرد في هذه الموارد. وهذا الاسلوب هنا اسلوب عرفي، وليس اسلوباً خاصاً بالشرع، فيريد الامام (عليه السلام) ان يرفع الغرابة عن هذا الاسلوب العرفي، مضافا إلى ان الامام (عليه السلام) يحاول ان يصحح هذه الاستعمالات الثلاثة، حيث يقول: (فان معه غيره)، يعني من الملائكة. انت، اليس معك ملائكة؟. انا اقول نعم معك ملائكة، وكل فرد منا معه ملائكة بنص القران الكريم: السائق، والشهيد، والرقيب، والعتيد، والحافظ، والولي. ((نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا والاخرة)). اذن فهذه الاستعمالات ليست غلطا، لانها فعلا موجهة لمجموعة أي للمؤمن وملائكته.
وهذا لايصحح اعادة الضمير دائما في الجمع، لأن عافاكم الله، والسلام عليكم، دعاء للمؤمن والملائكة. واما قولنا ذهبتم، وقلتم، ونحو ذلك خطأ، لأن الفرد قال ولم تقل الملائكة شيئاً، والفرد ذهب ولم تذهب الملائكة، والفرد نام والملائكة لاتنام، والفرد اكل الطعام والملائكة لاتأكل الطعام. تقول له نمتم واكلتم والملائكة لم تفعل ! إذن يكون كذبا حبيبي.