"كشف" في أفراح السودان وأحزانها العاقبة عندكم في المسرّات"، و"دامت أيامكم أفراحاً"، عبارتان من عبارات كثيرة تختم بها عادة بطاقات الدعوة الخاصة بحفلات الزفاف في السودان، كإشارة من صاحب الزفاف أو العرس كما يطلقون عليه، على رغبته في "الكشف". أما "الكشف"، فهو تقليد شعبي سوداني تشتهر به جميع القبائل من دون استثناء. وهو عبارة عن مساعدات مالية قد تكون أحياناً رمزية تدفع في الأفراح والأحزان كجزء من منظومة التكافل الاجتماعي، للمساهمة في مصاريف تلك المناسبات. ومع ذلك، فإنّ البعض قد يرفض "الكشف"، فيذيّل دعوته بكلمة "شكراً"، فيفهم المدعو أنّ الأعباء المالية رُفعت عنه. يتولى مسؤولية "الكشف" عادة أحد أقرباء الأسرة صاحبة المناسبة، فيختار مكاناً بارزاً في مقر العزاء أو الزواج ويحمل دفتراً يدوّن فيه اسم من يقصده، والمبلغ الذي تفضّل به. ويصبح هذا المبلغ بمثابة دين على صاحب المناسبة الذي يحتفظ بالدفتر طوال سنوات، على أن يردّ لكلّ اسم من الأسماء المدونة ضعفي ما أخذ منهم في مناسباتهم. ويسهم "الكشف" في حل الضائقة المالية، فيساعد في تكاليف المناسبات، لا سيما مع وصول أمواله إلى مبلغ أكبر من مبلغ الإنفاق على المناسبة عادة. وفي حال المرض، يحرص السودانيون على جمع الأموال من بعضهم البعض لمساعدة أسرة بعينها، خصوصاً إذا كانت لا تقوى على مصاريف العلاج. وقد يصل الأمر إلى حدّ تكفل الجماعة بأكملها بسفر أحد الأشخاص إلى الخارج للعلاج. كذلك، قد يعمد البعض إلى تقديم مساعدات عينية بدلاً من المال في "الكشف". ويأتي هؤلاء بأكياس سكر مثلاً، أو خراف، أو مواد تموينية أخرى تخفف قليلاً عن أصحاب المناسبة. ولا يتوقف "الكشف" عند حدود السودان، بل يمتد إلى المهاجرين أيضاً. فإذا كان للميت مثلاً أقارب في الخارج فتحوا دار عزاء له في المهجر، ليدفع فيه "الكشف" ويرسل ماله إلى أهل الميت كمساعدة لهم. "عموماً الكشف لا غبار عليه، ولو أنّ استخدامه أحياناً يعبّر عن بعض النزعات السلبية. لكن يجب تنقيته من هذه الشوائب ليبقى شعلة تضيء درب المجتمع وترياقاً يعالج الآلام. كذلك فإنّ دوره كبير جداً في المشاركة والتكاتف والتعاضد وتقوية النسيج الاجتماعي، إلى جانب قدرته على تعزيز درجة التواصل بين الأفراد والمجموعات، وتقوية الأواصر العاطفية، ما يشيع ثقافة السلام، ويعزز الشعور بالأمان والراحة .