النتائج 1 إلى 3 من 3
الموضوع:

اريد مساعدة في شعر

الزوار من محركات البحث: 8 المشاهدات : 523 الردود: 2
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق نشيط
    تاريخ التسجيل: April-2014
    الدولة: القطيف
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 172 المواضيع: 10
    التقييم: 69
    مزاجي: لاشي
    المهنة: طالبة جامعية
    أكلتي المفضلة: معجنات
    موبايلي: هواوي
    آخر نشاط: 19/August/2016
    مقالات المدونة: 4

    Rose اريد مساعدة في شعر

    سلام عليكم
    اني عندي بحث عن مقدمة الطللية عند الشعراء النقائص وأريد مراجع إذا تعرفون رحم الله والديكم

  2. #2
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: May-2014
    الدولة: حيث يقودني قلبي
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 85,946 المواضيع: 20,577
    صوتيات: 4586 سوالف عراقية: 663
    التقييم: 58815
    آخر نشاط: منذ 58 دقيقة
    مقالات المدونة: 1

    لعلهُ يُفيدك
    وكل التوفيق لكِ

    الطللية الجاهلية لحظة الشعر الأولى
    دراسة: رضوان السح
    إن بناء نظرية للشعر العربي بالدرجة الأولى مشروع في الطريق الصحيح لتلمس ذاتنا القومية، وذلك لما للشعر العربي الجاهلي من الأثر الخطير في صوغ الملامح الأولية لهذه الذات.
    والنظرية في الأدب إنما تعني في أبسط معانيها محاولة للتحليل بقصد التعليل والتفسير.
    إن دافعي المباشر لإنجاز هذه الدراسة كان وليد إطلاعي على كتاب في النقد لواحد من نقادنا المعاصرين هو الأستاذ يوسف اليوسف، والكتاب هو "مقالات في الشعر الجاهلي" وأخص بالذكر البحوث المتعلقة بالطللية الجاهلية وقد جاءت عبر دراستين:
    "اللحظة الطللية في القصيدة الجاهلية" و "نظريتنا في الطللية" وسنقف عند هاتين الدراستين متأملين حصيلة ما جناه اليوسف ورسمه بالنظرية، ساعين إلى ملامح نظرية أخرى عبر رؤية تحليلية جديدة تصل بنا إلى تعليل وتفسير جديدين، وإن كان الأمر لا يخلو من نقاط تقاطع مع الرؤى السابقة سواء تلك التي عرضها اليوسف، أم تلك التي تعرّض لها بالنقد وهي التفسيرات الخمسة المعروضة في كتاب "مقدمة القصيدة العربية في الشعر الجاهلي" لحسين عطوان وهي لابن قتيبة والمستشرق الألماني فالتر براونة وعز الدين إسماعيل ويوسف خليف وأخيراً تفسير صاحب الكتاب حسن عطوان.
    بداية نبدي تعاطفنا مع تفسيري ابن قتيبة وفالتر براونة، ونهمل تفسير عز الدين إسماعيل لتقاطعه كثيراً مع رأي براونة، ونهمل تفسير خليف لسذاجته حيث يرى في المقدمات الطللية حلاً لمشكلة الفراغ وكأن الوقوف على الرسوم الدوارس كان للتلهي وتزجية الوقت.
    ونهمل تفسير عطوان لإغراقه في التبسيطية، فالمقدمات الطللية كانت "ضرباً من الذكريات والحنين إلى الماضي" وهذا لا يتجاوز حدود وصف الظاهرة.
    إننا نلتقي مع ابن قتيبة في أن الشاعر الجاهلي إنما يلجأ إلى النسيب ليميل نحوه القلوب، ويصرف إليه الوجوه وليستدعي به إصغاء الأسماع إليه..." كتاب حسين عطوان ص 214".
    ويعترض اليوسف على هذا التفسير لأن دافع اللجوء إلى النسيب برأيه هو بسبب أن الجنسية هي أشد دوافعه (أي الشاعر) حاجة إلى التلبية"(1) ونحن لا نرى في التفسيرين إلا وجهين لعملة واحدة، والخلاف إنما ينشأ لحذف طبيعة الفن، فالفن الذي يجذب نفوسنا إنما هو المعبر عن أشد دوافع الفنان حاجة إلى التلبية.
    أما فالتر براونة فنلتقي معه في تفسير الطللية بالموقف الوجودي وذلك في مقالة بعنوان: "الوجودية في الجاهلية" نشرها في مجلة المعرفة السورية (حزيران-1963).
    فموضوع النسيب على براونة هو الموضوع الذي حرك الإنسان في كل زمان وهذا الموضوع هو اختبار القضاء والفناء والتناهي، فهنا تعبير عن التشاؤم ومخاوف الوجود وخوف الفناء والتناهي.
    ويأخذ اليوسف عند براونة هذا التفسير لابتعاده –برأيه- عن أخذ الواقع بعين الاعتبار فنعجب للسذاجة التي يتساءل بها يوسف اليوسف: "ترى لو كان عبيد بن الأبرص مواطناً في ألمانيا التي تجودها الأمطار خلال العام كله أفكان ثمة مبرر لأبياته هذه؟"(2).
    وأبيات بن الأبرص هي:
    أقفر من أهله ملحوب ××× فالقطبيات فالذنوب
    وبدلت من أهلها وحوشاً ××× وغيرت حالها الخطوبُ
    أرض توارثها شعوب ××× وكل من حلها محروب
    إما قتيلاً وإما هالكاً ××× والشيب شين لمن يشيب
    ولا أدري لماذا يستغرب اليوسف ويتساءل هذا التساؤل مع أن القلق الوجودي يشمل الإنسانية جميعاً إلا أن حدته تقوى وتضعف حسب الواقع كما لو أن هذا القلق يكون مصبوغاً بصبغة الواقع فوجودية طرفة بن العبد العربي الجاهلي هي بالتأكيد غير وجودية سارتر الفرنسي المعاصر.
    فالوجودي يعبر عن معاناته الوجودية من خلال عناصر واقعه الخاص وابن الأبرص لا يشكو شكوى واقعية من قلة المطر إنما يعرض مكابدة أمام أفاعيل الدهر "والشيب شين لمن يشيب".
    إن يوسف اليوسف يشدد على مسألة الواقع في تفسير الظاهرة الطللية ليخلص إلى نتيجة مفادها أن الطللية نتاج عناصر ثلاثة:
    "القمع الجنسي- الاندثار الحضاري- قحل الطبيعة"(3)
    ونتيجة اليوسف لا تتعارض مع الموقف الوجودي وإنما تكمله من خلال النظر إلى المسألة من زاوية أخرى، فالقمع الجنسي هو الدافع للنسيب، وتميل الأسماع –على رأي ابن قتيبة- للدافع ذاته فالقمع معاناة الشاعر والسّامع أيضاً، أما قحل الطبيعة والطبيعة الرعوية للمجتمع فهما اللذان منحا الطللية عناصرها الموضوعية حيث يرتحل القوم ومعهم الحبيبة ويحدث الفراق، وتظهر آثار الديار التي تشعل الذاكرة بالصور، وتكوي الفؤاد بالحنين، وتوحي بعد ذلك بالتلاشي والفناء والاندثار فيطفح الشعور الوجودي.
    الاندثار الحضاري:
    أما الاندثار الحضاري فهو العنصر الجديد الذي جاءت به نظرية يوسف اليوسف المفسرة لظاهرة الأطلال وهو بؤرة النظرية، ويعني أن الشاعر الجاهلي في (لا شعوره الجمعي) إنما هو حزين في طلليته لأنه افتقد حضارة.
    وربما نشأ هذا التقليد –في حدس اليوسف بعد ((خراب سد مأرب، أو من خراب الحضارات التي ازدهرت فعلاً في أماكن شتى من جزيرة العرب"(4).
    إن غياب الحضارة بمفهوم أوسع من هذا المفهوم يشكل –لا شك- سبباً إضافياً هاماً لتعليل الظاهرة الطللية، أما ضمن هذا المفهوم فإننا نطلب ولو تلميحات بسيطة من حنين الشاعر الجاهلي لإحدى هذه الحضارات. ولكن هذا الأمر نفتقده تماماً في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه قوى السطوع لكي تبنى عليه نظرية تأخذ منه سبباً أساسياً في تفسير ظاهرة الوقوف على الأطلال.
    واليوسف يسعى هذا المسعى لأنه يتعذر عليه "تفسير الظاهرة الطللية كحالة فردية تخص هذا العضو أو ذاك من أعضاء المجتمع"(5)
    إذا لم تكن الطللية بكاء على حضارة درست فهل هي بالضرورة تعبير عن حالة فردية؟! لا أعتقد ذلك، فليس الحنين لحضارة دارسة –المشكوك بوجوده- هو الرابط الأوحد بين الجاهليين فيما يخص الطللية فهم يشتركون في قحل الطبيعة والبيئة الرعوية والقمع الجنسي والقمع الوجودي.
    ولإصرار اليوسف على إبراز عنصر جديد لتعليل الظاهرة وهو الاندثار الحضاري راح يتمحل ويلوي بأعناق الأبيات الطللية ليقولها ما لا تقول، ويحملها ما لا تطيق، فيأتي بما لم نعتده فيه وهو المعروف برهافة ذوقه في قراءة النصوص ودقة محاكمته.
    فيرى أن عبارة "فلأيا عرفت الدار بعد توهم" هي بديل منطقي (وكذلك تعبير شاعري) عن أن يقول بأن الدار قد آلت إلى الاندثار بحيث بات من المتعذر تحققها إلا بعد التنقيب الأثري المكدود فكأنما هو عالم آثار ينقب عن مدينة بائدة"(6).
    وحول الظعن يقول: "الظعينة ذات صلة بالرحيل وعدم الاستقرار وبذلك تخفي وراءها الحاجة إلى الانصياع الحضاري المستقر..... فكأنما هناك علاقة تضايف بين أطلال الحضارة وتشرد السكان"(7)
    ويعلق على هذا البيت:
    فلما وردن الماء زرقاً جمامه ××× وضعن عصي الحاضر المتخيم

    بقوله: "إن الجاهلي يفهم الماء على أنه أصل لا لكل حياة وحيوية فحسب بل على أنّه منشأ الحضارات، وهذا حدا بالشاعر المتطلع ضمناً نحو ازدهار حضاري إلى إقرار ظعنه حول الماء"(8).
    ولا أملك هنا الآن إلا الدهشة: لو لم يدرك الجاهلي ذلك أما كان سيصل إلى إقرار ظعنه حول الماء؟!
    ويقرأ بعد ذلك في صور النباتات النامية على الأطلال والحيوانات التي اتخذت بيوتها بين الحجارة صورة للخصب المقابل للقحط والدمار حيث يرى تضاداً بين الأبيات الثلاثة الأولى والست اللاحقة من طللية لبيد.

    عفت الديار محلها فمقامها ××× بمنى تأبد غولها فرجامها


    ومن الأبيات الستة:
    فعلا فروع الأيهقان وأطفلت ××× بالجلهتين ظباؤها ونعامها

    فالشاعر –على رأي اليوسف- "يطرح الخصب كبديل عن القحل"

    ويقول: "إن صور الإخصاب جميعاً هي حاجات الشاعر الذي تكلم بلسان الجاهلية كلهم. أو هي الممكنات المطلوبة والمطروحة كتخط لما هو قائم"(9).
    وواضح أن الأمر ليس كذلك، وليس ثمة تضاد بين صورتين، وإنما الأبيات التسعة صورة واحدة نامية باتجاه الإغراق في الحزن والغربة حيث الشعور بالعدم والفناء، وليست مظاهر الخصوبة إلا توغلاً أكثر تأكيداً للشعور المأساوي للوجود. فما النباتات التي طالت والوحش التي توالدت سوى عضة القلب لطول الفترة المنقضية على رحيل أصحاب الديار، فيكون ما رآه اليوسف نقيضاً وخصوبة ليس أكثر من إيغال في الشعور المأسوي، وهو بيت القصيد.‏
    إن هذه الآراء جميعاً لليوسف ولمن سبقه في تفسير الطللية لم تأخذ بعين الاعتبار تعليل الطللية كظاهرة فنية، وإنما ذهبت فيها مذاهب التفسير لظاهرة اجتماعية، وباستثناء ابن قتيبة الذي نظر إليها من زاوية ترويج الصانع لبضاعته.‏
    ولا شك في أن الظاهرة الفنية لها دلالاتها وأسبابها الاجتماعية ولكن ينبغي ألا يجعلنا ذلك ننسى القوانين الداخلية للفن نفسه.‏
    لا بد من بحث طبيعة هذا الفن تقنيته مكانته غاياته والنظر إلى الأسباب ما أمكن.‏
    ينبغي أن نسأل مثلاً: لماذا وجدت الطللية في بداية القصيدة وليس في آخرها، أو لماذا لم توجد بشكل عشوائي؟ ولماذا لم تخل منها القصيدة؟ ثم ما هي الطللية؟ فإذا كانت غزلاً فالغزل معروف عند جميع الأمم، وإذا كانت في وصف الراحلة والصيد، فموضوعها لا تخلو منه بيئة رعوية متنقلة، وإذا كانت في قلق الوجود، فإن ذروة هذا القلق في هروب الأيام واقتراب المنية، فموضوع شهده كل زمان ومكان.‏
    ولذلك لا أرى اليوسف محقاً في تساؤله: "لماذا لم تظهر الطللية في شعر الأقوام البدائية التي يسودها نمط الإنتاج الرعوي"(10)‏
    إلا إذا كان يعني بالطللية هذا الشكل الفني الذي عرفته الجاهلية العربية تحديداً، وعند ذلك نستطيع أن نتساءل ببساطة: لماذا لم يعرف غير العرب الجاهليين من البدائيين الرعويين الشعر العربي الجاهلي!!.‏
    الشعر الجاهلي:‏
    إن غياب المصادر المتقصية لنشأة الشعر الجاهلي لا يمنعنا من استكناه جوهر هذا الفن، وأسباب وجوده، وعلاقته التبادلية والعضوية مع مجتمعه، وذلك من خلال الدلالة اللغوية للتسمية ومن خلال فهمنا لطبيعة المجتمع الجاهلي ومكانة الشعر في هذا المجتمع هذه المكانة التي تدرجت من الذروة إلى ما يقارب الحضيض بمجيء الإسلام؛ يحدثنا اللسان أن الشاعر "دعي شاعراً" لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، أي يعلم"(11) "ويقول ابن سلام في طبقات الشعراء: كان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم"(12).‏
    "وثمة أخبار تدل على أن العرب كانوا يقدسون الشعر ويعتقدون أن هذا التقديس يستمد من أصله الديني، ولذا كانوا ينشدونه على موتاهم"(13).‏
    "وكانوا في بعض الأحوال لا ينشدونه إلا وهم على وضوء كما فعلوا مع قصيدة المتلمس الميمية"(14) ولأثر الشعر الخطير على النفوس "عدّوا السحرة في جملة أوائل من كان ينظم الشعر من القدماء"(15).‏
    وما يهمنا بعد هذه المكانة السامية هو سبب التدرج في الانحطاط:‏
    "روي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: كانت الشعراء عند العرب بمنزلة الأنبياء في الأمم حتى خالطهم أهل الحضر فاكتسبوا بالشعر فنزلوا عند رتبتهم"(16).‏
    ويعرف الفارابي الشعر أو "الأقاويل الشعرية بأنها هي التي من شأنها أن تؤلف من أشياء محاكية للأمر الذي فيه القول، أو أنها هي التي توقع في ذهن السامعين المحاكي للشيء"(17).‏
    ويرى ابن سينا محاكاة الشعر للأشياء في ثلاثة: "باللحن الذي يتنغم به فإن اللحن يؤثر في النفس تأثيراً لا يرتاب به، ولكل غرض لحن يليق به وبالكلام نفسه إذا كان جميلاً محاكياً، وبالوزن فإن من الأوزان ما يطيش ومنها ما يوقر"(18).‏
    مما سبق نرى أن الشاعر في اللغة والمأثور من الأخبار هو العالم بالمعنى الأوسع لهذه الكلمة، إنه يدرك الأشياء بدقة لا يستطيعها غيره، ومن جملة هذه الأشياء، التعبير. فلا تعوزه الألفاظ للتعبير عن الحالات مهما بلغت من الدقة والغرابة والجدة والهول... الخ فماذا بقي لمن يمتلك هذه المواهب لأن يجذب الأسماع إليه؟‏
    في ظني لم يبق إلا أن يكون صادقاً. إذ قد يمتلك الإنسان جميع هذه المواهب المعرفية في الكشف والتعبير ويكون مفتقراً للوجدان عند ذلك يقلب الحقائق عمداً.‏
    إن الشاعر الجاهلي في الجاهلية الأولى كان مكتفياً بسمو مكانته التي منحته إياها القبيلة، لذلك لم يكن يرضى أن يعتمد الكذب ويتكسب بالمديح، ولا شك في أن العلاقة قوية جداً بين هبوط الشعر والتكسب بالمديح وبهذا يمكن أن نتلمس الجذر الأكبر لجوهر الشعر في (الصدق).‏
    -لا شك في أن هذا المفهوم قد تطور مع انحدار الشعر وانتهى الأمر بأن أصبح الكذب قرين الشعر –فالعلم لم يكن في ذلك الزمان أكثر من الاختبار العميق لشؤون النفس وامتلاك زمام اللغة بقوة.‏
    والآن ثمة حقيقة ينبغي التسليم بها، وهي أن الغايات تخلق أسبابها وخاصة في الجدل القائم بين الثقافة والمجتمع، ولعل هذه الحقيقة تقترب من التعبير الدارج "الحاجة أم الاختراع".‏
    إن صدق الشاعر ورغبته في أن يصدقه الآخرون لم يكونا إلا أمراً واحداً يقود إلى المحاكاة التي جاءت على لسان ابن سينا وهذه المحاكاة قد اعتمدت اللحن والوزن إضافة إلى أساليب القول من تصوير وخلافه. إن غاية الشعر هي التعبير الصادق عن الأشياء ولو توخينا الدقة لقلنا! الأشياء الملحة، والإلحاح يحتاج إلى تفصيل لا أرى له مكاناً الآن، وإن ظهرت ملامحه في القلق الميتافيزيقي الوجودي والرغبة الجنسية، ومعاناة العيش، ثم في المشاهد المألوفة والمتكررة.‏
    فالإيقاع والقافية وهما من عناصر المحاكاة سبيلان إلى الصدق والتصديق لأن القول المتشح بهما يكون أكثر محاكاة ومشابهة للحالة وبهذا يرضيان الشاعر والسامع، وفي الوقت ذاته فإن العرب لم يكونوا أمة مستقرة تدون أخبارها وأحوالها فلما رأوا أن "المنثور يند عليهم ويفلت من أيديهم ولم يكن لهم كتاب يتضمن أفعالهم تدبروا الأوزان والأعاريض فأخرجوا الكلام أحسن مخرج بأساليب الغناء، فجاءهم مستوياً، ورأوه باقياً على مر الأيام فألفوا ذلك وسموه الشعر"(19)‏
    هنا تظهر لنا غاية الشعر في خلود اللحظة وفي أنه مسكن أو عزاء أمام تصاريف الزمان وعوادي الدهر، والدهرية هي الأيديولوجيا الأساسية للوثنية الجاهلية وهي التي كان الشعر ينطق باسمها "فالدهر هو إله الجاهليين" ونسبة الحوادث إلى الدهر هي التي جعلت المسلمين يدعون الكافر دهرياً وذلك لأنه يسلب الفعل عن الله ويعطيه للدهر أو أنه يجعل الدهر شريكاً لله في الفعل وهذا ما دعا للحديث: "لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر"(20).‏
    وقالت العرب ما يهلكنا إلا الدهر، والدهر في معجم مقاييس اللغة "هو الغلبة والقهر وسمي الدهر دهراً لأنه يأتي على كل شيء"(21).‏
    هذه هي صورة الجاهلي في الزمان، وهو في المعتقد لا يقر له قرار، يعبد الأصنام ولا يراها أهلاً لذلك ويؤمن بالله إلا أنه يرى الله بعيداً، وكأن وجوده وعدمه سيان، أما في المكان فلم يكن الجاهلي أحسن حالاً، فإذا كان المتنبي "على قلق كأن الريح تحتي" فالجاهلي على قلق لأن الأرض من تحته لا يقر لها قرار، وهي سطح يمتد في الجهات بلا معالم.‏
    وأملك شعوراً قوياً للحدس بأن هذه الطبيعة التي تهدد بالضياع دائماً لفقدان المعلم هي التي جعلت الجاهليين مولعين بالحجارة(22)حتى عبدوها، ووصل ولع الجاهليين بالحجارة إلى درجة أن الجاهلي إذا لم يجد حجراً في المنطقة التي يحل بها "جمع رملاً ودرّ عليه حليباً وصيره حجراً ليمارس عليه عبادته"(23).‏
    وهذا ما يفسر لنا أيضاً اتخاذ ألفاظ المعرفة الأساسية: كالمعرفة والعلم من المكان البارز الذي يشكل دليلاً للهداية "فالعرف هو كل عال مرتفع"(24) "والعلم بمعنى الجبل أو الراية"(25) هذه صورة مبسطة للجاهلي في الزمان والمكان والمعتقد، والشعر هو أيديولوجيا هذا الواقع وفلسفته وفنه وعلمه...‏
    وهو المضطلع بحمل مهمة التعويض وخلق التوازن مع الأشياء الهاربة والساحقة والمبهمة واللا مجدية... لهذا جاءت القصيدة طافحة بأضداد هذا الواقع.‏
    جاءت تمجد تقاليد العرب وتختار لها اسم الأعراف، لتقابل الإبهام والهروب بالوضوح والرسوخ، وتؤكد على الكرم والإغاثة والمروءة. عامة لتقابل الخوف من السحق أيضاً، وفي بنائها وألفاظها تعتمد مظهر القوة لتواجه السحق أيضاً وفي تأكيدها على خلود القيم النبيلة إنما تواجه اللا جدوى، هذا في مضامينها وإن كانت المضامين في كثير من الأحيان تحاكي الواقع بما فيه من خوف وسحق وضياع... إلا أن الشكل يظل هو المضاد الحقيقي، فالقصيدة في شكلها تعتمد النظام الصارم في وجه الفوضى بتفعيلاتها المعدودة والمتوازنة في كل شطر وبالقافية الموحدة التي تنظم أبيات القصيدة في عقد واحد، فإذا تأملنا في كلمة بيت، وبعد ذلك في مصطلحات العروض التي تعزز هذا التأمل مثل الوتد والسبب، ثم تأملنا في اقتصار الشعر على توالي ثلاثة متحركات في الحد الأقصى وورود الأربعة على كراهية، وضرورة الوقوف على ساكن، أو إطلاق المتحرك ليغدو كالساكن، إذا تأملنا في ذلك –ولا شك في أن هناك دلائل أخرى لا تحضرني الآن- أدركنا إحدى غايات الشعر الأساسية الساعية للثبات والوضوح في وجه المتقلقل المضل.‏
    لحظة الشعر الأولى:‏
    إذا صدق زعمنا في أن ذلك الاضطراب على مختلف أشكاله هو الذي يخلق نقيضه مستعيناً بذات الشاعر، فلا شك بعد ذلك في أن المشهد الأكثر اختزاناً لذلك الاضطراب هو الذي يقدح الشرارة الأولى للقصيدة، فهل نحتاج إلى بذل الجهد، وسوق الحجج للقول بأن آثار القوم الراحلين (الأطلال) هي ذلك المشهد؟!‏
    من هنا أراني قادراً على الزعم بأن الطللية الجاهلية كانت في يوم من الأيام كل الشعر الجاهلي، وهي بذلك جوهر هذا الشعر.‏
    قبل أن تغدو الطللية تقليداً لم تكن ضرورية لدخول الشاعر في الحالة الشعرية وحسب، بل لم يكن للجاهلي غرض سواها، وبعد ذلك وعندما أصبح للشعر أغراض متنوعة –ولعل أبعدها عن طبيعة الشعر الأولى هو غرض المديح- كان لزاماً على الشاعر حتى يدخل الحالة الشعرية أن يترنم بالنموذج الأول للشعر ليستوثق أنه قادر على القول وبعد ذلك يقول ما حلا له.‏
    وهذا الفعل يحقق غاية مزدوجة. أولها الوثوق من الذات الشعرية (وثوق الشاعر). لأنها ستنظم أبياتاً مضافة إلى أبيات الطللية في منظومة واحدة، فتغدو شعراً لأنها نظمت مع الشعر (أي مع الطللية) بخيط واحد.‏
    أما الأمر الثاني فهو التأثير على السامعين فهم يعرفون الشعر كما ورثوه ذكراً للدمن الدارسة والحبيبة الراحلة ووصفاً للشوق والمكابدة والحنين ولتصاريف الزمان وحال الشاعر وراحلته. فإذا ما جاء الرجل على ذكرها في القالب المعروف كان عند عامة الناس شاعراً وكان له ما للشاعر مكانة وإن كانت قد تدنت عما كانت عليه في عهدها الذهبي. فإن العطايا والهبات أصبحت مقصداً، وصار المديح غرضاً رئيساً للشاعر المحترف. وانتهى التقليد الطللي، وأصبح القالب وحده شاهداً للشعر بهويته، ولذلك يكثر تعريفه بأنه كلام موزون مقفى... وكان الشاعر قد نزل عن مكانته كناطق تساعده قوى خارقة في قول ما يعجز عنه بقية الناس، وأصبحت اللعبة مكشوفة للعامة فما هي إلا الصّنعة من زخرفة وتنميق، أما الحقيقة والصدق، فابحث عنهما في غير هذا المجال.‏
    *إن الطللية تعزيم لاستنطاق الذات الشاعرة، ففعل القول يتطلب الكشف، والكشف الأهم هو ذلك الكشف الداخلي، لأن الطبيعة مرئية في ذاتها. وما يريده السامع –والمتلقي للفنون عامة- هو صورتها في عين القوى الخفية، لذلك يأخذ الشاعر بتصويب الذات إلى موضوعاتها الأساسية، وبذلك تعطي الذات الشاعرة استجابة قوية وسريعة، فهي قد تستجيب للحزن الوجودي أمام عوادي الدهر، وللقلق الميتافيزيقي في اللا جدوى وتستجيب للحزن أمام فراق الحبيبة الجميلة وأمام عوامل الجدب أيضاً، وأشرنا إلى أن ذلك يتجلى في الظّعن والأطلال.‏
    إن الشاعر قوّال وكشاف في آن معاً ويمتاز عن أي قوال وكشاف بالقدرة السحرية على إيقاعنا في الحال الذي يريده والذي (يزعم) أنه يعيشه فالميزة الأساسية هي هذه القدرة، وهي تتوقف على نجاح (الزعم) في إقناعنا.‏
    لقد زعمت أن الشاعر الجاهلي كان في القديم القديم صادقاً (في مشاعره على الأقل) وقد نشأت الطللية وفيها العناصر الموجبة للتصديق، إذ كان الداخلي والخارجي واحداً. وحين يقنع الشاعر سامعه بأنه ذو عاطفة فإنه يكون قد كسب اقتناعه بصدق مقولته التالية، أي ما بعد الطللية، فموجبات تصديق الطللية تنبع من ذاتها، وليس من السهل على البدائي أخذ مواقف شديدة التباين (كالتصديق والتكذيب) من شخص واحد (إضافة إلى أن الكذب والتكذيب يحتاجان إلى نمط له نصيب من التعقيد المدني) ثم إن حيلة الكاذب للإيقاع بسامعه معروفة وكانت تنطلي تماماً على الجاهلي) وهي أن يعطيه كلاماً نصفه صادق وهذا حال الكهنة كما جاء في الحديث فقولهم يوهم بالصدق لأنه يحوي بعض الصدق الذي نقلته شياطينهم حين يسترقون السمع من الملأ الأعلى.‏
    إن الشاعر إذ يقول: أنا حزين مما يحزن الناس جميعاً يبدو صادقاً.‏
    وبالتالي يحتال في أن ينطلي على الناس زعمه بأن ممدوحه شمس والملوك كواكب".‏
    هذا حال الطللية على الأقل في المرحلة التقليدية، وهي إذ ظهرت تقليداً مقيتاً فيما بعد فلأن الشاعر افتضحت قصيدته تماماً فخيط الإيحاء السحري الناقل لأثر الصدق بين أجزاء القصيدة بفعل (الاقتران) أو (تجاوز المتشابهات) أو (السحر التشاكلي)... الخ.‏
    إن هذا الخيط قد تقطع، فالشعراء يقولون ما لا يفعلون، ولهذا لم تعد الطللية أكثر من استجداء رخيص للتصديق، وبالتأكيد هناك عوامل أخرى هامة للنفور من الطللية ومنها أنها بنيت على عناصر بيئية قد تم تجاوزها بعد أن أوى الشعراء إلى بلاط الخلفاء والولاة، وإن كان الأهم والسابق لذلك مجيء الإسلام "حيث تحرر معظم الشعراء من المقدمات الطللية واستبدلوا بها أحياناً مقدمات دينية جديدة"(26). والحقيقة أن الإسلام إنما جاء متحدياً وقاهراً للأيديولوجيا الوثنية الجاهلية وكان الشعر هو لسان حالها(27).‏
    فإذا كان القلق الوجودي من الدهر مجسداً بالطلل –هو شرارة الطللية، والطللية هي جنين القصيدة. فإن الإسلام قد أحلَّ الاستبشار مكان اليأس من خلال الفتح الميتافيزيقي حيث الحياة الآخرة والإثابة على القيم النبيلة وأفعال الخير، ومن خلال الدفق الثوري للدين الجديد، أصبح الواقع (وهو الصخرة الصلدة) طينة قابلة للتشكيل وبعد ذلك لم يبق للشعر سحره الأخاذ فهو "بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام")(28) كما ورد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم.‏
    إن المآل الذي انتهت إليه الطللية في الإسلام يؤكد أن ما حققه الإسلام إنما كان في هدم محرضات هذا الفن، ولعل أهمها مشاعر القلق واللا جدوى والفناء، فالشعر العربي في جوهره نواحيٌّ، كما يؤكد يوسف اليوسف علاقة هذه النواحية بالقهر و "يوم فقدت روح الشعراء حس القهر... افتقد الشعر العربي نواحيته"(29).‏
    ويصح قول اليوسف عن سقوط الطللية في الإسلام: "إن العصر الذهبي للمجتمع لم يبق قابعاً خلفه بل أمامه، وهذا ما لعب دوراً في إسقاطه الطللية"(30).‏
    وأخيراً... إن الطللية هي جوهر الشعر العربي وهي بداية هذا الشعر كما هي فاتحة كل قصيدة وهي الجانب السحري الفاعل في نقل الشاعرية إلى بقية أغراض القصيدة وهي منزهة عن كل غرض إلا الغرض الجمالي وهذا يضطلع بالكثير من الأغراض إنما عن طريق الروح.‏

  3. #3
    صديق نشيط
    رحم الله والديك أعطاك الله الجنه

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال